السعودية فقدت ملحناً كبيراً
انتقل الملحن السعودي سامي إحسان إلى مثواه الأخير بعد إصابته بجلطة في يده اليسرى، نُقل على أثرها إلى المستشفى، ليفارق الحياة عن عمر يناهز 69 عاماً، بعد أن قدم للساحة الفنية السعودية أكثر من 800 عمل فني موسيقي، وارتبط اسمه بالعديد من الفنانين الكبار على المستوى العربي، مثل محمد عبده، وطلال مداح، وأصالة نصري.
شُيّع جثمانه في مدينة جدة في مقابر الفيصلية يوم السبت 8 أيلول/سبتمبر وسط حضور كثيف. وقد حرص وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز خوجة على أن يكون في مقدم الأدباء والمثقفين والإعلاميين والفنانين لتقديم واجب العزاء لذويه. ومن أبرز المعزين كان فنان العرب محمد عبده، وعبادي الجوهر، وغازي علي، ومحمد حمزة، وحسن إسكندراني، وطلال باغر، والدكتور احمد عيد وعلي فقندش.
الفنان عبادي الجوهر تحدث عن الراحل بتأثر كبير:»كان إحسان الرمز المتجدد في عطائه، وصاحب تيمه لحنية مختلقة، ويتميز بصراحة لامتناهية. رافقته في الكثير من المشاركات الفنية التي مثلنا فيها الوطن وفي العديد من المهرجانات. رحيله خسارة للساحة الغنائية العربية كونه صاحب بصمة على مستوى الأغنية السعودية والعربية». ويتذكر الجوهر أنه التقى إحسان قبل وفاته واتفقا على التعاون في كثير من الأعمال، إلا أن الموت، وقدر الله عز وجل، هما حق على عباده.
وعن الراحل قال علي فقندش: «الموسيقار سامي إحسان فنان أبدع كثيرا في دنيا صناعة الألحان، وهي صناعة بلا شك، إلى جانب الموهبة. وكان أشبه بصائغ يتعامل مع درر خام يحيلها قطعاً ذات بريق وأشكال أخاذة». وأكد تميز الراحل في «عصر الأغنية العربية، زمن العمالقة ليكتب اسمه ويسجل حضوره المشرف»، مضيفاً: «كما تحدث فنان العرب محمد عبده لا بد من أن يكرم سامي إحسان كصاحب نقلة ومرحلة مفصلية، هو والراحل طارق عبد الحكيم، بالتلحين لأوبريت مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة».
ورأى الفنان عبد الله رشاد أن إحسان حقق مرحلة مفصلية في تاريخ الأغنية، وتفوقت ألحانه على نجوم الغناء في حين أن الصوت يصل إلى الشهرة والانتشار قبل الملحن وكاتب الكلمة الغنائية. وأكد أن إحسان مدرسة موسيقية أصيلة، ومكتبة تعد من أهم المراجع في سيرة الأغنية السعودية والعربية.
واعتبر الفنان محمد عمر أن الحديث عن فنان بحجم إحسان لا بد أن يعَد له ليفيه حقه لما قدم في مسيرته الفنية المشرفة، عبر تاريخ طويل أسس من خلاله مدرسة فنية، ومراجع تظل شاهدة على العصر في تاريخ الفن الغنائي. وقال: «بساطة إحسان وعفويته وإحساسه الصادق أدت إلى تكوين شخصيته الإنسانية التي سريعاً ما تدخل وجدان الآخرين». وتذكر أن أول رحلة عمل فنية له إلى القاهرة جمعته بالراحل: «تشرفت بأن غنيت له العديد من الأعمال التي سجلت حضوراً ونجاحاً وانتشاراً في عصر الأغنية الذهبي».
الموسيقار غازي علي كان متأثراً جداً بفقدان الراحل: «إحسان أخ وصديق وفنان جمعني به الفن الجميل والأخوة لعقود طويلة. كنا نسعد لنجاحاتنا. لقد فقدنا مبدعاً حمل في وجدانه الكثير من العطاء والحس الفني العميق، وتميز بعدم طرح الجملة الموسيقية المكررة، لذا هو فنان متفرد بحسه الجميل وعطائه المتجدد. قدم فنانين للساحة الغنائية صاروا من أبرز نجوم الأغنية المحلية والعربية».
ووصف الملحن محمد المغيص الراحل بأنه كان معين عطاء لا ينضب على مر مسيرته الفنية التي وضع فيها ألحاناً سجلت حضوراً لافتاً لدى المستمع كونه يحمل حس الملحن الفنان وثقافته، مضيفاً: « رحيل رمز بحجم سامي إحسان يخلّف نقصاً في المنظومة الفنية العربية، فهو الملحن السعودي الذي حاكى بألحانه جميع الأجيال من خلال العديد من الأصوات الغنائية».
الفنان حسين قريش تحدث بنبرة حزن عميق على رحيل أستاذه الكبير، وقال: «الراحل هو الملحن الذي اخذ بيدي وقدمني للفنان محمد عبده لأشارك في برنامج مسرح التلفزيون». ويتحدث عن العلاقة بينه وبين إحسان وكيف تجاوزت العمل الفني إلى علاقة أكثر قربا، فيقول: «العلاقة بيني وبين عائلة الفنان سامي إحسان تتجاوز الإطار الفني، فهو يعد والدي منذ أن عرفته. تواصلنا كان مستمراً، وقبل رحيله كان يتواصل معي عبر الرسائل كل يوم جمعة من باب الاطمئنان. وهذا يدل على نبله العميق تجاه أصدقائه وزملائه في الوسط الفني». ويشير قريش إلى أن إحسان كان صاحب جمل لحنية متجددة لم يسبق أن قدمها ملحن، لذا تجد أعماله خالدة، وتظل مراجع للساحة الفنية العربية.
سامي إحسان
ولد سامي إحسان في جدة عام 1362هـ، وحصل على الشهادة المتوسطة، وبرزت ميوله الموسيقية التي صقلها بدراسته في المعهد العربي للتمثيل والموسيقى في دمشق أثناء عمله في السفارة السعودية.
في بداياته عمل موظفاً في بريد جدة، ثم انتقل للعمل في وزارة الخارجية، ليغادر إلى دمشق للعمل في السفارة السعودية، حيث كان مسؤولاً عن قسم الرعايا في القنصلية السعودية. نقل بعدها إلى وزارة الإعلام بناء على طلبه، وعمل في البداية مهندس صوت، وتلقى الدروس الموسيقية على يد الموسيقي السوري الكبير مهران.
في أواسط السبعينات، رشح لرئاسة القسم الموسيقي في فرع جمعية الثقافة والفنون في جدة، وبقي في هذا المنصب سنوات طويلة حتى عام 1995، ليتفرغ للقسم الموسيقي في الإذاعة والتلفزيون ولأعماله الخاصة، كذلك كان عضواً مؤسسا في جمعية الثقافة والفنون السعودية.
سامي إحسان هو أول ملحن سعودي قدم أغنية سعودية باللغة الإنكليزية، وكانت في كندا في معرض إكسبو 86 بصوت عبد الله رشاد، وأول ملحن سعودي يضع موسيقى لنشرة الأخبار لإذاعة سعودية «البرنامج الثاني»، وأول ملحن سعودي يهتم بأغنية الطفل ويصدر ألبوما كاملا عن أهازيج الأطفال التراثية بشكل مختلف وصياغة جديدة. شارك بتمثيل السعودية في مهرجانات وأسابيع الثقافية والفنية داخل المملكة وخارجها قبل تقاعده.
تميزت ألحانه بالصدق والأصالة، وقدمتها أصوات عمالقة الفن السعودي، بكلمات شعراء الكلمة الغنائية في العصر الذهبي للأغنية السعودية والعربية. ومن أبرزها ما شدا به قيثارة الشرق وصوت الأرض الراحل طلال مداح «مرت ولا حتى تلتفت»، و«خذيت القلم»، وما ردده محمد عبده مثل «مالي ومال الناس»، و«أنتم محبوبي».
صنع أجمل الألحان التي بنت مجد جيل من المطربين، ولا سيما في البدايات، مثل علي عبد الكريم الذي لحن له «ليه ليه يابو الخال»، و«ما سألته»، و«لا تناظر ورا»، و«وش عاد ترجين». كما لحن لمحمد عمر «خذها تراها»، و«منصور راح الليل»، و«قلنا نعم». وكان له بصمة في بدايات الفنان عبد المجيد عبد الله في أعمال مثل «سيد أهلي» و«على نيتي»، و«عسل صافي»، و«الحب لسه شباب»، و«شمس الهوى»، و«كيف أشكر الظروف».
عمل إحسان على صناعة العديد من نجوم الغناء السعودي والعربي، أمثال علي عبد الكريم، عبد المجيد عبد الله، عبد الله رشاد، عباس إبراهيم، وليد عطية. ومن المواهب العربية قدم العديد من الأسماء الفنية كرجاء بالمليح، وسمية قيصر، وماجدة عبد الوهاب.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024