سفانة دحلان: الرجل هو المستفيد الأول من قيادة المرأة للسيارة
تحمل في فكرها لآلئ كامنة تضيء لها دروب الحياة، فتزهر الأحلام من سويعات الصباح لتورق عطاء وريادة، محلياً وإقليمياً ودولياً، وتمطر علماً مرصّعاً بالثقافة، ومعرفة منمّقة بالذكاء الاجتماعي، وسلوكاً إنسانياً يطير على أجنحة الأثير كلما راودها الحنين إلى الماضي التليد فتنتفض محاولةً استعادة ما سرقه الزمن من اقتصاد عربي وثروات بشرية من خلال ما تقوم به من أنشطة أكاديمية واجتماعية وثقافية وفنية. الأستاذة سفانة دحلان المحامية السعودية والباحثة القانونية، من أوائل السيدات الحاصلات على رخصة لقيادة السيارة في المملكة العربية السعودية، حاصلة على بكالوريوس في الحقوق من جامعة القاهرة، وعلى ماجستير في الشريعة الإسلامية، وماجستير في إدارة الأعمال من الجامعة الأميركية في بيروت، وناشطة حقوقية في عدد من الدول العربية، ومؤسّسة شركة تشكيل العالمية، والمبادرة الوطنية السعودية للإبداع... التقتها «لها» في حوار.
- الحدث الأبرز كان في يوم 10/10/ 1439هـ، بمَ شعرتِ حين قُدتِ سيارتك للمرة الأولى في شوارع المملكة؟
كان شعوراً عصياً على الوصف، إذ راوح بين الحلم والحقيقة ومن الصعب تصديقه، لكنه حدث في غاية الأهمية. في صباح ذاك اليوم، قدت سيارتي في شوارع المملكة ورأيت الوجوه الضاحكة المستبشرة خيراً على أرصفة الطرقات. وبمجرد وصولي الى أحد المقاهي، قوبلت بالتصفيق الحاد، وأمطرني الحاضرون بعبارات التهنئة.
- هل صحيح أنك تملكين أكثر من رخصة قيادة؟
إضافة إلى الرخصة الدولية، أحمل أربع رخص للقيادة: اللبنانية والمصرية والكويتية والكندية، لكن للقيادة في شوارع المملكة طعم آخر، وصدقت الصديقة لينا المعينا عضو مجلس الشورى حين قالت: «مؤشر السعادة في ذاك اليوم كان مرتفعاً جداً».
- هل ارتفاع مؤشر السعادة سببه القيادة على أرض الوطن؟
ارتفع مؤشر السعادة ليس بسبب القيادة بحد ذاتها، بل لتقبّل المجتمع فكرة قيادة المرأة للسيارة، حتى شرطة المرور شاطرتنا السعادة، ولا أنسى يوم منحني شرطي المرور الرخصة السعودية والابتسامة تعلو ملامحه، كما كانت مراحل الحصول على الرخصة سهلة، وتلقيت الدعم من رجال المرور وكانوا متعاونين معي إلى أقصى الحدود.
- كان عبئاً وزال عن كاهل الأسرة السعودية، وخصوصاً الرجل...
الرجل هو المستفيد الأول من قيادة المرأة للسيارة، خاصة إذا كان له أربعة أولاد وزوجة تعمل، فيهدر جلّ وقته في توصيل أولاده إلى المدرسة وزوجته إلى العمل، وقد يتأخر أحياناً في الوصول الى عمله، لذا عاد قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة بالنفع على المجتمع، فتلك الخطوة التي مكّنت المرأة ووضعتها في المسار الصحيح ما هي إلا إعادة هندسة للمجتمع وتفعيل لعجلة الاقتصاد.
- لكن قيادة المرأة للسيارة من منظومة 2030!
رؤية 2030 تُعتبر بوصلة للتقدّم نحو المستقبل ومعرفة الاتجاه الصحيح، ولم نرَ من الرؤية إلاّ الإيجابي والجميل، خاصة في ما يتعلق بالمرأة. وخير مثال على ذلك، حين تخطى عدد المحاميات في المملكة إلـ240%، واستخدمت وزارة العدل لغة حضارية في نشر الخبر بحيث كتبت «شريكات العدالة»، مما يدل على أحقيتنا في منظومة العدالة كالرجل تماماً، فقد كان عدد المحاميات 10 وارتفع ليصبح اليوم 280 محامية.
- الخطة التنموية للمملكة العربية السعودية ترتكز على استثمار المعرفة الاقتصادية، هل تسير المرأة في هذا السياق؟
بما أن رؤية 2030 كانت تهدف الى رفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل الى 32% ولم يتحقق هذا الرقم، لكن كل المعوقات التي كانت تعترض طريق المرأة وتحول دون مشاركتها في سوق العمل بدأت بالانزياح، بدليل افتتاح أكبر برنامج للبعثات على مستوى المملكة تحت عنوان «بعثتكِ وظيفتكِ»، وما على المرأة إلا الانضمام إلى جهة معينة لتتمكن من الحصول على وظيفة بعد البعثة، لأن برنامج الابتعاث مدروس بدقة ويسعى لتحقيق أهداف الرؤية، التي تضعنا في قارب واحد لنجدّف باتجاه واحد، وقد تختلف سرعة التجديف لكنه نحو هدف واحد ومحطة واحدة تقودنا الى اقتصاد المعرفة.
- تتجه الخطة التنموية الثالثة نحو إحداث تغيرات في بنية الاقتصاد الوطني بهدف تنمية القطاعات الإنتاجية غير البترولية وزيادة إسهام المواطنين في التنمية وتفعيل عجلة الاقتصاد، لكن علامَ يتم الاعتماد؟
على موارد أخرى غير البترول لم يتم استغلالها مثل السياحة الدينية ولم تكن تساهم في الدخل القومي، لكن برنامج «ضيوف الرحمن» ركّز على تحسين تجربة الزائر واستهدف روافد أخرى أثناء الزيارة مثل الأماكن التراثية، وهي ستُفتح للجميع بعد الانتهاء من تنظيمها وإعادة تخطيط الوصول إليها لتكون أكثر أماناً، إضافة الى سلسلة الإنتاج المحلي من زراعة الورد الطائفي وصناعته بدلاً من تصديره خاماً بسعر زهيد، فيصبح لدينا صناعة جديدة تفتح باب التوظيف أمام الكثير من الشبان والشابات.
- شملت إنجازات الخطة الثالثة تطوير الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية، فكيف سيتم تطوير المنظومة التعليمية بدءاً من المراحل الأساسية؟
التعليم يحتاج الى عملية إنعاش، لأن المخرجات التعليمية التي ظهرت في الألفية الثالثة لم تناسب سوق العمل ولم تقم بالدور المطلوب، وبالتالي تكبّد القطاعان الخاص والعام خسائر فادحة لوصول تلك المخرجات الى سوق العمل، وذلك باتخاذ الدولة تدابير احترازية تمثّلت بإنشاء صندوق الموارد البشرية لسد تلك الفجوة، لأن لا تنمية من دون تعليم قوي.
- ما أهم مقومات التنمية؟
التعليم القوي الذي يخرّج شخصية متكاملة نفسياً وأدبياً وتربوياً واجتماعياً وثقافياً ومنفتحة على الآخر وقادرة على الإبداع والإنتاج. وما نشهده اليوم هو محاولات لتطوير المنظومة التعليمية، ولا تنجح هذه المحاولات إلا بوضع خطة مُحكمة تقوم على أسس علمية وعملية وإبداعية تنقذ مخرجات لا تجيد اللغة الأم ولا لغات أخرى، وبالتالي لا تجد وظيفة، وما على المسؤولين إلا عمل دراسة جدوى لكشف الأخطاء ومعالجتها تمهيداً لحقبة جديدة أكثر تطوراً.
- بمَ تفكرين خارج الصندوق؟
نعلّم الطلاب بشكل عام كيف يدرسون وكيف يبحثون عن المعلومة، وليس مضمون ما يدرسونه أو اللغات التي عليهم إتقانها. وعلى سبيل المثال لا الحصر، المال الذي أدفعه للمعلّم الذي يعطي بناتي دروساً خصوصية في البرمجة يعادل ما أُسدّده من أقساط للمدرسة الخاصة، فأتكبّد خسائر فادحة من أجل مستقبل بناتي ليجدن الفرصة المناسبة لهن في العمل على الصعيدين العربي والدولي، وأتمنى إدخال مادة البرمجة التقنية إلى المناهج التعليمية.
- لكن ما ينطبق على التعليم ينطبق على الصحة...
للأسف الشديد، بعد تجربة طويلة أثبت النموذج الأميركي فشله في موضوع الصحة العامة وأنه لا يمت بصلة الى التنمية أو الأمن القومي، وعلى ما يبدو هناك مشروع لخصخصة القطاع الصحي، وأتمنى وضع برنامج تأمين صحي شامل للمواطنين والمقيمين مدعوم من الدولة وإن كان المواطن عاطلاً من العمل.
- أسّست شركة «تشكيل» مسرّعة وحاضنة أعمال، أيّ الاهتمام بالفكرة، والاستثمار بصاحبتها، للاستثمار في القطاع الاقتصادي، ماذا حققت تلك الشركة على مدى 10 سنوات، وهل لا تزال تتابع سيرها؟
لا تزال «تشكيل» تواصل سيرها، بعد استقبال 50 شركة أفراداً مبدعين، وتخريجهم أصحاب شركات. لقد خرّجنا أكثر من 10 آلاف مبدع في كل المجالات من خلال 500 فعالية، منها على مستوى 15 شخص ومنها على مستوى 300 شخص. إضافة إلى 245 ورشة عمل أقامها 100 خبير في قطاع الإبداع من خارج المملكة بدءاً من اليابان وانتهاءً بالبرازيل. ولا أخفي سراً أن المرحلة بين عامي 2009 و 2015 كانت الأصعب في تاريخ «تشكيل» نظراً للظروف الاجتماعية الصعبة، لأن كلمة إبداع أو ثقافة كانت من المحرّمات، ورغم ذلك استطعنا حمل الراية الإبداعية والثقافية والاقتصادية ووضعنا مخرجاتنا على أول الطريق.
- ما هي مشاريعك الجديدة؟
بعدما أطلقت «تشكيل» مبادرات عدة، منها «مساحات العمل المشتركة»، «كيان» و»المبادرة الوطنية السعودية للإبداع»، والتي هدفت الى مسح ميداني في القطاع الإبداعي ونقل المعرفة من الخارج الى المملكة، انضمت «تشكيل» وشركة «تورس للتصميم» إلى تحالف ثقافي أطلقته الأميرة هيفاء الفيصل تحت عنوان «تليد»، وهو يُعنى بحفظ وتوثيق التراث السعودي غير المادي مثل التقاليد والأزياء والرقص والغناء والأهازيج والأمثال الشعبية والعادات المصاحبة للأعياد والزواج والطعام إلخ... وذلك للخروج بقاعدة بيانات ثقافية وطنية عن التراث الثقافي في المملكة.
- كنتِ أول سعودية تشارك في زمالة الأمم المتحدة لتحالف الحضارات، ما الذي تمخضت عنه تلك المشاركة؟
كانت مشاركتي الأولى في العام 2011، ومن ثم شاركت في برنامج دولي لمدة أسبوعين زرت خلالهما أكثر من مدينة أوروبية وأميركية للتعرف على المجتمع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والقطاع غير الربحي، والخروج ببيان مقارنة بين أوروبا وأميركا والسعودية لوضع مقترحات حول كيفية بناء جسور بين هذه الدول، وتحديد المشاكل التي تعانيها، ومعرفة أسباب انقطاع التواصل بين شعوبها.
- وماذا تضمنت ورقتك؟
ورقتي نالت إعجاب الجميع، واختاروني للتحضير للجلسة الختامية والتي ضمّت ممثلة عن الدولة المضيفة، ورئيس وزراء إسبانيا ورئيس اليونسكو ورئيس وزراء تركيا، وكانت ورقتي تناقش أولاً الميديا المسيّسة التي تلعب دوراً سلبياً في الدول الغربية وحتى في مجال الثقافة والترفيه، مما أدى إلى انغلاق الشعب الأميركي على نفسه، وخاصة بعد 11 أيلول بحيث تولّد لديه نوع من التوحّد الفكري، وثانياً تفعيل دور المرأة في المجتمع لأنها الوحيدة القادرة على نقل تجربتها إلى أسرتها، وثالثاً تبيان أن وضع المرأة في العالم الغربي لا يختلف عنه في العالم العربي. وعلى سبيل المثال، المرأة والرجل في العالم العربي يتقاضيان الراتب نفسه إذا كانا يشغلان المركز المهني نفسه، وهو ما يندر حصوله في أميركا. من الجيد أن نتعلّم من تجاربهم، لكن شرط ألاّ نطبقها بحذافيرها وأن نرفض التنظير.
- ما الذي أثار استغرابك هناك؟
القطاع الصحي في أميركا خالٍ من الإنسانية، على عكس الدول الأوروبية التي تتميز بالعمل الإنساني والأخلاقي. ونحن مقصّرون في التواصل لكون إعلامنا العربي لم يتمكن من القيام بدوره على الوجه الصحيح، لذلك تكونت صورة نمطية خاطئة عنّا، ونعمل المستحيل من أجل إزالتها، والتواصل بالمفهوم الواسع لها، وتطبيقها بشكل أفضل، ولم أجد في العالم العربي «وزارة تواصل» تؤدي دورها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والإبداعي.
- كنت سفيرة لليوم العالمي لريادة الأعمال النسائية في المملكة العربية السعودية بين عامي 2014 و 2016، حدّثينا عن المهمات التي تولّيتها؟
في اليوم العالمي لريادة الأعمال، أطلقت اليونسكو مبادرة على مستوى العالم، فأحببت أن تكون المملكة العربية السعودية حاضرة، وكانت لدي ثلاثة أهداف، أولها محو الصورة النمطية عن المرأة السعودية فنشرت 24 فيديو لـ 24 سيدة سعودية من رائدات الأعمال من خلال فكرة بسيطة وهي تمرير الكرة الى بعضنا البعض في الملعب، وكل ساعة كنا نطلق فيديو إلى أن فازت بالهدف عضو مجلس الشورى لينا المعينا.
والهدف الثاني كان برنامجاً للاعتزاز بالنفس والافتخار بالهوية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وانتشر بسرعة من خلال 400 رائدة تحدّثن عن إنجازاتهن بالمفهوم الواسع للتنمية الوطنية.
أما الهدف الثالث فهو إنهائي مسؤوليتي بحدث تبنته جامعة عفت عن ريادة الأعمال بحضور المنشآت الصغيرة والمتوسطة لأمكّن كل رائدة أعمال من اختصار المدّة الطويلة التي استغرقتها بحضور لفيف من رجال الأعمال ورائدات الأعمال.
- ما هي رسالتك الى رائدات الأعمال؟
اختصرت لكنّ المسافة، وانتقل الدور إليكن للتواصل الاجتماعي، وقد سلّمت اللقب الى الزميلة سهى موسى لكون الاختيار مسؤولية كبيرة وتحدّياً صعباً، فسهى تملك مقومات سفيرة ريادة الأعمال للمملكة العربية السعودية، لما تتميز به من ثقافة وريادة وحكمة وعطاء.
- كونك محامية، ما أهم المشاكل الاجتماعية التي واجهتك، وهل تدافعين عن حقوق المرأة في المحاكم السعودية؟
بدأت حياتي المهنية محاميةً في الأحوال الشخصية، لكن الوعي الثقافي غيّر توجهي فتخصصتُ في القانون التجاري وتوليت الدفاع في القضايا التي تتعلق بالملكية وحقوق المؤلف، فأكثر العقود التي أعمل عليها تتركز في القطاع الإبداعي، والمرأة في القانون التجاري تحصل على حقوقها كاملة مثل الرجل.
- حصلت على جائزة المرأة العربية لعام 2015، في حفل أُقيم برعاية الأميرة ريما بنت بندر آل سعود، فهل هي الجائزة الأهم في مسيرتك المهنية؟
هي إحدى الجوائز المهمة، لكن تفوقها في الأهمية جائزة «الفتاة المثالية» التي نلتها حين تخرّجي في مدارس «دار الحنان» في جدّة، وكان لها أثر كبير في حياتي، لأن الحصول على هذا اللقب في مدارس «الحنان» ليس سهلاً أبداً.
- ماذا تقولين للمرأة؟
كوني مؤمنة بالله عز وجل، وواثقة في نفسك، ولا تعتمدي على أحد ليمنحك النجاح أو يحقق لك شيئاً في الحياة، وأعطي من دون مقابل، لأن العطاء مصدر سعادة تقطفين ثمراتها في مستقبلك. {
شاركالأكثر قراءة
إطلالات النجوم
فُتحة فستان ليلى علوي تثير الجدل... والفساتين...
إطلالات النجوم
مَن الأجمل في معرض "مصمّم الأحلام" من Dior:...
أخبار النجوم
يسرا توضح حقيقة خلافاتها مع حسين فهمي
أكسسوارات
تألّقي بحقيبة الملكة رانيا من Chloé... هذا سعرها
إطلالات النجوم
الـ"أوف شولدر" يغلب على فساتين نجمات الـ"غولدن...
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024