تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

الفنانة الفوتوغرافية تغريد وزنة: أطمح الى التعلّم في كل المسارات الفنية

تغريد وزنة

تغريد وزنة

تغريد وزنة

تغريد وزنة

رصدت عيناها بوتقة الفن، وأوقدت أناملها شعلته، لتنير الطريق للآخرين بأبجدية تشكيلية متنوعة ومفردات فوتوغرافية مختلفة باختلاف أنماط الحياة، بعد أن غاصت فرشاتها في عمق الفنون العربية، وعزفت أناملها سمفونية فنية تحمل إيقاعاً حجازياً موقّعاً ببصمة فريدة من نوعها. “لها” التقت الفنانة التشكيلية والفوتوغرافية تغريد وزنة، رئيس لجنة بيت المصورين ومنسّقة لجنة التصوير الضوئي في جمعية الثقافة في جدّة ورئيسة لجنة التصوير في جمعية التراث المعماري سابقاً لتسافر على متن شواطئها الإبداعية.


- هذا التنوع الثقافي الفني الجميل، كيف جمعت أطرافه وغُصتِ في قلبه؟

بعد نجاحي في الثانوية العامة، حلمت بدراسة الفنون الجميلة بماهيتها كما تُدرّس في أوروبا، لكن هذا لم يكن متاحاً في ذلك الوقت، فتخصّصت في الفنون الإسلامية في جامعة الملك عبدالعزيز في جدّة وسافرت مع زوجي إلى أوروبا، وكانت نقطة الانطلاق من مدينة “بازل” السويسرية، معقل المتاحف والفنون، حيث أبحرتُ في قلب المدينة وتعرفت على فنونها وحصلت فيها على دبلوم في الفن التشكيلي. بعدها، سافرت الى فلورانسا في إيطاليا حيث تخصّصت في ترميم المتاحف القديمة والذي كان يتم بالطرق التقليدية، على عكس ما هو حاصل اليوم بحيث يتم استخدام التقنيات الحديثة في الترميم، كما درست النحت على أحجار الغرانيت والرخام.

- أي نوع من الأحجار استهوى تغريد؟

حجر الغرانيت، شدّني لونه الجميل “Peach Color” وشكله الأجمل، وهو غنيّ بالترسّبات المعدنية التي تحمل تدرّجات اللون الأخضر.

- كيف جمحت الى الفن الفوتوغرافي؟

كان ذلك بمحض الصدفة. فحين سافرت مع زوجي إلى نيويورك لأشهر محدودة، شدّني هذا الفن من خلال الأزياء والإعلانات فقررت أن أدرس هذا المجال بإشراف الأستاذ “ستيف ماكوري”، وعملت معه كصحافية متدرّبة، في زمن تظهير الصور وتحميضها، حيث كنت أطمح الى التعلّم في كل المسارات الفنية.

- بمَ يفيدك تعلّم الفن الفوتوغرافي؟

الفن الفوتوغرافي خدمني في الفن التشكيلي، فقد ربطت بينهما حين تابعت تخصصي في Landscape على مساحات واسعة من الطبيعة، وشغلتني حياة الآخرين في الشارع للاطّلاع على همومهم.

- الفنون تخرج من بوتقة واحدة وتتفرع، كيف تمكنت من إشعال أكثر من شعلة؟

الفنان الذي يعشق التوسع في دراسة الفنون، يبحث عن الحلقة التي تربط الفنون ببعضها البعض بأسلوب فني. وهذا الربط يعود الى العمل الفوتوغرافي الميداني، فحين ألتقط بعدستي صورة بورتريه في الشارع، أعود الى مرسمي كي أضع بصمتي عليها من خلال الفن التشكيلي لحظة أمسك بالفرشاة وأغمسها في عمق اللون.

- من خلال رحلاتك الفنية المتنوعة، أي الفنون يجعلك تغوصين في أعماق الحياة؟

الفن التشكيلي هو الأساس، وهو الذي يأخذني في رحلة شيقة للغوص في الأعماق فأبقى مع اللوحة فترة طويلة من الزمن، أهتم بتفاصيلها كما أهتم بأولادي لأنقش عليها إحساسي بصدق وأضع بصمة فريدة من نوعها، عنوانها “تغريد”.

- العين ترسم وترى... ماذا ترصد عينا تغريد؟

ترصد الجمال بكل أنواعه، وأُظهر حسّي الجمالي في كل شيء، لأحقق القيم الجمالية في الكتلة التي أمامي مهما كان شكلها من الناحية التشريحية، فأخرج بأدق التفاصيل الجميلة.

- كيف ترصدين جمال الوجه بعمره الزمني؟

كل خط من خطوط الزمن يروي حكاية في عمقها ألفُ رواية، وكل خط يرسم على الوجه ألماً أو أملاً أشعر بحزنه وفرحه وما مر به من أمور حياتية صعبة، وكل نظرة تلقيها العين، سواء كانت وجعاً أو تعباً أقرأ ما فيها من علامات السنين.

- لوحة “الخيل العربي” تحمل طابعاً مميزاً، ما الرسالة التي أحبّت تغريد إيصالها الى العالم؟

قصتي مع الخيول قديمة تعود الى فترة تعلّمي ركوبها في أوروبا من خلال رياضة القفز فوق الحواجز، وما زلت أحتفظ بأي حدوة غيّرتها للحصان بعد كل مباراة فزت بها، ولا تزال معلّقة على جدران منزلي، حيث كان حصاني، واسمه “سلمان”، عربياً أصيلاً ويشاطرني الفرح والحزن، أخاطبه فينصت إليّ، وأسرّح يدي على شعره بحنان فألمح الفرح في عينيه. لقد علّمني الصلابة وقوة التحمّل والمثابرة من دون يأس، حتى وإن كان مريضاً، لا يسقط أرضاً لأنه ينام واقفاً، وكل سيدة تمارس فن الفروسية تتمتع بجرأة كبيرة وصبر طويل.

- لوحة “الخيل العربي” استوقفت الأمير تركي العبدالله الفيصل آل سعود في حفل مسابقة الفن التصويري التي أُقيمت في جدّة أخيراً، ونظّمتها جمعية التراث العمراني، ما الحديث الذي دار بينكما؟

كنا خمسة أشخاص عيَّننا الأمير سلطان بن سلمان، وكان رئيسنا الأمير تركي العبد الله الفيصل، ونظراً لكوني عضواً في جمعية التراث العمراني، نظّمت ورشة للفن التشكيلي في بيت ناصيف في جدّة القديمة، لكن الفنانين والفنانات أصرّوا على أن أرسم لوحة، فعدت بذاكرتي الى الحصان “سلمان” والتقطت الفرشاة بأناملي وجسّدت ما حفظته الذاكرة من ملامح لهذا الحصان في لوحة “فحم على كانفس”، التي استوقفت الأمير تركي ليختبر ما رسمت ويسألني عن نوع الخيل فأجبته حينها: “أجل إنه خيل عربي أصيل”.

- ما الذي يميز الخيول العربية الأصيلة؟

الرشاقة وقوة التحمّل والحس العالي.

- تطور التصوير الفوتوغرافي وأصبح لدينا تصوير رقمي، لكن ما هي أسراره؟

التصوير الرقمي أسهل بكثير من التصوير العادي، ولا تكلفة عالية له أو أسرار، بينما التصوير القديم أجمل وأصعب. كنا ننتظر على أحر من الجمر لرؤية الصورة والتأكد من جودتها، لذا فهذا الجيل محظوظ لامتلاكه أدوات تسهّل عليه أمور الحياة.

- هناك نوع من التصوير يعتمد على الإضاءة الطبيعية “نور الشمس”، ما هي ميزاتها؟

ليس هناك أجمل من نور الشمس، سواء كان Land scape أو بورتريه، فهو يمنحني الحياة وأستطيع التحكّم به سواء في الظل أو الضوء، ومهما كانت الظروف أفضّل الضوء الطبيعي على التصوير في الاستديو.

- هل تستخدمين مؤثرات في البورتريه، وأين تركزين؟

أركز على العين كونها لغة الحوار وتروي قصصاً جميلة عن الحب والعشق. العين تاريخ بحاله، ففيها الفرح وفيها الحزن، وتعجُّ بتعب السنين.

- بين البورتريه والطبيعة الصامتة والفضاء الرحب، أين تجدين نفسك؟

في الفضاء الرحب، أغوص بين ذرات الرمال في صحراء بكر، أو أسبح في زرقة مياه البحر، وربما أطير مع العصافير على اتساع مساحته، وأتّحد مع الطبيعة مشكّلةً جسداً واحداً لمحاكاتها.

- رحلة طويلة في عالم الفن المتنوع، متى تغطّين الفرشاة في عمق اللون، ومتى تحملين العدسة بين يديك؟

لا وقت للفرشاة، فحين يأتي الإلهام تتّحد مع أناملي مثل قصيدة تُباغت الشاعر فينظمها على الفور. أما العدسة فترافقني في حلّي وترحالي وفي كل الأوقات... ربما تشدّني وردة أراها صباحاً أو مشهد غروب الشمس وهي تعانق زُرقة البحر.

- أي الألوان تعشقين؟

الأزرق لعشقي للبحر، والأبيض الذي يرمز الى نقاء السريرة.

- كيف تكتشفين المواهب من خلال ترؤسك للجنة الفوتوغرافيين؟

بيت الفوتوغرافيين أسّسه الدكتور عيسى عنقاوي، وحين وصلت إلى جدّة طُلب مني أن أشغل ذاك المنصب، ومن خلال الدورات الفوتوغرافية المستمرة أستطيع اكتشاف المواهب بعد اعتماد منهج التدريس بموافقة مؤسسة التدريب المهني.

- ما هي التحديات التي تواجه الفنانين، وخصوصاً المرأة؟

كثرة الصالات الفنية، وسهولة التعليم من خلال “يوتيوب”. وكلما أصبح التعليم سهلاً، زادت التحديات صعوبةً، من خلال منافسات لا ترقى الى روح فنية جميلة، فأصبح كل شخص يعمل بمفرده، بعدما كان التعاون بين الفنانين يجرى على قدم وساق، لكن المرأة الفنانة كانت تواجه تحدياً أكبر، نظراً للسفر بمفردها والعمل المتواصل، واليوم تغيرت الأحوال بدعم من رؤية 2030 التي منحت المرأة حقوقها وتعد بمزيد من التطوّر في كل المجالات.

- حصلت على جوائز عدة، لكن أي جائزة أعطتك دفعاً إلى الأمام؟

الجائزة التي تسلّمتها من الأمير مقرن عن أكبر جدارية تحت عنوان “يداً بيد” وكسرت الرقم القياسي في موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية، كانت عبارة عن “رسالة خضراء” من شعب المملكة إلى خادم الحرمين الشريفين مطبوعة بالأيادي على قماش صديق للبيئة ومرسوم عليها خريطة المملكة العربية السعودية.

- من أين أتيتم بالقماش الصديق للبيئة؟

السيدة دينا النهدي هي صاحبة المشروع، وتملك شركة لتدوير النفايات، وعمّها تبرع بالقماش، وبعد ذلك وُزع القماش المطبوع على الجمعيات الخيرية لصياغة أعمال تشكيلية وتصميم حقائب نسائية جميلة وقمصان رائعة.

- كم نحن بحاجة في مجتمعاتنا العربية لتدوير مخلفات البيئة؟

لا يزال المجتمع العربي بعيداً كل البعد عن تلك الثقافة ولا يملك وعياً بها، بسبب عدم العمل عليها منذ زمن طويل، لكونها من أساسيات الحياة، وما زالت أمامها عقبات كثيرة وتحديات كبيرة، ويجب التفريق بين عملية التدوير والتي تعني إعادة التصنيع وتحويل المخلّفات إلى أشياء أخرى مفيدة، وعملية “الريوزد” التي هي إعادة استخدام الأشياء في غير محلها.

- الفنان يتمتع بحس مرهف ومشاعر فيّاضة، هل تعشقين الفن كما تعشقين الآخر؟

عشق الآخر يجعلني فنانة مبدعة، وينعكس إيجاباً على أعمالي الفنية، فالعشق يمنح الحياة طعماً آخر، ويضفي عليها البهجة والسرور.

- إلى أين يأخذك الحب؟

إلى كل مكان جميل، ويجعلني متربعة على عرش الجمال.

- هل يستطيع الإنسان العيش بلا حب؟

في بداية حياتي عشقت فني وصببت كل عشقي فيه. تألقت وأبدعت في كل فنوني فعشقت الأول، وحين جاءني الحب رأيت الحياة من منظار آخر.

- إلى أي حد الرجل مهم في حياة المرأة؟

إذا لم أجد الحب الحقيقي فأنا أحب “تغريد” وأعتمد عليها.

- من يقف وراء نجاحك؟

والدي، وبجرأتي وثقتي بنفسي أكملت الطريق.

- مؤتمر “الفياب 32” الذي أُقيم في أيلول/سبتمبر 2014 ونُظم بالتعاون مع الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بمشاركة المملكة العربية السعودية بعشرة أعمال لعشرة مصورين فوتوغرافيين، ماذا نتج منه؟

“الفياب” منظمة دولية رئيسها الدكتور عيسى عنقاوي في المملكة، وهو مؤّسس بيت الفوتوغرافيين، وبما أنني كنت رئيسة لجنة التصوير في الجمعية العربية للثقافة والفنون، كان يُطلب مني فرز الصور والحكم عليها مع الدكتور عيسى، واخترنا صوراً رائعة.

- محكّمة دولية وتلقيت تكريماً من الأمير سلطان بن سلمان، ماذا منحك هذا؟

زاد ثقتي بنفسي وأعطاني قوة كبيرة وجرأة أكبر حين وقفت على المسرح مثل أي سيدة أجنبية كُرّمت في وطني.

- ماذا تقولين للمرأة السعودية؟

كوني أنتِ ولا تلتفتي الى الوراء، وثابري على النجاح.

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080