مراكش... المدينة الحمراء ولؤلؤة الجنوب
عند أقدام جبال الأطلس وعلى بوّابات الجنوب المغربي، ثمّة مدينة تعددت ألقابها، فعرفت بالمدينة الحمراء، ولؤلؤة الجنوب، وبواّبة الجنوب. إنها مراكش ثالثة كبرى مدن المغرب،التي قال فيها ابن خلكان صاحب « وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان»: مراكش مدينة عظيمة ... فسيحة الأرجاء، صحيحة الهواء، بسيطة الساحة ومستطيلة المساحة، كثيرة المساجد، عظيمة المشاهد، جمعت بين عذوبة الماء، واعتدال الهواء، وطيب التربة، وحسن الثمرة، وسعة الحرث، وعظيم بركته».
لا تزال مراكش تعيش في قلب التاريخ، مزنّرة بأسوار تحكي قصّة مدينة أراد مؤسسها يوسف بن تاشفين ثاني ملوك دولة المرابطين أن تكون عربون محبة لزوجته زينب النفزاوية التي قال عنها ابن خلدون إنها كانت إحدى نساء العالم المشهورات بالجمال والكياسة. فلا عجب أن تفيض المدينة جمالاً فطريًا تصقله الطبيعة بعفوية تجعل من يزورها يدخل في متاهة مغربية مضمخة بالعطور والألوان.
جامع الكتبية
تطالع مئذنة جامع الكتبية التي يبلغ ارتفاعها 70 مترًا، زائر مراكش على مسافة كيلومترين. بنى الجامع السلطان المهاد يعقوب المنصور عام 1184- 1199 على أطلال جامع مرابطي يعود إلى القرن السابق، هُدّم لأنه لم يكن موجّهًا إلى مكّة المكرّمة.
وتعد مئذنة الكتبية الأقدم من بين ثلاث مئذنات شيّدت في عصر المرابطين وأكثرها حفاظًا على سيرتها الأولى. وهي تعكس نموذج الفن المعماري الأندلسي. ورغم اختفاء ديكور الجص الزهري والسيراميك الملون، فإن الجدران المنقوشة على كل الواجهات تشكّل نموذجًا رائعًا يعكس فن المعمار الإسلامي. ويعتبر اسم الجامع الأثر الوحيد الذي يشير إلى سوق الكتب الذي كان موجودًا في ذاك الزمان.
عند المساء يتحول محيط الجامع إلى مكان للتنزه، فيجول الزائرون في حدائقه الغنّاء والساحة الموجودة غرب الجامع حيث توجد أطلال الجامع الأصلي.
ساحة جمعة الفنا والأسواق القديمة
تعتبر ساحة جمعة الفنا الشريان الحيوي لمدينة مراكش، فهي قلب المدينة النابض بالحركة، سقفها الفضاء الأزرق الفيروزي نهارًا والمزركش بالنجوم ليلاً. التجوال في هذه الساحة يدخلك إلى عالم غريب يصعب على مخيلتك إدراك صوره. فهنا في ساحة جمعة الفنا يفاجئك لاعب خفة وهو يطلب منك منديلا تحمله ليحوّله إلى سوار، وما تكاد تستوعب خدعته حتى يحبس أنفاسك ساحر الأفاعي وهو يخرج أفعى خطيرة من قمقمها تتمايل بخضوع لصاحبها، لتعود وتنفجر ضحكًا عند مشاهدة استعراض بهلواني يحتل قسمًا كبيرًا من الساحة. تكمل جولتك فتتوجه إلى متاهة من الأسواق عبر شوارع ضيّقة تخترقها لترميك وسط عالم ساحر يبدو متشبثًا بماضي الحواضر العربية بكل بتفاصيلها.
فتجد نفسك بين بسطات فُرشت عليها خزفيات من السيراميك ينبعث منها بريق يخدع النظر، فلا تعرف أشكالها إلا حين تقترب منها، لتكتشف إبداع حرفي موهوب تفنن في رسم أشكال معقّدة، وتلامس رأسك عباءات تتدلى من الدكك الصغيرة تتراقص بخفة في الهواء على وقع رنين مطرقة نحّاس ينقش حروفاً ورموزاً على آنية تلمع وكأنها أحجية يصعب حلّها، ويؤخذ الأنف برائحة البهارات والأعشاب التي تفوح في سوق العطارة حيث يصف لك العطّار جرعة تداوي بها مشكلتك الصحية مهما كان نوعها. قد يؤخذ الزائر بهذه المتاهة المغربية ويتسوّق من دون حساب، لذا من الضروري أن يضع في باله أنه مهما وجد من أشياء رائعة عليه أن يساوم على السعر ليحصل على ما يريد بحسم قد يصل إلى 70 % .
متحف مراكش
افتتح متحف مراكش عام 1997، وهو في الأصل قصر قديم يعود إلى القرن الحادي عشر وكان يعرف بدار منبهي. تتميز هندسته الداخلية بالأسقف المكوّرة التي تدلى منها أشكال من المرمر وزينت الجدران بالسيراميك، وتحيط صحنه الداخلي مجموعة غاليريات تعرض تحفًا فنية. ويمكن زائر المتحف خوض تجربة الحمام المغربي أو التلذذ بالمطبخ المغربي الحرّيف. وتقام في المتحف عروض مسرحية، فضلاً عن معارض للفن الحديث لكل واحد منها موضوع.
حديقة ماجوريلا ومتحف الفن الإسلامي
شيد حديقة ماجوريلا ومتحف الفن الإسلامي الرسّام الفرنسي جاك ماجوريل الذي عاش في مراكش بين عامي 1922 و1962. التجوال في هذا المكان حيث الصمت الملازم لسحر المكان يرميك وسط عالم فريد تحتشد فيه نبات الكاكتوس و الخيزران وشلالات نبات الشيبات، تختبئ وسطها فيللا الرسام بلونها الأزرق الفيروزي التي تحوّلت إلى متحف يضم إلى جانب أعمال الفن الإسلامي مجموعة من السجاد وستائر الزواج وأحزمة ومجوهرات ومنسوخات، وأعمال ماجوريل.
هكذا هي مراكش مدينة لم تضع التاريخ في كواليسها بل جعلته منقوشًا في شوارعها وأسواقها وساحاتها وأزقتها، تساعدك في الفرار من صخب الحياة العصرية، لتستريح في عالم يفور بسحر الماضي المكتوب في متن الحاضر وليس في حواشيه.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024