تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

طقوس الزواج الصحراوي في المغرب

في جنوب المغرب تغلب العادات والتقاليد المتوارثة منذ مئات السنين، بدءاً بمراسم الخطوبة وشروط أهل العروس وكتابة العقد وانتهاء بليلة الدخلة.
وتعتبر ظاهرة إخفاء العروس (الترواغ) حسب الباحثين امتحاناً للعريس لمعرفة مدى تعلقه بزوجته وحبه لها، فبقدر ما يبذل من جهد في البحث عنها ويطوي من المسافات في سبيل ذلك ويتصبب منه العرق، وبقدر ما ينفق ويستجيب من شروط صديقاتها، يكون مقياس حبه لها وتعلقه بها. أما إذا أظهر عدم اهتمام بالموضوع، أو لم يبذل جهوداً في البحث عنها، فإن ذلك دليل على برودة حبه لها، مما يشكل نقيصة تعيَّر بها العروس بين صديقاتها في المستقبل.


عادات نادرة

وتذكر الباحثة في التراث الصحراوي الغالية الكواري أن زواج الأقارب ينتشر بين سكان المنطقة، حيث يفضل الصحراويون المنقسمون قبائل عربية عدة تزويج بناتهم من أبناء عمومتهم، بينما يُترك للذكور حرية الاختيار بين بنت العم و«الأجنبية»، وهو لقب يطلقه سكان الصحراء على فتاة تنتمي الى قبيلة أخرى، مشيرة  إلى إن الآباء يحثون أبناءهم على اختيار الشريك من أفراد العائلة الواحدة أو من العشيرة نفسها. وإن اتسعت دائرة الاختيار فهي لا تتعدى القبيلة. والدافع من وراء هذه السياسة هو التقارب والتضامن الأسري، وما تفرضه المصلحة الشخصية، اذ إن أكثر أبناء العمومة يشتركون في مشاريع اقتصادية، ويفضلون أن تبقى الصلة دائمة بينهم.

وتضيف: «إذا كانت القاعدة في المجتمع الصحراوي هي تفضيل بنت العم، فإن الأمر لا يزال بيد الرجل، فهو يستطيع الارتباط بأخرى. إلا أن ما ستلاقيه هذه من رفض عائلي وقبلي كفيل بإجهاض مشروع الزواج في سنواته الأولى».

وعن العادات السائدة في الخطوبة والزواج تقول الغالية إن «الاتفاق على الزيجة يتم بين عائلتي الخطيبين، ويجري العقد طبقا لنصوص الشريعة الإسلامية بحضور القاضي وشاهدين ووكيلي العروسين، حيث تفرض العادات ألا يحضر العريس والعروس عقد القران. إلا أن القاضي يقوم شخصياً أو من خلال الشاهدين بالتأكد من رغبتهما في هذا الزواج. وذلك بعد مقابلة كل منهما على حدة، والحصول على توقيعيهما على وثيقة قبول الزواج، وهذا الإجراء يهدف إلى القضاء على الزواج بالإكراه».


لاسابقة ولا لاحقة

وتؤكد الباحثة أن «غالبية عقود الزواج تتضمن عبارة «لا سابقة ولا لاحقة»، وهو شرط يفرضه أهل العروس يلغي كل زواج سابق، ويمنع أي زواج لاحق، لأنه يعني حصول ابنتهم على الطلاق بصفة آلية في حالة تزوج الرجل من أخرى».

وتقول إن الاحتفال بالعرس الصحراوي يتسم بالبذخ والمغالاة، ومازالت حفلات الزواج تمتد في بعض المناطق أسبوعاً كاملاً، وفي كل يوم يتم الاحتفال بعادة معينة. وتضيف: «حفلة الزفاف تنطلق رسميا بعد إتمام العقد وقراءة الفاتحة، فتطلق النساء زغاريدهن التي تكسر صمت الليل الصحراوي. وقد جرت العادة أن تتم كل العقود في المساء، وترتدي العروس الزي التقليدي، وهو عبارة عن ملحفة سوداء عليها شال أبيض، وتتزين وتخضب يديها بالحناء، وتتحلى بحلي تقليدية مصنوعة من الذهب والأحجار الكريمة. أما العريس فيرتدي دراعة بيضاء وهي دشداشة واسعة، ويطوق عنقه بلثام أسود».

وتتابع «يحيط الأصدقاء والأقارب بالعريس ويزفونه إلى عروسه. وقبل الدخول إلى الخيمة المخصصة للاحتفال يطوف العريس بالخيمة سبع مرات من الخارج، ثم يدخل ويجلس في الزاوية الشمالية الغربية مع عروسه. ويستمر الغناء والرقص حتى ساعة متقدمة من الليل، وهو الوقت الذي تزف فيه العروس وسط موكب من الزغاريد والأهازيج يسمى «الترواح». وعند باب خيمة العرس تدور معركة حامية الوطيس بين فريقي العريس والعروس، ويحاول فريق العريس إدخالها إلى الخيمة لتلحق بالعريس، بينما يحاول الفريق الآخر منعها من ذلك».

 

دية لتحرير العروس

ويذكر الباحث في التراث الصحراوي ابراهيم الحيسن انه خلال ليلة الدخلة ووفقاً لطقوس الزواج التقليدي في الصحراء، يتم ما يعرف بالترواغ، وهو إخفاء العروس من جانب صديقاتها في مكان سري، الأمر الذي يلزم العريس بمعية أصدقائه البحث عنها والعثور عليها مهما كلف الأمر. ويأتي الغرض من ذلك إثارة الحماس والشعور بالغيرة لدى العريس واختبار درجة حبه وتعلقه بعروسته.

ويظل أهم شيء يميز المروح هو شعيرة الاختطاف، اذ تقضي التقاليد الصحراوية أن يسعى حلف العروس بزعامة صديقاتها إلى اختطافها وإخفائها. وفي حالة نجاح حلف العروس، يكون على العريـس دفـع دية لتحرير العروس.

والترواغ حسب الباحث عملية لازمة في اليوم الأول للدخول، فتعمد صاحبات العروس الى إخفائها عن العريس في مكان مجهول وقيام العريس بالبحث عن زوجته بمعية أصحابه، وإذا وجد العريس عروسه أتى بها في موكب مصحوب بالزهو والحماسة..

ولخداع العريس ومعاونيه، تتزين إحدى صديقات العروس وترتدي أزياء شبيهة بملابسها وتختبئ في مكان قريب حيث يعثر عليها بسهولة، ليتم حملها -خطأ- إلى العريس الذي يفاجأ بمجرد الكشف عن وجهها، وهو ما يسمى «لْمَرْطَ»، (أي الخدعة والتوهيم) في القاموس الشعبي الحسّاني. لحظتها ينقلب المشهد إلى مسرح من الضحك والسخرية، ويستمر البحث عن العروس!

ويرمز مصطلح «الترواغ» الذي يعني باللهجة الحسّانية المطاردة والإخفاء، الى عادة قديمة لدى المجتمع الحساني تصاحبها عملية ترهيبية من الرجال تصل في سخونتها إلى تعنيف من تأكد أنهن وراء إخفاء العروس وإبعادها عن الأنظار، ولكن في إطار ودي يخفف آثار السياط المسلطة على النساء، وفيه ترسيخ للعادات والتقاليد وتقبلها بصدر رحب من كل المشاركين.

وفي الكثير من الأحيان، تلجأ صديقات العروس إلى إخفائها في مخازن الحبوب وبين الأعرشة وفي مكان قصي يصعب العثور عليه بسهولة، بل قد يذهبن أبعد من ذلك إلى حفر حفرة كبيرة تتمكن العروس من التمدد داخلها ويغطين الحفرة بحصير مع ترك كوّة للتنفس.

ويواصل الباحث سرده لتفاصيل العرس الصحراوي قائلا«حين يختلي العريس بزوجته يتوقف قرع الطبل وينسحب الحضور وهم على موعد مساء اليوم التالي، لتقيم لهم عائلة العريس وليمة كبيرة احتفاء بالعروس».

من جهته، يقول الكاتب محمد البوزيدي ان الاحتفالات بالعرس الصحراوي تستمر سبعة أيام للبكر، وثلاثة أيام للثيب، ويوماً واحداً لمن سبق لهما الزواج. ويضيف أن العرس الصحراوي لا يخلو هو الآخر من أجواء الدعابة، ففي ليالي الترواغ (الثانية والخامسة) تختفي العروس ويلزَم العريس وأصحابه أن يعثروا عليها، وذلك لإثارة غيرة العريس واختبار مدى تعلقه بعروسه... أما الليلة الأخيرة فتسمى «أحشلاف» وتعني النهاية، وفيها تبيت العروس إلى جانب زوجها. وتقابل هذه الليلة ليلة الترواح المعروفة عند القبائل الأخرى حيث تقوم مجموعة من النساء بترديد مجموعة من الأهازيج الشعبية كتشجيع للزوجة منها:

يالعروس تعشاي سابك ماجالعريس // ياعروس تناولي عشاءك قبل مجيء العريس

كومي ضرك تمشاي والصبح يجيك دريس //وقومي الآن لتمشي فغدا ستكونين أحسن

ومن الاهازيج كذلك:

ياما باتي الا باتي على خير

كنت وحدة منا وكبظت منا أمير

كلت تمشي عنا يجعلك فيها خير


فوق هودج ناقة

طقوس العرس قديماً لا تختلف كثيراً عن العرس الحالي، ولعل الاختلاف الوحيد بينهما هو أن عائلة العريس تنصب خيمة خاصة بالعروسين تسمى خيمة «الرك» تبعد عن مضارب القبيلة «الفريك» نصف كيلو متر. وفي الحفلة الختامية للعرس الصحراوي تزف العروس إلى عريسها فوق هودج ناقة، ثم تنحر الناقتان ليلة العرس واليوم الموالي واحدة من قبل أهل العريس والثانية من أهل العروس، وفي صبيحة العرس يتناول الجميع أكلة العيش التي تحضر بدقيق الشعير والماء والزبدة.

ويضيف الباحث أن «تقاليد العرس الحالية حافظت على مميزات خاصة بالعروس من خلال تلثمها بلحاف أسود وآخر أبيض، وهي مزينة بالعقيق وحلي الذهب والفضة وبعطر الخميرة الممزوج بالقرنفل والعطور والبخور. كما حافظ العرس الصحراوي على الأجواء الاحتفالية التي تصاحبه، فالاحتفال ما زال يتم في جو من المرح والرقص والموسيقى والغناء، على إيقاع آلات مشهورة بالصحراء المغربية، كالكدرة والطبل والكيتار».

ومن أشهر الرقصات التي يحرص الصحراويون على أدائها في العرس رقصة الكدرة، وتكمن خصوصيتها في تزامن الحركات وقرع الآلات والرقص والإيقاع، ويشترط في الراقص أن يتميز بخفة الحركة والتوازن. وعادة ما تكون آلة الطبل محور اللعب في هذه المنطقة، فتسجل بتقاطعات موسيقية لحظات توقف ينتقل الراقص فيها من وضع إلى آخر ومن هيئة الى أخرى.

لهذا كله يبقى العرس الصحراوي بطريقته المعروفة ميزة خاصة لأهل الصحراء الذين يحاولون الحفاظ على موروثهم الثقافي من خلال تطبيق عادات وتقاليد مختلفة رغم مظاهر التمدن التي بدأت تخترق كل المجالات.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079