تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

صير بني ياس الإماراتية

خطوة جديدة تضيفها أبو ظبي الى الخطوات النوعية التي أنجزتها العاصمة الإماراتية في السنوات الأخيرة لتضع نفسها بقوة على خريطة السياحة في المنطقة من خلال افتتاح جزيرة «صير بني ياس» كخطوة أولى ضمن مشروع «جزر الصحراء»، إذ تمثل الجزيرة عالماً فريداً من الاسترخاء في احضان الطبيعة والبرية للباحثين عن الهدوء والسكينة في أجواء متفردة بعيداً عن صخب المدن وضجيجها. تمثل «صير بني ياس» التي تبعد ٢٥٠ كيلومتراً عن أبوظبي واحدة من ثماني جزر طبيعية يجري تطويرها ضمن مشروع «جزر الصحراء»، الواقع قبالة شواطئ المنطقة الغربية في إمارة أبوظبي. ويقدم المشروع مفهوماً جديداً للسياحة في منطقة الشرق الأوسط، ويؤمل ان يصير وجهة سياحية متعددة الاستخدام تجمع بين متنزه الحيوانات البرية العربية والمحميات الطبيعية والتراث الأصيل والخدمات الفندقية من فئة الخمس نجوم والنشاطات الصحراوية.

وإلى جانب «صير بني ياس» تضم «جزر الصحراء» جزيرة «دلما» التي تمثل الجوهرة التراثية في المشروع، وهي رمز حقيقي لتراث دولة الإمارات الذي يعكس أسلوب الحياة العربية الأصيلة، كما تضم مركز جزيرة دلما التعليمي الذي يقدم مجموعة من فرص التدريب المهني للمواطنين المقيمين في الجزيرة، وذلك للاستفادة من إمكانات التوظيف التي تتيحها خطط التنمية السياحية للمنطقة الغربية في أبوظبي. 

وجزر «ديسكفري» التي تتكون من ٦ جزر طبيعية تعتبر موطناً للحياة البحرية والأماكن الطبيعية لعيش الحيوانات البرية والمائية، وهي تطرح صياغة جديدة لمعايير الجودة حيث سيتم تخصيص جزيرتين كمنتجعات راقية توفر أعلى مستويات الخدمة والرفاهية، في حين لن يتم المساس بجزيرتين أخريين للمحافظة على طبيعتهما كموطن لتكاثر الطيور والسلاحف، فيما ستتيح الجزيرتان المتبقيتان للزوار فرصة الإقامة في المخيمات والاستمتاع بهذه التجربة.

وتقدم جزيرة «صير بني ياس» التي تم افتتاحها أخيراً، مفهوماً جديداً للسياحة في الإمارات عبر العديد من المميزات التي نادرا ما تجتمع في مكان واحد من طبيعة خلابة، وحياة برية، وبيئة متفردة، إلى جانب الأجواء التراثية التي تحفها أجواء من الرفاهية والفخامة.

 تبدأ الرحلة الى الجزيرة التي تفوق مدينة ابوظبي في حجمها اذ تبلغ مساحتها ٨٧ كيلومتراً مربعاً، من مرسى جبل الظنة الذي يعتبر بوابة الدخول البرية إليها، وهناك يُستقبل الزائر في استراحة خاصة مجهزة بوسائل الراحة والضيافة، قبل ان يستقل القارب الى الجزيرة التي تبعد ٨ كيلومترات عن شاطئ المرسى، في رحلة مدتها ١٥ دقيقة، يصل بعدها الى مدخل الجزيرة. كما يمكن لزوار الجزيرة استخدام الطائرة البرمائية التي تنطلق من مطار ابوظبي إلى مطار الجزيرة مباشرة في رحلة مدتها ٥٠ دقيقة فقط، ولكن يجب أولا قبل الانطلاق في رحلة الحجز في «جزر الصحراء»، وهو منتجع متكامل من فئة الخمس نجوم، تُجرى الترتيبات لممارسة كل النشاطات الترفيهية والقيام بالرحلات الاستكشافية في الجزيرة، والتي يتم توفيرها مجانا للمقيمين في الفندق.

يبدأ زائر جزيرة «صير بني ياس» رحلته في الجزيرة من استراحة صغيرة، حيث يتعرف من أحد المشرفين على واحدة من أهم الأشجار التي تحتضنها الجزيرة وهي شجرة «القرم» وما تتميز به من خصائص تساهم في عملية التوازن البيئي، حيث تعتبر هذه الأشجار ملاذا للعديد من أنواع الطيور والكائنات البحرية، بالإضافة إلى قدرتها على امتصاص الأملاح من التربة، وتنقية الجو من خلال امتصاص ثاني أكسيد الكربون. وفي هذا المكان يكتب الزائر اسمه في ورقة لتتولى إدارة الجزيرة زرع شجرة قرم تحمل اسمه، وذلك بهدف الحفاظ على نقاء الهواء في المكان.

رفاهية بنكهة التراث

بعد ذلك ينتقل إلى منتجع أنانتارا «جزر الصحراء»، الذي تم افتتاحه أخيراً. وهذه تجربة فريدة أيضا لما يحمله المكان من طابع خاص يجمع بين التراث والرفاهية والفخامة، إلى جانب الهدوء والسكينة كما أوضح مدير المبيعات بالمنتجع علي الجزازي، مشيراً إلى ان المكان الذي تديره مجموعة «أنانتارا ريزورتس أند سبا» التايلاندية، يتضمن ٦٤ غرفة تطل جميعها على البحر، إلى جانب مجموعة من الفيلات الشاطئية، من بينها فيلات ملكية تتميز بمقدار عال من الفخامة، مع خدمة خاصة على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع. وتضمّ هذه الفيلات غرفتي نوم وردهة وغرفة اقامة، ومطبخاً صغيراً وغرفة للطعام ومسبحاً، وممراً مباشراً إلى الشاطئ.

 بينما يضم النادي الصحي «صفاء» أربع غرف معالجة رحبة، منها اثنتان للأزواج والأخريان للأفراد. وهو يقدم مجموعة من العلاجات المميزة التي تشمل جلسات التدليك التايلاندية، وجلسات التدليك العطرية، والمعالجة الطبيعية على الطريقة الهندية التقليدية، وجلسات العناية ببشرة الوجه والجلسات المخصصة للعناية بالجسم. كما يضم المنتجع خمسة مطاعم رفيعة المستوى، بالإضافة إلى أحواض للسباحة ونادٍ للأطفال وملاعب رياضية، وإمكان تصميم جلسات خاصة وفقا لطلب النزيل.

ورأى الجزازي ان «صير بني ياس» تمثل إضافة نوعية للسياحة في ابوظبي، فهي تجمع بين رحلات السفاري الصحراوية والشواطئ وأماكن السباحة المتعددة. كما ان سهولة المواصلات بينها وبين ابوظبي، تتيح للزائر الاستمتاع بالاسترخاء والصفاء في الجزيرة والانتقال بيسر الى العاصمة للقيام بجولات تسوقية وشراء ما يلزمه.

برنامج حافل

لا يقتصر تميز «صير بني ياس» على وسائل الراحة والمتعة التي يوفرها المنتجع لزواره، فهناك برنامج حافل ينتظرهم على الجزيرة، وتمثل رحلات السفاري ابرز هذه النشاطات وأكثرها تفرداً، فمن خلالها يمكن للزائر التعرف على معالم هذه المحمية الطبيعية والتي تقدم ملاذاً فريداً للعديد من الحيوانات والنباتات النادرة، والتمتع بجمال مناظر الطبيعة الخلابة والحيوانات الجميلة التي تجوب المكان بحرية تامة. وتمنح رحلات السفاري فرصة التجول لمدة ساعتين للاطلاع على الكثير من المعلومات عن الحياة البرية ورؤية بعض الحيوانات المستوطنة في الجزيرة، وذلك باستخدام سيارات دفع رباعي مطورة خصيصاً لجزر الصحراء يقودها مرشدون متخصصون يتحدثون بمختلف اللغات، يرافقهم خبراء في عالم الحيوانات البرية.

ويمكن للزائر القيام بهذه الجولة سيراً على القدمين عبر أضخم التلال الصخرية الملحية في العالم. وقد حددت إدارة الجزيرة أماكن لممارسة هذه الرياضة، وروعي تنوع درجة وعورتها لتناسب مختلف الأعمار. وهو ما ينطبق أيضاً على رياضة ركوب الدراجات عبر التضاريس الجبلية للجزيرة وهي مقسمة أيضاً وفقا للأعمار مع توفير مكان يتناسب وإمكانات الأطفال. ولهواة الرياضات البحرية والمائية توفر الجزيرة فرصة الغوص لاستكشاف الحياة البحرية المثيرة والشعاب المرجانية التي لم يلمسها أحد. ويمكن للجميع ممارسة هذه الرياضة على ان تتجاوز السن ١٢ عاماً. بينما خصص مكان داخل المياه لأصحاب الخبرة في ممارسة الغطس، كما يمكن لهواة الرياضات المائية ممارسة رياضة الكاياك أو التجذيف في قنوات ضحلة بالقرب من أشجار القرم، أما في أوقات الجزر فيمكن ممارسة هذه الرياضة في مياه الخليج.

محمية طبيعية

وتعتبر جزيرة «صير بني ياس»، كما يوضح مدير التسويق في جزر الصحراء لارس نيلسون، موطناً لأكثر من ٢٣  فصيلة من الحيوانات، منها الزرافات وغزال المها العربي الذي يعتبر واحداً من أكثر الحيوانات المهددة بالانقراض في العالم، بينما تضم الجزيرة أكثر من ٤٠٠ رأس منه تعيش حياتها الطبيعية البرية بحرية كاملة. كما تعد الجزيرة موطناً مثالياً للطيور البرية المستوطنة والمهاجرة مثل الفلامنغو ونورس البحر وطائر الغاق النادر والبط البرّي وطائر الغرافون وطائر الطوّال ذي الأجنحة السوداء والزقزاق البري والنَكات ومالك الحزين الرمادي.

بينما تلعب دوراً كبيراً في حماية الأجيال القادمة من الحيوانات المعرضة أو المهددة بالانقراض وفق تصنيف الاتحاد العالمي للحفاظ على الطبيعة، حيث تستوطن الجزيرة فصائل متنوعة من الفصائل المهددة بالانقراض منها السلاحف البحرية وغزال الرمال والظبي ذو العلامة السوداء وماعز يوريال والماعز الوحشي. ولفتت نيلسون إلى انه تجري إقامة قسم خاص للحيوانات التي ترجع أصولها الى شبه الجزيرة العربية يضم ٦٠٪ من المساحة المخصصة لاقامة الحيوانات في الجزيرة، وقسم آخر للحيوانات الأفريقية بنسبة ٤٠٪ من المساحة. واشار إلى انه خلال فترة إغلاق الجزيرة لإجراء التحديثات عليها تم استقدام حيوانات جديدة مثل الضبع، والاستعانة بعدد كبير من الخبراء المتخصصين في العناية بالحيوانات، كما تم الاستغناء عن ما يقرب من ٣٥٠ كيلومتراً من السياجات التي كانت تحيط بأماكن وجود الحيوانات، لإتاحة المزيد من الحرية لها في ممارسة حياتها البرية.

وأشار نيلسون إلى ان الثروات الطبيعية التي تزخر بها الجزيرة لا تقتصر على الحيوانات البرية، اذ تستوطن الدلافين والسلاحف البحرية وكائنات بحرية أخرى المياه المحيطة بها، ويعود ثراء الحياة البحرية في الجزيرة بما يفوق الأجزاء الأخرى من سواحل ابوظبي إلى توجيهات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بحظر صيد الأسماك في مناطق معينة خلال السنوات الـ ٢٥ الماضية حفاظا على البيئة. وتضم الجزيرة، وفي إطار برنامج تشجير الصحراء الذي تبناه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أكثر من ١٨٫٠٠٠ نخلة منتجة للتمور و ٥. ٢ مليون شجرة ونبتة منها أشجار الزيتون التي تشتهر بها شواطئ البحر المتوسط، إلى جانب شجرة العود التي يستخرج منها نوعان من العود يستخدمان في البخور. ورغم تشابه النوعين في الرائحة فإنهما يختلفان في السعر اذ يفوق سعر أحدهما سعر الذهب!

تاريخ وتراث

يعود أصل اسم جزيرة صير بني ياس إلى قبيلة بني ياس الشهيرة التي كانت أول من استوطن إمارة أبوظبي، بينما يرجع تاريخ الاستيطان البشري  في الجزيرة إلى العصر البرونزي. وتشهد المواقع الأثرية الـ٣٦  في جزيرة صير بني ياس على التاريخ الطويل للجزيرة، ويعود أقدمها إلى حقبة ما قبل الإسلام. أي منذ العام ٦٠٠ ميلادي. وتبرز أهميتها باعتبارها محمية برية خاصة أسسها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، لحماية طبيعة الحيوانات البرية والكائنات المهددة بالانقراض في منطقة الجزيرة العربية.

وقد طُوّرت جزيرة صير بني ياس بما يتناسب مع طبيعتها الخلابة ونظامها البيئي، وهي تضم  أول طاحونة لتوليد الكهرباء من نوعها في المنطقة، تنتج  ٨٥٠ كيلو واط من الطاقة في الساعة الواحدة. وتعتزم الجزيرة الاعتماد على مصادر الطاقة البديلة مستقبلاً لتأمين حاجاتها من الطاقة. كما ستطبق جزر الصحراء المعايير الدولية  في مجالات الطاقة والمياه والبنية التحتية وإدارة المخلفات وإعادة التدوير ومباني الطاقة. وقد أقامت شركة التطوير والاستثمار السياحي علاقة شراكة مع «مصدر» لبناء محطة للطاقة البديلة في جزيرة صير بني ياس، ستتولى تشغيل محطة تحلية المياه في ما بعد، على ان تستخدم المياه التي تنتجها محطة تحلية المياه الجديدة في الزراعة وإطعام الحيوانات المستوطنة في الجزيرة.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080