من إقتصاديات الظل إلى النور
يستعد مجلس الغرف التجارية في السعودية لرفع مذكرة إلى الجهات المختصة بنتائج الدراسة التي أجريت حول إمكان منح المرأة السعودية ترخيصاً رسمياً تزاول به نشاطاً تجارياً من منزلها. وخلصت الدراسة التي أجريت على عدد من السيدات السعوديات اللواتي يعملن من منازلهن، إلى ضرورة توفير فرص عمل أكبر للنساء بعدما أثبتت عدم وجود وظائف شاغرة تكفي لاستيعاب أعداد الخرّيجات المتزايد. في الوقت نفسه سيوفّر هذا الترخيص فرصاً وظيفية أكبر للشباب أيضاً خاصة في القطاع الخاص الذي بدأ يحظى بتوجه النساء إليه بشكل كبير. «لها» عرضت في تحقيقها آراء لسيدات يعملن من منازلهن آخذة برأي رئيس غرفة المدينة المنوّرة وعضو مجلس الغرف صالح السحيمي الذي أطلعنا على الضوابط والشروط التي يتضمّنها هذا التصريح والأسباب التي دفعت إلى إصداره في هذا الوقت بالذات.
ناهد عدّاس : الترخيص يعطي المرأة الضمان الكامل لعملها من أي تزوير أو سرقة
سيدة الأعمال السعودية ناهد عدّاس صاحبة مطبخ (la mamma)، وهو مطبخ صغير يوفّر احتياجات أي مناسبة من خلال تقديم أنواع مختلفة من أنواع الحلويات والمعجنات والسلطات وغيرها من المأكولات، تقول: «أعمل في مشروع صغير منذ ما يقارب السنة في منزلي، وهو عبارة عن إعداد وجبات ومأكولات الأم من المنزل.
وكل مكونات هذا الطعام طبيعية ولا أستعمل المواد الصناعية أو المنهكات. وجدت أن الفكرة نالت إعجاب من حولي وأولادي حتى أن أصدقاءهم أصبحوا يٌقبلون عليها، وعملت على تطوير نفسي واطلعت على العديد من كتب الطبخ والوصفات الخاصة وتجربة كل ماهو جديد في مجال الطعام البيتي».
وعن منح الترخيص لعمل المرأة من المنزل رأت عدّاس أنه أمر مهم جداً لحمايتها من أي تلاسن قد يحدث بخصوص عملها مع أي شخص كان، بالإضافة إلى الضمان الذي يخوّل المرأة إبرام عقود عمل مع جهات أخرى تفيد عملها سواء في الطبخ أو الازياء أو الخياطة أو بيع الملابس الجاهزة أو غيرها من الأعمال التي باتت منتشرة.
«ويخوّل هذا التصريح المرأة ممارسة أي مهنة تريدها وتتقنها دون انتظار الوظيفة المناسبة. كما أن هذه التصاريح ستضمن حق المرأة العاملة من اي سرقة أو تزوير لعملها خاصة أن عدد الخرّيجات في تزايد، ومن ستباشر عملها من المنزل ستبدأ بنوع من التكاسل أو أنها ستبدأ في المشروع بمفردها ويروح الملل يتسرّب إلى المشروع فيفشل. لكن وجود التصاريح سيفتح أمامها باباً من التفاؤل والمضي بحماس وقوة دون الخوف من فشل المشروع»
تالا دهلوي: يعمل على حفظ حقوق المرأة العاملة من منزلها لإنجاح عملها
تالا دهلوي (27 سنة) متزوجة ولديها طفل. بدأت مشروعها عام 2005 وتتلخّص فكرته في تغليف الشوكولاتة والتفنّن في تزيينها بحسب المناسبة، وذلك يتم بعد إحضار الشوكولاتة الخام من المصنع الذي تتعامل معه. تقول: «بعد تخرّجي من الجامعة كنت أمارس مهنة تعليم الأطفال، ثم تزوّجت وجلست في المنزل.
جاءت الفكرة عن طريق الصدفة من خلال صديقة اقترحت أن نباشر عملنا في تغليف الشوكولاتة وإعدادها للمناسبات كأعياد الميلاد والولادة والأفراح والحفلات المنزلية. بالفعل باشرنا العمل أنا وصديقتي، إلا أنني اليوم أكمل العمل بمفردي وبمجهودي الخاص وبدأت بإعداد شوكولاتة تخص مناسبات العائلة والأصدقاء، ووجدت أن الأمر لاقى استحسان الجميع فأسّست مشروعي الصغير (chocotala) الذي يعمل منذ ثلاث سنوات بناء على طلبيات خاصة أتلقّاها من أشخاص لديهم مناسبات عديدة كالزواج أو أعياد الميلاد وفترة الأعياد. فعملي اليوم أستطيع أن أصفه بالموسمي وحسب المناسبات وبحسب ذوق الزبونة واختيارها من حيث الشكل والطعم والنكهة والألوان».
وأكدت دهلوي أن وجود تصاريح للعمل من المنزل سيعمل على حفظ حقوق المرأة التي تكدّ وتتعب من منزلها في سبيل إنجاح عملها لأنها تعمل بمفردها ودون أيدٍ عاملة. وأضافت أن هذا التصريح سيحفظ لها السعر الذي تضعه على منتجاتها، وفي الوقت نفسه سيعرفها المجتمع أكثر وقد يصبح لها إسم تجاري، ويخوّلها إقامة المعارض ويُدرج إسمها ضمن قائمة الأشخاص المهمين في الأوساط الاجتماعية.
لولوة العزة : «السحر» الذي يضمن الحق المشروع لعمل المرأة من منزلها دون مساءلة
الشيف لولوة العزة صاحبة «مطبخ لولو» التي تعلّم الطريقة الصحيحة للطهو لسيدات وفتيات مللن الطبخ الاعتيادي وحاولن تعلّم الوصفات الغريبة والحديثة لأنواع مختلفة من الأكل سواء الياباني أو الهندي والصيني والإيطالي، وصفت هذا التصريح «بالسحر» الذي سيساعد المرأة العاملة من منزلها على أن تعمل في النور محافظة على عملها وإنتاجها وحريصة على أن تعمل ضمن دائرة قانونية.
وأيضاً لكي لا تقع في مساءلة تجعلها متردّدة أو متكاسلة في إكمال ما بدأته في مشروعها الذي انطلق من منزلها. «أعتقد أن وجود هذه التصاريح يضمن لها العمل تحت نظام سجل تجاري وقانوني لضمان حقوقها كاملة وعدم التعرّض لها من أي شخص كان وتحت أي ظرف».
صالح السحيمي : لا يوجد في النظام السعودي ما يمنع المرأة من العمل من منزلها
من جانبه أوضح رئيس غرفة المدينة المنوّرة وعضو مجلس الغرف صالح السحيمي أن مجلس الغرف يدرس فكرة ترخيص عمل المرأة من المنزل لكن إلى الآن لا يوجد آلية نظامية لعملية الترخيص حتى يخرج من اقتصاديات الظل إلى النور. هناك الكثير من الأعمال التي تقام من المنزل «والحقيقة دار الحديث كثيراً حول هذا الموضوع وعن الأسر المنتجة حتى استهلك هذا المسمى وأصبح يُعطي طابع العمل الخيري ولن يحقق نتائج فعلية ملموسة قوية للأسر المنتجة».
وأضاف أن الغرف التجارية الصناعية في المدينة المنورة درست الموضوع بعناية كاملة ودرست الصورة واستقبال الأشخاص له، وتبين أن «العمل من المنزل هو الحل الأنسب ليضع الأمور في نصابها وخاصة للمرأة. وأكدت الإحصاءات العالمية وجود 60 مليون أميركي يزاولون أعمالهم من المنزل، و43 مليون أميركية يؤدين أعمالهن من منازلهن، لذا فإن إيجاد تراخيص عمل للنساء السعوديات سيبرز حتماً عشرات الآلاف من سيدات الأعمال على مستوى السعودية، وكلما ارتفع عددهن ارتفع دخل الأسرة وتفاعل الاقتصاد المحلي. وحقيقة أرى أن العمل من المنزل هو الحل للبطالة وللأسر وللأفراد المبدعين الذين يملكون مميزات ومواهب.
وهو بالفعل الحل للسوق وللعمالة. فعلى سبيل المثال قطاع الهدايا في المدينة المنورة قطاع كبير جداً والكثيرات يستطعن تصنيع الهدايا وتغليفها لكنهن في حاجة إلى رابط بينها وبين المبيعات. لابد أن نحرص على رعاية العمل من المنزل بدءاً من نشوء الفكرة واختيار المنتج وتوجيهه لشريحة محددة والاستفادة من الموهبة وتوجيهها بالشكل السليم. فموهبة الرسم مثلاً أستطيع توجيهها إلى تصاميم الأزياء أو الفن التشكيلي أو لرسم اللوحات التذكارية، فإذا وُجهت بالطريقة الصحيحة إلى منافذ البيع التي ستأخذ منها فبذلك أكون قد صنعت التسلسل من فكرة المنتج إلى نقاط البيع».
وأشار السحيمي إلى أن هذا الترخيص أقرته جميع الغرف التجارية في السعودية وليست فقط المدينة المنورة، إنما غرفة المدينة رغبت في أن تكون سبّاقة في منح هذا التصريح لعمل المرأة من المنزل لأن جوّ المدينة مناسب لهذا النشاط، وهذا ما شجّع غرفة المدينة المنورة على وضع برنامج خاص ينطلق ويتمّ تمويله من الغرفة ومن المتبرّعين. «الآلية لم توضع بشكل واضح بالنسبة إلى الأنظمة ونحن نتوقّع أن يكون هناك تنظيم للحرفيين والحرفيات من جانب الهيئة العليا للسياحة التي تعمل بشكل جاد على هذا التنظيم، وكذلك الجمعيات الخيرية وجمعيات الخدمات الاجتماعية والشؤون الاجتماعية جادة في وضع برامج الأسر المنتجة.
لكن حتى الآن لم تنضج أي تجربة أو تصريح أو قانون أو نظام يُعطي العمل من المنزل ما يستحقه من رخص». وأضاف السحيمي أن «المطابخ المنزلية منتشرة بكثرة في المدينة المنورة وتنتمي إلى اقتصاد الظل، أي أن المرأة في منزلها تحضّر الطعام وهي غير قادرة على إنتاج المطبوعات للتعريف بمنتجها ولا تستطيع الإنتشار إعلامياً وغير قادرة على إيجاد قاعدة تسويقية جيّدة. هذا القطاع بدأ يضمحل تماماً. وعندما بحثنا في الأنظمة وجدنا فيها ما يبرّر أن هذا العمل مرتبط بالغذاء وقد يكون في هذا الغذاء شيء من التسمّم وقد يكون فيه شروط صحيّة وغير ذلك. هنا يأتي دور الغرف التجارية في عملية تقريب وجهات النظر والخروج بـحلّ لجميع المشكلات، ومازلنا نفتقد النظام الذي يرعى برنامجاً حقيقياً وواضحاً للعمل من المنزل، وهذا ما نطالب به وما نسعى إليه من خلال الدراسات».
وشدد السحيمي على ضرورة دعم الغرف التجارية لعمل المراة من المنزل «لأن العقبة الأساسية أمام العمل من المنزل لا تتمثل في التصريح لأنه لا يوجد في النظام السعودي ما يمنع المرأة من العمل من منزلها، ولا يوجد ما يُشجعها على اقتحام المهنة وهنا تكمن المشكلة. فالمسألة تحتاج إلى أمر أعمق من الترخيص. العقبة لن تكون في وجود الترخيص فقط، بل ستكون في اختيار المنتج الصحيح وايجاد مادة خام جيدة وإختيارها بعناية، وفقاً للمادة الخام المتوافرة، ووفقاً لشخصية المنطقة. فالمدينة المنورة تتميز بشخصية معينة يجب الإستفادة منها في كل القطاعات سواء الهدايا أو التذكارات. وفي القصيم مثلاً تعتمد المخابز على عمل الأسر من المنازل في انتاج بعض المأكولات الخفيفة كالفطائر وغيرها».
وأوضح أن «المشكلة تكمن في حاجتنا إلى الرخص لكي نسمح للأمور بالنمو ولنعمل على ضبطها، لأن الترخيص يحدّد المسؤولية المشتركة بين المرأة التي تعمل من منزلها والتاجر الذي يستورد منها. فإذا امتلكت المرأة الترخيص فإن هذا المنتج مسؤول عن نفسه. فإذا كان المنتج مغشوشاً وغير جيد تضيع حقوق المشتري، وكفريق يعمل من المنزل قد لا يبالي وليس لديه ما يخسره لكن الترخيص يحدّد المسؤولية ويطمئن التاجر والسوق فيعتني صاحب المنتج بالتاجر أكثر». وأضاف السحيمي أن «الوضع الحالي لايمنع ولا يشجع، ولا يوجد من يضبط المسؤولية. الترخيص ليس الهدف الأساسي من برنامج العمل من المنزل لأن الترخيص يُحدّد المسؤوليات ويضع هذا الاقتصاد في النور ويجعله ينطلق ويترعرع ويُبعد بعضاً من المصروفات عن كاهل الأسرة والناشئة».
وعن إمكان عمل المرأة غير السعودية من منزلها، لفت السحيمي إلى أن النظام الحالي لم يتبلور بصورته النهائية. «نتمنى أن يكون هناك إنتاج من غير السعودين لأن هناك نقصاً في محلات التمور والحلويات. مازلنا نعاني مشكلة عمالة كبيرة، فالبرنامج الذي نسعى إلى تطبيقه قد يؤمن مراقبات في مجال الصحة للإطمئنان إلى سلامة المواد المستخدمة في المنازل وقد يؤمن برنامجاً تدريبياً. فمثلاً العقال العربي صناعة جميلة ورائجة وحجمها في السوق جيد والشعوب الخليجية هي التي تستخدمه فقط، فلماذا يتم تصنيع العقال في الخارج، والمادة الخام لهذه الصناعة تُرمى وهي صوف الأغنام؟
هي فقط عملية ربط بسيطة، تحتاج إلى التدريب وتهيئة المادة الخام، إضافة إلى وجود تجار يتسلمون هذا المنتج بشكله النهائي. فيجب أن يتم هذا الأمر تحت إشراف برنامج الرعاية الذي يهتمّ بالمادة الخام والمنتج وتأمين التسويق ووضع مواصفات وضوابط. بعد ذلك يتمّ إيصاله إلى السوق من خلال البرنامج الذي يُعطي المرأة الخبرة في تسويق منتجاتها، لذلك هو برنامج نستطيع عنونته «حاضنة الأعمال» للمرأة التي تعمل من المنزل ليهتمّ بكل المهن التي تستطيع إنجازها من الألف إلى الياء. فإذا استطعنا تحقيقها نستطيع الوصول بها إلى ما يُسمى «ثقافة الإنتاج» التي تمهّد الطريق أمام المرأة العاملة من منزلها لتصبح معروفة في الوسط الإجتماعي لتخرج بعد ذلك من الحاضنة إلى المجتمع».
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024