تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

نادين لبكي NADINE LABAKI «كفرناحوم» صدم الناس... وغيّر نظرة العالم الى أطفال الشوارع

نادين لبكي

نادين لبكي

ملصق فيلم «كفرناحوم»

ملصق فيلم «كفرناحوم»

نادين لبكي

نادين لبكي

نادين لبكي

نادين لبكي

نادين لبكي تتكلم عن فيلم «كفرناحوم»

نادين لبكي تتكلم عن فيلم «كفرناحوم»

نادين لبكي في مهرجان «كان»

نادين لبكي في مهرجان «كان»

نادين لبكي

نادين لبكي

نادين لبكي

نادين لبكي

نادين لبكي

نادين لبكي

«كفرناحوم» ليس فيلماً قدّمتْ قصته الى العالم من أجل الفن فقط، بل بهدف تغيير الواقع والتصدي لظاهرة هي بمثابة قنبلة موقوتة تنذر بكارثة مستقبلية. لطالما اتسم اللقاء معها بالإنسانية والفن، بالغضب الذي تفرغه في أعمالها وتنتقد فيه عالماً يغض الطرف عن مسؤولياته، عن أطفال استُغلوا وظُلموا وضُربوا، سُلبوا حقوقهم في العيش بأمان، حقوقهم في النوم والعلم والإحساس بطعم الطفولة. «كفرناحوم» هو فيلم تسعى من خلاله المخرجة اللبنانية نادين لبكي الى أن تجد حلولاً لكل طفل وعائلة شاركت معها في الفيلم، وصولاً إلى تعديل القوانين، وتؤكد أن أحداثه أقوى من مليون خطاب سياسي. المخرجة اللبنانية نادين لبكي في حوار...


- ما الهدف من «كفرناحوم»؟ وهل توقعت أن يحقق كل هذا النجاح؟

الهدف من الفيلم هو أن يُحدث صدمة لدى الناس، فهم متأكدون من تفشّي ظاهرة أطفال الشوارع، لكن عندما تسلّط السينما الضوء على قضية معينة وتناقش حيثياتها على الشاشة الكبيرة، تأخذ منحى آخر. أعرف أن السينما تؤثر في المجتمع وفي أسلوب تفكير أفراده، لذا كان من الضروري أن أركّز على هذه القضية وأهتم بتصوير أدق تفاصيلها لكي تُحدث ردود فعل عند جمهور المشاهدين. لم أصوّر فيلم «كفرناحوم» بهدف تقديم عمل جديد فقط، بل سعيت من خلاله إلى فتح نقاش جاد وإيجاد حلول. كلنا غاضبون ولكن الغضب وحده لا يكفي. على الصعيد الشخصي، كنت أقول ماذا عساي أن أفعل، فأنا أيضاً مسؤولة عما آلت إليه الأوضاع، لأنني أعيش في مجتمع يغض الطرف عن هذه الظاهرة ويقبل بالظلم الواقع على أطفال الشوارع، لذا قررت أن أحوّل هذا الغضب الى شيء إيجابي، وعلى هذا الأساس صُنع الفيلم.

- هل كتبت النص وبحثت عن الحالات أم العكس؟

كانت الأمور تسير بالتوازي، فحين بدأنا الكتابة، شددنا على ضرورة أن تكون القصة موثّقة. هناك فعلاً حبكة وسيناريو، ولكن كان لا بد من تدعيم أحداث الفيلم بحقائق. كنا ننزل إلى الشارع ونبقى أياماً وأسابيع من دون نكتب شيئاً. كنا نحضر جلسات المحاكم ونزور مناطق نائية ومهمّشة في لبنان، ونقصد كذلك مخيمات اللاجئين، والإصلاحيات وسجن رومية للأحداث... أمضينا أوقاتاً طويلة مع الأطفال وحدّثونا عن تجاربهم المرّة، فالكتابة كانت توثيقاً لما شاهدناه.

- في «كفرناحوم» تناولت عدداً من القضايا الإنسانية، كالتسوّل وعمالة الأطفال، الزواج المبكر والظلم اللاحق بالعاملات الأجنبيات ومكتومي القيد. كيف تمكنت من ربط هذه الحالات ببعضها بعضاً؟

ربط الحالات ببعضها البعض كان من أصعب الأمور بالنسبة إلينا، فالأحداث سارت بصورة تلقائية، لأننا اكتشفنا في النهاية أن بعض الحالات قد تجتمع في عائلة واحدة، كأن تضم مثلاً أولاداً غير مسجلين في الدوائر الرسمية، ولم يلتحقوا بالمدارس، والأهل إما قيد الدرس أو بلا هوية، ويعيشون في ضائقة مادية تُجبرهم أحياناً على تزويج بناتهم في سنّ صغيرة... فهذه الحالات منتشرة بكثرة ولا أحد يتحدث عنها: تزويج الفتاة القاصر أو بالأحرى بيعها لحلّ مشكلة الفقر التي يعانيها أهلها، أو الأولاد الذين يرتكبون جرماً ويُدكّون في سجن رومية، وشخصية العاملة الأثيوبية «رحيل» في الفيلم، غالباً ما تكون أحزمة البؤس مرتعاً لهذه الشخصيات المماثلة لشخصيات الفيلم.

- ثمة من علّق على المواضيع التي تناولتها في الفيلم، بدءاً من الفقر وصولاً إلى التسول والزواج المبكر.... هل نادين لبكي تكتب فيلماً أم هو اقتراح لـNGO؟

إذا كنت في NGO واستطعت التغيير فلمَ لا! قدّمت هذا الفيلم لأغيّر في الواقع ما أمكن، وليس بهدف إشباع رغبتي في الفن فقط، فالفيلم بلغ مستوى فنياً معيناً خوّله المشاركة في المهرجانات العالمية.

- هل الفيلم شعبوي؟

هو بالتأكيد شعبوي.

- وصف البعض «كفرناحوم» بالفيلم الشعبوي الذي يفتقر إلى خطوط القوة السينمائية... ما تعليقك؟

لكلٍ رأيه الخاص، وربما يدرك البعض أسس فن السينما أكثر من مهرجان «كان» ولجنة تحكيمه.

- لماذا شارك «كفرناحوم» في مهرجان «كان»؟

لأنه يمتلك مقومات الفيلم السينمائي التي تؤهله للمشاركة في مهرجان «كان»، والفوز بجائزة لجنة تحكيمه. وحتى لو تناول الفيلم قضية مهمة ولم تُعالج بالمستوى المطلوب سينمائياً فهو بالتأكيد سيُمنع من المشاركة، خصوصاً وقد تقدم للمشاركة في المهرجان 1800 فيلم.

- رفض «زين» ابن الاثني عشر عاماً تزويج شقيقته البالغة من العمر عشر سنوات في هذه السنّ المبكرة، فكيف يدرك هذا الطفل الخطأ الذي ترتكبه عائلته؟

في الفيلم، يدرك «زين» تماماً هذه الحقيقة، وفي واقعه متأكد منها أكثر فأكثر، كما أنه على جانب كبير من الحكمة. ما أنقذ «زين» وجعله يتصرف بحكمة هو احتضان عائلته له وعدم رميه في الشارع للعمل، ومع ذلك لم يستطع الدخول إلى المدرسة بسبب الضائقة المادية التي تعانيها عائلته، فتربّى في الشارع وأصبح ملمّاً بكل تفاصيله... أحياناً كان «زين» يتفوّه بكلمات تصدمني، ومن خلالها تأكدت من أنه شاهد على أحداث كثيرة مسرحها هذا الشارع. في الفيلم، صوّرت «زين» بشكل أخف عنفاً واستغلالاً مما عايشه في الواقع.

- أين وجدت «زين»؟

وجدته في الشارع، عائلته تقبّلت الفكرة ووافقت فوراً على أن يشارك في الفيلم، وأنا على تواصل دائم معهم. منذ فترة قصيرة، التحق «زين» بالمدرسة بعدما سافر مع عائلته إلى النروج.

- حقق الفيلم نجاحاً باهراً، ولكن ما مدى الرضا الذي تشعرين به بعد انقلاب حياة زين رأساً على عقب؟

ثمة أمور كثيرة لم أتمكن من تحقيقها، وأندم ربما على مشاهد اقتطعتها من الفيلم لجعل مدة عرضه ساعتين، فالنسخة الأولى من الفيلم كانت مدتها 12 ساعة. تحديد الوقت لا يسمح لنا بالغوص في عمق الأحداث، ولكن ما وصل إليه «زين» من خلال الفيلم هو حلم أكثر منه واقعاً، وأشعر أنني سأصحو يوماً من الحلم ويُقال لي إنها مجرد مزحة. بعد أن كان «زين» يعيش في بيت صغير جداً وبيئة يزنّرها البؤس والحرمان، ها هو اليوم يقيم مع عائلته في النروج في منزل مطلّ على البحر ومؤلف من طبقتين، ويضم خمس غرف نوم، لكل طفل غرفته الخاصة.

- والدة «زين» تخلّت عن ابنتها من أجل الحصول على المنزل الذي تعيش فيه مع عائلتها، بينما العاملة الأجنبية «رحيل» رفضت أن تبيع طفلها لعائلة ميسورة مقابل المال والحصول على إقامة، ما المقصود من هذه المقارنة؟

هذه المقارنة موجودة فعلاً في الواقع. ثمة أمهات يملكن أموالاً طائلة ويعجزن عن تربية أولادهن، وفي المقابل نجد أمهات مثل «رحيل» لم يستطعن تسجيل أطفالهن في الدوائر الرسمية ومع ذلك لم يتخلّين عنهم. لذلك أفردنا للمحكمة مساحةً في الفيلم كي يتمكن من خلالها الأهل من التعبير عن أنفسهم. «كوثر» التي تؤدي دور أمّ «زين» في الفيلم، تعيش المأساة نفسها بحيث لم تستطع تسجيل أولادها في الدوائر الحكومية، وقد دفعها الفقر الى إطعام أولادها الماء المجبول بالسكر. قلت لها أن تنسى من أنا، وتنظر إليّ بصفتي ناطقة باسم المجتمع الذي يحكم عليها، وطلبت منها أن تخاطب هذا المجتمع من خلالي... في تلك اللحظة، قالت لي من أنتِ لتحكمي عليّ؟ أنتِ لم تجوعي يوماً! لم تُطعمي أطفالك ماءً وسكراً... أحسست بصدق تلك اللحظة.

- حين العودة إلى المنزل بعد التصوير، أي أفكار كانت تراودك؟

كنت أستشيط غضباً، لكن سرعان ما أستعيد قوّتي لاستكمال الطريق. لم أشعر يوماً بالاكتئاب، ذلك أنني أتناول قضية يمكنني إيصالها الى المجتمع كما يجب. هذا الشعور مدّنا بالقوة، وكانت الأحداث تدفعنا لمتابعة الطريق، علماً أننا واجهنا الكثير من الصعوبات. سُجنت «رحيل» في الواقع كما سُجنت في الفيلم، وغابت عنا لثلاثة أسابيع، فقد أُلقي القبض عليها بعد تصويرها مشهد سجنها... و«يوناس» ابن «رحيل»، وهو في الحقيقة فتاة اسمها treasure، تم إلقاء القبض على والدته الحقيقية في الوقت نفسه الذي سُجنت فيه «رحيل»... أي أن «يوناس» عايش مرحلة سجن والدته في الفيلم، وفي الحقيقة. لقد تمكنّا من تخطّي الصعاب على الرغم من كل المشاكل التي واجهتنا. «رحيل» قدّمت في الفيلم الكثير من المشاهد التي تعكس مأساتها الحقيقية، وفي المؤتمر الصحافي الذي عُقد في مهرجان «كان»، قالت: «لم أكن أمثّل، بل أُخبر قصة حياتي».

- هل كنت منبراً لأشخاص لم يستطيعوا توصيل أصواتهم!

لا بل لأشخاص غير موجودين أصلاً. أغلب الأشخاص الذين شاركوا في الفيلم لا يملكون أوراقاً ثبوتية أو هم مكتومو القيد. مثلاً، تعتبر «كوثر» مواطنة من الدرجة الثانية، لأن أوراقها لا تزال قيد الدرس... هؤلاء الأشخاص يعيشون على هامش الحياة، لكن فجأة ذهبوا الى مهرجان «كان» ليعبّروا من خلاله عن مشاكلهم ومعاناتهم اليومية. أؤمن بأن هناك ما هو أهم بكثير من الفيلم سيحدث في واقع الحياة، لأننا سننظّم ورش عمل نرفع من خلالها الصوت عالياً، وسنعمل ما في وسعنا على تعديل القوانين.

- استطاع «زين» أن يتحمل مسؤولية طفل ويرعاه. هل الظلم والعمل يعلّمان الأطفال مواجهة الحياة؟ أم أن حاجته إلى عائلة هي السبب؟

الطفل الذي ينمو في ظل مأساة، تعلّمه الحياة كيف يصبح حكيماً، وبالتالي يتصرف كالكبار. أغلب الأطفال الذين التقيت بهم في الشارع لا يعرفون معنى الطفولة، وهذا ظاهر بوضوح في أعينهم. نظرات «زين» تؤكد أنه عاش الكثير من المآسي، وكلماته العفوية تدل على أنه تعرض للعنف والظلم. «زين» يفرّق بين الصح والخطأ، وهو طفل يفهم الحياة أكثر من أهله. «سحر» شقيقة «زين» في الفيلم، هي في الواقع فتاة حكيمة كانت تعيش جلّ يومها في الشارع، أما اليوم فستدخل المدرسة. كانت «سحر» أو «سيدرا» تعود من الشارع إلى البيت فتغسل ملابس أشقائها، وتطبخ وتدّرس أختها الصغيرة، علماً أنها لا تعرف مقاعد الدراسة، ولكنها تعلمت القراءة من كتب شقيقتها الصغرى. عمر «سحر» 12 سنة، إلا أنها تبدو أصغر سنّاً بسبب سوء التغذية. كل أطفال الشوارع يأكلون «أندومي» غير المطهو. استغرق تصوير الفيلم ستة أشهر، وكنا نلحظ من البداية، أي حين التقى «زين» بـ«يوناس» كيف كان يخاف عليه طوال الوقت وكأنه شقيقه.

- أيهما أصعب: إدارة ممثل مبتدئ أم طفل؟

بالتأكيد نعاني صعوبة مع الأطفال، ولكن هذه الصعوبة تُسعدنا، ولا سيما عندما ننتهي من تصوير المشهد بنجاح. في أثناء كتابتي للسيناريو، كنت أشعر بالجنون، فكيف أتعامل مع طفل يرفض الحليب لأنه ليس من ثدي أمّه! ومع ذلك استمررت في كتابة النص، لإيماني بأنني سأتمكن من الوصول الى هدفي. الوقت والحب من أهم عوامل نجاح أي فيلم. لقد أُغرمت بشخصيات الفيلم. أحببت «يوناس» من كل قلبي، لأنني كنت أرى من خلاله ابنتي، فهي في مثل سنّه. أفردت لكل طفل في الفيلم مساحةً ليكون على طبيعته، وعرفت متى أتدخل ومتى أبتعد. حتى أن فريق العمل تماهى مع الفيلم وبدت الكاميرات في الكواليس كأنها ترقص مع حركة الأطفال. لم تكن هناك إضاءة حتى تبدو حركاتهم طبيعية، وكنا نتدخل بطريقة ذكية. لم أطلب من «زين» أن يمشي لمسافة محددة، بل تركت له حريّة التصرف. ثمة لقطات تطلبت ساعات في انتظار اللحظة الحاسمة، ومشاهد صوّرت بعفوية.

- متى تحولت نادين أمّاً ونسيت أنها كاتبة الفيلم ومخرجته؟

كانت تصرفات نادين الأم هي الغالبة مع «يوناس» و«زين»، الذي تربطني به علاقة من نوع آخر. منذ فترة اتصل بي والده يخبرني أن أسنان «زين» تؤلمه ولن يريحه إلا التحدث إليّ. هناك طرق في التعامل نعزّز من خلالها ثقة الطفل بنفسه، ونشعره أنه يستحق أفضل مما هو عليه. أزعجني أحد الأشخاص حين كتب معلّقاً: «لا بد من أن هؤلاء الأطفال تعذّبوا كثيراً كي يصوّروا هذا الفيلم». هذا القول جرحني وآلمني كثيراً... فكيف أعذّب الأطفال وأنا أصوّر فيلماً عنهم؟! أتضايق من أصحاب النيات السيئة، الذين يحكمون عليك من دون أن يعرفوك.

- بعد أن تعرفت على عالم مختلف لأطفال نسمع عنهم أو نراهم من بعيد، أي مستقبل تتوقعين لهم؟ وممَ تخافين على طفليك اليوم؟

إذا أكملنا بهذه الطريقة، نحن بالتأكيد قادمون على كارثة كبيرة. التقيت بأطفال في عمر السنتين متروكين لشأنهم. ذات مرة رأيت طفلاً في سنّ الثانية يتناول الحليب الجاف من دون مساعدة أحد، فحاولت التحدّث إليه ولكنه لم يحرّك ساكناً ولم يأتِ بأي رد فعل. هذا الطفل وصل إلى هذه المرحلة بسبب الإهمال، فما هو مستقبله؟ هو حتماً سيتعرض للاستغلال والاغتصاب والتعنيف... هناك آلاف الأطفال الذين يولدون ويموتون من دون أن يعرف بوجودهم أحد. هؤلاء الأطفال قنابل موقوتة، وعلينا ألا نستغرب إذا واجهنا إرهاباً لاحقاً، أو سمعنا بأن شخصاً فجّر نفسه.

- بعيداً من الحالات الإنسانية، تطرقت في الفيلم إلى تهريب المهدئات إلى داخل السجن، ما الهدف من ذلك، وهل هو إخبار للسلطات؟

هذا كان يحدث فعلا. مشهد التفتيش خلال دخول السجن كان حقيقياً، لذلك كانوا يتفقّدون الملابس ويتأكدون مما إذا كان سيخرج منها غبار أم لا. في السنوات الماضية كانت ظاهرة تهريب المهدئات إلى داخل السجون منتشرة أكثر من اليوم. كنا ندخل إلى السجون كأناس عاديين ونلتقي السجناء، حتى أننا التقينا مساجين خرجوا وأخبرونا الكثير من القصص. لم نخترع شيئاً، ولكن أن يرفع طفل دعوى على عائلته فهو مشهد من نسج الخيال، إذ لا يمكن طفلاً أن يتقدم بشكوى ضد عائلته، لأنه بحاجة إلى ولي أمر، وولي أمره هو والده. لذلك لجأ «زين» إلى الإعلام لما له من تأثير كبير في الرأي العام.

- كيف ولدت الفكرة إذاً؟

الفكرة ولدت تلقائياً بعد أن تحدثت إلى الكثير من الأطفال. كنت أسألهم، هل أنتم سعداء لأنكم أحياء؟ فكانوا يجيبونني: لماذا وُلدنا وليس هناك من يمنحنا الحنان أو يحتضننا، ونتعرض للعنف والاستغلال طوال الوقت؟! هل مجيئنا الى الحياة هو قصاص لنا على ذنب لم نقترفه؟ العديد من الأطفال أخبروني أنهم حاولوا الانتحار، ويفضّلون الموت على العيش بذلّ. ومن هنا خطرت لي فكرة أن يرفع طفل دعوى على والديه اللذين أنجباه وتركاه لمصيره، ومن خلال والديه فهو يحاكم المجتمع بأكمله.

- هل أدرك والد «زين» حقيقة الواقع بعد كل ما تعرض له في المحكمة؟

والد «زين» ضحية مجتمع وثقافة وجهل، فهو أيضاً مكتوم القيد ولم يلتحق بالمدرسة وضُرب واستُغل.

- لكن «زين» اكتشف حقيقة الواقع قبل والده!

بالفعل، هذا هو النقاش الذي نودّ أن نفتحه، ونسأل هل كان من الأفضل لـ«زين» ألاّ يولد؟ لا بل يجب أن يولد، لأن بين هذا الكم من الظلم يولد صوت أو حالات تغيّر مصيرها، ولكن 75 في المئة من تلك الحالات تنتهي بالفشل، فالطفل يكبر ويصبح إما مدمناً على المخدرات، أو مجرماً يدخل السجن، أو شاذاً يتحرّش بالأطفال كما تم التحرش به في طفولته... لكن «زين» استطاع أن يغيّر قدره.

- في الفيلم مشهد مضحك مبكٍ في الوقت نفسه... عندما تزور «كوثر» أحد أقربائها في السجن وتطمئن الى أنه يقبع مع شقيقه في سجن واحد... ما مدى حقيقة هذا المشهد؟

هذا المشهد حقيقي. الممثلة التي كانت تؤدي الدور، التقت بالصدفة بأولاد شقيقها في سجن رومية وكانت مرتبكة، فهي لم تلتقِ بهم منذ زمن طويل، وكنا نتناول طعام الغداء حين سمعنا «كوثر» تصرخ بأعلى صوتها، متحدّثةً إلى السجين، فالتقطنا الكاميرا وصورنا المشهد مباشرةً. هذا المشهد حدث فعلاً، وفي نهاية اللقاء تبكي لأنها لم تره منذ مدة طويلة. أغلب مشاهد الفيلم حقيقية.

- هل توقعت أن يُرشّح الفيلم لجائزة الأوسكار؟

لم يتم ترشيح الفيلم إلا من جانب وزارة الثقافة اللبنانية، أي أنه يمثل لبنان في الأوسكار. أعتقد أن هناك حظوظاً، ولكننا نواجه صعوبات جمة أيضاً. نجاح الفيلم لا يعني أن يفوز بالأوسكار، ولكننا سنسعى لعرضه في الولايات المتحدة الأميركية. وإذا قُدّر للفيلم أن يحوز أعلى نِسب من الأصوات فسيُرشح ويفوز بالأوسكار، وتأثير القضية سيكون أكبر بكثير.

- جلت أغلب المهرجانات السينمائية حول العالم، وبعيداً من الجوائز حقق الفيلم نجاحاً باهراً، هل كان العالم يجهل حقيقة وجود أطفال متسولين ومشرّدين ومحرومين من أبسط حقوقهم؟

كل شعوب العالم تعرف بهؤلاء الأطفال، ولكنهم صُدموا بالصورة الحقيقية. أطفال الشوارع نجدهم في كل دول العالم، إن كان في أميركا أو الصين أو إنكلترا، حتى أنني بتّ أسمع أن نظرتهم الى أطفال الشوارع تغيّرت. نظرتنا إلى هؤلاء الأطفال تغيرت لأننا بتنا ندرك حقيقة المجتمع الذي ينتمون إليه، فالطفل المتسوّل لا يمثّل نفسه إنما يعكس واقع المجتمع الذي يعيش فيه. فعلى الرغم من الاستغلال الذي يتعرض له الطفل، إذا أعطيناه المال فمن الطبيعي أن يذهب إلى منزله وينام في وقت مبكر، فإذا لم يجمع مبلغاً معيناً من المال قد يهدده والده بعدم العودة إلى المنزل، وهو بالتالي لن يبيت في المنزل إذا لم يؤمّن هذا المبلغ. أرفض هذا الواقع المأسوي، ولكن ما الذي يمكنني القيام به؟

- بعد هيني سرور المخرجة التي شاركت في مهرجان «كان» في العام 1974، أنت ثاني امرأة لبنانية تشارك في المهرجان، هل هذا تقصير من المرأة اللبنانية في مجال الإخراج، أم ضعف في الصناعة السينمائية في لبنان؟

هو ليس تقصيراً من المرأة ولا ضعفاً في صناعة السينما في لبنان. في فترة معينة كانت المرأة تخاف من خوض هذا المجال لاعتقادها بأنه حكر على الرجال، ولكن لاحقاً أدركت أنه يحق لها دخول هذا المضمار. وحالياً، عدد النساء في صناعة السينما يفوق عدد الرجال. لم أواجه أي صعوبة في عملي لأنني امرأة. أنا متفائلة بصناعة السينما، وربما أدركت المرأة اللبنانية متأخرةً أن في إمكانها دخول هذا المجال والكشف عن وجهة نظرها.

- من هي المخرجة التي تنافس نادين لبكي؟

كل المخرجين والمخرجات ينافسون نادين لبكي. المنافسة أمر صحي، وكلنا ننافس بعضنا بعضاً.

- هل تعتبرين أنك معنية أو مسؤولة عن إيصال صوت المرأة الى العلن؟

بالتأكيد أنا معنية، وأعرف أن من واجبي إيصال صوت المرأة، وهذا ليس خياراً بل مسؤولية.

- ما هو أصعب مشهد صورته؟

صوّرت العديد من المشاهد الصعبة والسهلة في آن، ولكن أعتقد أن مشهد الدرّج خلال إجبار «سحر» شقيقة «زين» على الذهاب مع زوجها كان الأصعب والأكثر تأثيراً.

- هل تحويل الأطفال الأخشاب إلى أسلحة يعود الى تأثير الحروب فيهم؟

بالتأكيد، كما أنه ناتج من غياب الثقافة والعلم والعيش في الشارع.

- ما الهدف الشخصي لنادين لبكي من خلال «كفرناحوم»؟

أهدف الى إيجاد حلول لكل العائلات والأطفال الذين عملوا معي في الفيلم، وأسعى لتغيير القوانين بمساعدة كل المؤسسات التي تعنى بشؤون الطفل.

- لماذا لم تشاركي في الانتخابات النيابية؟

لأنني أتبع سياسة من نوع آخر... الفيلم أقوى من مليون خطاب سياسي.

- كيف دعم خالد مزنر الزوج نادين لبكي؟

حياتنا المهنية والشخصية متداخلة ومترابطة. خالد لا يفصل بين نادين الزوجة والمخرجة، وأنا زوجة تكمل نفسها من خلال الإخراج. لن أكون المرأة نفسها إذا لم أحقق ذاتي من خلال عملي. لو لم يكن خالد متفهماً لطبيعة عملي لما حققت أي نجاح، فهو سندي الدائم في الحياة.

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078