اليسا تروي لـ"لها" أدق التفاصيل عن نضالها ضد السرطان
لا أعلم من أين تستمدّ هذه المرأة قوّتها للاستمرار والكفاح، حتى تحويل أمرّ التجارب الى نجاح جديد، أهو الإيمان، أم الثقة بالنفس، أم التجارب الحياتية المتعدّدة، أم الإصرار على المضي قُدماً رغم كلّ شيء؟! ربما كلّ ذلك، وأكثر... فلسفة إليسا الحياتية تستلهمها من الواقع بطلعاته ونزلاته، والأحلام الأبعد المعلّقة في السماء السابعة. قصّتها قصّة نضال مستمرّ، وآخر فصولها نضالها ضد مرض سرطان الثدي. التجربة الأليمة التي اختارت أن تعمّمها كي تصبح رسالة إنسانية شاملة تشجّع النساء على المواجهة وعدم الاستسلام. التقيتها في شقّتها البيروتية في الطابق السابع عشر من مبنى شاهق يطلّ على المدينة التي تحبّ وبحرها الأزرق، وحول فنجان قهوة، كان هذا الحوار المؤلم بتفاصيله الموجعة (بعضها يظلّ ضمن «المجالس بالأمانات» بناءً على رغبة صاحبته)، والمفرح بنهايته السعيدة والتي تكلّلت بالشفاء التام وتكريمها بصفتها امرأة إيجابية تحمل رسالة إنسانية سامية.
- مبروك ألبومك الجديد ونجاحه الكبير، وتكريمك من وزارات الإعلام والسياحة والمرأة اللبنانية، بصفتك امرأة قويّة من لبنان مُحبّة للحياة وتحمل رسالة إنسانية إيجابية... أيّهما أثّر فيك أكثر: الألبوم أم التكريم؟
التكريم أثّر فيّ أكثر من الألبوم، لأنني لم أتوقّع أن يكون مرضي سبباً في تكريمي. ولم أحسب للحظة واحدة، أن يكون إعلاني عن مرضي في كليب «الى كلّ اللي بيحبوني» موضع تقدير. في الواقع، قررت الإعلان عن مرضي وصوّرت الكليب، لكنّني في اللحظة الأخيرة تردّدت كثيراً قبل إطلاقه، خوفاً على صورتي لدى جمهوري. لكنني قرّرت المضي قُدماً، مهما كانت النتائج، لأن الكليب يحمل رسالة توعوية تفيد النساء وتشجّعهنّ على مواجهة هذا المرض بالفحص المبكر. وكان ردّ الفعل الإيجابي الذي حصده الكليب، والحبّ الكبير الذي أحاطني به جمهوري .
- الرسالة التي ضمّنتِها كليب «الى كلّ اللي بيحبوني»، هل وصلَت بشكلها الصحيح وسط تشويش البعض وتشكيكهم في مرضك؟
لستُ مضطرة للردّ على المشكّكين. ما يهمّني أن الرسالة وصلت بشكلها الصحيح وكان لها وقعها الإيجابي في النفوس. القاعدة الشعبية الواسعة التي تحبّني تلقّفتها بمحبة ونشرتها بدورها في محيطها. رسالتي هي دعوة للمرأة إلى المداومة على الفحوص المبكرة، لأن فيها الخلاص من مرض قاتل وموت محتّم. لم يعد السرطان قاتلاً إذا اكتشفناه في مراحل مبكرة، لذا من واجب كلّ امرأة أن تخضع للفحص المبكر.
- ما الذي دفعك الى اتخاذ قرار نقل تجربة مرضك في فيديو كليب والكشف للعلن عن إصابتك بمرض السرطان؟
الواقع ان إحدى القريبات التي رافقتني في ظروفي الصعبة، دعيني لا أكشف عن هويتها لأن ذلك أمر يتعلّق بها وحدها، خافت بعد معرفتها بمرضي، خصوصاً أنها كانت تشعر بألم مزمن في صدرها، فشجّعتها على الكشف، ففعلت، وأثبتت الفحوص أنها مصابة بسرطان الصدر في المرحلة الثالثة، وتحتاج الى علاج كيميائي سريع. هذه القصّة أثّرت فيّ كثيراً وقررتُ بعدها أن أعلن عن مرضي بلا تردّد، كي أعمّم تجربتي. فأنا لولا الكشف المُبكر لكنتُ في مراحل متقدّمة من المرض. لا أحد يؤثّر في الناس أكثر من النجم، لذا قلتُ في قرارة نفسي إن عليّ استخدام نجوميتي كي أوصل هذه الرسالة الإنسانية السامية التي قد تنقذ العشرات لا بل المئات من النساء حول العالم. وأنا سعيدة بأن الرسالة وصلت وتناقلتها وسائل إعلام عربية وأجنبية مهمّة، وكانت حديث وسائل التواصل الاجتماعي لفترة طويلة وما زالت.
- البعض قال إنك تبالغين في الكشف عن مرضك، إذ يعاني العديد من الفنانين والمشاهير أمراضاً بصمت...
لماذا لم يعلنوا ذلك؟ لماذا لم يتحدّثوا عن مرضهم ومعاناتهم؟ أنا حرّة في إعلاني عن مرضي، تخطّيت حاجز الخوف، وقررت أن أتكلّم. أنا امرأة لا تخاف التحدّث في السياسة والقضايا الاجتماعية أو حتى المرض. لقد كنتُ وما زلت معروفة بصراحتي وقوّة شخصيتي، ولن أتغيّر.
- بعدكِ أعلن المطرب عاصي الحلاني والنجمة ميريام فارس عن مرضهما... هل تعتبرين أنك شجعتهما على كسر حاجز الخوف؟
بعد إعلاني عن مرضي، كرّت السُّبحة فنّياً وشعبيّاً. كثيرات أعرفهنّ أجرين الفحص المبكر بجرأة وشجاعة، بعدما تلكأن لسنين في إجرائه.
- «إلى كلّ اللي بيحبوني»، هل شكّل مفترقاً وفارقاً في حياة إليسا المهنيّة والشخصيّة؟
بالطبع. بالنسبة إليّ هو أهمّ ألبوم أطلقته خلال مسيرتي الفنّية وحتى اليوم، من حيث النجاح والتجربة الحياتية التي أنضجها الألم، والإحساس الصادق بكلّ كلمة غنّيتها.
- لا شكّ في أن التحضير لهذا الألبوم تمّ في ظروف صحيّة ونفسيّة صعبة، أخبرينا أكثر عن تلك المرحلة...
بدأت التحضير للألبوم قبل مرضي. لم يؤثّر المرض في خياراتي للأغنيات، لكنه أثّر أكثر في أدائي لها، فقد كنت في مرحلة حساسة جداً، وأشعر بكلّ كلمة أؤديها، خصوصاً أغنية «أنا وحيدة» التي أبكتني كثيراً.
- نستشفّ شيئاً من الحزن في كلمات «الى كلّ اللي بيحبوني»، كما في لحنها، فهل أنتِ من أوحى للكاتب والملحّن كلمات الأغنيّة ولحنها لتعبّر عن تجربتك مع المرض؟
أبداً. لقد اتصل بي الملحن محمد يحيى وعرض عليّ الأغنية بعد عشرة أيام من خضوعي للجراحة الأولى، ولم يكن يعرف إطلاقاً بمرضي. أحببت الأغنيّة لأن موضوعها يحمل جديداً، خصوصاً أنها تتوجّه الى الناس وتخاطبهم. ذكّرتني الأغنية بأسلوب النجمة الكبيرة الراحلة داليدا في مخاطبتها جمهورها، فأحببتها واتصلت به لأعلمه بأنني سأضمّها الى ألبومي، وهكذا كان. ثم حدث أن اكتشفت مرض السيدة المقرّبة منّي والصدمة التي عشتها معها، فقررت أن تكون قصّتي الشخصيّة موضوع الفيديو الكليب الخاص بهذه الأغنية المميّزة.
- النجاح الذي حققه الكليب، والأصداء العالمية التي حصدها جعلتك أكثر ثقة بنفسك وخياراتك...
النجاح الذي حصدتُه جعلني أفكّر أن المرض أصابني لسبب معيّن، وهو تضمين فنّي رسالة إنسانية معيّنة تفيد النساء حول العالم. أنا امرأة مؤمنة وأعلم أن كلّ ما يصيبنا، يقوّينا ويجعلنا ننتفض على ضعفنا وخوفنا فنخرج منه بتجربة وعِبرة تفيد الآخرين.
- لطالما حملَت أغنياتِك رسائل إنسانية عدّة تتعلّق بالمرأة، من تعنيف المرأة الجسدي والمعنوي، الى الخيانة والانتحار وصولاً الى سرطان الثدي. وكأني بك تحملين هموم المرأة في أغنياتك دائماً، فما السبب؟
الفنّ رسالة، وهو ما لمسته في أغنياتي وخياراتي. مع الوقت تدركين أهمية ما تقدّمينه ومدى تأثيره في الآخرين. أنا امرأة مستقلّة حرّة غير خاضعة، جريئة، لا تعرف الخوف، تدرك متى وكيف تقول لا، مؤثرة في مجتمعها والآخرين... وأريد أن أوجّه للمرأة رسائل إيجابية عن التحلّي بقوة الشخصية، ورفض العنف، والتمتّع ببعض الاستقلالية، وصولاً الى أهمية الفحص المبكر للكشف عن سرطان الثدي. هذا هو دوري الذي أؤمن به، والذي يساعد في تمكين العديد من النساء حول العالم.
- جرأتك كبيرة إليسا، أذكر أنك أثرت جدلاً عندما قلتِ إنك لو كنتِ في مجتمع مدني غربي، لأنجبتِ بلا زواج... هل جرأتك كلامية أكثر منها فعلية؟
لقد قلتُ «لو» كنتُ أعيش في مجتمع مدني، وأنا فعلاً أعيش في مجتمع محافظ وقوانينه لا تسمح بتسجيل ولد من دون زواج. ولو كان القانون يسمح لي كامرأة عزباء بالتبنّي لفعلت. لكن القوانين لا تسمح بذلك، ولا أريد لطفلي أن يدفع الثمن. كذلك الأمر بالنسبة الى المرأة اللبنانية المتزوّجة من رجل أجنبي، فهي حتى الساعة عاجزة عن إعطاء جنسيتها اللبنانية لأولادها. لي رأيي الخاص ولكنني لستُ صاحبة قرار. تغيير القوانين ليس عملي، لكنني مصرّة على توجيه رسائل الى المعنيين في مواضيع معيّنة مجحفة بحقّ المرأة. هذا كلّ ما يمكنني القيام به.
- في الحلقة الأخيرة من the Voice كنت على وشك البكاء عندما أديت أغنية «وحشتوني»، بمَ شعرت؟ وكيف كانت حالتك الصحية حينها في ظل العلاج الإشعاعي؟
تزامنت الحلقة الأخيرة مع آخر جلسات علاجي، ولا يمكنك تصوّر ما يمكن أن تُحدثه الأشعّة من تشوّهات جسدية تشبه الحروق العميقة المؤلمة. كنتُ أضع الكريمات المضادة للحروق مثل «البيافين»، وأتناول المسكّنات كي تساعدني على تحمّل ألم الحروق. لذلك كنتُ أختار فساتيني بأكمام طويلة لأُخفي آثار الحروق أمام الكاميرا، كما كنت أعاني مشكلة في اختيار ملابس جميلة وأنيقة لا تُظهر الذراعين والصدر. كل ذلك أرهقني نفسياً، إضافة الى التعب الجسدي الناجم عن العلاج، وهو ما جعل عينيّ تدمعان في نهاية أدائي أغنية «وحشتوني». ولا تنسي أنني من النوع الذي يتعلّق بالأشخاص والأماكن، فأعاملهم بوفاء وحبّ وأتأثر لفراقهم. وهو ما حصل مع فريق عمل The Voice ولجنة تحكيمه وجمهوره. معروف عنّي أنني وفيّة للأشخاص المحيطين بي: بسام فتوح هو صديق أكثر منه خبير ماكياج، وأمين أبي ياغي مدير أعمالي الذي لا يربطني به أيّ عقد، أصدقائي لا يتغيّرون...
- من كان يعرف بمرضك من فريق عمل The Voice ولجنة تحكيمه؟ هل كان يعلم عاصي الحلاني عندما سارع لاحتضانك على المسرح بعد أدائك «وحشتوني» وهممتِ بالبكاء؟
لم يكن عاصي يعلم بمرضي، وردّ فعله كان عفوياً بلا خلفيات. وحده المخرج زياد كبّي كان يعرف بمرضي، ومديرة في «إم.بي.سي». لقد أعلمتهما بمرضي في حال اضطراري للغياب عن التمارين أو البثّ المباشر لأسباب صحّية طارئة خارجة عن إرادتي. وقد لاقيت كلّ الدعم.
- ماذا عن أحلام؟
لم تكن على علم بمرضي.
- حماقي كان يعلم؟
لم يكن أحد يعلم بمرضي... حتى أمّي!
- ألم تخبري أمّك؟!
لا، لأنني خفتُ عليها من وقع الصدمة، فلم أخبرها ولم أخبر أختي التي تعيش في لبنان، والتي عرفت بمرضي متأخرة وبالصدفة لدى زيارتي. أخبرتُ أختي التي تعيش في كندا، ثم أخبرتُ أخي وطلبتُ إليه ألا يُخبر أمّي. وهكذا صار.
- متى عرفت والدتك بمرضك؟
فضّلتُ أن أخبرها بعد شفائي وقبيل صدور فيديو كليب «الى كلّ اللي بيحبوني» والذي يجسّد قصّتي مع المرض. شاهدنا الفيديو كليب معاً لكنني لم أقل لها إن القصّة حقيقية. وبدأت تنهال عليها الاتصالات للسؤال عن حقيقة الكليب، عندها قلت لها نعم إنه حقيقي. لم تصدّق للوهلة الأولى، فاحتضنتها وقلت لها «نعم هذا حقيقي وقد تغلّبتُ على المرض، لا تخافي». صحيح أنها انفعلت، لكنها اطمأنت أن ذلك صار من الماضي.
- والدك توفي بمرض السرطان أيضاً، فهل مرضك جينياً، أيّ وراثياً؟
نعم والدي، رحمه الله، هو ضحية سرطان المعدة. لكن مرضي ليس جينياً، وقد أجريتُ الفحص المختصّ وتبيّن والحمدلله، أنه ليس جينياً. ولو كان كذلك لما انتهى علاجي عند هذا الحدّ، ولتخطّاه ليشمل جراحات وخطوات طبّية أخرى.
- ما أصعب ما واجهته منذ معرفتك بإصابتك بمرض السرطان؟
الوضع النفسي هو أصعب ما واجهته في مسيرتي العلاجية. أذكر أن الأرض توقفت عن الدوران لحظة قال لي الطبيب: إليسا أنتِ مصابة بمرض السرطان! بالنسبة إليّ انتهى العالم عندما لفظ الطبيب تلك الكلمات... كثيرون الى الآن يطلقون اسم «هيداك المرض» على مرض السرطان كي لا يسمّونه باسمه. الخوف من السرطان كان ولم يزل كبيراً... اسمه كفيل بأن يزرع فيك الذعر. اسمه يعني للكثيرين الموت والنهاية المحتّمة، في وقت بات تقدّم الطبّ يضمن الشفاء التام. وهذا ما أريد أن أضمّنه في رسالتي، وهذا هدفي من الإعلان عن مرضي. التوعية ثم التوعية ثم التوعية.
- بمن اتّصلت فور معرفتك بمرضك؟
صديقتي أنجيلا من مصر هي أول من عرف بمرضي. اتصلت بي للاطمئنان، وفوجئت بالخبر. كذلك أرسلت الى أخي رسالة خطية طلبتُ فيها أن يتصل بي حالما يستفيق من النوم، ثم أطلعته على الخبر.
- من هم أبطال تلك المرحلة الصعبة الذين وقفوا إلى جانبك؟
أخي وأختي في كندا، وأصدقائي المقرّبون أنجيلا ومندي وراني وإيلي وإليان وعزيز.
- أولئك الذين شاهدناهم في لقطات من الكليب؟
بعضهم شاهدتموه، والبعض الآخر رفض فكرة المشاركة، معتبراً أن وقوفه الى جانبي شخصي بحت ولا علاقة له بشهرتي. وأنا أحترم قراره هذا.
- كيف كانت فكرة مشاركة الأصدقاء في هذا الكليب؟
لقد أبلغتُ المخرجة أنجي الجمّال بأنني أريد قصتي الحقيقية مع المرض في الكليب، فقالت: بكلّ تفاصيلها وأبطالها؟ قلت: نعم، فأردفت: تريدين أن تُشركي أصدقاءك في هذا الفيديو؟ فأجبتها: لم أفكر في ذلك، ولكن لمَ لا؟ وهكذا كان.
- لماذا لم يشارك أخوك في الفيديو كليب؟
أخي كميل رفض المشاركة وهو يفضّل دائماً البقاء بعيداً من الأضواء. أصلاً كلّ من ظهر في الفيديو كليب، ظهر بناءً على طلبي، وكثر رفضوا المشاركة مثل كميل.
- كانت لوالدك حصّة الأسد في هذا الكليب الذي بدأ بمشهد يجسّد طفولتك معه... في الواقع هو مشهد مؤثر جداً.
لم يفارقني والدي لحظة واحدة في تلك المرحلة الصعبة، لا بل إنني شعرت بوجوده الدائم إلى جانبي. وكأنه يرافقني في محنتي تلك حتى وصولي إلى برّ الأمان والشفاء التام. والدي هو بطلي الدائم.
- ما كان ردّ فعل المخرجة أنجي الجمّال عندما أطلعتها على مرضك؟ وكيف حصل ذلك؟
أرسلت إليها الأغنية وهي بعدُ في دبي. سمعَتها وقالت: عندي تصوّر للفيديو كليب الخاص بهذه الأغنية. فقلت لها: لا بل أنا من يملك التصوّر الخاص بها. أريد أن تُخبري قصّتي. فقالت: قصّتك مع النجومية؟ فأجبتها: لا بل قصّتي مع المرض، مع السرطان. فانهارت على الهاتف وبكت. فطمأنتها وقلت لها أنا بخير، ولو لم أكن كذلك لما استطعت أن أُخبر قصّتي للآخرين. أنجي صديقة مهنيّة ومبدعة وأثق بها. والتواصل بيننا رائع، وهي تفهمني من نظرة. ببساطة إنها أهمّ مخرجة معاصرة. أتفق معها على الإحساس. إنها امرأة حساسة مثلي تماماً. أثق بموهبتها وأتركها تعمل كما يملي عليها إحساسها. وهي مثلي امرأة دقيقة وتحترم مواعيدها. ونحن نتّفق على أمور كثيرة.
- ما كان أصعب مشهد بالنسبة إليك في هذا الكليب؟
المستشفى... لأننا تعمّدنا التصوير في المستشفى نفسه الذي عرفت فيه أنني مصابة بالمرض. خلال تصوير المشهد الذي يبلغني فيه الطبيب أنني مصابة بمرض السرطان، عادت إليّ ذكرياتي كلّها. بكيت لا بل انهرت، وطلبت إلى الممثل عدم قول جملته الشهيرة U Have Cancer، أصررت أن يقول أيّ شيء لأتمكن من استكمال التصوير. وهكذا كان. المشاهد في الفيلم كلّها حقيقية، بكائي حقيقي لهذا نجح الكليب. ولا شكّ في أن التصوير جرى وأنا محاطة بمحبّة لا توصف... لم يكن أحد من طاقم التصوير يعلم أن المشاهد التي نصوّرها هي قصّتي الحقيقية باستثناء أنجي طبعاً، لكنهم تفاعلوا مع القصّة بحبّ وإحساس كبير، خصوصاً أن بعضهم يعايش المرض الخبيث مع ابنته أو زوجته أو أمّه... هذا الكليب خرج من القلب، ووصل الى قلوب الآخرين. وهذا هو سر نجاحه.
- هل غيّرتك هذه التجربة الحياتية؟
تغيّرتُ فعلاً. لم أعد أكترث للأمور التافهة ولا أحزن للأقاويل العابرة. صرت أكثر ميلاً للعيش لنفسي وعدم التأثر بما يمليه عليّ المجتمع من قواعد بالية. الحياة قصيرة وعلينا أن نعيش ما نريد عيشه، من دون أن نفكّر في الآخرين وما سيقولونه. المهمّ ألا نخدش الحياء ونحافظ على احترامنا لأنفسنا أولاً وأخيراً. وهنا أنا متأثرة بالأسطورة صباح التي عاشت حياتها كما تريد، ولم تتخطَّ للحظة حدود الأدب واللياقة، من دون أن تخسر احترام الآخرين. جمهوري يقدّرني لصراحتي وأنا ممتنّة له لذلك... بالمناسبة، أنا أعشق جمهوري، خصوصاً جمهور «تويتر». وعندما سمعت للمرة الأولى أغنية «الى كلّ اللي بيحبوني»، فكّرت بهذا الجمهور الذي أحاكيه ويحاكيني على «تويتر» كلّ يوم. هذه الأغنية موجّهة إليهم. جمهوري على «تويتر» هو مصدر قوّتي. أعشقه من كلّ قلبي.
- سيرين عبد النور كتبت على «تويتر»: «ما تزعلوا من اللي بيثرثروا ورا ضهركم، ما هنّي ورا ضهركم، إليسا ستايل، عادي»... هل بات هناك أسلوب فلسفة حياتية خاصة بك في هذا الخصوص؟
(تضحك) طبعاً. إنه أسلوبي الخاص في «التطنيش»!! سيرين محقّة في ما كتبته. تعلّمت مع الوقت وخلال مسيرتي الفنّية، أن أروّض ردود فعلي وانفعالاتي. الفنان يتعرّض للكثير من الانتقادات والافتراءات، وعليه أن يروّض نفسه لتقبّل كلّ شيء بابتسامة عريضة.
سرّي في مواجهة المرض
- ما هو سرّ إليسا في محاربة المرض، سرّ يمكن أن تتشاركيه مع القراء، خصوصاً المناضلات ضد السرطان؟
سرّي يكمن في إيماني بالله سبحانه وتعالى، وفي تقبّلي مرضي من دون اعتراض على مشيئة الله. لم أقل يوماً: لماذا أنا؟ لماذا السرطان؟ تقبّلت مشيئة الله، وناضلت من أجل الحياة. الله محبّة، المرض ليس عقاباً من الله. المرض سببه التلوّث، والتلوّث من صنع الإنسان. نحن صنّاع المرض، لا الله. الله هو الشفاء والصبر... من اللحظة الأولى عرفت أن الله سيساعدني كي أشفى، وأنا أيضاً ساعدت نفسي، من خلال طبيب نفسي وأدوية وعلاجات. هذا مرض لا يمكن أن تحاربيه وحدك... يجب أن تتلقي العلاج اللازم والحبّ الكافي كي تقضي عليه. الحمد لله أن أصدقائي ومحبيّ كانوا دائماً الى جانبي في تلك المرحلة، ليلاً ونهاراً. أنا بحاجة الى الناس الذين يحبونني. أنصح المرأة ألا تتساهل في أمور صحتها، أن تزور الأطباء باستمرار، وأن تخضع للفحوص اللازمة قبل فوات الأوان. صحّة المرأة أولويّة، خصوصاً المرأة الأم المسؤولة عن عائلتها وأطفالها.
- لا يمكننا نكران أن بعض النساء يخفن من نتائج هذه الفحوص، ولذلك يؤجّلنها.
الخوف هنا خطير وقاتل. على المرأة أن تتحلّى بالشجاعة وتقوم بالفحوص الضرورية، لأن الفحص المبكر يحفظ حياتها ويسهّل العلاج كما حصل معي. إن نسبة الشفاء من سرطان الثدي تتعدّى الـ80 في المئة. كذلك على المرأة أن تُغني تجربتها وتتشارك مع الآخرين تجاربهم لتعرف المزيد عن هذا المرض.
- واضح من التسجيلات الصوتية في بداية الكليب، أنك لم تكوني على دراية تامة بمرض السرطان... أو ربما كنتِ تخشين التعرّف عليه مثل معظمنا.
هذا صحيح. لم أكن على دراية بهذا المرض. ومن منا يحبّ أن يقرأ عنه أو يسمع به أو يلفظ اسمه. اليوم أعرف أن هناك 99 نوعاً من السرطان، والعلاجات متنوّعة ويمكنها أن توفّر الشفاء الكامل في الكثير من الحالات. كذلك بتُّ أعرف عن فحص MammaPrint Diagnostic Test وهو فحص يجرى في هولندا أو ألمانيا للتأكد مما إذا كان المريض بحاجة الى العلاج الكيميائي أم لا. هذا جديد وعلينا التوعية به، لأن ليس كلّ المرضى بحاجة الى علاج كيميائي، والجراحة مع الأشعة تكفي في الحالات المماثلة لحالتي.
- ماذا تسمّين السرطان اليوم بعدما تعرّفت عليه؟
أسمّيه «سرطان». والأهمّ أنني لا أتجنّب تسميته.
- هل شعرت للحظة أنك على شفا الانهيار؟
بكيت وانهارت أعصابي، لكنني لم أصل الى الانهيار الكبير، لأنني كما قلت لك اتصلت سريعاً بطبيب نفسي وطلبت المساعدة. ولا خجل في قول ذلك، لأن المرأة المريضة تحتاج الى مساعدة طبيب نفسي، كما الى دعم محبّيها.
- إيمانك خلّصك إليسا!
«آمن بالحجر تبرأ» فعل الإيمان بحد ذاته يشفي. أتحدّث إلى الله عزّ وجلّ وأشكو له، وهو أب يستمع ويساعد ويشفي الجراح. بعد شفائي توجّهت الى مقام القديسة ريتا في إيطاليا لأفي نذراً قطعته.
- يقولون إن «الزعل بيجيب سرطان»، هل هاجمك المرض إثر زعل؟
نعم، ودعيني لا أدخل في التفاصيل. أكتفي بالقول إن الزعل والحزن يُضعفان مناعة الجسم، ويصير المرء أكثر عرضةً لمختلف الأمراض. وهو ما حصل معي.
- بعد شفائك، هل غيّرتِ في نظام حياتك؟
أشرب الكثير من العصائر الطبيعية والماء، وأتناول المأكولات العضوية. الطبيب نصحني بالابتعاد عن الدجاج، وعدم الإكثار من اللحوم، وممارسة الرياضة ثلاث مرات في الأسبوع.
- هل فكّرت في كتابة قصّة حياتك ومسيرتك نحو النجومية ونجاحك، كما فعلتِ في الفيديو كليب لتأريخ مرحلة صعبة عشتها؟
لا، لكنني قد أفعل في مرحلة لاحقة، لمَ لا؟
- ما سيكون عنوان كتاب حياتك؟
«نضال». أنا امرأة ناضلت كي تصل الى ما وصلت إليه. لم يؤمن بي أحد. تجربتي في استديو الفنّ لم تكن ناجحة، كذلك مع المنتِج الأول الذي تعاملت معه. وتعلّمت مع الوقت أن أتكل على نفسي، وأصنع كلّ شيء بيديّ مستندةً إلى موهبتي أولاً، وخياراتي الصحيحة ثانياً وأخيراً.
- حلم الأمومة إلامَ تحوّل اليوم؟
حلم الأمومة لم ينته، أحياناً نعيشه مع أشخاص ليسوا من لحمنا ودمنا.أعيش مشاعر الأمومة مع أنجيلا المصرية الجنسية التي باتت من أعزّ صديقاتي والتي تناديني «مامينا». لم تتركني في مرضي، طارت من مصر إلى لبنان على وجه السرعة، لتكون معي في محنتي. كانت تنام على الكنبة في المستشفى الى جانبي سبعة أيام في الأسبوع. الله عوّضني بأنجيلا. أنجيلا هي ابنتي التي لم ألدها.
- التقدّم في العمر، هل يخيفك؟
أبداً، التقدّم في العمر نعمة أقدّرها. أن تعيشي كلّ مراحل حياتك هو اليوم رفاه لا يملكه الكثيرون. أراني أستفيق صباح كلّ يوم وأقول لله سبحانه: شكراً يا ربّ على هذا اليوم الجديد، شكراً على نعمة الحياة!
- أمنية تحبّين أن تحققيها؟
ما من أمنية محدّدة أحبّ أن أحقّقها بعد. حقّقت الكثير والحمد لله.
- فلسفتك في الحياة، تغيّرت؟
تطوّرتْ ولم تتغيّر. تعلّمت أن أستمتع بحياتي الشخصية ونجاحاتي. تعلّمت حبّ الحياة أكثر. لقد انقضى نصف عمري، أريد أن أستمتع الى أقصى حدّ بالسنوات المقبلة.
أناقتي
- أسلوبك في الأناقة لم يتغيّر منذ انطلاقتك وحتى اليوم. إنه أسلوب الليدي مهما تغيّرت الماركات التي تختارينها. ما سرّ أناقتك؟
أسلوب أناقتي كان ولا يزال هو هو، ومع التقدّم في العمر والإطراءات التي تصلني على خلفية خياراتي الأنيقة، ازددتُ ثقة بأسلوبي الشخصي وتكريساً له. ماندي مرعب تساعدني في اختيار ما يناسب هذا الأسلوب، وأحبّ ذوقها كثيراً، وهي صديقة مقرّبة.
- أراك مخلصة دائماً لتصاميم صديقك المصمّم العالمي إيلي صعب...
أروع الفساتين التي ارتديتها هي من تصاميم إيلي صعب Elie Saab. فخورة بكوني لبنانية، من الوطن الذي أنجب هذا المبدع الكبير إيلي صعب، كما أنني فخورة بارتداء فساتينه الراقية في المناسبات الكبرى. تربطني به علاقة صداقة جميلة، فهو إنسان رائع على الصعيد الشخصي.
- ما هي الماركات التي تناسب أسلوبك أكثر وترتاحين لها؟
أختار من كلّ دار أزياء ما يناسب أسلوبي ويليق بي. أحبّ دفيد كوما David Koma وألكسندر فوتييه Alexandre Vauthier وروبيرتو كفالي Roberto Cavalli وبرادا Prada.
- ماذا عن الأكسسوارات؟
حقائب شانيل CHANEL هي أكثر ما أحبّ، لأنها كلاسيكية تناسب أسلوبي، تليها حقائب فالنتينو Valentinoوبرادا Parda . أما الأحذية فأحبّ ما يقدّمه جانفيتو روسي Gianvito Rossi لأنها أحذية أنيقة ومريحة جداً، خصوصاً على المسرح.
أنا وأحلام
- أيّ علاقة تجمعك بالمطربة أحلام؟
صداقة جميلة. صحيح أنها ليست صديقة مقرّبة ولا ألتقي بها خارج البرنامج، لكنني أحبّها كثيراً. أحلام إذا احتضنتها، ترين كلّ ما هو جميل فيها. إنها امرأة استثنائية. هناك تناغم كبير بيننا... أمضينا أوقاتاً جميلة جداً خلال البرنامج. ما يربطنا هو نجاحنا ومحبّة الجمهور لنا. لا تنافس في ما بيننا، لكلّ منّا لونها وأسلوبها الغنائي وجمهورها.
- كيف تصفين أحلام؟
أحلام فنانة جريئة تملك أسلوباً خاصاً في كلّ شيء، وهو ما أحترمه فيها. دمّها خفيف، وهي امرأة متفائلة جداً في تعاطيها مع الآخرين ومع الحياة.
- هل من موقف تذكرينه عنها؟
مرّة خرجت من الكواليس قبلي، ووجدتها تنتظرني عند نقطة الصعود الى المسرح، وتقول: اصعدي إلى المسرح قبلي! فعلّقت ضاحكةً: «طبعاً فأنتِ الملكة تصعدين المسرح الأخيرة»! وضحكنا معاً... أحلام خفيفة الظل، وما ترينه منها هو ما تبيّته لك. لا تخدع أحداً ولا تتحدّث بالسوء عن الآخرين. إنها إنسانة صريحة وواضحة، وهو ما يعجبني فيها.
- ماذا عن حماقي؟
حماقي صديق مقرّب، أزوره في مصر ونلتقي باستمرار خارج إطار البرنامج. أسلوبه الفنّي يعجبني، وأحبّ اطّلاعه الواسع في المجالات المختلفة: الفنّية والموسيقية والاجتماعية والثقافية. يملك ما يلزم من المخزون الثقافي الفنّي والغنى الفكري، ويطلق تعليقات رائعة تعجبني.
- هل فكّرت في تقديم دويو فنّي مع حماقي؟
(تبتسم) ولمَ لا؟ يعجبني لونه الفنّي وإحساسه يشبه إحساسي. يجمعنا لون البوب المصري الشبابي.
- هل تُغنيكِ السوشيال ميديا عن الإعلام؟
نعم، السوشيال ميديا هي وسيلة إعلامية حديثة يخاطب الفنان من خلالها جمهوره مباشرةً، ويوصل أخباره الى أكبر شريحة من الناس. حتى الإعلام التقليدي ينقل مواقف الفنانين وإعلاناتهم عن حفلات معيّنة من خلال السوشيال ميديا الخاصة بهم. كما أن المؤتمر الصحافي الذي نعقده بداية كلّ موسم من The Voice هو لمزيد من التفاعل مع الصحافيين.
أنا والحبّ
- هل الحبّ لا يزال على لائحة أولوياتك؟
طبعاً، وقلبي يدقّ بقوّة.
- هل هذا يعني أن رجلاً يشغل بال إليسا؟
نعم، إنها قصّة جميلة في بداياتها أترك تفاصيلها لنفسي.
- ماذا تعلّمت من تجاربك السابقة وتريدين أن تضمّنيه في علاقتك الجديدة؟
في الحبّ لا نتعلّم شيئاً. تتعلّمين فقط أن تختاري شخصاً أفضل لك.
- هل تتّبعين عقلك في الحبّ، أم قلبك؟
أتبع الاثنين. لكنْ هناك أوقات تعرفين فيها أن هذا الشخص ليس لك وتكملين لأنك تعلّقت به وأحببته، وتتأكدين في كلّ مراحل العلاقة أن لا أفق لها.
- كيف ينتهي الحبّ؟
أنا امرأة تعطي الكثير من الحبّ والعاطفة، ويوم أقرّر إنهاء علاقة، صدّقيني ينتهي كلّ شيء بلا ألم أو حتى ذكرى، لأنني أتحمّل أوجاع العلاقة خلالها وليس عندما أقرّر إنهاءها.
- هل تواجهين الشخص بمشاكله؟
أواجهه، ولكن «من شبّ على شيء شاب عليه»، كما يقول المثل. هناك أمور تدخل في صلب تربية الشخص لا تتغيّر حتى لو واجهته بها، ويذهب الكلام هباءً.
- هل تؤمنين بالصداقة بعد الحبّ؟
لا. ينتهي كلّ شيء يوم أترك حبيبي. لا بل أحياناً يتحوّل الحبّ كرهاً. من يحبّ كثيراً يكره كثيراً. لا أملك أنصاف الحلول في الحبّ.
- المجتمع يقتل الحبّ؟
الحبّ، أنا من أحييه وأنا من أقتله بيديّ. لا أحد يؤثّر في قراراتي.
- هل يتدخل أصدقاؤك في علاقاتك العاطفية ويبدون آراءهم بالحبيب؟
أبداً. لا يتدخلون ولا يبدون آراءهم في من أحبّ. هم يحترمون حياتي الشخصية.
- ما العيب الذي لا تتحملينه في الحبيب؟
الكذب. لا أتحمّل الرجل الكذّاب. فالكذّاب قادر على فعل كلّ رذيلة. الكذّاب هو مريض نفسي، صاحب شخصيّة ضعيفة تتضمّن غُرفاً مظلمة فيها قصص بشعة.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024