زهراء غندور: “الرحلة” علّمني أن أتفهّم الآخرين
- كيف تم اختيارك لأداء دور “سارة” في فيلم “الرحلة”؟
عملت في الإعلام العراقي لفترة طويلة، وكنت أعدّ برنامجاً وثائقياً وأقدّمه على قناة عراقية، ومن ثم تولّيت إخراجه. وبالصدفة التقيت المخرج محمد الدراجي وسألني ما إذا كنت أحب التمثيل، فقلت له لا في البداية لأنني لم أمثّل يوماً، ولكن حين كشف لي عن تفاصيل الشخصية مؤكداً أنها لشابة قررت أن تصبح انتحارية، اقتنعت بالفكرة خصوصاً أنني أعيش في بغداد ويطاردني هاجس الموت جرّاء عمل انتحاري.
- كيف كانت التجربة؟
التجربة تمت على مراحل، أولاً عرض عليّ محمد العمل في العام 2013، وقد استمر ذلك لغاية عام 2015... وبعد أن اكتملت معالم الشخصية، تدرّبت على أدائها لمدة سنتين، والتدريبات كانت غريبة من ناحية الصوت والتعابير الجسدية والنفسية.
- ما الذي اكتسبته في تلك المرحلة؟
كانت مرحلة انتقالية في حياتي، كما أن الشخصية التي كتبها محمد تغيّرت تماماً بعد أن عملنا عليها، فالتسجيلات الصوتية التي تحدثت فيها عن شخصيتي وحياتي أحدثت تغيرات كثيرة في شخصية “سارة” في الفيلم.
- “سارة” إنسانة قاسية وفي الوقت نفسه دائمة التردّد، كيف ألممت بجوانب هذه الشخصية؟
حرصت في الفيلم على تأكيد أن “سارة” إنسانة وليست وحشاً. وبما أنني لست ممثلة محترفة، فقد عانيت بعض الصعوبة في تقديم هذه الشخصية أمام الكاميرا، لكن في المقابل أجريت دراسة حول شخصية “سارة”، وأصررت على معرفة الأسباب التي دفعتها لاتخاذ قرار أن تصبح انتحارية. إحدى المهمات التي أوكلها إليّ محمد هي أن أكتب قصة حياة “سارة”، فكتبتها بأدق تفاصيلها بدءاً من يوم ولادتها وصولاً إلى باب محطة القطار. “سارة” لم تكن إنسانة متوحشة، فقد عاشت ذكريات جميلة مع والدها قبل أن يرحل عن الدنيا، لكن بعد أن فقدت أشقّاءها بسبب الاحتلال الأميركي، وظُلمت من المجتمع ولم تُقدّم أي مساعدة لها ولوالدتها، وبالتالي تعرضت لـ”غسل دماغ”، حدث تحوّل في شخصيتها.
- بمَ شعرت في اللحظة التي أوشكت فيها على الضغط على الحزام الناسف؟
شعرت بالخوف من كل الانتحاريين الذين ربما يقتحمون حياتي الشخصية من جديد، وفكّرت في الوقت نفسه أنه كيف يمكن إنساناً أن يقتل أخاه الإنسان؟ يا لها من عقلية متحجرة! ولكن وصلت إلى نتيجة أن لا أحد يولد انتحارياً بالفطرة. كانت لدى “سارة” أحلام لكنها تبددت بعد أن ضاقت بها سبل العيش.
- ما أهمية أن يتراجع الانتحاري عن قراره في لحظة التفجير؟
الفيلم طرح سؤال: هل فجّرت “سارة” نفسها أم لا؟ وفي النهاية نكتشف أن في داخل كل إرهابي جانباً إنسانياً.
- “سلام” سأل “سارة” عن حلمها، فما هو هذا الحلم؟
حلمت سارة بحياة أفضل، لأنها بالنسبة إليّ كانت متفوقة في دراستها، وتتمنى أن تكمل حياتها برفقة والدتها، وتلتقي إخوتها الذين فُقدوا... هذه كلها تفاصيل لا نراها في الفيلم ولكنني أدخلتها الى شخصية “سارة”.
- في البداية أساءت “سارة” معاملة الطفل “علي” واتضح في ما بعد أنها تتقن ثقافة الاعتذار إذ اعتذرت منه!
رغم أن ثقافة الاعتذار غائبة عن مجتمعاتنا، أثق تماماً بأن “سارة” كانت فتاة مهذبة، وأن ثمة أنواعاً من الإرهابيين، فهناك الذي غُسل دماغه، وآخر اتّبع أيديولوجيا معينة، أو يئس من الحياة والمجتمع وأجبرته الظروف على أن يصبح إرهابياً. رحلتي مع “سارة” كانت مزيجاً من كل هذه الأنواع، فقد غُسل دماغها بأسلوب جعلها تعتقد أن كل من يخالفها الرأي هو كافر... ومثلما ذهبتُ إلى الجانب السيئ في حياتها، حاول أمير جبارة الممثل الذي أدى دور “سلام” النصّاب و “الصايع” أن يعيد إليها إنسانيتها، علماً أنها لم تفكر قط بأن تتبادل الأحاديث الجادة مع إنسان مثله، واتضح في النهاية أنه ليس إنساناً شريراً ولم يؤذ أحداً.
- شهدنا تبادلاً للأدوار بين “سلام” و”سارة”، إذ حاول هو أن يهتم بالطفل ويطعمه لا هي!
“سلام” هو فعلاً ضحية ككثر من الشباب العراقي. بعد تجسيد دور “سارة” تعلّمت أن أتفهم الآخرين. مثلاً: في السابق، إذا ضايقني أحد الشبان في الشارع كنت أستشيط غضباً، أما اليوم فأغضب لكن أتفهّم الموقف، فهذا الشاب لم يولد سيئاً، وربما يكون كالشاب المهذب الذي أحبّه أو أُعجب به، إنما نشأ في بيئة متفلّتة لم تعلّمه التمييز بين الصح والخطأ... ورغم إصراري على معاقبة الإرهابيين، أؤكد أن في استطاعتنا تجنّب هذه الظاهرة.
- كيف كانت أصداء الفيلم في العراق؟
الفيلم مدعاة فخر لي، إذ إن “سارة” نقطة في بحر فريق الإخراج والممثلين المشاركين في العمل والأطفال الذين تعلّمت منهم المثابرة عندما كنت متعبة. كانت محطة القطار شبه مهجورة في العراق، ومحمد هو من أدخل الحياة إليها، وليست كما تبدو في الفيلم. حتى العاملون في المحطة منذ عشرات السنين لم يشهدوا إقبالاً على المحطة كالذي شهدته خلال تصوير الفيلم. حين عُرض الفيلم في بغداد كانت المرة الأولى التي يُعرض فيها فيلم عراقي في دور السينما العراقية بعد غياب سبعة وعشرين عاماً، وهذا أمر في غاية الأهمية.
- عندما قرأت السيناريو للمرة الأولى، ماذا كان هدفك الشخصي؟
كان يهمّني أن أفهم لعبة السيناريو وتفاصيل الشخصية، ولكن كلما أمعنت في القراءة تغيرت أهدافي، فحيناً تحبّين “سارة” وأحياناً تكرهينها. ثمة تناقض قوي في شخصية “سارة”. أدخلنا عليها بعض التعديلات، لكن حرصنا على أن تبقى عناصر تكوين الشخصية الأساسية ثابتة... اندمجت بالدور، ولم أبدّل ملابسي لأشهر، وهذا دمّرني نفسياً. تصوير مشاهدي استغرق 65 يوماً، والتدريبات تطلبت ستة أشهر، والتحضيرات للفيلم ثلاث سنوات. أما محمد وفريق عمله فتطلب منهم إنجاز الفيلم أكثر من أربع سنوات.
- هل توقعت أن يُعرض أول فيلم لك ضمن مهرجانات عالمية؟
الفيلم عُرض للمرة الأولى في مهرجان تورونتو، ولكنني توقعت أن يحصد نتيجة جيدة لأنني شاهدت أفلام محمد السابقة وعلمت أين وصلت. اعتقدت أن محمد سيبذل جهداً اضافياً في فيلم “الرحلة”، لكن سارت الأمور بيسر، ومن المهم أن يثق الممثل بالفريق الذي يعمل معه.
- هل رُشّح الفيلم للأوسكار؟
نعم، رشحته وزارة الثقافة العراقية، وفي لبنان رُشح فيلم “كفرناحوم” للمخرجة نادين لبكي، ومن تونس رُشّح فيلم “على كف عفريت” لكوثر بن هنية. أنا سعيدة بذلك، ويهمّني حضور النساء في السينما العربية، وهذا ما أودّ نقله إلى العراق، ولا سيما أنني أعمل مخرجة وثائقيات منذ سنوات.
- كيف كان التعاون مع الأطفال؟
من الصعب جداً التمثيل مع الأطفال، لأنه لا يمكننا أن نقسو عليهم كما نفعل مع الكبار. كنت أتألم بسبب قسوتي عليهم، حتى أنهم باتوا يخافونني في الواقع. انعزلت عن كل الممثلين حتى أبقى في أجواء الشخصية.
- ما أهمية دور المرأة في العراق؟
تلعب المرأة العراقية دوراً فعّالاً في بلدها، ولا سيما في الشأن السياسي، فهي من أكثر النساء العربيات نشاطاً في السياسة.
- قُتل أخيراً عدد من النساء المؤثرات والناشطات في العراق، لماذا؟
حصلت هجمة على الميليشيات المتشددة في العراق، وخلال التظاهرات أُحرقت مراكزهم، لكن الهجمة التي طاولت النساء تأتي في سياق تحرّر المرأة التي هي صورة عن المدنية بغض النظر عن توجهها. مثلاً، تارة فارس عاشت بحرّية واكتسبت شهرة وكانت مؤثرة. رفيف الياسري كانت مؤثرة جداً وأجرت العديد من الجراحات التجميلية لضحايا الحرب والإرهاب الذين تشوّهت ملامحهم، وذلك من دون أي مقابل مادي. إنها المرة الأولى التي أشعر فيها بالخوف من التنقل وحدي في العراق.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024