في تجربة هي الأولى من نوعها: زوج يعيد اكتشاف زوجته فنياً
بدايتها كانت تبشّر بأننا أمام فنانة موهوبة تمتلك أدواتها بإتقان كبير، فمنذ أن التحقت الفنانة فاطمة مدكور بكلية الفنون الجميلة في الإسكندرية عام 1965، ورأى أعمالها عميد الكلية آنذاك الفنان الرائد الراحل أحمد عثمان، كتب تعليقاً على رسوماتها التي نفذتها في المرحلة الثانوية: «إن أعمال الطالبة الآنسة فاطمة مدكور تؤكد أن لديها وعياً فنياً مبكراً لفنانة واعدة، وإني أعتقد أن تتجه لدراسة الحضارة والفن المصري القديم... فإلى الأمام يا فاطمة».
استمرت فاطمة في تقديم أعمالها، ولفتت الأنظار إليها لما يقرب من 29 عاماً بعد هذا التعليق، إلى أن تعرضت عام 1994 لشلل نصفي بسبب جلطة دماغية شفيت منها بعد سنوات طويلة من العلاج، لكنها توقفت تماماً عن الرسم والنحت، وبعد هذه السنوات الطويلة أراد زوجها الفنان عصمت داوستاشي، أن يعيد تقديم زوجته الفنانة فاطمة مدكور الى الساحة الفنية، فأقام لها معرضاً استعادياً لأعمالها في غاليري «ضي» بالقاهرة، وقد أبدت الفنانة سعادتها بهذا المعرض المتميز لأعمالها، لا سيما في مجال النحت.
وعن هذه التجربة يقول داوستاشي: «منذ فترة عكفت على جمع تماثيل فاطمة من مرسمها المهجور، وقمت بترميمها لعرضها في معرض استعادي للتعريف بهذه الفنانة المتميزة من جديد بعد سنوات طويلة من النسيان، فقد كانت طاقة واعدة من الإبداع منذ التحاقها بكلية الفنون الجميلة، وقد نفذت الفنانة معظم منحوتاتها بالطين الأسواني، ثم صبتها بالجبس، في حين نفذت أعمالاً أخرى بالنحت على الخشب والحجر الجيري، وقمت بصب بعض تماثيلها بخامة البرونز، كما قامت مؤخراً بتجربة فنية جديدة بتأثير أحفادها، وذلك عندما شاهدتهم يرسمون على التابلت، فأحضروا لها الجهاز ورسمت ولونت عشرات اللوحات، وكانت فرحة بهذا الإنجاز الفني، وحاولت كثيراً تشجيعها للعودة الى النحت ولم تستجب».
وعن طبيعة منحوتات مدكور وفلسفتها، يوضح داوستاشي: «تأثرت الفنانة بالنحت المصري القديم برؤية معاصرة، فحافظت على الكتلة وحركت الأطراف واختارت وجه المرأة وشعرها المتطاير محوراً لتماثيلها، واهتمت بالنحت البارز بدرجاته المختلفة في تجسيد موضوعات عن الأسرة المصرية، مستلهمة جداريات مصر القديمة».
وقد عرضت الفنانة في هذا المعرض الاستعادي مجموعة كبيرة من أعمالها، تشير فيها إلى المراحل المختلفة لتجربتها، التي بدأتها منذ أن كانت طالبة في المرحلة الثانوية، من هنا نجد لوحتها التي رسمتها عام 1964 بعنوان «فتاة في شرفة منزلها»، وذلك قبل التحاقها بكلية الفنون الجميلة، ومن المعروضات النحتية التي استعادها هذا المعرض، ما أطلقت عليه «اسكتش نحتي» من الطين الأسواني لوجه الفنان السكندري أحمد عبدالوهاب، فضلاً عن مجموعة تماثيل تحمل هذه العناوين: «المرأة المصرية»، «الحياة»، «الإنسان والأرض»، «الأسرة»، «طلة مصرية»، «رأس فتاة»، «وجوه تنظر»، «انطلاق»، و«نهضة».
وصاحبة هذا المعرض من مواليد 1946، تخرجت في كلية الفنون الجميلة عام 1970 بتقدير جيد جداً بمرتبة الشرف تخصص نحت، وشاركت في الحركة التشكيلية في العديد من المعارض الفردية والجماعية، وعملت مرممة للآثار بالمتحف اليوناني الروماني، ثم رئيس قسم الرسوم الأثرية بالإسكندرية حتى إحالتها الى المعاش في 2006.
وللفنانة فاطمة مدكور كتابان، الأول بعنوان «قراءة فنية لآثار مصر»، وهو دراسة معنية بجماليات القطع الأثرية الفنية كما عثر عليها محطمة وعوامل الزمن عليها، في حين نشرت كتابها الثاني «رحلة لا مجدية» كفصول متتابعة في أعداد مجلة «الإنسان والتطور».
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024