تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

'اللعنة'

الكتاب: «اللعنة»

الكاتبة: هيام يارد


حلا، الفتاة اللبنانية التي ولدت في كنف عائلة بورجوازية مارونية، لم ترث صفاتها عن أمّها ولا أبيها. إنها لا تُشبههما، بل تُشبه أرضها ووطنها. الفتاة المولودة في السبعينات تُشبه أيضاً جيلها. جيل الحروب والصراعات والتجاذبات.
فكما كان وطنها ضحية الاحتلال من العثمانيين إلى الفرنسيين فالاسرائيليين فالسوريين، هكذا هي حلا أيضاً. ضحية تنتقل من يد محتلّ إلى آخر. إنها ضحيّة مجتمع ذكوري أضحت فيه المرأة أكثر ذكورة من الرجل نفسه.
فالمجتمع الذي تنتقده يارد بلغة تنضح بسخرية سوداء لا يتجسّد كالمجتمعات الذكورية الأخرى. فالرواية لا تعرض نماذج ذكورية متسلّطة كالأب الظالم والأخ الأناني  والزوج المستبد. وانما هو عالم ذكوري بشخصياته النسائية، إنّه يتجلّى من خلال صورة الامّ الديكتاتورية بدلاً من الأب.

ومن ثمّ تنتقل المأساة من الأم إلى الحماة التي تأخذ مكان الزوج. وبهذه اللعبة الذكية استطاعت يارد أن تنتقد ذكورية المجتمع التي تبدو في أقسى صورها عندما تعيش نساؤه استلاباً حقيقياً يحوّلهن إلى مجرّد حارسات للقيم الذكورية الاجتماعية.  تستهلّ الراوية حلا الرواية بتصوير عالمها الطفولي تحت سلطة أمّ صارمة وحازمة.
ومن هذا الحدث السردي تنطلق الراوية لتُقارب بين صورتها كضحية لهيمنة أمها عليها، وصورة لبنان كضحية لهيمنة الاخرين عليه. وفي أكثر الاحيان لا تستخدم الراوية كلمة «أمي» بل «الأم» وكأنها لا تريد ان تنتمي اليها، او ربما تريد تعميم صورة الأمّ النمطيه في المجتمعات الذكورية.
حتى انّ البطلة- الراوية لا تنعت أمّ والدتها بـ «جدتي»، بل تقول لها «أمّ الأمّ»، وكانها تريد بذلك أن تنفي كلّ صلة قرابة بينهما. وفي هذا التعبير المركّب (أم الأم)، إشارة الى انّ الام أيضاً كانت ضحية أمها المهووسة بالمكانات الاجتماعية والأناقة والترتيب، والفخورة بهويتها الفينيقية وليس العربية.

ولا تجد حلا خلاصها إلاّ في علاقتها مع «فاديا»، الصديقة- الفيلسوفة التي تتفوّه بعبارات تبدو حِكماً ويظلّ صداها يتردّد حتى بعد غيابها.
وبعد التفريق بين الصديقتين المُقرّبتين، لا تجد حلا سبيلاً للخلاص من سلطة أمّها إلاّ في الزواج. ولكنها تجد نفسها مرّة أخرى ضحية حماتها التي لا تُسميها بل تنعتها طوال الرواية بـ «أشعّة إكس».
وجاء هذا اللقب من نظراتها التي تخترق البدن لتصل إلى الداخل. إنها تنظر إلى الأشياء كما لو أنها تتفحصها. وحلا تخاف نظراتها التي تجعلها تشعر بأنها متهمة و»أشعة إكس» تُفتشها. أمّا ابنها فأصبح من جرّاء محبّة والدته له وسلطتها عليه رجلاً بملامح غائبة، والزوج صار هو الآخر غائباً في عالمه الخاص. هكذا نجد أنّ الرواية لا تسلّط أي ضوء على الشخصيات الذكورية، وإنما تأتي النساء لتحلّ مكانهم.
وبعد أن تنجب حلا ابنتها الثانية تصرخ حماتها قائلة «كفاية»، وكأنها تنادي القدر أن يوقف لعنته بإعطائهم البنات، أمّا أمّها فتقول: «ابنتان لعائلة واحدة كثير جدا». نساء «اللعنة» هنّ في دواخلهن ذكور.
يتحدّثن بلغة الرجل ويُفكرن بعقليته. إنهن نماذج للذكورة المشوّهة التي برعت هيام يارد في توصيفها.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077