خان الخليلي في مصر
ذكر باولو كويللو في كتابه «like the flowing river» أن من يزور مدينة عليه ألا يشغل نفسه بزيارة متاحفها وآثارها التاريخية ليفاخر بها أمام زملاء العمل، بل عليه أن يبحث في شخصيتها وأن يجلس في مقاهيها ويتحدث إلى أهلها ويتذوّق طعامها و يعيشها بكل حواسه. هذه النصيحة التي أعتمدها في أسفاري تجعلني أشعر بالاكتفاء لأن التعرّف إلى عادات سكان البلد الذي تزوره وتقاليدهم يكوّن لديك انطباعًا شخصيًا وغنى ثقافيًا، يجعلك تتعرف إلى الوجه الحقيقي للبلد بعيدًا عن أدوات التجميل التي تستعملها الشركات السياحية لمنحك أكبر مقدار من الراحة المترفة خلال إجازتك. و يبقى التجوال في السوق الشعبي مغامرة فريدة يتذكرها المسافر بعد أن يعود أدراجه في بلده الأم. وفي مدن العالم أسواق شعبية تشبه المتاهات من حيث الباعة والبضائع والروائح التي تفوح في أجوائها.
من منا لم يسمع بخان الخليلي في القاهرة، فالمرء إذا لم يذهب إليه شخصيًا فلا بد أنه قرأ رواية «خان الخليلي» لنجيب محفوظ. وخان الخليلي واحد من أعرق أسواق الشرق، يزيد عمره قليلاً على 600 عام، معماره الأصيل ما زال باقياً على حاله منذ عصر المماليك. لو عدنا بالزمان إلى الوراء يطالعنا المؤرخ العربي الأشهر المقريزي بقوله إن الخان مبنى مربع كبير يحيط بفناء ويشبه الوكالة، تشمل الطبقة السفلية منه الحوانيت، وتضم الطبقات العليا المخازن والمساكن، وقد سمي بهذا الاسم نسبة إلى منشئه الشريف الخليلي الذي كان كبير التجار في عصر السلطان برقوق عام 1400.
ولا يعرف أحد حتى الآن الفلسفة المعمارية التي بني على أساسها خان الخليلي، فالأرض مرصوفة بحجر بازلتي أسود لامع، والسوق مسقوفة بخشب تحدى الزمن وعوامل التعرية، والشمس تتسلل إلى حوانيت تشكل مع بعضها سراديب مليئة بالكنوز والتحف النادرة، وتعرض النحاسيات والعطور والمجوهرات، فيما يعمل بعض الحرفيين على مرآى من المشتري.
ويعتبر شارع صناعيي الخيم سوقًا في قلب السوق. كما تحتشد في الخان المقاهي الشعبية التي تقدّم الشاي والشيشة على الطريقة المصرية، وما عليك سوى الجلوس في أحدها حتى تتعرّف إلى أسلوب التواصل بين سكان هذا الحي وعاداتهم وتقاليدهم. ففيه كل سحر مصر القديمة والحديثة.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024