الخشب صديق البيئة: سيد النبلاء... ونجم الأمكنة!
تصنيف الخشب لا يستدعي مراجعة تاريخ الحضارات الإنسانية فقط، بل استحضار دوره وأهميته في صيانة الوجود الإنساني وحمايته ودرء المخاطر التي تتهدده، وأيضاً مساهمته في صوغ مفاهيم الرفاهية وتأسيس قيمها الجمالية والوظيفية، منذ حالاتها البدائية وصولاً الى المرحلة الراهنة... على أن مثل هذا الأمر لا طائل منه، طالما تتفق كل الآراء على إدراج الخشب على قائمة المواد النبيلة. وبالإضافة الى أهميته البيئية المتعاظمة، فإن مزاياه العديدة الأخرى تؤهله وبجدارة لكي يحتل رأس القائمة...
ولعل المدهش حقاً في خواصه الفريدة، أنها تكاد تكون عابرة للمراحل والحقب. فهو لا يزال يحتل الصدارة – مطلع القرن الواحد والعشرين – وفي أكثر أماكن الحداثة تطرفاً. بل إن دوره في رفد الأماكن بملامح فريدة، يجعله القاسم المشترك بين كل التيارات الزخرفية بأساليبها المتنوعة ومدارسها المتعددة. فطواعيته اللامتناهية وتقديماته في مجالات تفصيلية لا تقف عند حدود الملمس واللون، بل تتعدى ذلك الى قابليته المتفردة في التزاوج مع المواد الأخرى، نبيلة كانت أو مصنّعة، فهو في كل الحالات يمنح كل المواد التي يقترن بها ألقاً خاصاً من دون أن يفقد حضوره المستقل والجذاب.
ولا شك في أن التقنيات الحديثة قد ساهمت في كشف الكثير من أسراره، فإذا به يبرز عنصراً أساسياً من عناصر الأناقة، ومصدراً مهماً لتأمين أجواء الراحة، بالإضافة الى ما يوفره للأجواء الداخلية من شاعرية ودفء لا يمكن حيازتهما عبر مواد أخرى.
إنه بديع في كل حالاته: الخام أو المصقول، البدائي أو المشغول، الطبيعي أو الملون. لذا فهو لا يزال حتى الآن – في عالم الديكور - المادة الأكثر طلباً بين المواد الطبيعية الأخرى، بل هو ملهم المبدعين من المصممين، يستثمرون مخيلاتهم في تشكيلاته ومراتبه وأنواعه التي تشكل ينبوعاً غزيراً للتصورات والرؤى الزخرفية بكل مقاماتها.
في الأثاث، لا يزال الخشب المصدر الأول للفخامة والجمال. وفي الهياكل الزخرفية، يكاد يكون فريداً في مزاياه المؤكدة، ليس كعازل طبيعي للحرارة والبرودة والأصوات فقط، وإنما لقدرته العجيبة على تلبية كل احتياجات الأجواء الزخرفية المتنوعة. فقابليته للأجواء الريفية لا تقل عنها للأجواء المعاصرة... وتناغمه مع الجلد لا يقل عنه مع المعادن. غير أن اللائحة تطول حين نعدد مميزاته وجمالياته الى جانب الزجاج والرخام، وصولاً الى الأحجار بكل استخداماتها.
إن الصياغات البارعة في مجال الأثاث والأكسسوارات، فتحت أمام الخشب مساحات وأمكنة جديدة، في الداخل والخارج، وجعلته أليفاً لكل طرزها، كلاسيكية تقليدية أو حديثة معاصرة، جدية رصينة أو جريئة لا تخلو من الطرافة.
كل هذا جعله علامة فارقة في مجالات التصميم الداخلي والديزاين...
إن إعجاب المصممين بالخشب وتقديرهم له، قد دفعاهم للتعامل معه في كل مراحل العمل الزخرفي. وإذا كان الأثاث والأكسسوار يشكّلان ميداناً مفتوحاً لاستعراض الإبداعات التي ترتكز على الخشب، فإن تمدده واتساع استخداماته لا يتوقفان عند حد. فهو على الأرض وفوق الجدران وتحت الأسقف. وفي كل مكان يتواجد فيه الخشب، تتجدد قيمته وتتسع دوائر أهميته حتى يرتقي في أحيان كثيرة الى مصاف التحف الفنية، بنقاء خطوطه وسلاسة تشكيلاته.
بالطبع ثمة «محاذير» إذا جاز التعبير لا تمس الخشب نفسه كمادة، ولكن تمس طرق استخدامه ومواطنها... ذلك أن المبالغة في التوسع باستخدام الخشب، من دون التقيّد ببعض المعايير - الجمالية والعملية – الضرورية، يمكن أن تولّد آثاراً سلبية. فمعرفة أنواع الخشب وطرق معالجته للداخل والخارج وحسن الاختيار والدقة، من شأنها أن توفر للعمل الزخرفي ضمانة أكيدة للحصول على أفضل تقديمات الخشب. كذلك، فإن متطلبات الصيانة الدورية، تمنح الخشب مقاومة ملحوظة وتطيل من عمره، وتحافظ على رونقه في الداخل والخارج.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024