بوتان المملكة التي...
عند أقدام جبال الهملايا تحاصرها التيبت شمالاً، والهند عند الشمال- الغربي ثمة مملكة تزنّرها الجبال، احتفظت بأسرار عرشها بين أروقة الطبيعة غير آبهة بعبور الأزمنة.
إنها بوتان المملكة التي قبلت العزلة طوعًا لقرون، عادت وبإرادتها، وفتحت أبواب جمالها النقي الخالي من مساحيق العصر لتخضع زائريها طوعًا لمتاهات من الطبيعة الخلابة العذراء تعضدها روائع الفن المعماري على النمط الهندي، فتحبس الأنفاس لتحرّرها حفاوة استقبال سكّان المملكة الذين يفخرون بثقافتهم وتقاليدهم البكر التي لم يغيّر العصر أصالتها.
رغم محاولات الحداثة اجتياح هدوء المملكة وصفاءها، تبدو بوتان متشبثة بماضيها، فتدجن العصر على طريقتها محافظة على ثقافتها الوطنية الطبيعية لتدافع بشراسة عن قيمها البوذية وإرثها التاريخي.
تيمفو العاصمة Thimphu
في أحشاء قمة شامخة تتحدى جبال الهملايا تمتد تيمفو عاصمة بوتان في حضن وادٍ حرجي.
إنها ربما العاصمة الوحيدة في العالم لا يوجد فيها إشارات ضوئية فالسكان يفضّلون الاستغناء عنها.
رغم بعض مظاهر الحداثة تحتفظ تيمفو بسحرها الخاص، فواجهات الأبنية بزخرفاتها المتقنة والمتمازجة الألوان المنسجمة مع بهاء الطبيعة المرمية في حضنها تمنح زائر المدينة شعورًا بأنه يعيش وسط العالم الإفتراضي كما تصوره أساطير بوذا.
ولا يخفى على زائر المدينة افتخار تيمفو بثقافتها البوتانية، فعند هضبة خلف المدينة، تنبثق عند قمتها قلعة تراشي شوهيه دززونغ TrashiChhoe Dzong التي أعيد ترميمها عام 1960 لتكون وجه المدينة الجميل الذي يذكّر بأمجاد التاريخ.
تضم هذه القلعة مكاتب الملك والسلطة الدينية.
وعند أقدامها يقع المعهد الوطني Zorig Chusum أي مدرسة الرسم، يدرّس أصول فن الرسم للأطفال الذين يأتون إليها من جميع أنحاء البلاد، وتعرض بعض أعمال التلامذة في بوتيك للبيع قريب من المعهد.
في وسط العاصمة يقع المعلم التذكاري شورتن National Memoriol Chorten المعلم الديني الأكثر بروزًا، يضم لوحات مقدّسة ومجسمات هندوية، فهو مكان الصلاة اليومي الذي يقصده البوتانيون وقد يطوف المصلي فيه يومًا كاملاً.
و يوم العطلة الأسبوعية، هو يوم التسوّق الشعبي، حيث تفرش البسط على جنبات الطريق ويعرض القرويون منتجاتهم على سكان العاصمة.
فيما يجتمع في استاد شانغليمياتنغ Changlimithang هواة رياضة القوس والنشابة ، يمارسونها بأزيائهم التقليدية على وقع طقوس تضج بالألوان.
تضم العاصمة تيمفو فنادق من الفئة الممتازة توفر نوعية جيدة من الخدمات الفندقية، واللافت في غرف الفنادق والأجنحة سيطرة النمط البوذي في المعمار، فيشعر النزيل بأنه يبيت في صومعة.
ويسهل على زائر العاصمة إيجاد غرفة في الفندق طوال أيام السنة ما عدا فصل الخريف في عيد تسيشو Tsechu إذ تكون الفنادق مليئة بالنزلاء، ويمكن لمن فاته الحجز أن يبيت في أحد النزل الموجودة بوفرة أو السكن عند أحد سكان المدينة في خيمة ليعيش مغامرة فريدة في أحضان الهملايا.
بارو Paro
في غرب بوتان أكثر المناطق روعة، إنها بارو التي تجعل المملكة مختلفة بشكل راديكالي عن كل الوجهات السياحية التقليدية.
تقع بارو في قلب الوادي الثري والخصب المسمّى أيضًا بارو، محاطة بريف خلاب وقرى فريدة وغريبة تحضن الكثير من أطلال قدماء البوتان.
زيارة بارو تبدأ من المتحف الوطني القريب من الوسط التجاري للمدينة، فمن الممتع الإنغماس قي ثقافة البوتانيين قبل التجوال بين أروقة عالم بارو الساحر.
في نيسان/أبريل 1998 دمّر حادث الهيكل الرئيسي لدير تاكشانغ المشهور الذي يشرف على الوادي بأكمله، فأينما جلت في بارو تراه الأعين منبثقًا في الهضبة بارتفاع 900 متر.
وهو يعرف بعرين النمر، فالأسطورة تقول إن الناسك رينبوشيه وصل إلى الدير ممتطيًا نمرًا طائرًا في القرن الثامن، ومنذ ذلك الوقت يعتبر الدير من المواقع المقدّسة في المملكة. وأعيد ترميمه بنمطه البدائي الأنسب.
بومتانغ Bumthang
تضم بومتانغ المواقع البوذية الأهم في بوتان، لتكون بذلك المكان الروحي للمملكة. تجمع المنطقة أربعة أودية، ويقع في وادي شوسكور الدزونغ والمعابد والقصور الأكثر روعة وبهاء.
غالبًا ما يمضي زوار بومتانغ إجازتهم في جاكار عند مدخل الوادي الذي يضم أكثر من 1500 دائرة يعود تاريخها إلى 1549، فيما كان قصر وانغديشولينغ مكان إقامة يوجين وانغتشوك.
وقرب الوادي يقف معبد جامبا لاكانغ Jampa Lhakhang الذي شُيد عام 659 ويقام فيه احتفال جامبا لاكانغ دروب Drup في تشرين الأوّل/أكتوبر. وتتخلل الإحتفال عروض مسرحية بألوان مشهدية لا يمكن تفويتها.
وفي دير كورجي لاكانغ لا تزال بصمة جسد البطل الأسطوري رينبوشيه محفوظة كما سيرتها الأولى منذ 1652 في مغارة داخل مبنى قديم.
وبعيدًا عن هذه الجولة يُدخل التنزه في الريف المحيط بالأديرة زائر بومتانغ في أسلوب حياة السكان وتقاليد تعود إلى آلاف السنين.
فيما جابار القرية الأروع في بومتانغ لا يمكن تفويت زيارتها واكتشاف الوجه الأخر لبومتانغ. واللافت في هذه القرية أن بيع التبغ ممنوع.
هكذا هو الشرق الأقصى يحمل الكثير من الغموض الجميل، ومملكة بوتان أحد ألغازه التي يصعب حلها، وما على من يريد أن يعيش مغامرة لا تمحوها ذاكرة الأيام إلا أن يعدّ العدة ليكشتف أسرار سحر الهملايا التي لا تنتهي.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024