فاطمة عمر الأيقونة العربية العالمية في رفع الأثقال: أُصبت بالإحباط في طفولتي وقهرت اليأس بالرياضة
«المرأة الذهبية»، «المرأة الحديدية»، «أيقونة رفع الأثقال»، «أقوى امرأة في العالم»... كلها ألقاب أطلقها الإعلام والرياضيون على فاطمة عمر، أول امرأة في التاريخ الأولمبي للعبة رفع الأثقال تحصل على خمس ميداليات، منها أربع ذهبيات متتالية في أربعة أولمبياد متتالية، سواء على مستوى الأسوياء أو ذوي الإعاقة، ليتخطّى عدد ما حازته من ميداليات الـ 30 ميدالية دولية في مختلف البطولات، وهي تستعد حالياً لحصد المزيد من البطولات، فكيف استطاعت تحقيق هذه الإنجازات؟ هذا ما تكشفه في حوارها مع «لها».
- في البداية نود أن تقدّمي نفسك للقرّاء.
أنا فاطمة عمر محمد، من حسن الأقدار أنني وُلدت في 6 تشرين الأول/أكتوبر من عام 1973، أي يوم الانتصار العظيم للجيوش العربية على إسرائيل، وكأنني تشرّبت من الميلاد في هذا اليوم الإرادة الصلبة وحب التفوق منذ الصغر، فقد أجبرتني الإعاقة بشلل الأطفال على المشي على يديّ بسبب الضعف الشديد في ساقيّ وعدم قدرتي على الوقوف، وقد أدى هذا إلى نمو عضلات قوية في اليدين، وبدأت ممارسة رياضة رفع الأثقال في سن متأخرة، وتحديداً في عمر 19 سنة، واستطعت الحصول على بطولات كثيرة محلية، ثم انطلقت إلى العالمية وأصبحت أول لاعبة في تاريخ بطولات رفع الأثقال تشارك في 4 دورات بارالمبية متتالية، وتنجح في حصد أربع ميداليات ذهبية في أولمبياد سيدني 2000 وأثينا 2004 وبكين 2008 ولندن 2012، وواحدة فضية في البرازيل، وتم اختياري كأفضل لاعبة في أكثر من بطولة في سجلات اللجنة البارالمبية الدولية، وكسرت العديد من الأرقام، وحققت أرقاماً عالمية باسمي في وزن 56 كلغ، حيث تمكنت من رفع 142 كلغ متقدمةً بذلك على كل لاعبات العالم، كما أحرزت الميدالية الفضية في دمج ميزانَي 55 و65 كلغ، وحطّمت الرقم العالمي من جديد في ميزان 61 كلغ مرتين بواقع 134 و141 لوزن الأثقال البارالمبية في دورة الألعاب الأفريقية في الكونغو عام 2015. وحصلت أيضاً على ميدالية في وزن 69 كلغ، ورفعت 144 كلغ، كذلك فزت بالميدالية الذهبية لوزن يقلّ عن 61 كلغ في بطولة كأس العالم لرفع الأثقال البارالمبي في ماليزيا، وتمكنت من رفع وزن يعادل 126 كلغ، لأحقق النجاح كأحد أبرز الرياضيين في تاريخ اللعبة.
- استطعت حصد أول ميدالية ذهبية في بطولة الجمهورية بعد خمسة عشر يوماً فقط من التدريب، فمن ساعدك في تحقيق هذا الإنجاز البطولي غير المسبوق خلال أسبوعين من بدء اللعب والتدريب؟
الفضل لله أولاً وأخيراً، ثم لأسرتي، وعلى رأسهم أبي وأمي اللذان وفّرا لي الوقت وشجّعاني بكل الطرق، رغم أننا ستة أشقاء، وأنا البنت الوحيدة، وجميعهم أصحاء باستثنائي أنا، كما أن لي أخاً فقد بصره في سن كبيرة وليس في الطفولة، إضافة إلى المدربين الذين اكتشفوا موهبتي واستطاعوا صقلها في هذا الوقت القياسي، وجعلوني أدرك أهمية الرياضة والالتزام بكل الضوابط في التدريب للوصول إلى أعلى المستويات.
- ما هو دور زوجك في نجاحك؟
تعرفت إلى زوجي عبد النبي محمود، وهو لاعب رفع أثقال مثلي، وحقق بطولات عدة على المستوى المحلي. وإذا كنت قد حققت نجاحاً في مسيرتي، فإن الفضل الأول بعد الله يعود الى زوجي، الذي كان خير داعم ومشجع لي منذ زواجنا إلى اليوم، وأنا أهديه هذا النجاح، لأنه يستحقه فعلاً، فقد كان زوجاً مثالياً يشّجعني ويقدّر ظروف سفري الى الخارج وبقائي في المعسكرات الداخلية أسابيع وشهوراً، يقوم خلالها بدور الأب والأم لابنتيَّ شهد وليلى، ويحفّزني على النجاح والتفوق، ويبثّ في نفسي الطمأنينة كي أركّز في التدريب، لأن تفوقي هو الجائزة التي ينتظرها مني، ولهذا فهو يفخر بي دائماً، وأكنّ له الحب والاحترام والتقدير.
- كيف استطعت رعاية ابنتيك في سن مبكرة وتحقيق البطولات؟
كنت أحرص دائماً على عدم التقصير في رعاية ابنتيَّ حين كانتا طفلتين صغيرتين، وأصطحبهما معي الى معسكرات التدريب، وكنت أنظّم الوقت في رعايتهما مع زميلاتي، بحيث يتناوبن على حمل ابنتيَّ في أثناء تمريني، وفي الليل ابتعد بهما عن غرف النوم حتى لا يُقلق بكاؤهما أحداً، وأنتظر حتى تناما ومن ثم أخلد إلى النوم، ولا يمكن أن أنكر دور أهلي وزوجي في رعاية ابنتيَّ عندما كبرتا قليلاً واستطاعتا الاعتماد على نفسيهما إلى حد ما، فطريق البطولة تحمّل الجميع ثمنه، سواء زوجي أو ابنتيَّ أو أسرتي.
- هل تحلمين بأن تمارس ابنتاك الرياضة مثلك وتحققا بطولات عالمية؟
بصراحة، ابنتاي لا تملكان الموهبة والإرادة مثلي في هذا المجال، لكنهما متفوقتان في دراستهما، ولهما هوايات أخرى غير الرياضة، وأنا أساعدهما في تحقيق أحلامهما من خلال مواصلتهما التعليم الذي هو سلاح المرأة في عصرنا، ولا يمكنني إجبارهما على ممارسة الرياضة باحتراف مثلي ما لم تملكا الرغبة الحقيقية والإرادة القوية لذلك، وبعيداً من اللعب أنا أمٌّ في غاية العطف والحنان.
- هل تسرّب اليأس أو الإحباط إليك في أي مرحلة من حياتك؟
الحمد لله، أنا متفائلة بطبعي، ولكن حين كنت طالبة صغيرة في المدرسة، أُصبت للحظة بالإحباط، فشعرت كأنني وحيدة ومنبوذة، وهذا الشعور ناجم عمّن حولي، وخصوصاً المدرّسين، فقد كانوا يحاولون مساعدتي لكنهم كانوا يؤذونني من دون أن يشعروا. على سبيل المثال، عندما يرنّ جرس الانصراف، كانت الناظرة في المدرسة تصرفني قبل الطلاب بربع ساعة، خوفاً عليّ من الوقوع في أثناء نزولهم، وكذلك في حصة الألعاب الرياضية كنت أجلس بمفردي لخوف المدرّسين عليَّ من التعب... كل هذا كان عبئاً يجثم على صدري، ولطالما تمنيت أن أندمج مع الطلاب وأُعامَل مثلهم، وألاّ أُعزل عنهم، فهذه أبسط الحقوق في الحياة، ولكن الإحباط كان عابراً، بحيث انطلقت في مسيرة النجاح في الرياضة بعد حصولي على دبلوم في التجارة، وأنا اليوم موظفة في الشركة المصرية للاتصالات.
- ما رأيك بنظرة المجتمعات العربية إلى ذوي الإعاقة؟
يؤسفني القول إنها سلبية أو دونية، سواء بالنظر إليهم بعين الشفقة ووصمهم بالعجز عن إثبات وجودهم وتحقيق النجاح في الحياة مثل الأصحاء تماماً، إن لم يزد، والنماذج على ذلك عبر التاريخ كثيرة، ولهذا لا بد من النظر الى المعوق بصفته من ذوي القدرات الخاصة وينبغي رعايته واكتشاف مواهبه ليكون مصدر فخر لأسرته ومجتمعه ووطنه، وليس مجرد «تكملة عدد» أو عالة على أحد، ولهذا لا بد من تغيير هذه الصورة الذهنية السلبية الشائعة عن الإعاقة، لأنها صورة وهمية ومغلوطة.
- كيف يتم تغيير هذه الصورة الذهنية السلبية عن المعوقين عامة والفتيات منهم خاصة باعتبارهن الطرف الأضعف الذي يتحمّل الآثار السلبية لهذه النظرة المدمّرة نفسياً؟
إن فكرة المجتمع الخاطئة عن اﻹعاقة قديمة ومترسخة في الأذهان، وهذه الفكرة الخاطئة لا تعني القسوة على المعوقين كما قد يفهم البعض، ولكن قد يؤذينا الأداء العاطفي الخاطئ والمبالغة في الخوف في كثير من الأحيان فنشعر بالحرج والنقص بشكل لا يقل عن القسوة وعدم الرحمة، ولهذا من الضروري أن نُعامل كأي شخص عادي، لأن الله منحنا قدرات خاصة يفتقر إليها الأصحاء... إنه العدل الإلهي، ولهذا لا بد لتغيير هذه النظرة السلبية من أن يبدأ بالتنشئة الأسرية ووسائل الإعلام والتعليم والتربية والثقافة، فضلاً عن اهتمام الدولة بكل المعوقين، وتأمين سبل الحياة الكريمة والمريحة لهم.
- ماذا أضافت الرياضة إلى شخصيتك؟
أثّرت الرياضة كثيراً في تكويني الفكري والعقلي وليس البدني فقط، ولا أبالغ إذا قلت إنها غيّرت نظرتي الى الحياة وجعلتني أكثر إقبالاً عليها وحبّاً لها وإحساساً بالآخرين والسعي لمساعدتهم، ومساندة الأجيال الجديدة لقهر الصعاب وتحقيق طموحاتهم، وأنه لا بد من أن يكون لكل إنسان هدف في الحياة يسعى الى تحقيقه، وأنا شخصياً هدفي وطموحي في الحياة لا حدود لهما، وأسعى لحصد المزيد من الميداليات البارالمبية، سواء في طوكيو 2020، قبلها أو بعدها.
- ثمة شكوى من غياب التقدير اللائق لذوي القدرات الخاصة الذين حققوا بطولات عالمية تفوق في الأهمية الألعاب التي يهتم بها الإعلام مثل كرة القدم، هل هذه حقيقة أم مبالغة؟
للأسف، هذه حقيقة بحيث تنفق الدول ملايين الدولارات على فرق كرة القدم لمجرد الوصول إلى تصفيات كأس العالم، ويحتفي بهم الإعلام ليلاً ونهاراً حتى لو كانت المحصّلة النهائية «صفراً»، أما نحن فنحصل على بطولات العالم وميداليات ذهبية ونحطّم أرقاماً عالمية ونرفع راية الدول العربية في المحافل الدولية، ومع هذا يتجاهلنا الإعلام وتبخل علينا الدول في الأموال، حتى أنه ليست هناك مساواة بيننا وبين الأصحاء الذين يمارسون اللعبة نفسها في المقابل المادي، ولهذا أطالب الدولة والإعلام بالاهتمام بذوي القدرات الخاصة مادياً ومعنوياً، فنحن أبطال نتفوق على فرق جماعية يُنفَق عليها أكثر منا مائة مرة.
- لماذا لا تطالبون بمساواتكم بالأصحاء الذين يحققون مثل إنجازاتكم في اللعبة نفسها؟
إلى وقت قريب كنا نحصل على أقل من ثلث ما يحصل عليه الأصحاء. وفي ظل تظلّمنا المستمر، عملوا أخيراً على مساواتنا بهم ودياً وليس بقانون ملزم، وبالتالي يمكن أن تُلغى تلك المساواة تحت أي سبب، إلا أن الفوارق في نفقات المعسكرات والسفر ما زالت موجودة، رغم أننا ننفق الكثير في تنقلاتنا بسبب ظروفنا الصحية، ومع هذا فنحن نطالب بالمساواة التامة من خلال قوانين ملزمة وليس وفق المزاج.
- ماذا عن تهنئة اللاعب الدولي المصري محمد صلاح لك؟
أنا فخورة بهذا اللاعب العربي المصري، الذي استطاع أن يقدم نموذجاً عملياً للاعب الذي يجمع بين الأخلاق والتفوق الرياضي، وساهم في تصحيح صورة العرب والمسلمين في العالم، أما قصة تهنئته لي فحدثت عام 2016، حيث كان وقتها نجم فريق روما الإيطالي والمنتخب الوطني... حققنا العديد من الميداليات البارالمبية، في دورة ريو دى جانيرو في البرازيل، وحصلت على فضية في رفع الأثقال، رغم أنني كنت أستحق الذهبية لولا خطأ في الإجراءات التحكيمية والفنية أدى الى حرماني منها، ولهذا كنت أبكي بحرقة، ليس فرحاً بالميدالية الفضية ولكن لفقدي الذهبية التي كنت أستحقها عن جدارة بشهادة الجميع، وكتب صلاح عبر حسابه الشخصي على موقع «تويتر»: «ميداليتان جديدتان لمصر في الأولمبياد... ألف مبروك فاطمة عمر ومحمد مصطفى فتح الله».
- في مسيرة كل إنسان طرائف فيها العبرة وعندما يتذكرها يضحك في سرّه... فما أهم طرفة في حياتك؟
في بداية ممارستي لرياضة رفع الأثقال كان وزني يعادل 39 كيلوغراماً فقط، واخترت ممارسة هذه اللعبة الصعبة التي تحتاج الى قوة بدنية، فسخر مني المدرب لاختياري هذه اللعبة التي لا تتناسب مع وزني هذا، فأعطاني فرصة لزيادة وزني بسرعة وهو يعلم أن هذا صعب جداً، لكنني أبهرته بأدائي المميز، ورفعت وزني في زمن قياسي، لتصبح نظرات الاستغراب نظرات إعجاب، فشجعني بعد أن أدرك أنني لا أعرف المستحيل، وبعد أسبوعين فقط على بدء ممارستي للعبة فزت بالمركز الأول في بطولة الجمهورية لرفع الأثقال، وبعدها قرر الاتحاد العالمي للعبة ولأول مرة تنظيم بطولات تشارك فيها السيدات، وكان هذا القرار حافزاً جديداً لي للصعود الى منصات التتويج العالمية، وحققت فوزي الدولي الأول عندما شاركت في بطولة أوروبا المفتوحة.
- ما هو حلمك العام؟
أحلم بإنشاء قناة تلفزيونية للمعوقين تهتم بشؤونهم وتتابع أحوالهم، وتلقي الضوء على بطولاتهم وتسعى لحلّ مشكلاتهم والتأكيد أنهم أصحاب إنجازات، مما يساهم في دمجهم في المجتمع ومساواتهم بالأصحّاء.
- ما الدرس المستفاد من تجربتك؟
لا يمكن الإعاقة أن تعرقل تحقيق الحلم مهما كان، ولا بد من إثبات الذات، ونجاح الإنسان في الوصول الى هدفه يتوقف على قدر إيمانه وحبّه لما يحلم به.
- ما هي نقطة التحول في حياتك؟
نقاط التحول في حياتي كثيرة، ومنها على سبيل المثال أنني عندما ذهبت يوماً وأنا طفلة إلى أحد مستشفيات شلل الأطفال، وجدت حالات أكثر سوءاً من حالتي. شعرت وقتها أنني لست وحدي من أعاني، وتخلصت من كل عقدي النفسية وشعرت بالرضا، رغم فشل العديد من العمليات الجراحية التي خضعت لها، وبعدها تعرفت على «نادي ياسمينا» من طريق أصدقائي في المستشفى، وذهبت إليه فعلاً لأنه نادٍ للمعوقين، ذلك لكي أخرج من عالم العزلة إلى عالم التحدي والإصرار، فتعرفت على الألعاب الموجودة في النادي، واخترت لعبة رفع الأثقال، لأنني شعرت بضرورة تحويل ضعفي إلى طاقة إيجابية، وحدّثت والدي (رحمه الله) بالأمر فاعترض خوفاً عليَّ من الحديد، وقلت له حينها «دعني أجرّب... وإذا فشلت سأقعد في المنزل»، فاقتنع ووافق وحفّزني، أما والدتي فرفضت خوفاً من نظرة المجتمع، وهي تتساءل: «كيف سترفع بنت معوقة الحديد؟!»، لكنها سرعان ما اقتنعت وشجعتني على ذلك.
- ما قصة اتّهامك بتعاطي أدوية منشطة والتي حصلت فيها على البراءة؟
صدر قرار من اللجنة البارالمبية الدولية بإيقافي عامين بناءً على علاج خاطئ للسيدات تناولته خلال مشاركتي في إحدى البطولات.
وفي إطار التنسيق المشترك بين وزارة الرياضة المصرية واللجنة البارالمبية المصرية لحل المشكلة، أُرسل خطاب إلى المحكمة الرياضية الدولية في سويسرا للتظلّم والاستئناف والطعن بالقرار الصادر من اللجنة البارالمبية الدولية، وتم تكليف أحد المحامين من ذوي الخبرة الدولية في هذا المجال بمتابعة الملف والمرافعة عني لرفع العقوبة، وأنصفتني المحكمة الرياضية وأصدرت حكماً ببراءتي بعد أن تم إيقافي لسنة واحدة، فعدت أكثر قوةً الى صالات رفع الأثقال، وواصلت حصد الميداليات الدولية بكل أنواعها. وأكثر ما أسعدني في تلك الأزمة، تأسيس مجموعة من النشطاء على «فايسبوك» صفحة لدعمي تحت اسم «كلنا فاطمة عمر».
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024