تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

بعد تفشي ظاهرة التحرش “إجمدي” مبادرة تشدد على مواجهة المتحرش

الخوف من المتحرش

الخوف من المتحرش

مواجهة المتحرش

مواجهة المتحرش

شعار المبادرة

شعار المبادرة

ميسون محمد منسق المبادرة

ميسون محمد منسق المبادرة

من فعاليات المبادرة

من فعاليات المبادرة

من فعاليات المبادرة

من فعاليات المبادرة

هند وجيه

هند وجيه

خوف المرأة واستسلامها يشجّعان المتحرش الجبان على ارتكاب جريمته وهو مطمئن الى أن فريسته عاجزة عن رد الفعل، فهي ليس أمامها سوى خيارين: إما البكاء أو السكوت خشية الفضيحة، وهذا ما رفضته غالبية المبادرات، وأشهرها “إجمدي” التي تعتمد على سلاح الجرأة وتعليم المرأة بعض الرياضات التي تساعدها في ردع المتحرش وكسب المعركة، لأنه غالباً ما يُفاجأ برد الفعل غير المتوقع.“لها” تكشف تفاصيل مبادرة “إجمدي” لردع المتحرشين.


الخوف

يرى الدكتور إيهاب عيد، أستاذ علم النفس وعميد معهد الطفولة في جامعة عين شمس، أن في ظل تفشي التحرش يجب أن يكون لكل فعل رد فعل أقوى منه حتى يرتدع المتحرش الجبان بطبعه، لأنه يعلم أن المجتمع يرفض فعلته الخسيسة التي لم يراعِ فيها قواعد الأدب التي تربينا عليها، وتؤكد أن كل بنت في الشارع هي بمثابة أخت له عليه أن يحميها، ولكن للأسف تراجع منظومة القيم الاجتماعية والأخلاق وضعف الرادع القانوني ورد الفعل المجتمعي الذي يدين البنت أحياناً بسبب ملابسها... كلها تشجع الجاني على ارتكاب جريمته.

ويؤكد الدكتور إيهاب أن لا بد من كسر حاجز الخوف لدى البنات، وأن يتمتعن بقدرات رياضية لتعجيز المتحرش الذي غالباً ما يُصدم نفسياً برد فعل الفتاة القوي والسريع، ويُفاجأ بجرأتها في تهديده بسَوقه إلى أقسام الشرطة والاستعانة بالشهود على واقعة التحرش، وغالباً ما يتعاطف معها الشهود، لأن غالبية الشعب ما زالت تعترف بأن التحرش من الأفعال المعيبة.

ويختتم الدكتور إيهاب عيد كلامه مطالباً وسائل الإعلام بتبني مثل هذه المبادرات، وأن تستضيف أصحابها، وأن يحاول الآباء والأمهات غرس الثقة والجرأة في نفوس بناتهم منذ الصغر ليقدرن على مواجهة أي موقف يتعرضن له في الحياة.

في البداية تقول ميسون محمد، منسّقة مبادرة “إجمدي” لمواجهة التحرش: “المبادرة عبارة عن فعاليات تُقام في القاهرة وكل محافظات مصر، ويُقسم اليوم إلى قسمين، الأول يُخصّص لممارسة رياضة “الزومبا” التي تمكّن الفتاة من تنسيق جسمها والتحكّم بحركته، وتعزّز ثقتها بنفسها، أما القسم الثاني فهو لتدريب الفتيات على الـ”وِن دو” وتعليمهن كيفية الدفاع عن أنفسهن، وهو يشمل مجموعة من الحركات للتعامل مع المواقف المختلفة، واخترنا الـ”وِن دو” بالتحديد لأنه يصلح لكل الأشخاص، حتى لو كان الخصم أقوى”.

وتضيف ميسون: “يضم فريق التدريب لدينا متخصصين، لكنه يعتمد أساساً على مدربة الـ”وِن دو” المصرية شيرين سالم، لأنها أول من أدخل هذه الرياضة إلى مصر، فهي ولدت في ألمانيا لأب مصري... ومدربة الزومبا الدولية إميلين لفندر. قررت الاثنتان تأسيس المبادرة بعدما رأتا ظاهرة التحرش تنتشر بشكل كبير في مصر، فبدأتا تدريب الفتيات على صد المتحرش في الأماكن العامة والمدارس والجامعات. وبشكل عام، تراجع معدل التحرش مقارنةً بالسنوات الماضية، والسبب هو تطبيق القانون إلى حد ما، وبحث الفتيات عن سبل لمواجهة هذه الجريمة وردع المتحرشين، وفي أثناء التدريب لاحظنا تطوراً في أداء الفتيات لصد المتحرش، ولمسنا ثقتهن القوية بأنفسهن وشعورهن بالاعتزاز والفخر بأنوثتهن، وهو ما نسعى إليه فعلاً. وعلى الفتيات التخلّص من نظرة “العيب” بسبب تعرّضهن للتحرش”.

وعن تفاعل الفتيات مع المبادرة، تقول ميسون: “أقمنا فعاليات، كان أبرزها بالتعاون مع السفارة الألمانية في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2016، وكان ذلك في صعيد مصر، وبالتحديد في المنيا والأقصر وقنا وسوهاج. وفي تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2017 قمنا بالجولة نفسها في محافظات الدقهلية والإسكندرية والبحيرة والمنوفية، وقبلها نظّمنا عدداً كبيراً من الحفلات في القاهرة والإسكندرية والمنصورة، وقد تفاعلت الفتيات بقوة مع المبادرة. ولدينا أيضاً مجموعة على “فايسبوك” نتواصل من خلالها مع الفتيات الراغبات بالانضمام إلينا، وندرّب كذلك فتيات ليصبحن بدورهن مدربات “ون دو”، ويعملن مندوبات لنا في كل المحافظات حتى نتمكن من نشر الفكرة بشكل أكبر”.

نظرة العيب

تؤكد ميسون أن على الفتيات التخلص من نظرة “العيب” بسبب تعرضهن للتحرش، وألا يخفن من التصريح بذلك، وهنا يأتي دورنا ودور مبادرتنا التي من أهم أهدافها تشجيع البنات ليتجرّأن على مواجهة المتحرش، وتعريفهن أيضاً على المبادرات الأخرى التي تهتم بالتحرش؛ مثل “خريطة التحرش”، و”بلغوا” وغيرهما، والتي تسعى أيضاً الى التخلص من “وباء” التحرش، الذي استشرى في المجتمع، وأصبحت الفتيات لا يشعرن بالأمان في أي لحظة، فيمشين في الشوارع وهنّ خائفات من أن يتطاول عليهن الشبّان أو يعترضون طريقهن، ولذلك تسعى مبادرة “إجمدي” إلى تدريب الفتيات على اكتساب الثقة بالنفس لجعلهن يمضين يومهن بلا خوف.

ولمن يعتبر أن ملابس الفتاة “المثيرة” تجعلها مسؤولة عن التحرش وليست مجنياً عليها، تقول ميسون: “الفتاة غير مسؤولة عن محاولات التحرش بها، فإذا كانت ثيابها هي السبب في تعرضها للتحرش، فلماذا تتعرّض المحجبة أيضاً للتحرش؟ ولماذا يتم التحرش بالطفلات في المدارس؟ لا علاقة للتحرش بالملابس أو الاحتشام، بل أصبح عادة لدى بعض الرجال. وطالما أن لا قانون يردع المتحرش، ولا مجتمع يساند الفتاة الضحية، فالأمر بالنسبة إليه مجرد تسلية، وللأسف المجتمع يساعده في ذلك بإلقاء اللوم على الفتيات دوماً”.

الجرأة الشاملة

عن التحليل الاجتماعي للظاهرة، تقول الدكتورة منى مدحت، أستاذ علم الاجتماع في كلية البنات في جامعة عين شمس: “الحاجة أمّ الاختراع كما يقولون، ولا شك في أن ظاهرة التحرش أصبحت منتشرة بشكل مخيف في ظل ازدياد أعداد المتحرشين، وتراجع دور الأسرة في التنشئة الصحيحة، التي يجب أن تعلّم الذكور فيها ماهية “العيب”، ومنه التحرش بالبنات، لأنهن مثل أخواتهم أو زوجاتهم أو أمهاتهم، وهم لا يرضون أن يتحرش أحد بهنّ”.

وتشير الدكتورة منى إلى أن مبادرة “إجمدي” تهدف الى كسر حاجز الخوف لدى البنات، لأنه الدفاع الرئيس في وجه قلّة أدب المتحرش، الذي يظن أن الفتاة جبانة، فتدفعه أخلاقه السيئة لاستغلال هذا الحياء في التمادي والتطاول عليها، أما إذا عرف أنها سترد له الصاع صاعين، سواء بقوتها البدنية أو باللجوء إلى القانون، سيفكر ألف مرة قبل الإقدام على فعلته الشنعاء، فالمتحرش في الأصل جبان، وحياء الفتاة يشجعه على التحرش بها، ولكن إذا أظهرت رد فعل عنيفاً وتعاملت معه بذكاء فستجد تعاطفاً من المجتمع الذي لا يزال يعتبر التحرّش عيباً.

وتنهي الدكتورة منى كلامها مطالبةً بالإكثار من تلك المبادرات الإيجابية، وأن يتم نشرها في المدارس والجامعات، وتتبناها وسائل الإعلام للتوعية بها؛ بل وتعليمها لأولياء الأمور ليعلّموها بدورهم لبناتهم حتى تصبح رد فعل قوياً على جُبن المتحرشين، مع التوعية بدور القانون الرادع للمتحرشين، وقد حصلت أكثر من فتاة على أحكام قضائية بسجن المتحرش، ونلن إعجاب المجتمع بشجاعتهن.

مواجهة جادة

من جانبها، تقول هند وجيه، مدربة اللياقة البدنية وأول فتاة تعمل في مجال الحراسات الخاصة: “المشكلة الأبرز تكمن في عدم مواجهة الفتيات للمتحرش، لأنهن لا يملكن الجرأة الكافية للتصدّي له. الجرأة مهمة في هذه الحالات، فحتى لاعبات الفنون القتالية المتخصصات لن يصلن إلى المستوى المطلوب من القوة القتالية إلا إذا كانت لديهن الجرأة الكافية، وكثير من الفتيات يستطعن القيام بحركات بسيطة يدافعن بها عن أنفسهن، فالمتحرش عندما يقوم بفعلته لا يتصور أبداً أن يصدر عن الفتاة رد فعل عنيف، فيتحرّش بها من دون أن يحسب حساباً لرد فعلها، وهذا أمر إيجابي يصب في مصلحة الفتاة”.

وتضيف هند: “الأمر الثاني المهم في الدفاع عن النفس، هو تعريف الفتاة بمناطق الضعف في جسم المتحرش بها لتتمكن من مواجهته، ونقاط الضعف هذه هي فم المعدة والوجه وتحت الحزام والضلوع وسطح القدم، وقد سعينا لتعليم الفتيات الفنون القتالية، ليس لتلقينهنّ دروساً في العنف، فهذا كلام خاطئ، بل لتعليمهن الثقة بالنفس وكيفية مواجهة الصعوبات التي قد تعترض حياتهن اليومية”.

وتنصح هند كل فتاة بضرورة تعلّم أي فن من فنون الرياضات القتالية، أو حتى مبادئ هذه الرياضات، فهذا لن يُحدث فارقاً كبيراً في تعاملها مع الأمور المختلفة وحسب، إنما سيجعلها أكثر ثقةً بنفسها وتبدع في مختلف المجالات، كما لا تعود تنتظر من يدافع عنها في مواقف التحرش، بل تعتمد على ذراعها. وقد تستخدم بعض الفتيات الأجهزة الصغيرة للدفاع عن أنفسهن في الشارع، وهي أجهزة فعالة وتأتي بنتائج مذهلة إذ تدبّ الرعب في قلوب المتحرشين، لكن ليست كل فتاة تملك الجرأة الكافية للتعامل مع هذه الأجهزة، أو سرعة البديهة لإخراجها في الوقت المناسب.

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078