تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

ريما خشيش

شعرت بالخجل حين لم أعرف المطربة اللبنانيّة وداد. لكنني أدركت لاحقاً أن لا تسجيلات لوداد قد يقع نظري عليها وأنا أختار أسطوانة لإديث بياف أو داليدا أو برونو مارس أو عمرو دياب أو نجوى كرم أو هيفاء وهبي ... أما ريما خشيش فبات لها تسجيل رابع ورائع هو «من سحر عيونك»، رغم صعوبة الإنتاج التي تواجهها جراء خيارها رحلة «قطار الشرق» التي تعزف سيّد درويش ... من عام 1953 حتى 1966، اختارت ريما 11 أغنية من تسعة أفلام سينمائية أشرقت فيها صباح بصوتها الذي تألقت به كلمات صلاح جاهين وميشال طعمة وألحان فليمون وهبة وسيّد مكاوي وفريد الأطرش ومحمد عبد الوهاب والأخوين الرحباني... رحلوا جميعاً وبقيت صباح مشرقة يستعيدها نجوم البوب والطرب.
هذا الأخير الذي يعذّب ريما بعذوبة أدواره وموشحاته. حوار مع ريما التي اكتشفت معها أن أغنية «بتندم» الذائعة الصيت هي لوداد التي سألتها مقدمة برامج جميلة قبل رحيلها : ما سر تعاونك مع سامي الطويل؟».
فصحّحت لها وداد متسائلة: «تقصدين سامي الصيداوي؟». حوار مع ريما خشيش.


ثمّة «صباح» معيّنة ومفقودة تليق بي

- لمَ صباح اليوم؟
صباح حاضرة معي على المسرح منذ زمن عبر أغنية أو أغنيتين. أؤدي على الدوام أغنياتها لكنني قرّرت تسجيل الحفلة التي أحييتها خلال «مهرجان ربيع بيروت» (مؤسسة سمير قصير) بدورته الثالثة في الجامعة الأميركية في بيروت (AUB).
وهذه الحفلة سبق أن قدّمتها في مهرجان دبي السينمائي الدولي عام 2010. طلب مني أن أوجّه تحية إلى صباح، وكون المهرجان سينمائياً وقع اختياري على أعمالها في الأفلام الغنائية. وقد تطلب ذلك وقتاً خصوصاً أن لصباح كماً هائلاً من الأفلام، هي ممثلة مهمة.

- لم اخترت التسجيل الحيْ للألبوم؟
لو أنني دخلت إلى الاستديو لما سجّلت صباح. كما أنني أردت توثيق أجواء الحفلة و11 أغنية صفّق لها الجمهور بحرارة.

- كيف تمّ اختيار الأغاني التي تضمّنها ألبوم «من سحر عيونو»؟
لا تشبهني كل أغاني صباح. ثمّة «صباح» معينة تليق بي. هي أغانٍ أحبها، وبوسعي أن أتخيّل نفسي أؤديها بكل بساطة. من «من سحر عيونك ياه» حتى الأغاني المفقودة وغير الموجودة في السوق.


لا أسطوانة موسيقية للفنانة وداد في السوق وهذا معيب

- هل يُعقل ألا نجد أسطوانة موسيقيّة لوداد؟
هذا دليل على أن التراث اللبناني مُهمل. مثلاً وداد هي مطربة لبنانية ولكن لا يوجد لها أسطوانة واحدة تحمل اسمها في السوق رغم أنها فنانة رائعة، منتسبة إلى الإذاعة اللبنانية ومن أعمدة الأغنية اللبنانية.
قد تجدين لها أغنية باسم الموسيقي توفيق الباشا ضمن أسطوانة جامعة. لا يمكن أن تجدي أسطوانة موسيقية لها بالكامل. هذا معيب.
يخسر جيل اليوم قيمة فنية اسمها وداد، لم يسمعوها ولم يتقدّم لهم فنها. في لبنان فنانون مهمون لم يوفهم أحد حقّهم. صباح وضعها أفضل بكثير لأن في أرشيفها عدداً هائلاً من الأغنيات.

- ما هو الإطار الموسيقي الذي استعاد أعمال صباح؟
لم أعِدْ توزيع أغاني صباح بل قدّمتها كما هي مع آلات شرقية. ولو أنني دخلت مشروع إعادة التوزيع ما كنت لأؤدي أغاني صباح.
أحب هذه الأغاني ولذلك جمعتها في أسطوانة، وهذه أول مرة أقدم فيها الطرب الشعبي، فأنا آتية من عالم الموشحات والقصائد والأدوار، أي الطرب الكلاسيكي.

- أي تجربة استحقت استعادة صباح؟
كثر هم من غنوا لصباح. لم أتمكّن من حضور الفنانة رويدا عطية في بيت الدين حيث أدت تحية إلى صباح، كنت خارج لبنان. أما الفنانة رولا سعد فشاهدت أغنيتها المصوّرة «المجوز الله يزيدو»، أدت لون صباح الذي يشبهها والمناسب لنجمة بوب.

- أي أن الغناء للكبار كلّ بأسلوبه مقبول فنياً؟
هذا واقع تعيشه الموسيقى في العالم، إعادة تقديم التراث الذي يشكّل إضافة إلى الفنان. وهذا على صعيدي الكلمة واللحن، أظن أنه من الصعب ولادة أغنية ناجحة اليوم وبمستوى مهم.
لذلك العودة للقيمة الكبيرة المطبوعة في الذاكرة هي الضمانة التي تُسهل على الفنان الوصول إلى الجمهور أيضاً. لكن هذه العودة هي سيف ذو حدين، لأنها قد توقع الفنان في فخ المقارنة علاوة على إلحاق الضرر بالأغنية. يجب على العودة أن تكون نابعة من قرار واثق جداً.

- هل خفت المقارنة؟
أبداً، لأنني لم أحاول تقليد صباح بل أديت بإحساسي وأسلوبي. وهذا ما أفعله منذ بدأت أداء التراث.
منفتحة على كل الاحتمالات الموسيقية حتى توزيع موشّح على البيانو

- في صوتك تعبير عميق وجمال دون استعراض ... متى «سترفعين صوتك»؟
الصوت ليس «عرض عضلات» بل إيصال الإحساس الى النفس أولاً، ثم المستمع. عليّ أن أكون سعيدة بما أؤديه أولاً. نحن نعيش في عصر «من يرفع صوته أكثر» ومن يكثر العُرب في صوته أكثر.
لقد تربيت على أغاني عبد الوهاب وأم كلثوم وزكريا أحمد، هم أرباب الفن ورغم ذلك لم يستعرضوا أصواتهم. لم تحاول أم كلثوم أبداً استعراض قوة صوتها. علّمت أسس الغناء 12 عاماً في المعهد الموسيقي للغناء.
وأردّد على مسامع تلاميذي أن الغناء مقدرة وذوق، وغياب الذوق يقضي على الموهبة. هذا ما علمني إياه الكبار.

- لذلك لا تخرجين من عباءتهم؟
بدأت منذ الصغر بأداء أعمال الكبار، أعمالي الخاصة نسبتها أقل.

- من أول من استعدت أعماله؟
أديت الأدوار الغنائية لأم كلثوم، خصوصاً ألحان الشيخ زكريا أحمد الذي تأثرت بأعماله وكنت أختارها وتجذبني قبل أن أعرف هوية الملحن. ثم أديت الموشحات وعبد الوهاب وفيروز ووداد ...

- أي أغنية تحبينها لوداد؟
«يا ناعم» ألحان سامي الصيدواي.

- كيف تنظرين إلى عصرنة المكتبة الفنية اليوم؟
أنا أشجع أي مشروع جديد طالما يدرك معنى التراث وأسلوبه أولاً. التجديد يستلزم دراسة واطلاعاً ومخزوناً فنياً، أنا منفتحة على كل الاحتمالات الموسيقية حتى توزيع موشّح على البيانو ولكن يستفزني اللفظ الرديء للكلمات. اللغة العربية مقدّسة.

- أي تجربة تجذبك؟
زياد الرحباني حين أعاد توزيع أغنية سيّد درويش «أه هو ده اللي صار» لفيروز.
لا إجماع في الفن ولم أفكر يوماً أن «لاهٍ لاهٍ تياه» موجّهة إلى طبقة معينة

- ما هي ذروة اللحظات التي تشعرك بأنك تتقدّمين عكس التيار؟
أقدّم اقتناعاتي والفن الذي أحب. اتخذت قراري وعليّ تحمّل اختياري لهذا النوع من الفن الأصعب من الأنواع الأخرى لناحية الإنتاج والإنتشار والتوزيع... مثله مثل أي خيار ثانٍ في الحياة، عليّ تحمّل عواقبه.
أنتج كل أعماله بمساعدة الأصدقاء أحياناً، ألبومي الأخير إنتاج مشترك مع صديقي المخرج أمين سليلاتي الواثق برسالتي الفنية. أشعر بهذه اللحظات على الدوام، وهذا يشعرني بالعذاب أحياناً.

- لم لمْ تحاولي الخروج من عباءة الأغنية الملتزمة؟
لقد فعلت، لم أغنّ فقط القصيدة والأدوار، مثل أغنية «حفلة ترف» و«بساط الريح» و«فلك».

- لكن هل مُستمع كلمات «لاهٍ لاهٍ تياه» موجود اليوم؟
لم أفكر يوماً أن هذه الأغاني موجّهة إلى طبقة معينة من الناس، لا إجماع في الفن.

- «قطار الشرق» فنياً إلى أي محطة سيوصل ريما؟
لا أعرف، تساوني أفكار أعمال جديدة خاصة بي وليست إعادات.

- إلى من تستمعين اليوم؟
أفضل الأغاني القديمة، أطّلع على التجارب الجديدة وأتابع الإصدارات التي لا تصب في خانة البوب أو الفن التجاري المزعج. أشعر بأن الألحان نفسها تتكرّر.

- لمَ يتوافق عليها الجمهور؟
هذا غير صحيح، الجمهور «معتر» ويستمع إلى ما يقدم إليه، وبتقديم المختلف يدرك الحقيقة.

- كيف تقوّمين ظاهرة أداء الأعمال الطربية التي تسود برامج المواهب لكن سرعان ما تتبنى الصورة التجارية للفن؟
ثمّة تنازلات لدخول السوق والتوقيع مع شركة الإنتاج التي تبحث عن المردود والربح السريع لا البصمة الفنية وشعار «الفن للفن». قد يسير المرء مع التيار أو عسكه، الحياة كلها بمثابة خيار.

- هل يمكن للأغاني التي تطبخ اليوم أن تعيش 30 عاماً وأكثر؟
لا يمكن أن يكون التعميم سلبياً مهما شمل، ثمة تجارب جديدة ناجحة قدّمتها المطربتان السورية أصالة والمصرية أنغام. وتبقى فيروز في مكان آخر خصوصاً أنها لا تزال تصدر الأعمال.

- ما رأيك في ألبوم فيروز الأخير «إيه في أمل»؟ هل استمعت إلى فيروز جديدة؟
لا تزال تشبه نفسها. كلنا نتغيّر، ولكل عمر جماله كذلك الصوت، لم يعد صوتها كما كان في الثلاثين والأربعين ولكنه لا يزال رائعاً مع نضج أكثر وإحساس أكبر. كل أغاني الألبوم رائعة.


كلمة ملكة

لم يكن يشبه سيّد درويش عصره موسيقياً
زياد الرحباني ...
أغنية «سُليمة» هي من الأغاني المميزة لأن زياد الرحباني عزف على البيانو فيها، كما أنه أشرف على «ميكساج» ألبوم «ياللّي» بالكامل. أحبه على المستويين الشخصي والفني.
«قطار الشرق»...
لا أزال في هذه الفرقة رغم تبديل الأعضاء فيها. هي عائلتي الهولندية، بعدما تركها العراقيون. نقدّم الحفلات وسجلت معهم ألبوم «فلك». سنقوم بجولة فنية ونحيي حفلة في معهد العالم العربي في فرنسا هذا الخريف.
سيّد درويش...
قدمت له «لحن الشيطان» عام 2006 و«الشيالين» عام 2008 وموشح «منيتي عز اصطباري» (ألبوم فلك). وكأن ألحان سيّد درويش ولدت اليوم. يصعب عليّ أداء دور زكريا أحمد مع فرقة غربية وآلات غربية، ساكسوفون ودرامز وكونترباص. أما سيّد درويش فكان سابقاً لعصره، لم يكن يشبه عصره موسيقياً. قدّم الأغنية القصيرة واستخدم المقامات المنسجمة مع الآلات الغربية، النهوند والكرد العجم.
أغنية رقم 12 في ألبوم «من سحر عيونك» (تضمن الألبوم 11 أغنية، «مرحبتين» و«روح على مهلك» و«أنا هنا يا ابن الحلال» و«يا كاويني يا علي» و«الغاوي» و«أحبك ياني»...) ستكون بالتأكيد «كانوا ياخدو نور عيوني» لمحمد عبد الوهاب (من فيلم «إغراء»، بطولة الفنان الراحل شكري سرحان).


ريما خشيش

السيرة الفنية

  • بدأت ريما خشيش مسيرتها الفنية في عمر الـ8 سنوات حين اشتركت في برنامج الهواة «ليالي لبنان».
  • انضمّت إلى فرقة «بيروت للموسيقى العربية» بقيادة المايسترو سليم سحاب وشاركت ك»سوليست» في حفلات الفرقة في لبنان وأوروبا والبلاد العربية.
  • حازت شهادة البكالوريوس في الفنون السمعية البصرية من الجامعة اللبنانية الأميركية وشهادة دبلوم في الغناء الشرقي من المعهد الوطني العالي للموسيقى -الكونسرفاتوار حيث درست مادة الغناء الشرقي والموشحات طوال 12 عاماً.
  • تعطي ريما خشيش دروساً في الغناء الشرقي في صيف كل عام في الولايات المتحدة الاميركية ضمن الـ Arabic Music Retreat بإدارة الموسيقي سيمون شاهين في جامعة Mount Holyoke في ولاية ماساتشوستس.
  • تدرّس مادة الموسيقى العربية في الجامعة الأميركية في بيروت والجامعة اللبنانية الأميركية.
  • عام 2001، اصدرت ريما ألبومها الأول «قطار الشرق»، وهو عبارة عن تسجيل حي لحفلة قدّمتها في هولندا مع موسيقيين هولنديين وعراقيين.
  • عام 2006، أصدرت ريما ألبومها المنفرد الأول «ياللّي». تضمّن الألبوم أغاني خاصة بالإضافة إلى الموشحات والأغاني القديمة التي أعيد توزيعها في أسلوب حديث.
  • عام 2008، صدر ألبوم «فلك» الذي تمّ تسجيله في هولندا مع عازفي جاز هولنديين. تضمّن الألبوم أغاني جديدة لريما من ألحان عصام الحاج علي وربيع مروة بالإضافة إلى أغانٍ قديمة.
  • شاركت ريما في مهرجان دبي السينمائي الدولي عام 2010 حين كرّمت صباح عبر تقديم مجموعة أغاني مختارة من 9 أفلام سينمائية، «لحن حبي» و«العتبة الخضراء» و«جوز مراتي» و«أفراح الشباب» و«الليالي الدافئة» و«إغراء» و«لبنان في الليل» و«إزاي انساك» و«المليونيرة».
  • أعيد تكريم صباح في صباح ضمن مهرجان «ربيع بيروت» الذي تنظمه «مؤسسة سمير قصير»، وتمّ تسجيل الحفلة التي صدرت في ألبوم «من سحر عيونو» أخيراً.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079