المهندسة أمل مبدي: نشأتي في «بيئة حرب» جعلتني أشطب كلمة «مستحيل» من حياتي
المهندسة أمل مبدي، رئيس الاتحاد الرياضي المصري لذوي الإعاقات الذهنية، وعضو الاتحاد الدولي للإعاقات الذهنية؛ تعمل في مجال الإعاقة منذ عام 2010، واستطاعت من خلاله الوصول إلى العالمية، التقتها لها لتكشف لنا أسرار رحلتها، وتوضح كيف نجحت في تأسيس أول اتحاد رياضي مصري لذوي الإعاقة الذهنية، وتتحدث بالتالي عن دور أهلها وزوجها في نجاحها، وأهم ما تحرص على تربية ابنَيها عليه، ونصائحها لكل امرأة تريد أن تصبح قيادية ناجحة.
- كيف نجحت في تكوين أول اتحاد رياضي مصري لذوي الإعاقات الذهنية والبدنية؟
بطبعي أعشق التفوق، والعمل التطوعي الاجتماعي، وقد تخرّجت في كلية الهندسة في جامعة القاهرة، وأعمل حالياً مهندسة مدنية، لكن تفوقي الدراسي لم يؤثر في نشاطي الرياضي بسبب تنظيمي الوقت ما بين الدراسة والرياضة. كنت بطلة شهيرة في السباحة وكرة السلة، وبعد زواجي من مدرّبي في السباحة محمد عنتر، سافرنا إلى الدنمارك وعشنا هناك حوالى 12 سنة. ورغم سنوات الهجرة، سعيت لخدمة المجتمع حتى في الدنمارك، فكنت أعلّم أطفال المصريين والعرب لغتنا العربية ومبادئ دينهم، كما رددتُ بقوة على الهجمة الظالمة من رسام دنماركي على الرسول (صلّى الله عليه وسلّم)، وما عُرف وقتها بـ«الرسوم المسيئة»، ولعبت دوراً في الإعلام الدنماركي لنزع فتيل الأزمة آنذاك، وبعد عودتي الى مصر عملت في المعهد المصرفي المصري، ثم عُيّنتُ مديراً وطنياً للأولمبياد الخاص المصري، وهذه كانت أولى خطوات عملي مع المعوقين، أسّست بعدها اتحاداً لهم ونذرت حياتي لخدمتهم، كما نُصّبت مديراً لإدارة تنمية الموارد في مؤسسة «مصر الخير»، التي تعد أشهر مؤسسة خيرية تطوعية في مصر.
- البيئة التي نشأتِ فيها لعبت دوراً كبيراً في تكوين شخصيتك، كيف؟
ولدتُ في مدينة الإسماعيلية التي تقع على قناة السويس، وهي إحدى مدن القناة التي شهدت حروباً بين مصر وإسرائيل، وعندما شُنّ العدوان الإسرائيلي على مصر في الخامس من حزيران/يونيو 1967، كان عمري أربعة أيام فقط، وتحمّلت أسرتي تبعات الحرب إذ هُجّرت من محافظة الإسماعيلية إلى محافظة الشرقية، واستمررنا على هذه الحال إلى ما بعد نصر السادس من تشرين الأول/أكتوبر عام 1973، حيث عدنا إلى مدينتنا في عام 1974 وبدأنا نعيش حياتنا بشكل طبيعي، ومع ذلك ما زلت أذكر بعض صور التهجير المأسوية والتي غرست في نفسي منذ الصغر قوة التحمّل والصبر.
- نشأتِ في بيت المؤرخ والمناضل عبده مبدي الذي يحمل أحد شوارع الإسماعيلية اسمه، فماذا تعلّمت من والدك؟
أفخر بأن والدي هو عبده مبدي، الذي يطلق عليه أبناء مدينتنا لقب «المواطن الإسماعيلاوي»، وقد احتفظ بهذا اللقب حتى وفاته قبل سنوات قليلة. ورغم أن أبي كان موظفاً في هيئة قناة السويس، لكنه كان من أبرز المناضلين والعاملين في المجال العام في محافظة الإسماعيلية، ومنذ نعومة أظفاري وأنا أراه يتفانى في خدمة المجتمع، مما دفع أهالي المحافظة بعد وفاته للمطالبة بتسمية الشارع الذي نسكن فيه باسمه.
- وماذا عن دور والدتك في حياتك؟
والدتي تُدعى سعاد عوض، وقد كانت مدير مكتب محافظ الإسماعيلية، وهي مثلي الأعلى في الحياة، بحيث أفنت عمرها في خدمة أسرتها، وبفضل رعايتها تفوّقت وأخي الذي يصغرني سنّاً في الدراسة والرياضة، فرغم أنها امرأة عاملة لم تقصّر يوماً في حق عائلتها، ونجحت بامتياز في تحقيق المعادلة الصعبة ما بين بيتها وعملها. أيضاً هناك شخص آخر لعب دوراً مهماً في تربيتي ونشأتي، وهو جدّتي لأمي، إذ حرصت على أن تغرس في نفسي حب القراءة والاطلاع على مختلف الثقافات، لذا أدين لأمّي وجدّتي بكل ما حصدته اليوم من نجاح.
- أي دور لعبه زوجك في نجاحك؟
زوجي هو الكابتن سامي عنتر، وأبرز مدرّبي السباحة في مصر، ويتحدّر من عائلة مشهورة جداً في السباحة وكرة الماء، وكان يعيش في الدنمارك منذ سنوات طويلة. تزوجنا وأنجبت منه ولدين هما: «نادين» وهي خرّيجة كلية الإعلام ومتزوجة الآن، وAعمر» وهو حارس المرمى الأول لفريق النادي الأهلي لكرة اليد. لا يتوانى زوجي عن تقديم الدعم لي، ودائماً يثق بي ويفخر بنجاحي، فهو هادئ الطباع، ويتحمّل الكثير معي، ذلك أن ظروف عملي تضطرني للسفر المتكرر، فإذا قصّرت يوماً في واجبي تجاه البيت والأولاد، يحرص على إكمال دوري، لذا أؤكد أن له بعد الله فضلاً كبيراً في تفوّقي في عملي.
- لماذا اخترت العمل وسط فئة المعوقين ذهنياً رغم أنها من الفئات المهمّشة التي يصعب التعامل معها؟
أرى أن اختياري العمل وسط فئة المعوقين ذهنياً والسعي لإسعادهم نعمة لا تقدّر بثمن وتستحق الشكر والسجود لله، فهم أقرب الى الملائكة من البشر، لتمتعهم بصفاء القلب والفطرة السوية. ارتباطي بهم وثيق، كما أنني من أوائل الذين ساهموا في تسليط الضوء على قضية الأطفال المعوقين ليلتفت إليها المجتمع، وذلك من طريق وسائل الإعلام وعقد المؤتمرات والمشاركة في البطولات العالمية والفوز بست بطولات كبرى لرفع اسم مصر والعرب عالياً.
- هل يشارك ابناك في هذه الأنشطة التطوعية؟
عوّدت «نادين» و«عمر» منذ صغرهما على حب العمل العام. مثلاً، منذ بداية عملي في مجال الإعاقة وإلى اليوم ما زلت أصطحبهما الى المناسبات المهمة والنشاطات التطوعية التي يعود ريعها الى الأطفال المعوقين، كما أن انتماءهما الى عائلة تعشق عمل الخير وتتفانى في خدمة المجتمع رسّخ في قلبيهما حبّ العطاء.
- ما أبرز الصعوبات التي واجهتك؟
كلمة «مستحيل» مشطوبة من قاموس حياتي، لأن لا مشكلة بدون حل، فمثلاً في الفترة التي عشت خلالها في الدنمارك، واجهني عدد من التحديات، أولها أنني لا بد من أن أتحدث اللغة الدنماركية في وقت قصير، واستطعت اجتياز هذا التحدي. وبعد مضي أربع سنوات على إقامتي في الدنمارك، تمكّنت باقتدار من تدريس مادتَي الفيزياء والرياضيات في مدرسة حكومية باللغة الدنماركية. والتحدّي الثاني هو كفاحي لتنشئة ابنيَّ على المبادئ والقيم المصرية، وتعليمهما اللغة العربية وحفظ ما تيسر من القرآن الكريم، والحمد لله نجحت في ذلك. أما التحدّي الثالث فكان يتعلّق بأسلوب العيش في بيئة مختلفة والحرص على هويتي من الذوبان، لذا أؤكد أن حياتي مليئة بالتحديات، وهذا يُشعرني بالسعادة، ففي اعتقادي أن الحياة مملة ولا قيمة لها إذا كانت بلا أهداف يعمل الإنسان على تحقيقها، أو تحديات يسعى للتغلب عليها .
- ما الذي دفعك للانضمام الى مؤسسة «مصر الخير»؟
مؤسسة «مصر الخير» وسواها من المؤسسات التي لها أنشطة إنسانية وتطوعية، تنعم بالبركة والخير بكل ما تحمل الكلمة من معانٍ. وأنا رئيس قطاع تنمية الموارد، ومسؤولة عن جمع التبرعات وتشجيع أهل الخير على العطاء، وذلك من خلال الثقة في أنشطتنا المتنوعة، فمثلاً عندنا أكثر من 175 مشروعاً على الأرض، وأنا فخورة بالعمل في هذه المؤسسة، وأتعلم من أعضائها الكثير، وعلى رأسهم الدكتور علي جمعة، مفتي مصر الأسبق ورئيس المؤسسة، وغيره من القيادات الذين أكتسب منهم المزيد من الخبرات.
- كيف تكون المرأة قيادية ناجحة مثلك، خاصة أن لك الكثير من المحاضرات النظرية، إضافة إلى الواقع العملي في تلك القضية؟
هناك نوعان من القيادة، إما أن تكون موهبة ومنحة من الله للإنسان وتحتاج إلى تنمية بالعلم والثقافة والتواضع والخبرة وتجارب الحياة، أو يكون الإنسان بلا موهبة قيادية فيحاول اكتسابها وصنعها، وهذا أمر صعب يحتاج إلى جهد وصبر ومثابرة. حب القيادة بالفطرة يسهّل الطريق كثيراً، كأن ترى مثلاً في تجمعات الأطفال طفلاً يتمتع بالشخصية القيادية بالفطرة ويلعب دور القائد لهم، لكن يأتي دور الإنسان هنا في توجيه هذه الموهبة إلى الطريق الصحيح، ليستفيد من موهبته ويفيد المجتمع، وعلى المرأة اكتشاف موهبتها وصقلها بالعلم والدراسة والخبرة، حتى تكون قيادية ناجحة في المجتمع عامة، ولبنات جنسها خاصة.
- يحاول الاتحاد ربط الرياضة بالفن والإبداع بكل أشكاله، فكيف له ذلك؟
على الرغم من أن الاتحاد متخصص في المجال الرياضي، إلا أننا نعمل في خدمة فئة المعوقين ذهنياً في كل المجالات والأنشطة، فمثلاً نظّمنا عدداً من الفعاليات الفنية؛ لأننا نشعر أننا مسؤولون كلياً عن أطفالنا ذوي الإعاقة، ورعاية الموهوبين منهم في كل المجالات، وليس الرياضة فقط، وعندنا مواهب فنية تم اكتشافها من خلال التواصل مع نجوم الفن الذين يتعاونون معنا ويحضرون فعالياتنا ويحتضنون مواهبنا، وشارك بعضهم في أعمال درامية، ولهذا أعتبر التفاني في خدمتهم هو هدفي في الحياة، وأسعد لحظات عمري هي التي أمضيها مع أولادي هؤلاء وأرى البسمة على وجوههم.
- منح الاتحاد لقب «سفير» لبعض الفنانين، فما هي فلسفتكم في ذلك؟
أؤمن بأن للفن دوراً كبيراً في توجيه المجتمع وشحذ الهمم تجاه أي قضية، ولهذا نتعاون من خلال الاتحاد مع الكثير من الفنانين والفنانات، ويحضر العشرات منهم كل فعالياتنا، وقد منحنا لقب «سفير» للاتحاد لكل من الفنان عمرو يوسف والفنانة أنغام، ولن نتوقف عن منح هذا اللقب لكل من يشاركنا في تسليط الضوء على القضية، لأن الفن هو القوة الناعمة في مصر، وعندما نستعين بفنانة أو فنان محبوب وله تاريخ مشرّف، فإن هذا يساعد بلا شك في إلقاء الضوء علينا، وعلى عملنا وعلى قضيتنا.
- ما هي طموحاتك المستقبلية في ما يتعلق بخدمة ذوي الإعاقة؟
أطمح أن يجد كل طفل من ذوي الإعاقة فرصة للعيش الكريم من العمل والزواج والتقبّل المجتمعي والتدخل المبكر والحصول على دعم الدولة، وأتمنى أن تتبدّد نظرة المجتمع الدونية إلى أبنائنا المعوقين، وأرغب بأن يعلم الجميع أن هؤلاء قادرون على تحقيق النجاح، وبينهم مواهب لا بد من اكتشافها، وأتمنى أن تتم مراعاة أصحاب الإعاقة الحركية، في الطرق والمواصلات والمباني الحكومية والأماكن العامة والمستشفيات والمرافق السياحية.
- ما أهم الإنجازات التي حققتها من خلال الاتحاد؟
كان الاتحاد الرياضي المصري لذوي الإعاقة الذهنية سبّاقاً في تطبيق نظام «فصل الإعاقات»، بمعنى تصنيف أنواع الإعاقة والعمل مع كل نوع على حدة. وأفخر بأن الاتحاد الدولي أخذ بهذا النظام وبدأ تطبيقه منذ العام الماضي، مما أدى إلى نشر العدل والإنصاف بين ذوي الإعاقات المختلفة، وكانت بطولة العالم في إيطاليا أول بطولة يشارك فيها الاتحاد المصري، وحصلنا على ميداليات فضية وبرونزية في تنس الطاولة، كما أحرزنا مراكز متقدّمة جداً في السباحة، وفي عام 2017 حصلنا على أول ميدالية ذهبية في بطولة العالم للسباحة في المكسيك، بجهود السبّاحة مريم طارق. ورغم أن عمر الاتحاد لا يتعدى السنوات الأربع، إلا أننا استطعنا خلالها تحقيق إنجازات هائلة، والفوز بست بطولات عالمية.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024