تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

المرأة وراء مِقْود سيارة الأُجرة في مصر

مهنة قديمة في مصر

التاكسي الذي تقوده النساء لا يختلف لونه عن مثيله الذي يقوده الرجال، وزبائنه هم زبائن تاكسي الرجال. كما أن عمل النساء المصريات في هذه المهنة ليس من الأمور المستحدثة كما هو الحال في التاكسي الزهري، فدفاتر نقابة العاملين بالنقل البري في مصر تحمل مفاجأة وهي وجود عضوات يعملن سائقات للتاكسي منذ عام 1970. لكن المؤكد أيضاً أن الفترة الأخيرة شهدت إقبالاً أكثر على قيادة المرأة للتاكسي. فماذا تقول سائقة التاكسي في مصر عن تلك المهنة؟ وماذا يقول الناس عن موقفهم من عمل المرأة كسائقة تاكسي خصوصاً مع الانطباع الخاطئ المنتشر في دول عربية عديدة بأن المرأة أقل مهارة في القيادة من الرجل.


عايدة: سخرية الزبائن هي المشكلة

تعتبر الحاجة الشديدة القاسم المشترك في ظروف هؤلاء السائقات، مما دفعهن إلى مهنة التصقت تاريخياً بالرجال.
عايدة واحدة من هؤلاء السائقات تقول لـ«لها»: «زوجي يعمل حرفياً في يوم يعمل وفي آخر لا. فكرت في مساعدته على تحمل أعباء المعيشة فلم أجد إلا الإستفادة من مهارة كنت تعلمتها وهي قيادة السيارات».
لم يقف عائق شراء السيارة أمام عايدة التي باعت شبكة زفافها البسيطة واقترضت بعض الأموال لشراء سيارة مستعملة. والآن وبعد مرور ما يقرب من خمس سنوات على امتهانها المهنة تقول: «الحمد لله استطاعت أسرتي بالدخل الذي أحصل عليه تجاوز كثير من الصعاب».
كل أماني عايدة في الحياة أن تسير سفينة أسرتها إلى بر الأمان، وهذا يعني حصول ابنائها على شهادات دراسية علياً، حتى لا يضطروا للعمل في هذه المهنة.
وتتشابه ظروف عايدة مع ما جسدته النجمة عبلة كامل في فيلم «سيد العاطفي» مع المطرب تامر حسني، حيث لعبت دور سائقة تاكسي توفى زوجها تاركاً لها مهمة تربية ابنها الذي تخلى عنه عمه بعد سرقته نصيب والده في الميراث.


إتَّقوا الله

سخرية الزبائن هي المشكلة التي تواجه عايدة وتتغلب عليها بحدة لسانها، وتبتسم قائلة: «أنا لا أملك إلا اللسان في مواجهة سخرية البعض التي لم تُزِحني أبداً عن الطريق الذي اخترته لنفسي، فأمامي هدف أهم من كل ذلك وهو المساعدة في تربية الأبناء».
ولا تريد عايدة أن تظلم كل الزبائن، بل تضيف: «هناك من يساعدونني على تحقيق هذا الهدف ويفرطون في تقديري مادياً، فالمشوار الذي يستحق 5 جنيهات، بعضهم يعطيني عن 10 جنيهات».
وإلى هؤلاء الساخرين تقول عايدة: «اتقوا الله أنا أعمل من أجل تربية الأبناء»، أما من ساعدوها فلهم منها كل التقدير.


اختلاف الأذواق

«وجود من يسخر من يقدر هو من سنة الحياة التي تقوم على اختلاف الأذواق». هذا هو تفسير عايدة لهذا التناقض الذي لم يتجسد في ذلك فقط، لكنه تجسّد أيضاً في اختلاف أقاربها والمحيطين بها حول امتهانها هذه المهنة، فهناك من شجعها على ذلك، طالما التزمت بالشروط الواجبة للخروج التي هي من وجهة نظرهم تنحصر في الزي الملائم، وهناك من رفض ذلك مطلقاً بحجة أنها مهنة لا تتلاءم مع طبيعة المرأة.
وتقول عايدة: «مع تقديري لكل الآراء السلبية منها والإيجابية، لم ألتفت لا لهؤلاء ولا أولئك، فظروفي الصعبة كانت أقوى من كل الآراء».
إلا أنها عندما سألتها هل تفضل الاستمرار بهذه المهنة؟ قالت: «لن أقول لك إنني أحب العمل، لأنني كنت أتمنى ألاّ أضطرّ لذلك، ولكن كما يقول المثل «للضرورة أحكام».


أم وليد: تعرَّضت لمضايقات، لكنني نجحت في النهاية

وكما كانت الضرورة هي دافع عايدة، كانت كذلك عند "أم وليد" التي دخلت المهنة منذ ثلاثين عاماً لمساعدة والدها الذي كان يملك «تاكسي»، وبعد زواجها من زميل مهنة توقفت عن العمل لرعاية أسرتها، إلا أن القدر شاء أن يتوفى الزوج، فقررت النزول إلى الشارع مرة أخرى لرعاية أبنائها الأربعة.
وتقول أم وليد: «في بداية عملي اخترت العمل في منطقة شبرا في شمال القاهرة وسط أبناء منطقتي حتى اعتاد الناس على مهنتي، وبعدها انتقلت للعمل في وسط القاهرة بين الزحمة كي أستأنس بوجود الناس لحمايتي من مضايقات بعض الرجال».
والغريب أن هذه المضايقات - كما تؤكد أم وليد - زادت هذه الأيام رغم وجود اتجاه عام لعمل المرأة بمهن الرجال، ويرجع ذلك إلى تبدل الأحوال في مصر خلال الثلاثين عاماً الماضية، فذوو الأخلاق العالية كانوا هم الأغلبية
وبسبب هذه المضايقات أحجمت كثير من السيدات عن الاستمرار بهذه المهنة، إلا أن أم وليد لم يكن أمامها خيار آخر رغم اعتراض الأبناء.
وتقول: «لم أقف أمام رفض أولادي في البداية، وأكملت المشوار وعلمت أبنائي أن يتقبلوا مهنتي ولا يخجلوا منها حتى أنجح في العبور معهم إلى بر الأمان، والحمد لله دخلوا الجامعات وزوجت البنتين».
وتعترف أم وليد بأن كثيراً من الزبائن يهربون من الركوب معها أو مع غيرها من النساء اللواتي يقدن التاكسي «خوفاً من ألا تكون لدينا مهارة القيادة مع أننا أفضل من رجال كثيرين».


حليمة: التحرُّشات وراء الفكرة

أما تخصيص تاكسيات وسائقات للنساء فقط فهي فكرة جديدة في مصر ظهرت على يدي البريطانية حليمة التي قصدت القاهرة من أجل دراسة اللغة العربية والقرآن، المشكلة أن حليمة اصطدمت بسائقي التاكسيات وتضايقت كثيراً من معاكساتهم التي تعتبر في بريطانيا تحرشاً يعاقب عليه القانون، لكنها لم تجد مكاناً تشكو فيه هذه الفئة في مصر.
تقول حليمة: «لم أرتح لوجودي مع سائق رجل في تاكسي  بمفردنا، فالكثيرون لا يستحون من تسديد النظرات وتوجيهها إليّ عبر المرآة، وآخرون لا يجدون غضاضة في التحرش اللفظي فتألّمت كثيراً واكتشفت أنه لا يوجد مكان مخصص للشكوى، وعندما كنت أبحث في الإنترنت عن مكان للشكوى. وجدت المركز المصري لحقوق المرأة، وعلمت عند زيارتهم أن الكثير من حالات التحرّش تحدث من السائقين، لذا وجدت أنه من الضروري أن تكون هناك سائقات للتاكسي لضمان أمان أكثر للنساء، فالوضع الحالي مفزع حقاً. من هنا توجهت إلى شركة تاكسي العاصمة لأقترح عليهم تاكسي للنساء فقط، فتحمّسوا جداً للفكرة. وانطلقت أسأل النساء إذا كان بإمكانهن العمل كسائقات للنساء فقط ، وبهذه الطريقة يأمنّ شر الرجال في الشارع ويحمين بقية النساء من السخافات».


فاطمة: للنساء فقط

فاطمة (27 عاماً) مطلقة ولديها ابنة عمرها 6 سنوات. كانت تبحث عن عمل صباحي مجزٍ مادياً، ويوافق مواعيدها خاصة أنها طالبة في كلية الحقوق. وتقول عن تجربتها: «دائماً عندما أركب التاكسي كنت أرى أنه إذا كانت المرأة هي السائق أفضل. ونظراً لظروفي الخاصة واعتراضي على العمل الحكومي لأنه غير مجدٍ مادياً، كان هدفي هو عمل أحبه ومجزٍ مادياً وصباحي يتيح لي فرصة استكمال اليوم في رعاية ابنتي ودراستي، وبالفعل توجهت للعمل كسائقة تاكسي العاصمة، وما زاد حماسي أن الإدارة أكدت أنني سأكون سائقة للنساء فقط، وهذا ما حدث بالفعل».
وتضيف: لا أنكر أنني تعرضت لمضايقات وإحراج عندما بدأت استخراج الرخصة المهنية، فالضباط وصولاً إلى الموظفين وانتهاءً بالعمال كانوا يسألونني لماذا تريدين استخراج رخصة قيادة تاكسي؟ وهل أنت متزوجة؟ ولماذا تريدين العمل بهذه المهنة؟ ولكنني تغلبت على كل هذا الإحراج. وما هوّن عليّ تلك السخافات هي نظرات الإعجاب والاحترام التي كنت أراها في عيون الزبائن».
وتتابع السائقة فاطمة: «أرى أن فكرة سائقة التاكسي مفيدة جداً للنساء والأسرة، فلدينا في السياحة الصيفية الكثير من العرب والأجانب يقلقون على زوجاتهم وأسرهم من ركوب التاكسي العادي بمفردهم مع السائق، أيضاً هناك من يعتبرون وجود المرأة مع سائق التاكسي خلوة غير شرعية».


سائقة تحت الاختبار

هيام (47 عاماً) لديها 3 أبناء، كانت تعمل مدربة قيادة للسيدات، علمت باحتياج الشركة إلى سائقات تاكسي وقررت التقدم، فتعليم القيادة بالنسبة إليها أمر مرهق وموتر للأعصاب. وتقول هيام: «أفضّل التعامل مع النساء فقط، فعندما قررت العمل بحثت عن عمل شريف ومحترم حتى لا أسبب لأولادي حرجاً اجتماعياً، فرفضت تدريب الرجال على القيادة منذ بداية عملي، وعندما قررت تغيير العمل فضلت أن أكون مع النساء فقط تجنباً لسخافات الرجال».


ليست التجربة الأولى

من جانبه، يؤكد عماد الدين محمد نائب المدير العام لتاكسي العاصمة، أن هذه ليست أول تجربة لقيادة النساء التاكسي في مصر، فكانت هناك سيدة تقود «تاكسي» عادياً منذ 30 عاماً، وتقوده ابنتها بعدها الآن، أما بالنسبة إلى تجربة تاكسي للنساء فقط فقد فشلت منذ عام بسبب الإحراج الاجتماعي الذي شعرت به السائقة وبسبب تهافت الإعلام عليها. ويضيف: «لكنني لا أرى أنه من العيب أو العار أن تعمل امرأة في قيادة التاكسي، ولكن المشكلة الوحيدة أن سائقات التاكسي غير مسموح لهن بالقيادة بعد الثامنة مساءً، ولكن يكفينا شرف المحاولة آملين أن تمتد فترة العمل حتى يتم توفير الأمان للنساء صباحاً ومساءً».


التاكسي الزهري بين الرافضين والمؤيدين

وعن رأيها في قيادة المرأة للتاكسي تقول الممثلة المسرحية نهى سعيد: «أنا تماماً مع المرأة، ولكن في مهن تليق بها كأنثى، وفي رأيي سائقة التاكسي ليست من هذه المهن».
ورفضت تماماً فكرة استخدام تاكسي تقوده امرأة، وأضافت: «سأشعر بأن ذلك أمر غريب لا يستقيم مع المألوف، وأنا بطبيعتي لا أحب المغامرة».
لكن حب المغامرة من سمات نجوى إبراهيم خريجة أكاديمية الفنون، ومن هذا المنطلق لم تستبعد فكرة استخدام تاكسي تقوده حواء، وقالت: «على الأقل كنوع من الدعم المعنوي لها، لكي تستمر، فالمرأة مثل الرجل تستطيع النجاح في أي مهنة».
وتؤيد مي سعيد طالبة في إحدى الجامعات الخاصة فكرة استخدام تاكسي تقوده حواء من وجهة نظر أخرى وهي الأمان، وتقول: «أنا مع السائقة أشعر بمزيد من الأمان عن السائق الذي لا أضمن سلوكياته وأخلاقه».
أما الكاتبة نيفين الصعيدي فتؤيد عمل المرأة في هذه المهنة رافضة فكرة الحديث عن رجال وسيدات. وقالت: «كل الأجانب الذين قابلتهم بالخارج يقولون لي إنهم يشعرون بأن سيدات مصر هن رجالها، مشيرين إلى تمتعهن بصفات الرجل مثل الدقة في المواعيد وتحمل المسؤولية».
واستبعدت نيفين فكرة أن الرجل أمهر في القيادة من المرأة، وأضافت: «للأسف كل مشاكل القيادة في الشارع المصري يتسبّب بها سائقو الميكروباص، وهم رجال».
أما محمد حبيب (مخرج سينمائي) فيقول: «والله أفضل أن أنتظر ساعات طويلة على الركوب مع سائقة».
ولا يملك مبررات منطقية لموقفه هذا الذي يلخصه في كلمتين: «مسألة نفسية».
ولكن مؤمن جميل كانت له مبرراته التي بنى على أساسها موقفه المتفق مع موقف محمد، ويقول: «أنا مع السائق استطيع أن أتفاوض على الأجرة، لكن مع السيدة، ما تطلبه ستأخذه حتى لو كان أكثر من حقها لأنني سأخشى الدخول في شجار معها». ويقابل هذا الرفض التام موقف متعادل يأخذه محمد محيي ورامي مهدي فكلاهما يفضل استخدام تاكسي يقوده رجل، لكن إذا اقتضت الظروف ولم يكن هناك إلا تاكسي تقوده سيدة فلا يوجد لديهما مانع من استخدامه.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078