المهندسة ومتسابقة “الكارتينغ” أمجاد العمري تدمج بين المهنة والهواية في عالم السيارات
قد يستهين البعض بأهواء الطفولة حين تتعلق بشخصية رسوم متحركة بعيدة من الواقع الذي نعيشه، ونعتقد أن الميول ستتغير مع ازدياد وعي هذا الطفل وارتباطه بواقع الحياة، والتي تحتّم ربط الطموح بالوظيفة المضمونة التي تسلك نهج النجاح الاعتيادي المتوقع في الأوساط الاجتماعية، إلا أن عدداً قليلاً من الناجحين فكروا في الخروج من الإطار ورسموا لانفسهم الإطار الذي يمثلهم ويحاكي شغف طفولتهم. أمجاد العمري، طالبة الهندسة الميكانيكية ومتسابقة سيارات “الكارتينغ” الحاصلة على لقب البطولة في أول سباق نسائي في المملكة، تروي لنا في هذا الحوار حكاية شغف بين شحم المحرّكات ومضمار السباقات.
- كيف ارتسمت معالم شغفك بعالم السيارات في الطفولة؟
في طفولتي كنت أضجّ بالحماسة والاندفاع نحو المغامرات، فمارست منذ صغري رياضات الفنون القتالية، وكنت أميل الى متابعة مسلسلات “الكرتون” المتعلقة بسباقات السيارات، ولطالما تخيّلت نفسي أتنافس في مضمار السباق لتشدّني حماسة طموحي الى سلوك طريق مختلف عن باقي الطرق.
- ما الرابط بين الهندسة الميكانيكية وعالم سباقات السيارات، وكيف رسّخت هذا الرابط في نفسك؟
في مرحلة اختياري لتخصّصي الجامعي، كنت أميل الى دراسة الهندسة، ووجدت أن الهندسة الميكانيكية ستقرّبني أكثر من شغفي بعالم السيارات، إضافة إلى أن هذا التخصّص يُعد من أقوى الاختصاصات، كما أنه يفتح أبواباً من الإبداع، سواء في العمل على تصميم السيارات أو تطوير الآلات والأدوات.
- في شكل عام، التصميم والابتكار لا يكفيان وحدهما في مجالات الهندسة، فالأمر بحاجة الى تحصيل علمي وقدرة على استيعاب المواد الدسمة التي تُعد أساس هذه الاختصاصات... كيف تجاوزت هذه الصعوبة؟
كثير من الناس يعتقدون أن التخصّص في مجال الهندسة الميكانيكية يقتصر على العباقرة، وفي الحقيقة أجد أن الرغبة هي التي تدفع الى النجاح في هذا المجال، فعشقي لمواد الهندسة الميكانيكية، وتحديداً مادة “تصميم الآلات”، هو الذي شدّ من عزيمتي لإكمال هذا الطريق، وأنا اليوم وصلت الى السنة الرابعة والأخيرة، وتخطيت الكثير من الصعوبات، وأحرص على الحفاظ على مستوى دراسي جيد بالتزامن مع تقديم مشاريع في مجال تصميم السيارات.
- أنت واحدة من بين ثلاث فتيات اخترن هذا الاختصاص غير المألوف على الصعيد المحلي، ألم تنتبك مخاوف من المستقبل؟
لم أخف يوماً من سلوك هذا الطريق، بل إن قلّة عدد الفتيات في هذا الاختصاص شجّعتني على خوض هذا التحدّي، ولكن في البداية كانت والدتي قلقة على مستقبلي الوظيفي، لاقتصار هذا النوع من الوظائف على الرجال، إلا أنني استطعت إقناعها بقدرتي على إثبات نفسي في هذا الاختصاص، وأن أكون من أوائل الفتيات اللواتي يفتحن هذا المجال أمام السيدات.
- في الأعوام التي درست خلالها الهندسة الميكانيكية، ما الذي اكتسبته على الصعيدين العلمي والعملي، وأين وجدت نفسك أكثر، في التصميم أم التنفيذ؟
خلال سنوات دراستي، ألممتُ بكثير من المعلومات النظرية المهمة التي ساعدتني في تنفيد مشاريعي في تصميم السيارات وتصنيعها. وعلى الرغم من أن أساس عملنا يقتصر على التصميم والإشراف الهندسي، فضّلت وباقي زملائي العمل بأيدينا في “الورشة”، وصنع السيارات بأنفسنا. كنت أستمتع كثيراً بكل تفاصيل العمل، من تلحيم وقص الحديد... فأن يطبّق المهندس دراسته في عمل فني، يعني أن يصبح عمله أكثر دقةً وأفضل جودةً من مجرد الاكتفاء بالرسم والتخطيط.
- شاركت وزملاءك في مسابقة عالمية تتعلق بتصنيع سيارة “الفورمولا ستيودنت”، وكانت المشاركة باسم المملكة للمرة الأولى في لندن، حدّثينا أكثر عن هذه التجربة، وهل حققتم الهدف المنشود؟
سيارة “الفورمولا ستيودنت” التي تعاون فريقنا في تصنيعها كانت عبارة عن محاكاة لسيارات “الفورمولا ون”، وكانت تلك مشاركتنا الأولى كطلبة وكفريق سعودي في هذه المسابقة، وهذا بحد ذاته كان إنجازاً جيداً ودرساً عملياً تعلّمنا منه الكثير لتفادي أخطائنا في المستقبل، حيث نطمح كطلاب كلية الهندسة في جامعة الفيصل للمشاركة كل عام للوصول الى أفضل النتائج.
- تعملون حالياً على مشروع تصنيع سيارة تعمل بالطاقة الشمسية، ما الفارق بين هذا المشروع ومشروع “الفورمولا ستيودنت”، وعلى أي مواصفات ركّزتم؟
هذا المشروع يختلف في مواصفاته عن مشروع “الفورمولا ستيودنت” شكلاً ومضموناً، حيث تم التعاون بين طلاب الهندسة الميكانيكية وطلاب الهندسة الكهربائية، لتصميم هذه السيارة التي تعمل من طريق الألواح الشمسية، وحاولنا كطلبة أن نصمّم هذه السيارة بشكل يجعلها أكثر قوةً وأخف وزناً، وذلك من خلال الاستغناء عن الحديد في الهيكل الداخلي للسيارة واستبداله بالألمنيوم للحصول على وزن أخف، كما تم استخدام “ألياف الكربون” للهيكل الخارجي لجعله أقوى وأكثر متانةً من الحديد، ويُفترض بهذه السيارة قطع أطول مسافة في السباق الذي سيُنظّم في الولايات المتحدة الأميركية.
- هل تعتقدين أن المملكة بحاجة الى اختصاصيات في مجال الهندسة الميكانيكية، أم أن العنصر الرجالي كافٍ؟
السوق السعودية بحاجة فعلاً الى فتيات متخصصات في مجال الهندسة الميكانيكية، فلا فارق في الهندسة بين الذكور والإناث، وطالما وُجد الشغف لدى المهندس فهو حتماً سيبدع في صناعة تحتاج اليها السوق السعودية، وأتمنى أن أكون وفريقي فأل خير للتوسع في هذا المجال، كما أتمنى على باقي الجامعات أن تستحدث أقساماً للهندسة الميكانيكية للبنات، كون هذا القسم ليس متوافراً إلا في جامعة الفيصل في المملكة.
- هل دخولك مجال قيادة سيارات السباق كمتسابقة كان بمحض الصدفة أم أنك كنت تنتظرين الفرصة المناسبة، وما الذي يميزك كمتسابقة “كارتينغ”؟
كما أشرت، أهوى عالم سباق السيارات منذ الصغر، حتى أنني تدرّبت على القيادة العادية من سنّ صغيرة نسبياً، وقد أُتيحت لي الفرصة للمشاركة في هذا النوع من السباقات، والتي تمكنت عبرها من إثبات نفسي كمتسابقة تتحلّى بالحماسة وروح التحدّي وقوة القلب لتحقيق أرقام قياسية في كل منافسة، كما أعمل باستمرار على تطوير نفسي من خلال اتباع مسارات السباق الصحيحة لرغبتي في كسب بطولات أخرى في عالم سباق السيارات.
- كيف تقيّمين تجربة سباق “الكارتينغ” النسائي الأول على مستوى المملكة، وهل كان الفوز بالمركز الأول سهلاً بالنسبة إليك؟
هذه البطولة كانت أشبه بحدث تاريخي للمملكة. فتحت رعاية شركة “بترومين” والاتحاد السعودي للسيارات والدرّاجات النارية، نُظّم هذا الحدث الضخم بحضور جمهور كثيف أعطى هذا السباق مذاقاً ممتعاً. سُررت كثيراً لانضمامي الى المتسابقات اللواتي دخلن تاريخ سباق السيارات النسائية في المملكة، وكانت المنافسة شديدة بمشاركة 20 متسابقة في كل جولة، بينهن فتيات محترفات في السباق. وعلى الرغم من جهلي بمسارات الحلبة وعدم تدرّبي عليها سابقاً، إلا أن ذلك لم يمنعني من تحدّي نفسي واجتياز الصعوبات، وتمكّنت من الفوز بلقب البطولة في هذا السباق الذي حظي بتغطية شاملة من وسائل الإعلام.
- سباقات السيارات في المملكة ليست من الرياضات المألوفة، إلامَ نحتاج لتصبح هذه الرياضة أكثر شعبية لدينا؟
الاهتمام الشعبي الرياضي مسلط بقوّة على رياضة كرة القدم، وفي المقابل تعاني رياضات سباقات السيارات تهميشاً، سواء من الناس أو الإعلام في المملكة. وأعتقد أن هذه الرياضة بحاجة الى مزيد من حلبات السباق، وأعداد كبيرة من المتسابقين لحصد الكثير من البطولات، كما أننا كمتسابقين بحاجة الى تطوير مستوى أدائنا حتى لا تقتصر مشاركاتنا على البطولات المحلية ونصل إلى العالمية بأداء عالٍ.
- من خلال حديثي معك، أحسست أنك مندفعة الى عالم سباق السيارات أكثر من اهتمامك بتصميمها وتصنيعها، فهل إحساسي صحيح؟
أعتقد أن كلا المجالين مكمّل للآخر، فلا تعارض بين عملي كمهندسة ميكانيكية، وهوايتي المشاركة في سباق السيارات.
- ما هي طموحاتك المستقبلية، وماذا تقولين لبنات وطنك اللواتي تمنعهن الصورة النمطية من تحقيق طموحاتهن؟
أتمنى أن تصبح المملكة بين الدول الرائدة في تصنيع السيارات، وأحلم أن أرى بطلات سعوديات يتنافسن في سباقات السيارات العالمية، وأنصح كل سيدة أو فتاه بألاّ تتقيد بنماذج الفتيات الأخريات في المجتمع، وأن تسعى إلى تحقيق حلمها، لأنها في النهاية ستجد أن كل من عارضها سابقاً سيكون أول الداعمين لها.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024