ريهام تستعيد حلم الأمومة بعد خضوعها لأول عملية زرع رحم تجري في لبنان والشرق الأوسط
لطالما حلمت ريهام بالأمومة تماماً كأي طفلة تنمو وتنمو معها فكرة الزواج، وأن تؤسّس عائلة وتصبح أماً. حلم ريهام رافقها سنوات إلى أن حصل ما لم يكن في الحسبان. ما حدث هدم حلمها وقضى على كل تلك الأفكار الجميلة التي عاشت من أجلها. لكن بعد أن عانت سنوات من اليأس والإحباط، حصل ما أعاد إليها الأمل فكانت أول من خضع إلى عملية زرع الرحم في لبنان والشرق الأوسط بانتظار أن يتحقق الحلم. بسعادة لا توصف ومشاعر مؤثرة، تحكي ريهام قصتها ككثيرات مثلها استعدن اليوم الأمل بتحقيق حلم أن تصبحن أمهات بفضل هذه العملية الجديدة التي تحققت بفضل تطور طبي لافت فأُجريت للمرة الأولى في مركز بلفو الطبي في بيروت وأعادت البسمة إلى وجه ريهام التي تعيش اليوم أجمل أيام حياتها.
بدت سنوات المراهقة في حياة ريهام مشابهة لتلك التي تعيشها أي فتاة شابة في مثل سنّها. كانت أيامها عادية باستثناء اختلاف لم يكن ذا أهمية في البداية، لكن شكّل لاحقاً كل الاختلاف الذي قلب حياتها رأساً على عقب. فكانت ريهام قد بلغت سن السابعة عشرة ولم تبدأ الدورة الشهرية لديها بعد كباقي رفيقاتها. صحيح أنها كانت تستغرب حالتها وتجد نفسها مختلفة عن باقي الشابات اللواتي هنّ في مثل سنها، لكن في الوقت نفسه كانت أمها تسهل عليها الأمر وتطمئنها مؤكدة لها أنها ربما تكون قد ورثت حالتها عنها لاعتبار الدورة الشهرية تأخرت لديها هي الأخرى.
عن تلك المرحلة تتحدث ريهام (26 سنة) فتقول: «بلغت سنّ السابعة عشرة من دون تبدأ الدورة الشهرية لدي. كنت أنتظر بشكل عادي وفي الوقت نفسه أستغرب لكوني مختلفة عن كل رفيقاتي. كانت أمي تطمئنني طوال الوقت وتؤكد لي أن الدورة الشهرية تأخرت لديها وربما أكون قد ورثت ذلك عنها. تقبّلت الوضع حتى أتى يوم اتخذت فيه قراراً بزيارة الطبيب، وأنا في الـ17 من عمري. على أثر الصورة الصوتية التي أجريت لي، تبين للطبيب أن رحمي هو رحم فتاة في عمر 8 سنوات وأنه لا ينمو وهي حالة نادرة في العالم، فيما تكون وظائف المبيض والهورمونات عادية. عرفت عندها أن الرحم لدي لا يكبر وقد توقف عن النمو ولا يمكن أن يتجاوب مع أي هورمونات يمكن أن أحصل عليها».
عن تلك اللحظة التي أخبر بها الطبيب ريهام بحالتها التي بدّلت كل مشاريعها وحياتها وأحلامها وعن وقعها عليها، تقول بتأثر واضح: «عشت عندها مرحلة من اليأس. كانت حالتي النفسية سيئة جداً فأنا أعشق الأطفال ولطالما حلمت بالزواج والأمومة كأي فتاة في مثل سنّي. كنت أحلم بأن أكون عروساً وأمّاً، وعندما نقل لي الطبيب هذا الخبر المفجع، تبدّدت كل أحلامي. عرفت عندها أنني لن أتمكن من تحقيق أي منها».
لكن في الوقت نفسه، وبعد أن عرفت ريهام بحالتها، قررت ألا تستسلم. زارت العديد من الأطباء ومنهم من وصف لها الهورمونات التي لم تفدها بشيء، بل جعلتها تتعب أكثر نفسياً وجسدياً. محاولات كثيرة باءت كلها بالفشل لأن حالتها لم تكن قابلة للعلاج. وتتابع ريهام: «بعد 3 سنوات، نزعت فكرة الزواج من رأسي. لم أشأ أن أظلم أحداً معي نظراً لحالتي، ولم أكن أريد أن أحرم أحداً من الإنجاب. لكنني قابلت من أصبح زوجي اليوم في عملي ولم يكن يعرف بحالتي في البداية وكان مصرّاً على مقابلة أهلي ليطلبني للزواج، لكنني كنت أرفض دائماً إلى أن أخبرت صديقتي حتى تخبره بحقيقة الأمر.
كانت ردود فعله مفاجئة، فقد أصر على الزواج بي مؤكداً أنها مشيئة الله ولا يمكن التدخل بها. حتى أن موقف أهله كان مماثلاً وطلبوني للزواج وهم يصرون على أنها مشيئة الله وأن ذلك لن يؤثر في قرارهم. أما أنا شخصياً فلم أستسلم يوماً وكنت أبحث عن حل وعلاج لحالتي من دون علم أهلي. كنت أبحث على الانترنت متمنيةً أن أجد العلاج المناسب لحالتي. في أحد الأيام قرأت عنواناً لفت انتباهي كُتب فيه: «لا عقم بعد اليوم». وبعد أن قرأت الموضوع عرفت أن د. رندة عاقوري كانت قد أجرت بحوثاً وتتحضّر لإجراء عملية زرع رحم في لبنان وتنتظر الحصول على ترخيص لها. علماً أنني كنت أعرفها منذ سنوات، لكن من دون أن أقابلها بل كنت أحدّثها عبر الهاتف فقط. وبعد أن تحدثت إليها، أكدت لي أنه ما من حل أمامي سوى زرع الرحم، لأن لا علاج لحالتي».
تشدّد ريهام على أهمية دعم زوجها لها والذي كان لها سنداً أساسياً فلم يتركها لحظة بل دعمها وساندها في كل قراراتها وفي أصعب اللحظات التي كانت تشعر فيها بحال من الضياع وتتردد حول إجراء العملية. وتضيف ريهام: «بعد أن اقتنع أهلي، حضرت إلى لبنان لإجراء العملية بعد الاتفاق مع الطبيبة. أما المتبرعة فكانت أمي. خضعنا للفحوص اللازمة وكانت الشروط كافة متوافرة والفحوص إيجابية. في المرحلة التالية تم سحب البويضات لتلقيحها من زوجي وحُفظت في المختبر حتى يتم التلقيح الاصطناعي بعد أشهر من العملية. أما عند دخولي إلى العملية فلم أكن خائفة بل قوية، وكنت فقط أتمنى أن نخرج بسلامة أنا وأمي».
أما عن مرحلة ما بعد العملية فتشير إلى أن الألم استمر ليومين استعادت بعدهما نشاطها وبدأت تتحرك بشكل عادي. وبعدها باتت تحضُر شهرياً للمتابعة وهي بصحة جيدة والعملية قد نجحت. وتضيف ريهام: «أعتبر اليوم أنني قطعت أكثر من نصف الطريق، ما تبقّى هو متابعة وفحوص حتى نبلغ مرحلة التلقيح الاصطناعي حتى أتمكن من تحقيق حلم الأمومة الذي انتظرته طويلاً. فبعد أن عشت مرحلة يأس وإحباط لم أكن أجد فيها بصيص أمل، ها قد استعدت الأمل بالأمومة وبمتابعة حياتي كأي امرأة أخرى تحلم بتأسيس عائلة. أما زوجي فهو اليوم في غاية السعادة مثلي تماماً».
الطبيب الاختصاصي بالأمراض النسائية والتوليد جوزيف عبود: العملية ناجحة وريهام اليوم امرأة أخرى مختلفة تماماً عما كانت عليه
- ما الحالات التي يمكن أن تحصل فيها مشكلات في الرحم تستدعي اللجوء إلى علمية زرع رحم؟
ثمة حالات معينة تولد فيها فتيات من دون رحم أو مهبل على الرغم من وجود مبيض يعمل بشكل عادي، وهي من الحالات التي تستدعي إجراء عملية زرع رحم. مع الإشارة إلى أن هذه الحالة تظهر عادة في سن 15 أو 16 سنة حيث لا تكون الدورة الشهرية قد بدأت بعد لدى الفتاة فتزور الطبيب وتكتشف الحالة من خلال الصورة الصوتية. كما أن هناك حالات يُستأصل فيها الرحم في سنّ مبكرة نتيجة سرطان في الرحم. في كل الحالات، من الضروري أن يعمل المبيض بشكل طبيعي حتى تكون العملية ممكنة. لذلك لا بد من إجراء الفحوص اللازمة للتأكد من القدرة على الإنجاب ومن وجود بويضات.
- هل تعتبر حالة شائعة؟
هي موجودة بمعدل 4 حالات من 100000.
- قبل إجراء العملية، ما الشروط التي لا بد من توافرها؟
الشرط الأول والأساس هو أن يعمل المبيض بشكل طبيعي. كما يجب أن تكون المرأة بصحة جيدة. تضاف إلى ذلك ضرورة توافر متبرعة مقرّبة هي أم أو أخت أو غيرهما، وأن تكون قادرة على وهب الرحم وتحمّل ظروف العملية التي تدوم حوالى 7 ساعات. وتجدر الإشارة إلى أن عملية زرع الرحم هي أكثر صعوبة للواهبة منها للمتلقية. ومن الشروط المطلوبة أيضاً، تطابق الأنسجة مع بعضها، فهي قد لا تتطابق على الرغم من علاقة القربى بين المتلقية والواهبة.
- ما الشروط الواجب توافرها لدى الواهبة؟
يجب أن تكون الواهبة بصحة جيدة، وأن يكون رحمها صحيحاً وطبيعياً. يجب ألا تكون مريضة وألاّ تعاني مشكلة صحية، إضافة إلى قدرة شرايين الرحم على تحمّل العملية، مع وجوب ألا تتخطّى المرأة المتلقية سنّ الستين.
- هل من سنّ معينة يجب ألا تتخطّاها المتلقية؟
تُعتبر سنّ ريهام مناسبة تماماً، فهي في الـ 26 من عمرها. وطبعاً، يُفضّل ألا تكون المتلقية قد تخطت سن الـ 35 حتى تزيد فرص حصول الحمل بعد إجراء عملية التلقيح الاصطناعي.
- ما الإجراءات الأساسية التي سبقت عملية ريهام؟
الإجراء الأساس كان سحب البويضات وتلقيحها ببذرة الزوج وحفظها في المختبر. علماً أنه تم سحب 10 أو 12 بويضة.
- هل تطول مدة العملية؟
تدوم العملية حوالى 7 ساعات حيث يُستأصل رحم الواهبة فيما تكون المتلقية في الغرفة الثانية... وبعد الاستئصال يُحفظ بطريقة معينة إلى أن يُزرع في المتلقية.
- ماذا عن الخطوات التي تتبع العملية؟
إثر العملية، مكثت ريهام حوالى 5 أيام في المستشفى استعادت نشاطها بعدها. لكنها في البداية وُضعت في غرفة معزولة محصّنة ضد الالتهابات وأُعطيت العلاج المخفّض للمناعة حتى لا يحصل رفض للرحم. وأسبوعياً كان يتم التأكد من أن جسمها لم يرفض الرحم. ومن المؤكد أن العملية ناجحة بنسبة 100 في المئة، وقد بدأت الدورة الشهرية لديها بشكل طبيعي. لكن لا بد من انتظار مدة 6 أشهر قبل إخضاعها للتلقيح الاصطناعي.
واللافت أن ريهام اليوم هي امرأة مختلفة تماماً عن تلك التي التقيتها قبل العملية حيث يبدو وجهها مشعّاً والسعادة واضحة في عينيها وعلى ملامحها. كما أن الدعم الكبير الذي تلقّته من زوجها وأهلها لعب دوراً أساسياً في تشجيعها على خوض هذه التجربة ومتابعتها بنجاح حتى اللحظة الأخيرة.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024