رئيس أكاديمية الفنون الدكتورة أحلام يونس: دعوا المرأة تعيش وتعمل بجدّ
عندما تم اختيارها رئيساً لأكاديمية الفنون، ذهبت إلى مكتب وزير الثقافة لتفاجأ به يسألها: “من أنت؟”، وهو ما جعلها أكثر ثقةً بأن اختيارها تمّ بناءً على نجاحها وموهبتها، وليس بدعم من أحد معارفها. الدكتورة أحلام يونس، رئيسة أكاديمية الفنون، وشقيقة الفنانة الشهيرة إسعاد يونس، تتحدث لـ”لها” في حوار صريح عن نشأتها، ووفاة والدها وهي طفلة، وتكشف عمّا تعلمته من أمها، وعلاقتها بشقيقتيها، وأسباب عدم زواجها، وغيرها من الاعترافات التي نقترب بها من نموذج نسائي ناجح.
- في البداية، حدّثينا عن أسرتك ونشأتك؟
والدي يُدعى حامد يونس، كان يعمل طيّاراً حربياً، وقد توفي وأنا في السادسة من عمري، ووالدتي لم تكن قد تجاوزت سنّ الـثانية والثلاثين. ورغم أن أمي “ربّة منزل”، إلا أنها كانت تملك وعياً كبيراً بالحياة والمجتمع، فتحمّلت مسؤولية تربيتي أنا وشقيقتيَّ. أختي الكبرى هي الفنانة إسعاد يونس، وقد حصلت على بكالوريوس من معهد الإرشاد السياحي وعملت مذيعة في إذاعة الشرق الأوسط، قبل أن تتجه الى التمثيل، وهي بالطبع ممثلة وفنانة شاملة لها العديد من الأعمال المسرحية والتلفزيونية والسينمائية، وتقدّم حالياً برنامج “صاحبة السعادة”. أما الأخت الوسطى فهي الدكتورة إيمان يونس، تخرّجت في معهد الكونسرفتوار، ومن ثم درّست فيه وفي معهد الموسيقى العربية، وشاركت الفنان هاني شنودة في تأسيس فرقة المصريين عام 1977، وكانت أول فرقة موسيقية تقدّم أغاني مصرية حديثة، كما كانت أول فتاة تغنّي في فرقة موسيقية. ومنذ صغري نجحت في حياتي العملية، ففي عمر التسع سنوات دخلت معهد الباليه وتدرّجت في المناصب إلى أن أصبحت رئيساً لأكاديمية الفنون... فهذه نبذة عن أسرتي التي نشأت في كنفها.
- توفي والدكن وأنتن صغيرات في السنّ، فكيف أثّر رحيله فيكن؟
حين توفي والدي كانت والدتي شابة، وأمّاً لثلاث بنات صغيرات، فغرست في أنفسنا أهمية إثبات الذات، من خلال الاجتهاد في محراب تحصيل العلم أو دراسة ما نحب، بصرف النظر عن رأي المجتمع، طالما أننا لا نفعل شيئاً خاطئاً. كذلك علّمتنا أن نكون جادّات في الحياة، أو نتحلّى بصفات “الصبيان” ونبتعد عن “دلع البنات” كما هو الحال في الأسر الطبيعية التي يتحمل فيها الأب والأم مسؤولية تربية الأبناء معاً. ولهذا فإن الإحساس المبكر بالمسؤولية يخلق فتيات على قدر كبير من النجاح والتفوق في مختلف مجالات الحياة، خاصة أن والدتي كانت تعاملنا كصديقات لها، فنصارحها بكل ما يحدث معنا، مع الاتكال على الله أولاً وأخيراً، ثم أنفسنا، كما علّمتنا أن نفرض موهبتنا على الناس من دون انتظار مساعدة من أحد، بحيث أدخلتني وأختي إيمان الى معهد للباليه، ونحن لا نزال في سنّ التاسعة، وطوال حياتنا كنا نتعلم من أمي القيم والمبادئ بالممارسة والملاحظة إلى أن رحلتْ قبل 16 سنة، وتركتنا شقيقات محبّات لبعضنا البعض في صورة فريدة من التماسك الأسري.
- ما أغرب موقف تعرّضت له في حياتك العملية؟
عندما اختارني وزير الثقافة الأسبق الدكتور جابر عصفور، رئيسةً لأكاديمية الفنون، لم يكن يعرف شكلي، وإنما كان مطّلعاً على سيرتي الذاتية وما حققته من نجاحات، ولهذا حين ذهبت لمقابلته بعد إصداره قراراً بتعييني، سألني “أنت مين؟”، مما يؤكد أنني وصلت إلى كل المناصب بجهدي واجتهادي فقط، والأمر نفسه بالنسبة الى شقيقتيَّ، ونحن فخورات بهذه التربية الصحيحة التي جعلت منا شخصيات ناجحات في الحياة من دون الاعتماد على أحد.
- “شقيقاتي ظهري وسندي”... جملة كرّرتها في أكثر من تصريح إعلامي، فما الذي دفعك لقول هذا الكلام؟
الشعور بهذه المقولة غرسته فينا أمي (رحمها الله) حيث كانت تكرر على مسامعنا منذ الصغر أن كل واحدة منا هي ظهر وسند لأختها، خاصة في المشكلات والمواقف الصعبة التي نواجهها في الحياة، واستمر هذا الشعور مع تقدّمنا في السنّ وحتى بعد وفاة أمي، ورغم زواج شقيقتيَّ لا نزال نجتمع يوماً في الأسبوع، نتحدّث في أمور حياتنا ونتعاون في حلّ المشكلات التي تعترضنا.
- من هم الأشخاص الذين تدينين لهم بالفضل في مسيرتك العلمية؟
أدين بالفضل لكل من علّمني حرفاً، ولا أريد أن أذكر أسماء محددة، لأنهم جميعاً عندي سواسية، فدائماً أعتبر نفسي طالبة وهم أساتذتي يقومون بواجبهم تجاهي كطالبة مجتهدة متفوقة، وأنا أؤدي دوري باجتهاد من دون وساطة أو محسوبية أو حظوة من أحد، وقد استفدت منهم جميعاً، وتركوا بصمات في حياتي، وما زلت إلى اليوم أتعلّم دروساً من الحياة.
- لماذا لم تتزوّجي بعد؟
لا أحب التحدّث عن خصوصياتي، ومع احترامي لنظرة المجتمع إلى الزواج، واستهجانه لمن لم تتزوج، أؤكد أنني منسجمة مع نفسي، ولا أفعل ما أخجل منه. الخلافات الزوجية اليوم كثيرة، وبالتالي ارتفعت معها نسبة الطلاق، ولهذا برز اتجاه آخر تمثّل في عدم الزواج لتجنّب الانفصال وتبعاته. واقعنا اليوم اختلف عن ذي قبل، وأنصح كل إنسان بأن ينشغل بأموره الخاصة ولا يتدخل في شؤون الآخرين. ورغم عدم زواجي وعيشي لوحدي، لكنني لست وحيدة، فأصدقائي وأفراد عائلتي يملأون عليّ حياتي، وأنا راضية وسعيدة بذلك، خصوصاً أنني إنسانة إيجابية في تعاملي مع المجتمع.
- بصفتك رئيساً لأكاديمية الفنون، هل ترين أن الفن نجح في التعبير عن قضايا المرأة العربية؟
من الخطأ التعميم سلباً أو إيجاباً، لأن الفن الهابط يسيء الى المرأة والرجل على حد سواء، والفن الجيد يخدم قضاياهما، فالمجتمع مكوّن من الذكور والإناث ولا يجوز الفصل بينهما، وبالتالي لا يجوز الحكم على كل الفن بأنه يسيء الى المرأة أو يدافع عنها، لكن المسألة نسبية وتختلف من عمل الى آخر، ومن دولة الى أخرى، ومن بيئة الى أخرى، ولا بد من أن نؤمن بأن الفن ألوان وأذواق. ولهذا إذا أردت تحليل العمل الفني فحلّل كل ما فيه، أما وجهة النظر الأحادية فمرفوضة، ومن الضروري أن يعبّر الفن بصدق عن قضايا المجتمع ويبحث عن علاج لها.
- لكن بعض أهل الفن يؤكدون أن الفن أساء الى المرأة أكثر مما أنصفها...
كما قلت، الفن ألوان وأذواق، ومن الخطأ أن تكون نظرة الناس إليه واحدة، فما لا يعجبك قد يعجب غيرك، والعكس صحيح. وأكرر أن من الأخطاء المتوارثة في مجتمعاتنا العربية، التعميم في الحكم على الأمور.
- ما هي أسباب نجاح المرأة العاملة في رأيك؟
أن تحب ما تعمل، وتنظّم وقتها وترتب أولوياتها في الحياة، وأن يصاحب ذلك كله التفاني والتضحية والعمل الجاد، لأن المرأة قادرة على دفق المشاعر أو كبتها بطريقة لا يمكن أحداً تصوّرها، ولهذا من الأفضل لها ولمجتمعها أن يُسلّط الضوء على عملها وإبداعها وكل أدوارها في الحياة، لأن المرأة المُحبّة للحياة تكون معطاءة في كل المجالات.
- هل بيئتنا العربية تساعد المرأة على العيش والعمل الجاد؟
وضع المرأة في مجتمعاتنا العربية أصبح أفضل من ذي قبل، وهو في تحسن مستمر، بحيث تحصل على المزيد من المكاسب، ونتمنى أن تحافظ المرأة على مكاسبها، التي هي في الحقيقة مكاسب للمجتمع كله، لأن خير المجتمع في خير أفراده، خاصة المرأة.
- ما هو حلمك لأكاديمية الفنون؟
أن توضع على الخريطة العالمية وفي المكانة اللائقة بها، وأن نعرّف العالم بها وبدورها، باعتبارها من أهم أدوات “القوة الناعمة” لمصر والعرب، وهذا ما أحاول فعله منذ توليّ رئاسة الأكاديمية قبل أربع سنوات، فأسعى للتعريف بها عالمياً، ونقدّم منحاً دراسية للكثير من الدول، خاصة في القارة الإفريقية، وفي كل أسفاري الى دول العالم أعرّفهم بها فيذهلون، وعندما يأتون إليها يزداد ذهولهم ويطلبون توقيع بروتوكولات تعاون معها، وقد حدث هذا مع كثير من الدول، فمثلاً خلال زيارتي الى أكبر جامعة للفنون في كوريا، تحدثت عن الأكاديمية فلم يصدّقوا، وعندما زاروها وجدوا فيها أكثر مما تكلمت عنه، ولهذا أحاول ما أمكن تأكيد أن مصر عظيمة ومميزة في هذا المجال، كما نتواصل مع مسؤولي الخارجية وملحقي السفارات، وندعوهم لزيارتها ليروا عظمتها، فيتحدثون عما رأوه، خاصة أنها تلقى حالياً دعماً كاملاً من الدولة، ونخطط اليوم لإطلاق مشروعات، أهمها معهد للسينما سيكون الأول على مستوى العالم.
- ماذا تقدّم أكاديمية الفنون لمن لا يعرف دورها؟
يكفي أن أقول إنها الأكاديمية الوحيدة التي تجمع هذا الكم من الفنون في الشرق الأوسط والوطن العربي وإفريقيا في منطقة واحدة، ولهذا فهي جامعة، كما أنها تضم معهدين، الأول للموسيقى والثاني للباليه، وتبدأ الدراسة فيهما من الصف الثالث الابتدائي، وهذا ليس متوافراً إلا عندنا، خاصة أن الباليه والموسيقى من الفنون التي تُدرّس في الصغر، ولا مكان في العالم يجمع هذين الفنين معاً. كما أن الأكاديمية جامعة تدرّس الفنون بحثياً وعلمياً وعملياً وتاريخياً، وكل ما يتصل بتلك الفنون، وتمنح شهادات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، وفيها “بلاتوهات” سينما يستغلها الطلاب في التدريب، وتدرّ أرباحاً للأكاديمية، وفيها أيضاً مسرح كبير هو مسرح سيد درويش. ولمن لا يعرف فإن الأكاديمية أُنشئت عام 1959، وكان الهدف منها هو النهوض بمستوى الفن وأخذ الفنون باتجاه قومي للحفاظ على التراث العربي وتوثيق الروابط محلياً وعالمياً. واليوم تطورت الأكاديمية وأصبحت تضم سبعة معاهد عالية لتخريج الفنانين في تخصصات فنون الأداء التعبيريـة وهي: المعهد العالي للفنون الشعبية، المعهد العالي للباليه، المعهد العالي للفنون المسرحية، معهد الموسيقى العربية، المعهد العالي للسينما، المعهد العالي للموسيقى القومية “الكونسرفتوار”، والمعهد العالي للنقد الفني.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024