إعتديا على بنات الأسرة على مرأى منها
إلى متى سنبقى صامتين ومتفرجين على أطفال أبرياء يتم التحرش بهم من أقرب الناس اليهم؟ كان هذا أحد تساؤلات فتاة سعودية قررت أخيراً أن تخرج عن صمتها وتعلن الحرب على كل المتحرشين وأولهم عمها. زنا المحارم أوالتحرش بالأطفال الأقارب والإعتداء عليهم قضية بدأت تظهر بوضوح على سطح المجتمعات العربية، وبتنا نسمع عن الكثير من الحالات يومياً في الصحف المحلية، وظهرت الجمعيات والمؤسسات التي تنادي بحماية الأسرة والمرأة والأطفال. ولكن لاتزال القوانين المعمول بها ضد المتحرشين غير واضحة ومثيرة للجدل في مدى قدرتها على التخفيف من إرتفاع أرقام هذه القضايا وردع المعنفين والمتحرشين. هذه القضية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، ولكن صاحبتها رأت ضرورةً ملحةً في الحديث عن تجربتها لتقول لكل قريناتها أن لا يصمتن وأن يقفن بقوة ويأخذن حقهن من كل من إعتدى عليهن. فتحت قلبها لـ «لها» وروت تفاصيل الواقعة، مستشهدةً بوالدها وأحد أعمامها، وذاكرةً أسماء المتحرشين بها صراحةً ليعرفوا أنفسهم ويعرفوا أنها ستلاحقهم حتى ينالوا عقابهم ويتوقفوا عن إيذاء بقية فتيات العائلة.
رغم شجاعتها ورغبتها في التحدث عما حدث معها ليأخذ الجاني عقابه، ما زالت متخوفة من الإعلان عن إسمها وإسم عائلتها.
بدأت قصة فاطمة، (وهو ليس الإسم الحقيقي لصاحبة الرواية) عام 1992 عندما عادت من أميركا إلى الرياض مع والدها السعودي ووالدتها الأميركية. كانت في السادسة من عمرها، ومكثوا في منزل جدتها الذي لم تجد فيه الراحة نظراً الى سوء معاملة العائلة لوالدتها الأجنبية. تقول: «إنتقل عمي خالد للعيش معنا، وكان حينها في نهاية الثلاثين أو بداية الأربعين من العمر. في البداية كانت معاملته جيدة، الى ان استيقظت يوماً ووجدت رأس عمي داخل غطاء السرير الذي كنت ألتحف به. لم أعرف ماذا أفعل، كنت خائفة جداً وعرفت أن ما يحدث أمر خاطىء».
بدأت التحرشات الجنسية من العم باللمس بطريقةٍ غريبةٍ جداً، ومن ثم لمس نفسه ومناطقه الحساسة، كما ذكرت فاطمة. «أيضاً كثيراً ما كان يشاهد الأفلام الإباحية ويناديني لأشاهدها معه. وأذكر أنه عندما كان يسلم علي يقبلني بطريقة غريبة ومن ثم يبدأ بلمس أعضائي (...) وصدري. مارس معي كل الحركات الجنسية ولكنه لم يدخل بي بشكل كامل. كان يستطيع الوصول إلي في أي وقت وبأي طريقة كونه شقيق والدي ومحرمي».
كانت الجدة والعمات على علم بذلك مع أن فاطمة لم تكن تتحدث عن هذا الموضوع، ولكن اكتشفت بعدما كبرت أنه كان يمارس مع أخواته وبناتهن الأمر نفسه. وعندما طلبت المساعدة منهن ألقين اللوم عليها وهددنها وأخبرنها أن هذا ما يحدث للفتاة «التي ترتدي لباس الجينز». وتستطرد في حديثها قائلة: «كان عمي يحب التحرش بالأطفال خصوصاً، حتى أنه تحرش بأطفال عماتي، وبأختي الصغرى، كل ذلك والكل يلوذ السكوت عن كل هذه التحرشات».
إنتقلت عائلة فاطمة الى منزلها الخاص ولكن لم يتوقف العم عن الزيارات المفاجئة والمتكررة. «خرجنا من منزل جدتي، وإنتقلنا إلى منزلنا الخاص. حينها كنا قد دخلنا أنا وأختي في المرحلة الابتدائية. وراح عمي يزورنا بشكل متكرر ومكثف، وأصبح التحرش شيئاً روتينياً. كنت أستيقظ من النوم وأجده نائماً بجواري، بل ومتلحفاً بغطائي. عند الإستحمام كان يشاهد والدتي وهي تحضرنا للاستحمام، بل ويبقى حتى ننهي استحمامنا. إستمر هذا الوضع حتى إنتقلنا إلى مدينة جدة. كنت حينها في الصف الثاني المتوسط. ولم تكن والدتي ووالدي يعلمان بشيء من هذا، سواء بالتحرش، أو المجلات الإباحية والأفلام التي يجبرنا أنا وأختي على مشاهدتها معه كل واحدة منا على حدة. وكثيراً ما كنت أهرب منه حتى لا يتمادى في شيء أكبر من ذلك. وبالطبع لم نكن أنا وأختي فقط من يمارس معنا التحرش بل بنات عماتي أيضاً. ولكن عندما كبرت الفتيات وبدأن بالتحدث لوالدتهن قررن وقف عمي عند حده، وبالفعل كان لهن ذلك، ولا أعلم لماذا استمر الوضع يمارس علي أنا وأختي».
عودة التحرش
عام 1999 عاد الوالد بأسرته الى الولايات المتحدة بعد سبع سنوات قاسية مرت على الصغيرة فاطمة التي اعتقدت أن الأمر إنتهى وأنها ستتمكن من النوم ثانية وتعيش حياتها بشكل طبيعي. لكن العائلة عادت عام 2003 الى الرياض. توقفت التحرشات عند انتقالنا إلى جدة لمدة عام كامل حتى عدنا مرة أخرى إلى مدينة الرياض. كنت حينها في السادسة عشرة. عدنا للسكن في منزل جدتي وبعد فترة عاد عمي للتحرش بنا، ولكن الفرق هذه المرة أنه عاد وأنا كبيرة وأعي تماماً ماذا يفعل. كنت أطمئن نفسي بأني كبرت ولن يتمكن مني وأن الأمور ستسير على ما يرام. حاولت أن أقنع بنات عماتي بألا يخفن منه ولكني لم أع تماماً سبب خوفهن».
كانت فاطمة تلجأ لعماتها ولكن دون جدوى، وعندما يضيق صدرها تأخذها إحداهن للمبيت عندها ليلة ثم تعود مرة أخرى إلى المنزل. إستمر هذا الوضع أربع سنوات، وأكدت فاطمة أن ما كان تحرشاً جنسياً وهي طفلة تحول إلى إعتداء جنسي عندما كبرت، حتى وصل الأمر الى محاولة الإغتصاب حين إنضم العم الأصغر (عصام) الى شقيقه الأكبر (خالد) في التحرش ببنات العائلة. تقول: «في إحدى الليالي دخل عمي الأصغر ( عصام) إلى الغرفة وأمسك بي من رقبتي. علمت أن مايحدث ليس لعبة أو مناورة من حركاته المعتادة وتحرشاته السطحية، بل كان يحاول أن يغتصبني في منزل والدته والعائلة وتحت مرأى من الجميع. لم يكن ليخاف من دخول أي شخص في أي لحظة. لا أعلم من أين أتتني القوة، ولكني ركلته بشدة وتمكنت من الهرب. كانت ليلة صعبة جداً ولم أتوقف عن البكاء».
في الليلة ذاتها قررت فاطمة أن تفعل شيئاً، وبمحاولة يائسة جديدة ذهبت إلى عماتها واخبرتهن بما فعله أخوهن الأصغر( عصام). لكن للأسف عماتها لم يقفن معها بل حاولن إلقاء اللوم عليها. حينها قررت إخبار والدها. «في تلك الليلة قررت أن أخبر والدي وقبل أن أفعل ما كان من عمتي الكبيرة إلا أن سبقتني وأخبرت والدي بأكاذيب كثيرة منها محادثتي مع الشباب، ولكن ذلك لم يثنيني عن محادثة والدي. أخبرت والدتي بكل شيء، وهي بدورها أخبرت والدي بكل شيء، وأخبرته أن والدته على علم بذلك وأخواته أيضاً، وما كنا نتعرض له من أخويه أنا وأختي».
المواجهة
عندما واجه الأب عائلته بما عرفه من إبنته وزوجته، وقفت العائلة في وجهه وطردوه من المنزل وعلمت فاطمة وقتها أن عماتها أيضاً كن ضحايا. «حينها واجه والدي والدته وأخواته بالحقيقة، ومن ثم إتجه إلى حقوق الإنسان، وكتبنا موضوعنا بالكامل. إنتظرنا اتصالاً من حقوق الانسان ولكن دون فائدة، مما جعل والدي يعاود الاتصال مرة اخرى. ومرة أخرى أخبرونا أنه خلال يومين سيتم الإتصال بنا ولكن دون فائدة. وزارهم والدي مرة اخرى وسمع منهم أن سيدة ستزورنا لتقف على الموضوع ولكن أيضاً دون جدوى».
أكدت فاطمة أنها لا تعرض قصتها لينظر اليها كضحية ولكن لتلقي الضوء على واقع مرير يحدث في عائلتها ويمارس على بنات عماتها الصغيرات، خاصة أن الجناة ما زالوا يفترسون ضحاياهم، كما قالت. «عمي الصغير (عصام) الذي حاول إغتصابي، حالياً متزوج من سيدة سورية وهي حامل الآن. أما عمي الكبير (خالد) الذي كان يمارس التحرش بنا منذ صغرنا فيسكن إلى الآن في بيت جدتي. ولكن ما جعلني أتحدث الآن هو ما حدث مع عمتي الصغيرة غير الشقيقة. فقد إتصل بها عمي الصغير (عصام) وقال لها إن زوجته ستسافر، وأنه يريد معاشرتها وهددها بأشياء كثيرة. فأخبرت والدي بذلك، وتوجه والدي إلى أمه وأخبرها بما حدث ثم توجه إلى زوج عمتي وأخبره بما حدث وزوجها يعمل في المباحث. فقام بتسجيل مكالمة لعمي الصغير. أما عمي الكبير (خالد) فتحرش بإحدى بنات عماتي من فترة قريبة لا تتعدى الثلاثة شهور حين خلع ملابسه الداخلية وفتح لها صفحات مجلة إباحية محاولا إستدراجها. و علمت أن عمي (خالد) قد تحرش بثلاث من أخواته. عماتي لا يردن تكبير الموضوع، ويردن التغطية على تحرشات أخيهن الكبير. عندما كنت صغيرة لم أجد من يساعدني لذا أعلم تماماً ما تمر به بنات عماتي. أنا الآن كبيرة و سأساعدهن لأن أمهاتهن لا يردن المساعدة».
اليوم فاطمة تدرس وتعمل في بنك ولا تشعر بأن تجربتها تنغص عليها حياتها، لكنها تريد حماية بنات العائلة مما كانت تتعرض له. «أنا أنشر موضوعي اليوم لأن حقوق الإنسان لم تحرك ساكناً عندما علمت بالقصة، كما اتصلت بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكان ردهم «استري عليهم»، وهنا عرفت أن الحق مسلوب، ولا يوجد من يدافع عنه». وتؤكد فاطمة أن المتحرش دائماً ما يكون شخصاً عادياً يظهر بمظهر طبيعي، ويمكن أن يكون الأب أو المدرس أو حتى أقرب الأصدقاء. وأشارت الى أن ما يدفعها الى الحديث عن تجربتها هو إحساسها بالوحدة خلال الأعوام المنصرمة ورغبتها في أن ترى إمرأة لها تجربة مماثلة إستطاعت أن تخرج منها وتتخطاها. واليوم هي هذه المرأة التي تمكنت من الحديث بإرتياح عن تجربتها لتتخطاها وتعيش بشكل طبيعي وسليم، إضافة إلى يقينها بأنها لم تعد تشعر بالخوف بعد الآن، وهي جاهزة لتقول للجميع: «لم أفعل أو ألبس ما يستدعي التحرش بي. لم أكن أستحق أن يحدث ما صار معي. وأريد أن أقول أن الجميع يلومون المرأة والفتاة والطفلة المتحرش بهن، ويقولون لهن: لماذا لم تصرخن أو تهربن؟ أريد أن أقول أنه عندما تكون في هذه الحالة لا يمكنك أن تتصرف خاصة وأنت طفل».
وتتساءل: «هل سنبقى صامتين غير آبهين أم أننا سنساعد أولادنا وبناتنا الصغار والمتحرش بهم؟ «لا بد من أخذ موقف، فالدين الإسلامي لايرضى بهذه الأفعال والتصرفات. علينا أن نستيقظ من سباتنا ونستوعب ما يحدث حولنا. لقد كنت دائما أتخيل نفسي زوجة لرجل سعودي ومسلم، وأتخيل أن هذا الزوج ذاته سيقوم بالتحرش بأولادي. وماذا كنت سأفعل؟ لابد من مساعدة هؤلاء الأطفال والنساء وتعليمهم أن لايخجلوا مما حدث معهم ونشجعهم على البوح».
الوالد: حقوق الإنسان لم تتحرك في قضيتنا
أبو فاطمة بدأ حديثه الى «لها» مشدداً على ضرورة تعليم الفتاة أو الطفل الشكوى في حال التعرض للتحرش الجنسي أياً يكن نوعه. وقال: «منذ زمن بعيد أخبرتني ابنتي عن التحرشات التي كانت تتعرض لها من عميّها. وصدقاً صدمت عند إخبارها لي بما تعرضت له. وتوجهت الى اخواتي ووالدتي ووالدي للبحث في الموضوع والتأكد من شكوى البنات، وكانت بالفعل صحيحة. ولكن تدخلاتهم ومطالبتهم بالستر على اخويّ جعلتني أتردد في التبليغ عنهما، إضافة إلى المسألة القبلية التي لدينا. حاولنا اللجوء إلى لجنة حقوق الإنسان في السعودية لكنها لم تحرك ساكنا. وكتبت خطاباً ومعروضاً بنفسي لهم دون فائدة».
وتحدث الأب عن تفاصيل القصة قائلاً: «حينما عدت إلى الرياض عام 1992 وكنت اذهب إلى العمل، كان أخي (خالد) يبقى في المنزل لعرض أفلام اباحية والتحرش ببناتي وأخواتي، وبالطبع في تلك الفترة كانت الفتيات صغيرات السن مما جعل الخوف لديهن كبيراً جداً في مصارحتي. عدت إلى أميركا لمدة عامين مع زوجتي وتركت إبنتيّ مع العائلة، وطبعاً تفرد بهما في تلك الفترة. في النهاية صارحت ابنتي والدتها بالموضوع، وعلمت والدتي بالموضوع، مما أسفر عن مشكلة بينها وبين العائلة. أيضا لجأت إلى أخي الذي يصغرني بخمسة عشر عاماً، فتحدث مع والدتي ولكن دون فائدة».
فكر الأب في الذهاب إلى الشرطة، إلا أنه توقع أن يكون في الأمر كشف أسماء، والأسماء تصل إلى الامارة، لذا فكر في اللجوء إلى حقوق الانسان وهي تقوم بالتواصل مع الشرطة. ويقول: «حقوق الإنسان منفذ ومتابع للقضية، ولكن هنا لم تكن كذلك، وبعد عدد من الإتصالات اكتشفت أن أحد أخوتي توصل إلى قريب لزوج أختي في حقوق الانسان وكان السبب في تعطيل القضية».
وعن عدم تقديم شكوى رسمية أو إقامة دعوى قال الوالد: «حاليا أفكر في التوجه الى المحكمة، ولكن أردت في البداية أن أثير القضية إعلامياً، ومن ثم سأتوجه إلى هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعن طريق خطاب قوي سأدخل إلى أقسام الشرطة، وسأجتمع مع وكيل إمارة الرياض وأقدم شكوى». ولفت الى ان في العائلة الآن خلافاً كبيراً جداً بين مؤيد ومعارض لقضية المحكمة بسبب زج أسماء العمات وإسم القبيلة في القضية.
العم
لجأت الابنتان الى عمهما الذي قال لـ «لها»: «عرفت عن طريق الابنتين بعدما عرف والدهما. عندما أخبروني. شل تفكيري تماما، كنت أريد أن أستشير أي إنسان ولكن لم أعلم من. الوضع كان سيئاً جداً، وكان مثل المصيبة علينا. لم أتوقع يوما أن يكون من بين أخواني من يقوم بهذا العمل المشين، إلا أن هذين الأخوين لديهما شخصية مذبذبة، ودائما قراراتهما غير سليمة. كنت كثيراً ما أشك في أسلوبهما في الحياة. فليس لديهما حماسة للعمل، بل ان أحدهما لا يعمل أبداً. الشقيق الأصغر (عصام) تزوج في الفترة الأخيرة، ولكن أبدا لم أتصور أن يقوما بتحرشات جنسية بأخواتهما، أو بنات الأخوات، وأخيراً علمت أن الأخ الكبير (خالد) يتعاطى المخدرات».
تحدث العم مع أخيه. «أخبرته بأني معه بما يريد، مهما كان الحل». واتخذوا قرار الذهاب الى الأمارة وحقوق الانسان حتى وصل الأمر إلى والدهما الذي رفض رفضاً تاماً القبض على المتحرشين أو مداهمة المنزل بسبب العادات والتقاليد والزج باسم العائلة في الموضوع. أيضاً رفضت والدتهم التعامل مع أبنيها بطريقة الزجر. ولامت البنات على الطريقة التي يرتدين بها ملابسهن. «والدتي ذات عقلية وقديمة وترفض تماماً تصديق ما حدث. وبالطبع من أمن العقوبة أساء الأدب. فوالدتي تحميهما ولا تصدق شيئاً». ويقول العم أنهم حالياً لا يعرفون تماماً كيف سيتابعون القضية وأن حقوق الانسان لم تتفاعل معهم أبداً،خاصة أنهم يشعرون بوجود تدخل لإيقاف القضية في حقوق الإنسان. لذا فكروا في إثارة الموضوع إعلاميا خاصة بعدما طلب الأخ الصغير (عصام) من شقيقته المتزوجة أن تزوره في منزله عند غياب زوجته ليمارس الجنس معها.
الشرع يطالب بالشهود لإثبات واقعة التحرش
لمتابعة الموضوع والوقوف على وضع القضية من الناحية القانونية، إلتقت «لها» الناشطة الحقوقية الوطنية والوكيلة الشرعية سعاد الشمري التي أكدت أن قضايا التحرش تعالج بشكل دقيق وغير مرن حيث تتطلب وجود أربعة شهود. وتقول: «هناك طرق كثيرة وحديثة ومتقدمة في التحقيق لا يتعامل بها القضاء السعودي ويصر على أربعة شهود. هناك جهاز كشف الكذب، والبحث عن ماضٍ أو شهود أو قرائن أو سوابق، وهناك البحث النفسي، وقراءة اللغة الجسدية والعديد من الأساليب الحديثة للتحقيق. كل هذا يترك ويصر القضاء على وجود بينة. والسؤال هنا: كيف يمكن أن نحضر شهوداً في هذه الحالات؟ القضاء يطلب البينة على من إدعى واليمين على من أنكر، وبكل سهولة ينتهي الموضوع وتحل القضية».
وأشارت الشمري الى أن تمسك القضاة بهذه القاعدة الشرعية في قضايا التحرش، ساهم كثيراً في إزدياد حالات زنا المحارم وهتك الأعراض والتحرشات الجنسية لصعوبة إثبات الواقعة، إضافة إلى عدم وجود أي عقوبة واضحة ورادعة لهذه القضايا. «العنف والتحرش وزنا المحارم أمور واقعية وظواهر موجودة في مجتمعنا ولا بد من التعامل معها بشكل مرن وحديث للقضاء عليها بدلاً من تجاهلها».
وأوضحت أن هذه القضايا تحتاج الى وقت طويل ومثابرة للوصول الى نتيجة، وتبدأ بتقديم بلاغ في الشرطة ثم تحول للإدعاء العام الذي بدوره يجمع الأدلة ويتحقق من ضرورة إحالة الموضوع على الشرع أم لا. ثم تصبح قضية في المحكمة وتتطلب وجود شهود. وقالت الشمري: «القاضي سيصر على وجود الشهود للحكم في القضية، لذا لا بد من وجود شهود إذا أرادت هذه العائلة أن يأخذ الجاني عقابه. لا بد أن تشهد الفتاتان وتشهد عمتهما حتى يتمكن القاضي من الحكم في القضية. الشهود هم العامل الوحيد الذي سيؤيد موقفهن». وعن الأحكام التي تصدر في هذه القضايا بينت الشمري أنه لا توجد أحكام واضحة وصريحة في ما يخص التحرش الجنسي، بل يرجع الأمر الى تقدير القاضي. وتتفاوت الأحكام حسب خلفية القاضي».
حقوق الإنسان: نرصد ونتابع ونحقق ولا نصدر أحكاماً
قال حسين الشريف المشرف العام على فرع الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في منطقة مكة المكرمة، إن الجمعية تلعب دور الراصد والمتابع والمحقق في القضايا المشابهة، وكل قضية لها ظروفها الخاصة وتختلف طرق التعامل معها تبعاً لهذه الظروف. ويقول: «على سبيل المثال اذا تقدمت صاحبة المشكلة الى الجمعية مباشرة، يطلب منها أن تقدم بلاغاً في أقرب مركز شرطة إلى محل سكنها للتبليغ. ومن ثم يصدر محضر بهذه الحالة، وتقرر الشرطة في ما بعد إن كانت تحتاج الى حماية أم لا. وإن كانت تحتاج الى حماية، ترسلها الشرطة الى دار الحماية ويتم إستدعاء الشخص المشكو في حقه لاستكمال الإجراءات، ثم يحال الملف على هيئة التحقيق والإدعاء العام التي بدورها تحقق في القضية ومن ثم تحويلها على القضاء إذا رأت ان هناك تهمة بحق المشكو في حقه».
أما دور الجمعية في هذه القضايا يكون عن طريق رصدها وإرشاد الناس وتوجيههم التوجيه الصحيح. ومن ثم التحقيق مع الجهات المعنية بأن الإجراءات النظامية تتبع. «وكما ذكرت سابقاً كل حالة لها ظروفها. فلو تقدمت الشاكية للشرطة ولم تتفاعل معها، تقوم الجمعية بالتواصل مع الشرطة ومتابعة الموضوع. وإن كانت مشكلتها معلقة مع دار الحماية، نتواصل أيضاً مع دار الحماية ونتابع الموضوع، وهكذا».
ويؤكد الشريف أن الجمعية تلعب دوراً في ايصال هذه القضايا، بحسب ظروفها وحالتها، الى الجهات المختصة التي أوجدتها الدولة من أجل هذا العمل والتحقق من أن الإجراءات النظامية والقانونية تسير بشكل سليم. وقال إن الجمعية لا تقرر ولاتحكم إن كانت الحالة المتقدمة بالشكوى صادقة أم كاذبة لأن هذا دور الشرطة والتحقيق والإدعاء في ما بعد. ولفت الى ان المشكلة تكمن في أن كثيراً من المبلغين لا يتابعون قضاياهم، وأن بعض الحالات التي تبلغ عنها الفتيات تكون غير حقيقية وتختلقها الفتاة لتغطي بها مشكلة مع العائلة. «في هذه الحالات تلعب الجمعية دورا توفيقياً لمعالجة القضية مع الأهل».
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024