لامو جزيرة كينية تسبح في أروقة المحيط الهندي
كانت الطريق إلى لامو معبدة بألوان قوس قزح، فبعدما تركت ماساي مارا حلقنا مرة أخرى في الفضاء الكيني ليكون هبوطنا الأول في العاصمة نيروبي. وانتهزنا جميعنا فرصة بقائنا ساعة ونصف الساعة لنخوض تجربة التسوّق في نيروبي التي بدت لي أنها تتعمّد اكتشافي لها بجرعات سريعة.
تركنا المطار المحلّي وتوجهنا إلى السوق الشعبي المفتوح في الهواء الطلق وكان المطر قد سبقنا إليه، لندخل في متاهة كينية: بسطات فرشت بكل أنواع المشغولات والأعمال اليدوية متحدّية المطر، عباءات تراقص الهواء الشتوي، والحلي الإفريقية تعرضها بائعات ينادين على بضاعتهن منافسات للبائعين الرجال الذين يحاولون بشتى الطرق إقناعك بشراء التحف التذكارية المصنوعة من الخشب، فتحار من أين تبدأ وممن تشتري، خصوصاً أن المعروضات كلها مصنوعة في كينيا. أما المساومة على الأسعار فهي تجربة طريفة بحد ذاتها قد تصل إلى حسم 70 في المئة بحسب قدرة البائع والمشتري على الصمود والمناورة.
لم أشتر شيئًا لأنني لم أعرف ماذا أختار، فقررت ألا أخضع لإغراء التسوّق. ولكن أثناء خروجي من البوابة استوقفتني بائعة عجوز حفر الزمان على وجهها تجاعيده لتحكي بوجه هادئ ما لا يستطيع اللسان نطقه.
رغم أنها لم تدعوني للشراء وجدت نفسي مسحورة بما تعرضه واشتريت عقدًا ظننت أنه سيجيبني عن أسرار المدينة التي تختبئ في عيني هذه البائعة.
عدنا إلى المطار وعاد معه تحليقنا وكان معبدًا بالغيوم البيضاء. رحت أتأمل من كوّة الطائرة المدن الكينية، وعند كل انفراج كان ينبثق أمام ناظري قوس قزح. والمفارقة أنه في كل مرة أخبر زملاء الرحلة كان يختفي، وكأن به يريدني وحدي أن أكتشف ألغاز العالم الكيني.
أخيرًا حطت الطائرة في مطار جزيرة لامو. هنا استعدت مشهد مطار مساي مارا ولكن مطار لامو محاط بالماء. كل شيء يوحي بأن الماء سيتلاعب بمخيّلتي... حملنا أمتعتنا وتوجهنا نحو مرسى المراكب لنبحر في قارب متوجهين نحو منتجع كيبونغاني أكسبلورر Kipungani Explorer. رسا المركب عند شاطئ رملي رميت في أرجائه أكواخ من القصب. عند شاطئ الجزيرة استقبلنا مدير المنتجع وكان اسمه ديفيد أيضًا.
سنبيت في هذا المنتجع المنفتح على أحد أروقة المحيط الهندي. يعكس المنتجع ببساطته الأسلوب الأفريقي في الهندسة بكل تفاصيله.
كل شيء مفتوح على الهواء والبحر، وكل شيء مصنوع من الخشب والقصب والقش. تناولنا عصير الاستقبال وتسلمنا مفاتيح أكواخنا المنتشرة في الجزيرة.
وصلت إلى كوخي. كل شيء مصنوع من القصب.
تخيل أبواب المدخل والنوافذ وأرضية الكوخ من حصر القش والخزانة رفوف من البامبو والسقف من القصب. كان كوخي مؤلفًا من طبقتين منفصلتين، غرفة نوم في الطبقة الأرضية وأخرى في الطبقة العلوية، فصلت عن الأولى بسلم خشبي مفتوح على الهواء. فقررت النوم في الطبقة العلوية حيث المشهد يخطف الأنفاس.
أثناء العشاء، السؤال الأول الذي كان يشغل زملاء الرحلة ماذا لو حدث تسونامي؟ فأكد مدير الفندق لا يمكن أن يحدث هذا لأننا في المنطقة الداخلية للمحيط الهندي وهي شبه بحيرة. في هذا المكان يمكن القول إن من يريد أن يبتعد عن كل ما له علاقة بالعالم العصري ويحوز ذروة الاسترخاء ما عليه سوى حزم أمتعته والمجيء إلى هذا المنتجع.
فالكهرباء تقطع عند الثانية عشر ليلاً ولا يوجد تلفزيون في الغرف بل واحد وضع في غرفة الاستقبال. كل ما عليك هو الاسترخاء والنوم على صوت الأمواج وهي تداعب الشاطئ والاستيقاظ على نور الشمس وهي تغازل الجزيرة العذراء, تناولت العشاء الذي اعتدت لذّته والصحي جدًا.
أمضينا سهرتنا في المطعم المفتوح على البحر لكننا لم نطلها لأن مولد الكهرباء ينطفئ عند الثانية عشرة. توجهت إلى غرفتي وغططت في نوم عميق رغم وجودي في غرفة نوافذها مشرّعة.
استيقظت صباحًا على صوت حركة مد وجزر المحيط ومغازلة خيوط الشمس التي اخترقت ناموسية سريري.
كنت كلي حماسة لاكتشاف ما تخبئه لي لامو تناولت فطوري مع زملائي وركبنا القارب متوجهين نحو مدينة لامو الموجودة في إحدى جزر الأرخبيل. أثناء الإبحار تذكرت جزيرة سيشيل، فالأشجار العملاقة والأحراج البحرية حوّلت الطريق البحرية إلى أروقة مشجرة تنبثق من البحر.
ومن بعيد سمعت صوت الموسيقى يصدح تدريجًا إلى أن وصلنا إلى مدينة تضج بالصخب والحيوية. ترجلنا من المركب عند المرسى وبدأت مغامرتنا.
ثاني أيام مهرجان لامو الثقافي، والكل متأهب والسكّان يحتفلون وعلى طرفي أروقة البلدة انتشرت خيم أجنحة المهرجان، كل جناح يعرض لتراث الجزيرة الثقافي، فهنا جناح للمشغولات اليدوية، تجاوره خيمة تتفنن صاحبتها بنقش الحنّاء على أيدي النسوة... وعند ساحة القلعة البحرية ينتشر بعض الشيوخ جالسين يتأملون صفحات الزمن المتراكم في هذه الجزيرة التي تشبه الحواضر العربية بكل تفاصيلها، بحسب المرشد السياحي.
فإن هذه المدينة وصل إليها آل النبهاني، فرع من قبيلة كانت تحكم سلطنة عُمان بين القرنين الثاني عشر والرابع عشر، ومن المرجح أنهم وصلوا إلى أرخبيل لامو في القرن الرابع عشر وأسسوا إمارة لهم فيها من خلال مصاهرة العائلة الحاكمة في المدينة، وانتشر تأثيرهم الثقافي والديني على كيلوا في الجنوب ومقديشو في الشمال، وفي نهاية القرن ربطت علاقات تجارية متينة بين بايت ومصر.
ثم غزا الجزيرة البرتغاليون محاولين السيطرة على طريق الهند, ثم أتى بعدهم الأتراك وتركوا بصماتهم الخاصة بهم، ثم عاد إليها العُمانيون في القرن الثامن عشر واستقرّ بعضهم فيها. وهكذا تبدو المدينة ملتقى حضارات الشرق والغرب.
ولكن اللافت أنه على الرغم من أن العمانيين كانوا أوّل غرباء يحكمون المدينة فإن تأثيرهم كان الأقوى ويبدو ذلك جليًا على أزياء سكان المدينة التقليدية وعاداتهم وتقاليدهم، فعندما يرفع الأذان تجد الجميع يهرول إلى المسجد لأداء الصلاة فتغلق المتاجر والحوانيت.
وحتى أسماء الزواريب فيها عربية فتجد عبارة بندر عباس عند بوابة أحد البيوت، وفي معظم أروقة المدينة تنتشر المدارس القرآنية إضافة إلى الجوامع تجاور البيوت ذات النمط العربي المبنية من الحجر. أما الأبواب فأشبه بتحف فريدة مزخرفة بشكل أنيق يعكس مهارة الكينيين عمومًا وسكان لامو خصوصًا في الزخرفة.
بدت لي أروقة المدينة متاهة من المتناقضات الغريبة، فالأحياء متصلّة بعضها ببعض. واللافت أن أمام عتبة كل بيت مقاعد اسمنتية يجلس عليها الضيف الرجل، فمثلاً عندما يأتي أحدهم لزيارة صديقه واحترامًا لسيدة البيت عليه الجلوس في الخارج حيث يُقدم له الشاي أثناء انتظار رجل البيت. وأحيانًا قد يمضون وقت الزيارة كله عند هذه العتبة، أما النسوة فقديمًا كن لا يخرجن إلى الشارع وإذا أردن زيارة بعضهن هناك أروقة داخلية علوية تصل البيوت ببعضها.
غير أنه راهنًا لم تعد هذه الأروقة تقوم بوظيفتها الاجتماعية فالنسوة في إمكانهن الخروج من المنزل. أمّا الهندسة الداخلية للبيوت فيطغى عليها الطابع الشرقي لا سيّما الدمشقي، فهناك صحن الدار تتحلق حوله غرفة نوم الزوجين وغرفة الأبناء والمطبخ. هنا تشعر بأنك في إحدى المدن العُمانية و لا عجب في ذلك لأنه على مر التاريخ كانت لامو محطة تجارية بحرية للعمانيين.
دوّختنا المدينة بتفاصيلها، فأردنا تناول القهوة لإنعاش حواسنا. لفتني في أحد أروقة المدينة وجود مقهى، فقررنا الدخول إليه. كان المقهى في السابق منزلاً، انتشرت في وسطه الطاولات المظللة بالأشجار الوارفة، أما الغرفة الداخلية فتحوّلت إلى مكتبة تباع فيها الكتب والمجلاّت المحلية والعالمية. كانت النادلتان مراهقتين تتقنان الإنكليزية بلكنة أميركية، مما أثار إعجابنا.
طلبنا قهوة الإسبريسو وكان الفنجان كبيرًا جدًا فقلت في نفسي أهل لامو كرماء. وأثناء ارتشافي قهوتي اقتربت منا سيدة بملامح غربية ترتدي العباءة وتضع على رأسها غطاء، وكانت تهتم بكل تفصيل، وبدت أنها ليست زبونة. أثار وجودها فضولي.
إذ ماذا تفعل سيدة غربية في هذا المقهى!عرّفتني عن نفسها إنها صاحبة المقهى ووالدة النادلتين اللتين لم ترثا شيئًا من ملامحها. انهالت عليها أسئلتي فحدّثتني قائلة: «أنا أميركية جئت إلى كينيا كناشطة اجتماعية قبل حوالى 25 عامًا، وكان نصيبي الارتباط بزوج كيني.
وعندما توفي عدت إلى واشنطن لكنني لم أتحمل ابتعادي عن لامو التي عشقتها ولي فيها أجمل الذكريات، فتعرّفت إلى زوجي الثاني ورزقت ابنتين وصبيًا». غيّرت صاحبة المقهى الأميركية اسمها من هايدي إلى خديجة عندما اعتنقت الإسلام منذ عشر سنوات. بدت خديجة شغوفة بالجزيرة وتتحدث عنها كما لو كانت موطنها الأصلي، وهي تصدر مجلّة فصلية «شونجو» Chonjo وتعني مستعدين، استغربت كيف يمكن هذه السيّدة أن تصدر مجلّة رغم عدم توافر الأدوات التكنولوجية لإصدار مجلّة في جزيرة لا يوجد فيها سوى مقهى واحد للإنترنت.
بالفعل تقوم خديجة بتحد كبير، فعندما تصفّحت المجلة والمواضيع التي تتناولها وطريقة إخراجها.
تضاهي حرفيتها المجلاّت العالمية شعرت بأنني مقصّرة في عملي الصحافي رغم كل الوسائل المتوافرة لدي.
فخديجة تتحدى كل شيء و لا تكلّ ولا تملّ من مساعدة سكان الجزيرة في كل المجالات الثقافية والصحية والاجتماعية والتعليمية والبيئية. تخاف على ذوبان الجزيرة في طاحونة العصر التي لا ترحم، وهدفها المحافظة على التقاليد والعادات وفي الوقت نفسه الانفتاح على كل ما يطوّر الجزيرة. لا أنكر أن هذه السيّدة جعلتني أعيد التفكير في كل ما أقوم به من دون أن تقصد.
تركنا مقهى خديجة وعدنا لنتوه في أحشاء المدينة، إلى أن اجتاح الجوع زملاء الرحلة، فجلسنا في أحد المطاعم لتناول الغداء. وبعد ذلك توجهنا إلى متحف لامو التراثي الذي يعرض للتاريخ السواحيلي للمدينة بكل تفاصيله.
كنت أوّل من أنهى زيارة أجنحة المتحف ووقفت في الخارج أتأمل حركة السكان، فهنا أطفال يلعبون ويحتفلون بالمهرجان الثقافي على طريقتهم، ومراهقون بعضهم منشغل بالموسيقى وآخرون يتبادلون أطراف الحديث. كان طريفًا مشهد الرجل الذي يركب حمارًا، وهو وسيلة التنقل في الجزيرة، ويتحدّث عبر الهاتف الخلوي، وذاك الذي يتكلّم عبر هاتفين خلويين في الوقت نفسه وهو حافي القدمين. وأثناء جلوسي على رصيف الكورنيش البحري المقابل للمتحف.
سلّم عليّ رجل كبير السن فرددت له التحيّة وبدأ يطرح علي الأسئلة وعندما عرف أنني لبنانية علّق قائلاً: «تتحدثين العربية وأنا أيضَا».
وعندما انضم إلي محمد أبدى هذا العابر سعادته وقال له «أنت محظوظ لأن اسمك محمد». وكان الرجل يملك مطعمًا وقال إنه مشهور جدًا في كينيا وكل السياح يزورنه ليتناولوا أشهى الأطباق التي يحضّرها أمام مرأى رواد مطعمه، فضلاً عن أنه يغني وابنه يعزف الموسيقى. ودعانا إلى مطعمه لكننا اعتذرنا منه لأننا كنا قد تناولنا الغداء و لا نستطيع أن نبقى في البلدة بعد السادسة مساء، لأن القوارب تمنع من الإبحار بعد هذا التوقيت. أنهى باقي زملاء زيارة المتحف وقررنا العودة إلى معقلنا الهادئ جدًا مقارنة بصخب المدينة العائمة. أثناء الاستراحة في كوخي لاحظت وجود كتيب معلومات على الطاولة، فعرفت أن المنتجع ينتمي إلى سلسة فنادق أكسبلورر.
من بينها فندق أنتربيدز الذي نزلت فيه في ماساي مارا. و توفر هذه السلسلة مجموعة نشاطات ترفيهية للعائلات وتلامذة المدارس من سفاري وألعاب مائية ومخيمات كشفية، مما يجعل تمضية الإجازة في هذا الفندق ذكرى جميلة.
انتهت ليلتي الأخيرة في كيبونغاني أكسبلورر. Kipungani Explorer
فحاولت قدر الإمكان الاستمتاع بالهدوء الذي تنعم به الجزيرة الموجود عليها.
عند الصباح كنا على استعداد للانتقال إلى فندق مجليس Majilis الموجود في ماندا إحدى جزر أرخبيل لامو، لكن يبدو أن المطر والجزيرة تآمرا علينا لتأخير موعد رحيلنا، فأمضينا الوقت في تعلّم لعبة الباو التقليدية وهي تشبه لعبة النرجيس، عبارة عن صندوق من الخشب رقيق وطويل مقسم قسمين فيهما تجويفات عدة، لكل لا عب قسم وعليه أن يوّزع الحصى على التجويفات ثم يحاول نيل أكبر عدد من الحصى حتى يفوز، والحقيقة أن اللعبة تحتاج إلى الكثير من التركيز والحساب. اللافت أن ليليان وفاطمة وجون المرشدين السياحيين لا يعرفون شيئًا عن هذه اللعبة التقليدية وقد تعلّموها معنا نحن الغرباء عن البلاد.
توقف المطر وتدنى منسوب أمواج البحر وركبنا القارب متوجهين نحو منتجع مجليس. بعد حوالى 45 دقيقة من الإبحار في الأروقة البحرية وصلنا إلى المنتجع، حيث استقبلتنا على الشاطئ بيوريتي مسؤولة العلاقات العامة.
كانت هندسة المنتجع مختلفة تمامًا عن كيبونغاني أكسبلورر Kipungani Explorer رغم أنها تعتمد النمط الأفريقي ويغلب عليه الطلاء الأبيض. فمجليس مؤلف من فيلات عدة مؤلفة بدورها من طبقتين.
الطبقة الأرضية بهو الاستقبال الخاص بالفيللا فيما وُزعت غرف النوم في الطبقتين الأولى والثانية.
بعد استكشاف الفندق وما يقدّمه من خدمات أبحرنا إلى جزيرة شيللا التي تبعد عن مجليس عشر دقائق وحيث سنتناول غداءنا. كان الصيادون في شيللا منتشرين على الشاطئ يحضّرون شباكهم لليوم التالي. تجولنا في أرجاء الجزيرة التي يبدو أن عمليات الترميم فيها أوشكت على نهايتها، البيوت التراثية أعيدت إلى سيرتها الأولى بكل تفاصيلها، وأروقتها الضيّقة متاهة تزينت أطرافها بالأزهار المتدلية من أسوار البيوت العالية والنوافذ الصغيرة. واللافت أن هذه البيوت يملكها أوروبيون، خصوصًا إيطاليين، يمضون إجازاتهم فيها. أما المتاجر فتعرض بشكل أنيق التحف التذكارية والمشغولات اليدوية لا سيّما الحلي، وتندس بين البيوت المدارس القرآنية وينبثق وسطها جامع البلدة. يمكن القول إن شيللا جزيرة تحضن كل سحر أرخبيل لامو، فهي هادئة رغم جمالها الصارخ.
تناولنا غداءنا في المقهى المشرف على الشاطئ وكان لذيذًا كالعادة. رغم أن الكثير من الأوروبيين يملكون راهنًا في شيللا بيوتًا، فإنها لا تزال تحافظ على طابعها العربي الإسلامي، والتجوال بين أروقتها يترك العنان لعدسة الكاميرا لالتقاط الصور.
تركنا شيللا وعدنا إلى مجليس. فقررت انتهاز الفرصة وتجربة السباحة في المحيط الهندي. الطريف أنني سرت حوالى 500 متر في البحر إلى أن وصلت إلى العمق المطلوب للسباحة، مما يعني أن الأهل هنا يمكنهم أن يشعروا بالأمان عندما يلعب أطفالهم على الشاطئ.
اعتدت في كينيا على وجبات الطعام اللذيذة والصحية، وأثناء غدائي الأخير في فندق مجليس صرت أفكر في أنني سأعود إلى فوضى الغذاء بعد عودتي إلى بيروت، وإلى الواقع العصري الذي يجعلني في سباق مع خطى زمنه السريعة.
تركت جزيرة لامو وفي قلبي غصة، فموعد رحيلي عن كينيا دنا. هذه السمراء الإفريقية التي جعلتني أتعرّف إليها برًا وبحرًا وجوًا، شغلت كل حواسي، وأخرجت كل منطقة فيها ما في جعبة ذاكرتي الإنسانية، ففي ماونت كينيا ارتفع منسوب الأدرينالين لساعة ونصف ساعة أثناء سفاري ركوب الخيل، وماساي ماراي رمتني وسط عالم رحب، لقرع الطبول والرقص فيه طقوس.
في جزيرة لامو استحضرت رحلات جاك كوستو البحرية، أما نيروبي التي لم تمنحني سوى ومضات من سحرها فقد تركتني حائرة لم أحلّ كل ألغازها. إنه السفر إلى العالم العذري حيث يعمد الوقت إلى التباطؤ في أحضان طبيعة خلاّبة لا تخجل من استعراض جمالها الذي لا يعرف حدودًا.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024