منطقة "وادي قاديشا" في لبنان.. جارة السماء
من حضارة التاريخ والجغرافيا والحرف إلى حضارة السلام والتقوى في وادي قاديشا، هذا الوادي الخاشع في هدوئه، والصلب في مقاومته، المتواضع في صمته وصلاته والشاهد على الإيمان. يغرد محمد في "تويتر" أنه "من المنطقي أن يصبح من يولد وسط هذا المزيج الجمالي المدهش شاعراً مبدعاً كالشاعر جبران خليل جبران".
"أن تقوم فجراً وتنطلق من العاصمة بيروت باتجاه منطقة (بشري)، ثم تبدأ المشي من حصرون قنوبين وادي القديسين، صعوداً حيناً ونزولاً أحياناً، كنائس وصوامع وأديرة ومحابس رهبان ومجامع قداسة، ثم تنتهي في زغرتا بعد سير 15 كلم، هو مشوار قليل ما يتكرر. الآن انتهى المشي وهجم الضباب معانقاً السحاب"، تنقل فاطمة بري هذا الكلام عبر صفحتها في "فايسبوك" وهي في عودتها في "الباص" الذي ينقلهم، واصفة مشوارها إلى وادي قاديشا، بأنه مهرب مثالي إذا كنت تبحث عن بعض السلام والهدوء.
كيفيّة الوصول إلى "وادي قاديشا"
تشرح المستخدمة سهير عبر "فايسبوك" طريق الوصول إلى وادي قاديشا، فتدوِّن "من طرابلس بعد المرور بزغرتا، أو من منطقة الكورة وبلدة أميون. مدخل الوادي يقع عند بلدة كوسبا ويتفرّع هذا المعلم إلى مسارين، الأول يؤدّي إلى إهدن (وادي قزحيّا)، والآخر يقود إلى الأرز (وادي قنّوبين). على موقع "تويتر" يروي يوسف رحلته في الوادي منذ 15 عاماً، يُقال إن المماليك هاجموا وادي قنوبين وقتلوا فيه 40 راهباً، ولهذا يسمى بوادي الأربعين شهيداً، وهو مصنف محمية طبيعية رائعة وأما الدير فاعتمد سابقاً مقراً صيفياً للبطريركية.
تتمتع جارة السماء أو منطقة (وادي قاديشا) بالصخور والجبال الشاهقة، توجد على بعد 121 كيلومتر شمال بيروت، يبلغ ارتفاعها نحو 1500متر عن مستوى سطح الأرض، وبعمق يتراوح بين 500متر. وبحسب تغريدة راشد في "تويتر" تم إدراج الوادي في العام 1998 في لائحة التراث بواسطة منظمة "اليونيسكو"، لغناه بالمعالم الطبيعيّة والثقافيّة.
يحافظ الوادي بأكمله على ختم الثقافات والحضارات المختلفة التي عبرته من بقايا وثنية إلى آثار دينية، حيث يعتبر قاديشا حلقة وصل بين القرون. في هذا الوادي مغاور وملاجئ كانت مسكونة منذ الألفيّة الثالثة قبل الميلاد حتى الحقبة الرومانية، وفيه أيضاً صوامع وأديرة صخرية وكنائس. كما تعيش في هذا الوادي آلاف أصناف الحيوانات والنبات، 10 في المئة منها، أصناف خاصّة فقط بلبنان. فضلاً عن ذلك، ترتمي مياه الشلالات الغزيرة على الانحدارات الصخرية العامودية. ومن هنا ينبع نهر "قاديشا" ويتدفق على طول الوادي حتى يبلغ البحر في مدينة طرابلس.
يحمل وادي قاديشا رمزاً كبيراً للطائفة المارونية المسيحية لأنه يحوي العديد من الكنائس والأديرة، لذا يسمى أيضاً وادي القديسين. ولرهبة هذا المكان، هناك العديد من الشهادات من المسافرين تشهد على هذه الحياة الرهبانية المثالية، أنها كانت وجهة اعتكاف للمسلمين أيضاً، قضوا أياماً في هذه الأديرة الموجودة في الوادي.
على صفحتها في "فايسبوك" تذكر المستخدمة بادية تجربة والدها، مذ حملت قدماه من ترابها، حيث تجول في برية "قنوبين" حاضنة المؤمنين من كل الأديان والطوائف والمذاهب. وحين جال فيها جولة الروح والجسد وكشف زوّادتها "كان يأتي ليحيي مع أنقياء الوادي مساحات التلاقي والجسور في زمن الجدران السميكة اليابسة".
من مشارف بلدة حدشيت لتصل إلى وادي قاديشا وتحديداً دير الصليب، تمتد أطول مبخرة في العالم، بامتداد يصل إلى نحو 60 متر وطول المبخرة نحو 9 أمتار لتعود إلى الذاكرة قوافل القديسين والنساك والرهبان العبّاد المتوحدين وأمواج البخور المتصاعد من المحابس والاديار، تعلق فينسا "هنا النسّاك والرهبان يرفعون الصلوات مع كلّ صبحٍ، ظهرٍ ومساءٍ على عطر البخّور وألحان أجيال المؤمنين".
"في أهراء مغائر الوادي المقدس، ذخائر عظام الرهبان والنساك والمتوحدين، المنثورة كحبّات القمح، وعلى ضفافه يتردّد صدى صلوات من سبقوا، ويعبق منها أريج بخور (المجامر)، وتصدح فيها أصوات الأجراس، إلى بطاركة رحلوا، ولا زال ذكرهم حاضراً في مجالس التاريخ"، وصف يتناقله زوار الوادي المقدس على مواقع الـ"سوشال ميديا" في جولة الروح والجسد.
نقلاً عن شبكة حياة الاجتماعية
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024