لندن: London مدينة الضباب والقصور الملكية
حطّت الطائرة التابعة لطيران الخليج في مطار هيثرو- لندن في تمام السادسة والنصف صباحاً، علماً أن الرحلة من البحرين إلى لندن استغرقت قرابة الست ساعات ونصف الساعة. إلا أن حجز مقعد على متن درجة رجال الأعمال أو “الصقر الذهبي” ضَمَن لي رحلة مريحة وخالية من العناء، لا سيما أن الطائرة هي من طراز بوينغ 787-9 دريملاينر الجديدة، وتتميز بمستويات معدّلة من الرطوبة وضغط أعلى لمزيد من الراحة للمسافر، وخزائن علوية بحجم أكبر لتستوعب حقائب الركاب، وإضاءة مريحة، وتكنولوجيا مطوّرة تستشعر المطبّات الجوية لضمان رحلة أكثر سلاسة.
انتقلتُ وزملائي في الرحلة، من مطار هيثرو- لندن إلى فندق “لانغهام” المصنّف فئة خمس نجوم، الواقع في ريجنت ستريت، والذي يبلغ عمره 150 عاماً.
فندق راقٍ وعريق
دشّن أمير وايلز، إدوارد السابع، في العام 1865 فندق “لانغهام” لندن ليصبح الفندق الفخم الأول في أوروبا. يتميّز هذا الفندق بموقع استراتيجي منقطع النظير، إذ يقع في أوّل شارع ريجنت في قلب منطقة ويست إند، ويعبّر أسلوبه الكلاسيكي العصري عن أجواء الضيافة الودودة، لا سيما بعد خضوعه لسلسلة أعمال ترميمية عام 2009 أضافت إلى هذا المعلم البارز تصاميم جديدة، مثل السقوف ذات الطابع التاريخي، التي تتميز بألوان طبيعية هادئة ومتناغمة وتوفر خلفية أنيقة، ونظام إنارة متميز وقطع أثاث فاخرة. ولإضافة طابع استثنائي على الديكور، تتضمن الغرف والأجنحة الجديدة نخبة من الأعمال الفنية المميّزة بتوقيع فنانين عالميين.
يوفر الفندق 380 غرفة مطلّة على المدينة، تتميز بتصميم مرموق وتترافق مع أجهزة تكييف، وإنترنت عالي السرعة، وتلفزيون متعدد القنوات، إضافة إلى غلاّية كهربائية، وماكينة لتحضير القهوة والشاي.
يقع الفندق في قلب المدينة، ويمكن الوصول منه بسرعة إلى بيكاديلي سيركوس، وأوكسفورد ستريت، وبوند ستريت وريجنت ستريت. هكذا، يستطيع نزيل فندق “لانغهام” التوجه سيراً على الأقدام إلى شوارع التسوّق وعيش تجربة التسوّق المميزة في لندن.
كما يقع الفندق على مقربة من المتاحف والجامعات والحدائق والمتنزّهات وقصر باكنغهام، وهو على مسافة قريبة جداً من محطة قطار الأنفاق التي تتيح الوصول إلى كل أنحاء مدينة لندن بسهولة.
جلسة شاي على الطريقة الإنكليزية
تعتبر مدينة لندن رائدة في مجال الثقافة والأزياء والتمويل والسياسة والتجارة. ويزورها عدد كبير من السيّاح لكثرة المناظر الطبيعية فيها ومعالمها السياحية المشهورة. إلا أن لندن تشتهر أيضاً بجلسات الشاي التقليدية، التي تشهد إقبالاً كبيراً وتتنافس الفنادق الكبرى على تقديم الجديد لجذب محبّي هذا التقليد البريطاني بامتياز.
لذا، استهللنا زيارتنا إلى لندن بجلسة شاي في فندق “لانغهام” الفخم، وتحديداً في مطعم “بالم كورت” Palm Court.
خلال جلسة الشاي التي امتدّت قرابة الساعتين، تناولنا أنواعاً مختلفة من الشاي الأسود والأخضر والأبيض، وتلذّذنا بأشهى أنواع السندويشات البريطانية التقليدية والحلويات الشهية. يُذكر أن فندق “لانغهام” هو عرّاب صالونات الشاي الفخمة في لندن إذ منه انطلقت الشرارة الأولى.
يُذكر أن تقليد جلسات الشاي يعود إلى الأوساط الأرستقراطية الإنكليزية، ويعتبر محطة أساسية في التشريفات البريطانية منذ أن اعتمدته دوقة بيدفورد عام 1840. واللافت أن الشاي لا يُقدّم بمفرده، بل ترافقه مجموعة من المأكولات التي تُقدّم على صينية من ثلاثة طوابق، تحتوي على السندويشات والسكونز بالكريما ومجموعة منوعة من الحلويات.
قصر باكنغهام Buckingham Palace
صمّمتُ منذ يومي الأول في لندن على زيارة قصر باكنغهام، أحد أهم القصور الملكية في العالم، ومقرّ السكن الرسمي للملكة إليزابيث الثانية. إنه أحد أشهر الأماكن السياحية في لندن، ويضمّ عدداً من أكبر الحدائق الخاصة في العالم.
يقع قصر باكنغهام في مكان ساحر بطبيعته بين حدائق هايد بارك وسانت جايمس وغرين بارك. يمكن الوصول إليه سيراً على الأقدام لأنه يبعد دقائق قليلة عن ميدان ترافلغار الشهير في مدينة لندن.
يبلغ ارتفاع القصر الملكي حوالى أربعة وعشرين متراً، ويتألف من خمسة طوابق مع واجهة لافته للأنظار يبلغ طولها مئة وثمانية أمتار. يضمّ القصر أربعة أجنحة و557 غرفة. قبل الدخول إلى قصر باكنغهام، حرصت على زيارة الحديقة الخاصة للعائلة الملكية، حيث توجد بحيرة كبيرة وسط الأشجار والنباتات الخضراء. كما استطعت رؤية الإسطبل المليء بالخيول الأصيلة. أخبروني في الفندق أنه يمكنني مشاهدة تبديل الحرّاس الملكيين في تمام الساعة 10:00 صباحاً، ولذلك حرصت على التواجد هناك لحظة حصول ذلك. عند دخول قصر باكنغهام، لفتني النصب التذكاري الفيكتوري الذي أنجزه النحّات السير توماس بروك عام 1911 ويُعرف باسم كعكة الزفاف نظراً لشكله المميز. شاهدت أيضاً القاعات الملكية الأنيقة والمتميزة بفخامة أثاثها وجدرانها المزيّنة بلوحات زيتية أصلية. ولم أفوّت طبعاً فرصة الاطّلاع على المجموعة الكبيرة من القطع الفنية النادرة التي تعود ملكيتها الى العائلة الملكية.
عين لندن London Eye
“عين لندن” أو London Eye أو “عجلة الألفية”... كلها أسماء لمعلم واحد يعدّ من أهم المعالم السياحية في لندن. تقع “عين لندن” على الضفة الجنوبية لنهر التايمز Thames، بين جسرَي وستمنستر وشونغيرفورد. وهي معلم سياحي منافس لساعة بيغ بن وبرج لندن، المشهورين أيضاً في مدينة الضباب. وقد فازت “عين لندن” بالجائزة البرونزية لأفضل أماكن الجذب الترفيهية في المملكة المتحدة عام 2011.
كان اسمها الرسمي في البداية “عين لندن الخطوط الجوية البريطانية”، ثم أصبح لاحقاً “عجلة لندن لـ ميرلين الترفيهية”، وتغيّر بعدها ليصبح “عين لندن لشركة EDF للطاقة”. ومنذ منتصف شهر كانون الثاني/يناير 2015، بات اسمها “عين لندن كوكا كولا” نتيجة اتفاقية تم توقيعها مع الشركة عام 2014.
تم افتتاح “عجلة عين لندن” في 31 كانون الأول/ديسمبر 1999 بحضور رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، لكنها لم تُفتتح أمام العموم إلا في 9 آذار/مارس 2000 بسبب بعض المشاكل التقنية.
اشتريت التذكرة وركبت في عجلة لندن لمشاهدة مدينة الضباب من الأعلى والتقاط أجمل الصور التذكارية أثناء دوران العجلة حول محورها. تستغرق مدة الدورة الواحدة 30 دقيقة تقريباً، لكنني أؤكد لكم أن نصف الساعة هذا سيبقى محفوراً في ذاكرتكم مدى العمر. يُذكر أن كل حجرة مشاهدة في “عين لندن” تتخذ شكل الشرنقة الجذابة وتعرض جدرانها الزجاجية منظراً للعاصمة بزاوية 360 درجة.
برج لندن London Tower
“برج لندن” أو “قلعة لندن” عبارة عن قلعة تاريخية في وسط لندن على نهر التايمز من ضفته الشمالية. بدأ بناؤه في أواخر عام 1066، واكتمل عام 1078، حيث كان ويليام الفاتح هو من أمر ببناء البرج الأبيض ليصبح رمزاً لقوة الأسرة الحاكمة في إنكلترا.
استُخدم “برج لندن” كمستودع لحفظ الأموال والأسلحة والحيوانات، وكدار لصكّ العملة، وحفظ السجلّات العامّة، ومقرّ لحفظ الكنوز الملكيّة.
يتألّف البرج من ثلاثة أجنحة رئيسة، حيث يحتوي الجناح الأعمق على البرج الأبيض، وهو أقدم مباني البرج أو القلعة، يلتفّ حوله الجناح الداخلي الذي بُني في عهد الملك ريتشارد قلب الأسد، والجناح الثالث هو الجناح الخارجي الذي يحيط بالقلعة.
اليوم، يعتبر “برج لندن” نموذجاً رائعاً للحضارة العريقة التي سادت لندن عبر العصور التاريخية المختلفة، وهو وجهة رئيسة للسيّاح. أُتيحت لي فرصة مشاهدة العديد من الآثار في ذلك البرج مثل الأسلحة والدروع الملكية التي تعود الى الأسر الملكية التي توالت على حكم إنكلترا. كما استمتعت بالإطلالة البانورامية التي يوفرها البرج على مدينة لندن، ووجدت المكان مثالياً لالتقاط أجمل الصور التذكارية. يُذكر أن هذا البرج مجهّز لذوي الاحتياجات الخاصّة، ومصنّف ضمن مواقع اليونسكو التراثية.
جسر البرج Tower Bridge
“جسر البرج” هو جسر معلّق ومتحرك يربط بين ضفّتَي نهر التايمز، ويتألف من برجين رئيسين يصل بينهما في الطابق العلوي ممران أفقيان للمشي.
صمّم البرج المهندس جون وولفي باري عام 1876، وبدأت أعمال بنائه عام 1886 لتنتهي عام 1896. هكذا، أصبح “جسر البرج” الأكثر ارتفاعاً في العالم، بحيث بلغ طوله 244 متراً مع البرجين، وارتفاعه 65 متراً.
لدى زيارتي “جسر البرج”، استطعت مشاهدة تصاميم الجسر الداخلية والتجول في الممرات التي توفر إطلالات رائعة على أفق لندن ونهر التايمز. أودّ الإشارة هنا إلى أن محيط جسر لندن يضمّ العديد من المقاهي والمطاعم حيث يستطيع السائح الجلوس في أحدها وتناول وجبة لذيذة مرفقة بإطلالة ساحرة.
ساعة بيغ بن Big Ben
لا يمكن الوصول إلى لندن وعدم زيارة الساعة الأشهر في العالم، ساعة بيغ بن. يبلغ عمر الساعة أكثر من قرن ونصف القرن، وتشتهر بدقّتها المتناهية في قياس الوقت، وتعتبر دقّاتها رمزاً للتوقيت العالمي.
لسوء حظي، لم أستطع سماع دقّات بيغ بن، لأن الساعة تشهد حالياً أعمال ترميم واسعة، بدأت في 22 آب/أغسطس 2017، بحيث توقف جرس ساعة بيغ بن عن العمل ليصمتَ أربع سنوات بهدف تجديد البرج الذي ترتفع عليه الساعة، علماً أن بيغ بن لم تتوقف عن العمل طوال 157 عاماً.
عند سؤالي عن تاريخ بناء هذه الساعة، اتضح لي أنَّه في 3 حزيران/يونيو 1859 بدأ العمل بساعة بيغ بن، وارتبط الاسم بالجرس لا بالساعة. أشرف على تصميم برج الساعة وتنفيذه وزير الأشغال البريطاني بنيامين هول، ويقال إنه كان ضخم الجسم، فأطلقوا عليه لقب بيغ بن، وحمل جرس الساعة الضخم اسمه تكريماً له. يبلغ ارتفاع ساعة بيغ بن 2.28 متر وعرضها 2.75 متر، فيما يبلغ طول عقربيها 9 و14 قدماً. ويشار إلى أنه يمكن سماع دقّات بيغ بن من داخل البرلمان حيث الصوت أكثر هدوءاً على عكس الشارع.
وفي استطلاع أُجري عام 2008، احتلت ساعة بيغ بن المرتبة الأولى كأفضل معلَم في بريطانيا. وفي العام 2012، بات البرج يعرف رسمياً باسم برج إليزابيث، بدل برج الساعة، تكريماً لليوبيل الماسي للملكة اليزابيث الثانية.
قصر وستمنستر Palace of Westminster
قصر وستمنستر هو أحد أقدم القصور في لندن، إذ تم بناؤه في القرن التاسع عشر، ويعدّ مثالاً رائعاً للعمارة الفيكتورية الجديدة والقوطية. يتميز القصر بموقعه الاستراتيجي على نهر التايمز، وبات اليوم مكاناً لاجتماع البرلمان والمجلس العمومي. يمتاز القصر بتصميمه المعقّد بحيث يضم 1100 غرفة و100 سلّم، ومن أهم معالمه الجزء القديم من قاعة قصر وستمنستر، التي يقدر عمرها بحوالى 950 عاماً.
يضمّ القصر أيضاً كنيسة وستمنستر ماري التي تخطف الأنظار بروعتها، وهي مخصّصة للعمادات وحفلات الزواج وتتويج الملوك ودفنهم. ولم أفوّت طبعاً زيارة دير وستمنستر الشهير الواقع بجانب القصر، والذي يعرض العديد من القطع الأثرية الملكية، إضافة إلى تاريخ ملوك إنكلترا وإنجازاتهم.
جولة تسوّق
لا يمكن زيارة لندن وعدم اختبار متعة التسوّق فيها. محطتي الأولى كانت في محلات Selfridges الشهيرة، التي تعتبر أحد أكبر متاجر لندن. هذا المكان مثالي لشراء الهدايا التذكارية المميزة نظراً لتنوع المحال التجارية وتعدد الماركات الشهيرة في عالم الأزياء والأكسسوارات والأحذية. ولعلّ أكثر ما لفتني في محلات Selfridges هو نوافذ العرض الإبداعية التي تخطف الأنفاس.
محطتي الثانية كانت في متجر “مولبوري”
Mulberry في ريجنت ستريت، الذي تم افتتاحه حديثاً بمفهوم جديد ومبتكر. يتألف المتجر من طابقين ويعرض أحدث ابتكارات مولبوري في الأكسسوارات الجلدية الفاخرة.
أما المحطة الثالثة فكانت حتماً متجر “هارودز” Harrods الذي يعتبر أشبه بحلم يسعى لرؤيته كل شخص يزور لندن. أسّس المتجر تشارلز هنري هارود عام 1849، وكان شعار المحل آنذاك
Omnia Omnibus Ubique، أي “كل شيء لكل الناس في كل مكان”. يمتدّ المتجر الآن على مساحة 90 ألف متر مربع، ويعمل فيه أكثر من 5000 موظف، ويزوره نحو 15 مليون شخص سنوياً.
إلى اللقاء لندن
أربعة أيام كاملة أمضيتها في ربوع لندن أتاحت لي التعرف عن كثب على مدينة الضباب التي سمعت عنها وقرأت الكثير، لكن زيارتي لها تخطّت كل توقعاتي. فالسياحة في هذه المدينة لم تكن عابرة، بل ستظل عالقة في ذاكرتي لسنوات طويلة. كيف لا، ولندن هي عاصمة الثقافة، وعاصمة الترفيه، وعاصمة التسوّق، وعاصمة الفن، وعاصمة الأشياء الجميلة والأجواء الرائعة؟!
شعرت أن الأيام الأربعة ليست كافية أبداً لاستكشاف كل جوانب المدينة. فهناك الكثير من المتاحف والأسواق والمعالم السياحية الأخرى التي لم تتسنَّ لي زيارتها، ولذلك وعدت نفسي بأن أعود إليها في القريب العاجل لأتعرف على ما فاتني منها هذه المرة...
معلومات مهمة
عن لندن
الموقع الجغرافي: على ضفة نهر التايمز جنوب بريطانيا
المناخ: معتدل مع هطول أمطار على مدار العام
العملة: باوند بريطاني
فارق التوقيت بين لندن والإمارات: 3 ساعات
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024