نشوى سرحان: أثبتّ نجاح المرأة كعمدة وغيّرت الفكرة السلبية عنها
على رغم أن عائلتها تعشق الفن، إلى درجة أن كان فيها ثلاثة أشقاء ممثلون، أشهرهم عمها الفنان الراحل شكري سرحان، لكنها اختارت مجالاً مختلفاً عندما جلست على كرسي العمدة في إحدى قرى محافظة المنيا، لتثبت نجاحها وتغيّر الفكرة السلبية عن المرأة في هذا المنصب. العمدة نشوى سرحان التقتها «لها» في حوار كشفت فيه الكثير من أسرارها الشخصية، ومهمتها الصعبة كعمدة في صعيد مصر.
- في البداية، نودّ أن تقدمي نفسك، وكيف استطاعت امرأة تنتمي إلى عائلة فنية، الوصول إلى منصب «العمدة» في صعيد مصر؟
عمري 54 سنة، حاصلة على ليسانس دار العلوم من جامعة القاهرة عام 1986، ويشرفني الانتماء إلى عائلة «سرحان» المشهورة من خلال الفن، وأشهرهم عماي «شكري وسامي»، أما شقيقهما الأكبر فهو «صلاح» الذي ولد عام 1923 وتوفي شاباً عام 1964، لا أتذكره جيداً لأنني كنت صغيرة، وكان أكثر الناس تأثراً بهذه الوفاة عمي شكري وفق ما روته لي أسرتي، وسمى ابنه الذي توفي في سن مبكرة وكان موهوباً أيضاً في التمثيل، على اسم أخيه صلاح الذي كان مثله الأعلى، وشارك في القليل من الأعمال السينمائية، وأشهرها أفلام: «الشموع السوداء» و«علشان عيونك»، و«بين قلبين».
- أنت من عائلة فنية عريقة جذورها من الوجه البحري، فكيف كان الزواج في الصعيد حتى أصبحت «عمدة» في إحدى قراه في محافظة المنيا؟
عشت طفولتي وشبابي قبل الزواج في منطقة الدقي، لكن الزواج كما يقولون «قسمة ونصيب»، وأعتز بأنني تزوجت في صعيد مصر– رمز الحضارة والأصالة– وكنت محظوظة جداً في الارتباط بزوجي الراحل محمد علي عبدالجواد، المحامي بالنقض، نجل عمدة قرية حميدة الجندي في محافظة المنيا، وأصبح عمدة لها بعد وفاة والده. خلال تلك الفترة، عايشت متطلبات العمودية التي توارثتها عائلة زوجي، وأعجبني فيها «إصلاح ذات البين» والسعي إلى قضاء حاجات الناس، إذ أقامت عائلة زوجي العديد من المشروعات الخيرية والخدمية لأهل القرية، وكل مشكلة كانت تحلّ في «دوار العمدة». أحببت هذا المناخ الجميل وكنت أعايش «العمدية» مع زوجي ووالده من قبله، ثم مع ابني الأكبر علي، الذي تولى «العمدية» بعد وفاة والده، إلا أنه عندما تم الإعلان مؤخراً عن شروط التقدم إلى هذا المنصب، اشترط القانون ألا يقل العمر المتقدِّم عن 35 سنة، في حين يبلغ عمر ابني العمدة بالوراثة 33 سنة، من هنا ترشحت إلى هذا المنصب للحفاظ عليه في العائلة، وبفضل الله تمت الموافقة على تعييني فيه.
- من المعروف أن في الصعيد تعصباً للرجال، فهل تولّيت المنصب بسهولة أم كانت هناك معارضة؟
علاقة عائلة زوجي الطيبة جداً بأهالي القرية جعلتهم يحبوننا، ويحرصون على أن تظل العمدية في أسرتنا، التي لها هيبة، واكتسبت مهارات العمدية عبر الأجيال، ما ساعد على كسر العادات الصعيدية في رفض تولّي المرأة منصب العمدية، فضلاً عن أنني أراعي التقاليد الصعيدية بإشراك الحاج كامل حسن، شيخ البلد الأكبر سناً الذي لديه خبرة في الحياة، فأستشيره في كل شيء، بل وأذهب إلى منزله للتشاور في حل أي مشكلة تواجه أهالي القرية، إذ أتفهم التقاليد الصعيدية جيداً، ما جعلني أحافظ على حبهم لأسرتنا التي توارثت خدمة الجميع ومن دون أي مقابل.
- من هو أقرب أعمامك إلى قلبك؟
أعتز بهم جميعاً، فهم أعمامي ولهم بصمة في عالمي، وكنت يومياً أطمئن على جدي وجدتي وأعمامي وأنا في طريقي إلى المدرسة، إلا أن عمي شكري هو الأكثر تأثيراً في حياة أسرتي كلها، فقد كان صديقاً صدوقاً لأبي ويسكنان في الشارع نفسه ويلتقيان كلما سنحت الفرصة، ويحرصان على أداء صلاة الجمعة معاً، وقد حضر حفلة زواجي قبل 36 عاما،ً وكان فرحاً كوالدي تماماً، وحريصاً على صلة الرحم ويشارك في المناسبات ويحل مشكلاتهم.
- ما البصمة التي تركها عمك شكري في نفوس شباب العائلة، ومنهم أولادك الخمسة؟
يتناقل شباب العائلة ما كان يفعله عمي شكري مع والديه، حيث كان نموذجاً للبر بهما في شكل كبير، وبأهله جميعاً، لهذا صار قدوة لشباب العائلة- ومنهم أولادي- ، فقد كان قامة وقيمة، وهم يعشقون فنه ويفهمون الرسائل التي يريد أن يوصلها إليهم - سواء كانوا شباباً أو فتيات – ويستوعبونها جيداً.
- ما أهم ذكرى ما زالت عالقة في ذهنك عن هذا الفنان الكبير؟
تحكي لي والدتي أنه على رغم كثرة مشاغله كان يطمئن عليها يومياً، ويلبي طلباتها كافة، وكان يدلّلها بجملة مشهورة «لو طلبتي مني لبن العصور أحضره لك فوراً»، ويقبل يديها ويتفاخر بهذا، وإذا صادف عدم مقدرته على زيارتها يرسل إليها سكرتيره لتلبية طلباتها، والحقيقة أن أعمامي جميعاً كانوا على خلق طيب، فوالدهم– جدي– كان مديراً لمدرسة بالتربية والتعليم وحافظاً للقرآن الكريم، ومن هنا حرص على تعليمهم الأخلاق الطيبة وإتقان العمل وتحديد أهدافهم في الحياة مع عدم الاغترار بالدنيا وملذاتها، والبعد عن الانحرافات التي قد تكون في الوسط الفني.
- هل كان والدك على علاقة بالوسط الفني؟
كمشاهد فقط، وكان يعتز بالأفلام التي يشارك فيها أعمامي، أما هو فقد كان موظفاً في شركة الكابلات الكهربائية، وعلاقته بهم جميعاً جيدة، وحرصنا على غرس هذا في أولادنا.
- ما أحب أدوار الفنان شكري سرحان إليك؟
بكل صدق ومن دون مبالغة كل أدواره، لأنه كان يحسن اختيارها، وحتى اليوم كل فيلم أشاهده أشعر بأنني أشاهده للمرة الأولى، لأن له هدفاً وقيمة، ولا أظن أنه أساء اختيار أي فيلم، فمثلاً يعد «شباب امرأة» بمثابة درس للشباب المغترب من أجل التعلّم ليبتعدوا عن المغريات والانحراف الأخلاقي. وكانت انطلاقته إلى النجومية لمّا اختاره المخرج العالمي يوسف شاهين لفيلمه «ابن النيل» عام 1951، الذي يحمل الكثير من القيم التي يجب أن يتحلى بها أبناؤنا، وكذلك فيلم «الزوجة الثانية». باختصار، تعد أفلام عمي شكري بصمة مشرفة في تاريخ السينما المصرية، لابتعاده عن الابتذال والإسفاف، ولعل هذا ما جعله يحصل على تكريم من الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر الذي أهداه وسام الدولة، كما حاز العديد من الجوائز باعتباره «فتى الشاشة»، ولهذا يعتبر آذار (مارس) من أفضل الأشهر بالنسبة إلي، لأن الإعلام يحتفي فيه بذكرى وفاته، فيعرض معظم أفلامه التي أحرص على مشاهدتها، والتي تصل إلى مئة وخمسين فيلماً.
- هل في أسرتك من لديه «جينات فنية»؟
ابني الأصغر عبدالجبار، الذي ورث جينات الفن من عائلتنا، لكن المفاجأة أنه التحق هذا العام بكلية الشرطة التي قد تكون عائقاً حالياً أمام ممارسته التمثيل، الذي كانت له فيه محاولات بسيطة، لكنه حرص على تحقيق حلم أبيه الذي توفي قبل سبع سنوات، بأن يصبح ابنه الأصغر ضابطاً في الشرطة، ومع هذا بإمكانه أن يمارس هوايته مستقبلاً، وهناك نماذج كثيرة من ضباط في الشرطة والجيش الذين مارسوا الفن السينمائي، وللمناسبة هو عاشق للأفلام التي تتناول عوالمهم في الشرطة والجيش.
- ماذا عن حياتك الأسرية، وكيف استطعت التوفيق بين مهمات العمدية وتربية أبنائك، بخاصة بعد وفاة زوجك قبل سبع سنوات؟
ابني الأكبر «علي» رجل أعمال مارس العمدية بعد وفاة والده، وساعدني في تربية أشقائه الأصغر منه، وهم: نهال، وهي متزوجة في القاهرة ولها ابنتان تفرغت لتربيتهما، ثم عمر الذي يعمل في إحدى الشركات الخاصة الشهيرة، إضافة إلى ملكيته مشروعاً صغيراً، ثم لبنى، الطالبة بالفرقة الثانية حقوق إنكليزي، وآخر العنقود عبدالجبار، الطالب في كلية الشرطة، والحمد لله نفذت وصية والدهم بأن أحسن تعليمهم، وأن نعيش جميعاً بين القاهرة والصعيد في دوار العمدية، فضلاً عن حرصي الشديد على ربط أولادي بعائلة زوجي في الصعيد، إذ نمضي معها كل الأعياد والمناسبات.
- بعد تولّيك العمدية بشهور قليلة، هل نجحت في إدارة الأزمات والمشكلات؟
الحمد لله، يشهد الجميع أنني نجحت في إدارة العديد من الأزمات، وتطوير الخدمات الحكومية، حيث توجد في قريتنا أربع مدارس، وسيتم افتتاح مستشفى خلال شهور قليلة، كما يوجد بنك القرية، وغيرها من الخدمات التي قابلت من أجلها المسؤولين في محافظة المنيا ابتداء من المحافظ ومدير الأمن ومسؤولي مركز مغاغة، وقد رحب الجميع بالتعاون معي وتزويد قريتنا بكل الخدمات التي تحتاج إليها، أما حل المشكلات بين الأهالي فالحمد لله، وبالتعاون مع شيخ القرية وكبار رجالها من الحكماء، قمنا بحلّها، في إطار من التعاون على الخير وأن «الصلح خير».
- هل اكتفيت بالتدريب العملي والمعايشة لوظيفة العمدية في منزل الأسرة، أم تم تدريبك في وزارة الداخلية باعتبارها المسؤولة عن تعيين العمد سواء كانوا نساء أم رجالاً؟
شاركت في دورة تدريبية مكثفة لـ28 عمدة من مختلف المحافظات، وتم تدريبنا على يد خبراء على مهمات العمدة في مجالات مختلفة، وعلى كيفية التصرف في المواقف المختلفة التي نتعرض لها، وقد استفدت جداً من هذه الدورة التي استمرت أسبوعين متواصلين، وفي النهاية حزت شهادة بها من الجهات المنظمة لها.
- تجاوب المجلس القومي للمرأة برئاسة الدكتورة مايا مرسي مع فوزك بالعمدية في شكل إيجابي، فكيف حدث ذلك؟
أرسلت كل عضوات المجلس القومي للمرأة، وعلى رأسهنّ الدكتورة مايا مرسي، برقية بالتهنئة لي عقب تعييني في منصب العمدة، وعبّرنَ في بيان رسمي صادر عن المجلس عن بالغ سعادتهن بهذا التعيين، بخاصة أنه تزامن مع إعلان عام 2017 عاماً للمرأة المصرية، وفخرهنّ بزيادة عدد السيدات في هذا المنصب، الذي ظل لسنوات طويلة حكراً على الرجال، وتمنّينَ تعميم التجربة الناجحة في كل محافظات الجمهورية، كما أشاد المجلس بقرار أجهزة الأمن في محافظة المنيا بتعييني في سابقة هي الأولى من نوعها، ما يدل على مدى إيمانه بمقدرة المرأة وكفاءتها، وبهذا أكون العمدة الرابعة بعد السيدة عزة عبدالمحسن، عمدة في مركز بيلا في محافظة كفر الشيخ، والسيدة ناهد عبدالحميد لاشين، عمدة قرية حانوت في محافظة الشرقية، والمحامية إيفا هابيل عمدة قرية كمبوها في محافظة أسيوط.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024