أسطورة الحياة تكتبها...
الكتاب: «سارة أنا، أنا سارة»
الكاتب: ربيع علم الدين
الناشر: دار «نوفل»
للإنسان من اسمه نصيب. هذه المقولة الشعبية الشائعة تُكرّسها حياة سارة نور الدين التي سماها جدّها على اسم «أيقونته» المفضلّة والممثلة- الأسطورة سارة برنارد. فهي ما إن شبّت حتى غرقت في عالم عجيب لا يقلّ درامية عن العوالم الدرامية التي أحاطت بسارة برنارد، فنانةً وإنسانة.
تعرض رواية الكاتب اللبناني- الأميركي ربيع علم الدين الصادرة بترجمتها العربية عن دار «نوفل» (هاشيت- أنطوان) بعنوان «أنا سارة، سارة انا» (نقلتها من الانكليزية أمل ديبو ونجلاء رعيدي شاهين) حياة امرأة غريبة الأطوار، تحاول أن تكتب حياتها، فتظلّ عالقة في الفصل الأوّل.
تقترح مقدمات كثيرة، لتجد أنّ حياتها قد انسابت من بين يديها، من غير أن تملك قدرة السيطرة عليها.
الحياة هنا، بتعقيداتها وقفزاتها وزلاّتها وخطوطها المتشابكة ومفاصلها المتداخلة، ليست أكثر من سيناريو طويل لفيلم لا يُمكن أن يُشاهد إلاّ بنَفَس واحد، وبجلسة واحدة.
فبطلة ربيع علم الدين تمضي في سرد حكايتها متنقلّة من مرحلة إلى أخرى ومن مكان إلى آخر. فتزدحم روايتها بالأحداث والشخوص والأمكنة والأزمنة، إلاّ أنّها تُبقي عنونة كلّ فصل جديد من فصولها «الأوّل» أو «واحد»، أو حتى «الفصل 1».
البطلة سارة هي من يتولّى السرد في معظم فصول الرواية، مستخدمةً ضمير المتكلّم «أنا».
ومع أنّها لا تفصح عن نيتها كتابة مذكراتها، فهي تحاول كشف هذا الأمر من خلال بعض العبارات التي تتوجّه بها إلى القارئ: «أريد أن أخبركم قصتي، ولكن ليس لأبيّن لكم كيف تألمت، علماً أنني تألمت بالفعل.
أريد ببساطة، أن يعلم أحدٌ بما جرى...»، أو «لديّ قصة رائعة أخبركم إيّاها. كنت هناك، وهذا ما رأيته»
سلسلة الخيبات التي عرفتها هذه الشخصية المثيرة للجل، منذ انفصال والديها وعودة أمها الأميركية إلى ديارها ودخول زوجة الأب حياتها، وصولاً إلى زواجها وطلاقها وتخلّيها عن ابنها، جعلت منها شخصية استثنائية لا تُشبه إلاّ ذاتها. هي امرأة تعيش أزمة وجود حقيقية تتجلّى منذ البداية في عنوان الرواية نفسها «أنا سارة، سارة أنا». هذه المرأة الضائعة بين هويتين (اللبنانية والأميركية) تحاول إثبات وجودها، ولا تجد سبيلاً إلى ذلك إلاّ عبر الكتابة.
هكذا تتحول الكتابة إلى فعل ترميم، ترميم حياة أو حيوات كثيرة تعود لامرأة واحدة: «لا أريدكم أن تعتبروني ضحية.
لست كذلك. أتحمّل مسؤولية ما جرى. أكتب عن هذا لأتمكن من تجاوزه، لتكون لهذا الجزء من حياتي أخيراً خاتمة» (ص 127).
تدور مذكرّات سارة بين نيويورك وبيروت. هذه اللبنانية التي اختارت الانتماء إلى أميركا، لم تفلح في أن تُغيّر ذاكرتها كما غيّرت مكان إقامتها ولغتها. فظلّت الذكريات النابعة من أرض وطنها الأمّ هي الطاغية على هذه الرواية الواقعة في 350 صفحة.
«أنا سارة، سارة أنا» رواية ممتعة تحملك إلى عوالم غنية تجتمع داخل بطلة استثنائية، ضمن تقنية سردية تكشف حجم موهبة ربيع علم الدين.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024