تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

هدفها امرأة أكثر جرأة في مواجهة مشكلاتها "متخافيش" حملات نسائية ضد التحرش والسرطان والعنف

امرأة أكثر جرأة

امرأة أكثر جرأة

مبادرة كوني الأقوى

مبادرة كوني الأقوى

الدكتورة هدى بدران

الدكتورة هدى بدران

الدكتورة مايا مرسي

الدكتورة مايا مرسي

عصام شعبان

عصام شعبان

الدكتور حسن شحاتة أستاذ بتربية عين شمس

الدكتور حسن شحاتة أستاذ بتربية عين شمس

نهاد أبو القمصان

نهاد أبو القمصان

الدكتورة رقية شلبي

الدكتورة رقية شلبي

انطلق في الفترة الأخيرة العديد من المبادرات والحملات، التي يرعاها الاتحاد النسائي المصري تحت عنوان “متخافيش”، وتدعو النساء في مختلف مراحل عمرهن، خاصة الفتيات، إلى التحلّي بالجرأة والشجاعة في التصدي للتحرش والعنف والمرض، فما هي تفاصيل تلك الحملات؟ وكيف تغرس الجرأة في نفوس النساء؟


تعد حملات الاتحاد العام لنساء مصر، صاحبة السبق والريادة، لأنها انطلقت قبل سنوات قليلة ولا تزال مستمرة ومتجددة حتى الآن. بدأت الحملة الأولى تحت عنوان “متخافيش”، بهدف جعل الفتاة أكثر جرأةً وثقةً في النفس في مواجهة المجتمع وردّ أي عدوان أو موقف صعب تتعرض له، وضمت العديد من شركاء المجتمع المدني، خاصة الجمعيات والمؤسسات النسائية، منذ انطلاقها حتى الآن، وتستمر مستقبلاً من خلال المدارس والجامعات ومراكز الشباب وكل التجمعات التي تنتسب إليها الفتيات الصغيرات والمراهقات.

متخافيش منه...

هو عنوان الحملة الثانية التي هدفت الى غرس الجرأة في نفس المرأة، وقادها المجلس القومي للمرأة بالتعاون مع جمعية النور للمكفوفين وذوي الإعاقة، ووزارة الشباب والرياضة، مطلقين عليها مبادرة “اعرفي عنه... متخافيش منه” لمكافحة سرطان الثدي، المرض الذي تخشى نساء كثيرات إجراء التحاليل الوقائية والاستكشافية عنه، بل يتملّكهن الخوف فلا يفصحن عنه في حال اكتشافه.

أدرك أصحاب الحملة أن لا بد من التحرك الميداني لانتزاع الخوف من نفوس النساء، فقرروا الذهاب إلى القرى والنجوع وعدم الاكتفاء بالمدن فقط، لتوعية النساء في كل الأماكن من خلال تقديم معلومات وقائية وطبية عن مرض سرطان الثدي، وكيفية التعامل معه إذا تم اكتشافه، وطرق علاجه، وضرورة التحلّي بالشجاعة والصبر للقضاء عليه، وعدم الاستسلام له.

لم يكتفِ المسؤولون عن المبادرة بالتوعية فقط، بل عمدوا الى تدريب كوادر مجتمعية تزور العائلات في منازلهم، لمتابعة الحالات المرضية وتوجيهها إلى أبسط السبل في التصدي للمرض.

كوني قوية

أما الحملة الثالثة، والتي تستهدف غرس الثقة في نفوس النساء فقد دشّنها المجلس القومي للمرأة ومجموعة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال إطلاق مبادرة لمواجهة العنف ضد المرأة، تحمل شعار “كوني قوية”، ويتم تطبيقها عبر النصائح التي تقدّمها الفتيات العضوات في الحملة، كما يتم عرض أفلام ومسرحيات ومسلسلات تغذّي فكرة عدم خوف حواء طالما أنها على حق.

وتسعى الحملة لإيصال رسالة الى كل فتاة بعدم السكوت على الإهانة وضرورة صون حقوقها والدفاع عن نفسها مهما بلغ حجم الأذى النفسي أو العنف اللفظي أو المعنوي أو الجسدي الذي تتعرض له.

شفت تحرش...

انطلقت الحملة الرابعة من خلال مبادرة “شُفت تحرش” تحت شعار “امنع جريمة... التحرش الجنسي جريمة”، وهي تهدف إلى توعية المواطنات والمواطنين بخطورة الأفعال غير المرغوب فيها والتي تتعرض لها النساء من عنف جنسي وجسدي ولفظي... فهذه الانتهاكات أصبحت مرفوضة اجتماعياً اليوم ويجرّمها القانون.

وترتكز الحملة في رسائلها التوعوية على مخاطبة النساء والفتيات بلغة تشجيعية بسيطة تساهم في دعمهن لمواجهة مرتكبي جرائم التحرش الجنسي، مثل “افضحي المتحرش... اتكلمي... واجهي... متخافيش”، إضافة إلى إطلاق منشور ورقي يحمل عنوان “للفتيات والنساء فقط”، ويتضمن تعريف التحرش الجنسي وتفنيد مبررات التحرش، والتشديد على عدم تحميل النساء والفتيات أي مسؤولية عن تعرضهن للتحرش في الأماكن العامة أو الخاصة أو العمل أو حتى المنزل الأسري، كما يحتوي المنشور على الإجراءات الأولية في حال التعرض للتحرش الجنسي، وشرح مبسط للعقوبات الواردة في تعديلات قانون العقوبات الرقم 58 لعام 1937، إضافة الى أرقام هواتف إدارة متابعة جرائم العنف ضد المرأة في وزارة الداخلية، والخط الساخن لمترو الأنفاق، والرقم المجاني لمكتب شكاوى المجلس القومي للمرأة، ومركز النديم لتأهيل ضحايا العنف، سعياً للحصول على مجتمع خالٍ من التحرش الجنسي.

الوعي هو الحل

أوضحت الدكتورة هدى بدران، رئيس الاتحاد، أن الحملات التي يقودها الاتحاد مباشرةً أو بالتعاون مع غيره، أو يرعاها باعتباره المظلة النسائية للمصريات، تهدف إلى التسلّح بالوعي والجرأة في التصدي لكل المشكلات التي تواجهها حواء في كل مكان، مع التركيز على ظاهرة التحرش والعنف بمفهومه الشامل، الذي تتعرض له حواء، بدءاً من طالبات المدارس اللواتي تتراوح أعمارهن بين 6 و 12 سنة، مروراً بالمراهقات والمضايقات التي يتعرضن لها من الصبيان في المدارس المختلطة، وصولاً الى النساء العاملات وحمايتهن من التحرّش والأمراض النسائية الفتّاكة التي يتصدّرها “سرطان الثدي”.

وأشارت الدكتورة هدى بدران إلى أن هذه الحملات المستمرة والمتجددة جاءت بعد ازدياد عدد حوادث التحرش بالصغيرات، خاصة طالبات المدارس، مما استدعى ضرورة التحرك الجماعي لمواجهة هذه الظاهرة وتوعية الفتيات في هذه المرحلة العمرية، من خلال التواصل المباشر مع الأمهات والمدرّسات والاختصاصيات الاجتماعيات والنفسيات، لكسر حاجز الخوف لدى الصغيرات وتشجيعهن على مواجهة المتحرش الذي يعتدي عليهن.

وعن الأدوات التي يستخدمها الاتحاد العام لنساء مصر في تنفيذ هذه الحملات، أكدت الدكتورة هدى بدران أن هذا يتم من خلال تعاون الجمعيات الأعضاء في الاتحاد، وعددها قرابة 300 جمعية أهلية تنتشر في المحافظات، ويتم التنسيق في ما بينها، وكذلك بينها وبين الجهات المعنية بالقضية، خاصة وزارات التربية والتعليم والتضامن الاجتماعي والشباب والرياضة والثقافة والإعلاميين.

زرع الثقة

يطالب الدكتور حسن شحاتة، الأستاذ في كلية التربية في جامعة عين شمس، بالمزيد من تلك الحملات والمبادرات الإيجابية، التي تزرع الثقة في نفوس البنات الصغيرات، ومن هنّ على أبواب مرحلة المراهقة، وتشجّعهن لمواجهة المتحرِّش بكل جرأة، لئلا يتمادى في جريمته.

وأوضح الدكتور شحاتة أن استمرار المتحرش في المضي بأفعالة الدنيئة يتوقف على أول رد فعل يواجهه من المتحرَّش بها، فإذا كان الرد قوياً وجريئاً، سرعان ما ينسحب المتحرش، وقد يُبدي اعتذاره للسيطرة على الموقف وعدم تعريض نفسه للإهانة، خاصة أن معظم الرجال في مجتمعاتنا الشرقية يتعاطفون مع حواء المتحرَّش بها، ويعتبرونها جزءاً منهم، أي بمثابة الأخت أو الأمّ أو الابنة، ولهذا يهبّ الرجل لنجدة المرأة والدفاع عنها إذا رآها مظلومة.

ظاهرة إيجابية

أكدت الدكتورة رقية شلبي، عميدة كلية البنات في جامعة عين شمس، أن تلك الحملات التي تستهدف البنات والطالبات في المدارس والجامعات، تعد ظاهرة إيجابية يجب الإكثار منها لكسر تقاليد المجتمعات الشرقية، التي تجعل الفتاة “مكسورة الجناح” تتقبّل كل أشكال الظلم خشية الفضيحة، خاصة أن مجتمعاتنا الذكورية توجه الاتّهام مسبقاً للمرأة بأنها المسؤولة عن أي اعتداء تتعرض له. وطالبت الدكتورة رقية بتكثيف مثل هذه الحملات التي تفنّد مزاعم الطائشين الذين يبررون التعرّض للفتيات، وأن يكون هناك تواصل بين هذه الحملات والأسر، خاصة الأمهات اللواتي تقع عليهن المسؤولية في تنشئة بناتهن على مثل هذه المفاهيم، إضافة الى تلقّي الدعم من وزارات التربية والتعليم والإعلام والثقافة والشباب والرياضة والعدل، لأن المسؤولية هنا جماعية، وفي الوقت نفسه التعاون مع مسؤولي وزارة الصحة لتوفير العلاج للنساء المصابات بالسرطان بمختلف أنواعه.

سيف القانون

أكدت الناشطة الحقوقية نهاد أبو القمصان، رئيس المركز المصري لحقوق المرأة، أن المواجهة الصحيحة لظاهرة العنف والتحرش ضد المرأة لا بد من أن تكون حاسمة من خلال سيف القانون البتّار، وفي الوقت نفسه لا بد من الوعي الأسري بالقواعد والثقافة القانونية، التي يمكن الاستناد إليها في تفعيل العقوبات وردع المعتدي، ولن يتحقق ذلك إلا إذا تحلّت حواء بالشجاعة والقوة. وأشارت نهاد أبو القمصان إلى أن الحياء أو الخجل الذي يصل أحياناً إلى درجة السلبية، ليس إيجابياً دائماً، ذلك أن “لكل مقام مقال”، فعندما تتعرض حواء للتحرش أو العنف في أي مرحلة من مراحل عمرها، يجب أن تعلم أن القانون والمجتمع في صفّها، وبالتالي لا ينقصها إلا الشجاعة والصبر ومعرفة وسائل الدفاع عن نفسها وحقوقها بالأدلة التي تُقنع القضاء، وقد استطاعت بعض البنات الواعيات بحقوقهن سجن المتحرّش بهن من خلال أحكام قضائية رادعة، ولهذا لا بد من تقديم المتصفات بالشجاعة على أنهن قدوة لغيرهن من بنات حواء.

تغيير التقاليد

طالبت الدكتورة منى شوقي، خبيرة التنمية البشرية، بعقد دورات مكثفة للبنات وتعليمهن كيفية الدفاع عن أنفسهن في حال تعرّضن للتحرش، إضافة الى كسر حاجز الخوف لدى المرأة منذ الصغر، مع التحذير من المبالغة في كسر حاجز الخوف هذا حتى لا تصبح المرأة “مسترجلة”، فنعالج عندها مشكلة بمشكلة، لأننا حريصات على أن تظل المرأة متمسكة بأنوثتها ورقّتها وعفّتها.

كذلك طالبت الدكتورة منى شوقي بأن يصاحب تلك الحملات خبراء علم نفس واجتماع وطب وتربية وتنمية بشرية، لتبيان وسائل الوقاية من المشكلات اليومية التي تتعرض لها حواء، سواء في الشارع أو العمل أو حتى في المنزل مع أسرتها وجيرانها، لأن الوقاية خير من العلاج، فالتعامل بوعي مع أي مشكلة سبب رئيس في حلّها، وسوء التصرف يضاعفها، خاصة أن إحدى الدراسات أكدت أن الاعتداءات الجنسية المختلفة على القاصرات شكلت 18 في المئة من حالات العنف ضد المرأة.

تربية كوادر

يؤكد عصام شعبان، مدير الإعلام في الاتحاد النسائي المصري، أنه خلال حملات “كسر حاجز الخوف” يركزون على زيارة المدارس وإقامة معسكرات لإعداد كوادر طلابية من مختلف الأعمار، تؤمن بأهمية التصدي للتحرش والعنف ضد النساء، أياً كانت أعمارهن، خاصة الفتيات الصغيرات، كما يتم إعداد أعمال فنية متنوعة من مسرحيات ومسلسلات وتنظيم مسابقات لعرض جهود المجتمع المدني وتكامل أدواته في مناهضة العنف ضد النساء. ومن شعارات الحملات التي تحملها العضوات “متخافيش ومتسكتيش... إنتي اللي ربّنا أكرمك في كل الديانات... والاحترام حقك... متسمحيش لحد يكسرك أو يقلّل من شأنك.. أنتِ الأجمل.. أنتِ الحياة... أنتِ الأهم”، وهي تهدف الى إيصال رسالة الى كل فتاة بعدم السكوت على الإهانة وضرورة الدفاع عن نفسها وصون حقوقها.

وأوضح عصام شعبان أن الحملات تتضمن برنامجاً لتأهيل كل امرأة تعرضت لأذى نفسي أو عنف لفظي أو معنوي أو جسدي، كي تدافع عن نفسها وتبلّغ عن أي محاولات تحرش أو عنف. ومنذ تدشين الحملة في أيار/مايو 2015 وحتى الآن، تُستخدم كل أنواع الفنون للتوعية حول مناهضة العنف والتمييز والبناء الثقافي الذي يدعم ثقافة العنف، وكذلك العمل على نشر الثقافة الصحية لمواجهة الأمراض النسائية.

وأنهى عصام شعبان كلامه موضحاً أن الحملات والمبادرات نجحت في التقليل من حالات الهلع وفقدان الأمان لدى البنات، وغرس الثقة لديهن في مواجهة المتحرشين، سواء كانوا من طلبة المدارس أو من مدمني التحرش في الشوارع، وكذلك عدم خوف المرأة من أي أمراض قد تواجهها، من خلال الكشف المبكر وإجراء الفحوص الطبية بصورة دورية.

هموم المرأة

تشير الدكتورة مايا مرسي، رئيس المجلس القومي للمرأة، إلى أن قضايا المرأة وهمومها كثيرة في مختلف مراحلها العمرية، ولهذا فإن الحملات والمبادرات التي تعالجها متجددة، سواء بشكل فردي أو جماعي، ولا يمر أسبوع من دون أن ينظّم المجلس القومي للمرأة أو يشارك في فعاليات خاصة بالمرأة في الداخل والخارج.

وأوضحت الدكتورة مايا أن مبادرات وحملات نزع الخوف والخجل من نفس المرأة أمر إيجابي يجب تكثيفه لتغيير مفاهيم راسخة تؤكد أن المرأة كائن ضعيف خانع وخاضع وسلبي يسكت عن أي تجاوزات ضده، وهو ما شجع الهمجيين على ممارسة كل أشكال العنف في حقها، وكأنها حرم مستباح، وهذه الثقافة نعمل على تغييرها من خلال نشر الوعي باستخدام كل الوسائل المتاحة، ابتداء من وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، واللقاء المباشر بالسيدات في القرى والنجوع والعشوائيات، وليس في المناطق الحضرية فقط.

واختتمت الدكتورة مايا كلامها مؤكدةً أن الأيام المقبلة ستشهد المزيد من مبادرات التوعية القانونية لحواء بحقوقها، وكيفية حمايتها من المتربصين بها، إضافة إلى حملات التوعية الصحية التي بدأت بالتوعية حول كيفية الوقاية من سرطان الثدي والتعامل معه في حال الإصابة به، وحق المُصابات بالسرطان في الإنجاب، وغيرها من الحقوق القانونية والصحية والاجتماعية التي تحتاج إليها المرأة للوصول الى المكانة التي تليق بها في المجتمع.

تفعيل دور الإعلام

أشار الدكتور سامي الشريف، العميد الأسبق لكلية الإعلام في جامعة القاهرة، إلى ضرورة تفعيل هذه الحملات والمبادرات من خلال وسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي واللقاءات المباشرة الأكثر إقناعاً، مع دراسة تجارب الدول الأخرى في مواجهة تلك الظواهر السلبية والاستفادة منها بما يتماشى مع ظروف مجتمعاتنا من دون مبالغة، حتى لا تؤدي إلى نتائج عكسية بحيث تسترجل المرأة وتفقد حياءها الجميل.

وأوضح الدكتور سامي أن لا بد من توعية الأهل بضرورة حماية بناتهم من التعرض للأذى بكل أشكاله، خاصة الجنسي، وكيفية التعامل معهن إذا تعرّضن للاعتداء، وهذا لن يكون إلا بتثقيف الطفلة وإعطائها بعض المعلومات المبسّطة حول التحرش الجنسي، وتدريبها على التصرف المناسب، كأن تصرخ أو تهرب من المعتدي أو تستعين بالمحيطين بها، ولن يكون هذا فعالاً إلا بعقوبات قانونية رادعة لكل من تسوّل له نفسه العبث بحياة حواء.

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080