تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

هالة خيّاط: الفنون هي استثمار مادي...

قبل ثلاثمئة عام تقريباً دشّن جيمس كريستي عمله الخاص في المزادات الفنية، ومنذ ذلك الوقت أصبحت الدار البريطانية التي حملت اسمه هي الأشهر في عالم المزادات العلنية.
و«كريستيز» التي عرضت أكثر الأعمال ندرة في تاريخ المزادات تستعدّ اليوم لإطلاق أحد أهم مزاداتها الجديدة الخاصة بمجوهرات وملابس ومقتنيات اليزابيث تايلور.
وضمن معرض
Menassart Fair للفن المعاصر في بيروت، التقينا المتخصصة في شؤون الفنون المعاصرة العربية والتركية والفارسية في «كريستيز» هالة خيّاط التي حدّثتنا عن أعمال الدار ودورها في تفعيل الحركة الفنية الثقافية في ظلّ انتشار مناخ معيّن في العالم تغلب عليه السرعة والعصرية، ومساهمتها في تنشيط الثقافة العربية من خلال افتتاح مكتبها الأوّل في العالم العربي في إمارة دبي. فكان لنا هذا الحوار:


- «كريستيز» هي دار غنية عن التعريف. ولكن لمن لا يعرف توجّه هذه الدار واهتماماتها، كيف تعرفينه عليها؟
كريستيز هي الدار الرقم 1 للمزادات العلنية، وأنا لا أقول ذلك لأنني جزء منها وإنما لأنها الحقيقة.
فهي بالإضافة إلى كونها دار للمزادات لديها خدمات أخرى كالتأمين على اللوحات ومستودعات خاصة لحماية المقتنيات الأثرية واللوحات، وهناك قسم نُسميه Christie's facilities وهو الذي يختص بتخزين اللوحات ضمن الشروط والمتطلبات اللازمة أي بعيداً عن الرطوبة مع الحفاظ على حرارة معتدلة ومناسبة.
وهي بذلك تساعد الكثير من جامعي اللوحات والمقتنيات الأثرية على الحفاظ على لوحاتهم. وفضلاً عن كون «كريستيز» هي دار المزادات الأولى في العالم، فهي تملك أيضاً سوق خدمات أخرى تتعلّق بـ «تجارة الفنّ» التي تهدف بالدرجة الأولى على تعزيز قيمة الفنون وتكريسها من خلال عرضها ونشرها وبيعها.

- كم نوعاً من المزادات لديها دار «كريستيز»؟
لدينا في «كريستيز» ما يزيد عن 80 نوعاً من المزادات، منها اللوحات والفنون الإسلامية والانطباعية وفنون القرن التاسع عشر والسجاد والمجوهرات التي تسحر عيون كلّ النساء وغيرها... وهناك فكرة House Sale التي تهتم ببيع المنازل الكبيرة التي قرّر أصحابها بيعها لأسباب معينة عن طريق المزاد العلني، ونحن كدار نهتم ببيع كلّ المنزل بأثاثه وأدواته من الملعقة الصغيرة إلى أثمن شيء فيه. وهذا ما حصل مع منزل إيف سان لوران مثلاً.

- هل حصلت فعلاً «كريستيز» على حقوق بيع مجوهرات الراحلة إليزابيث تايلور عبر مزاداتها العلنية؟
هذا صحيح وسوف تبدأ الجولة في كلّ العالم مروراً بالإمارات قبل أن يتمّ المزاد في نيويورك، على الأرجح. ونحن فخورون جداً لأننا كنا مؤتمنين على هذه الثروة المهمة مادياً ومعنوياً.

- هل يمكن للمُزايد أن يُشارك في هذا المزاد العلني من دون أن يحضر شخصياً؟
بالتأكيد، فالمزاد هو عالمي وإن كانت الأعمال تُعرض في مكان واحد محدّد. فمن الممكن لأي شخص في العالم سواء يعيش في البيرو أو اليابان أو أبوظبي أن يُشارك ويُزايد من خلال أربع وسائل معروفة.
الأولى هي التقليدية المعروفة بمعنى أن يكون المُشارك حاضراً بشخصه ويُزايد علناً أمام الحضور، إمّا عن طريق المزايدة الغيابية التي تنسجم مع الأشخاص الذين لا يُريدون توريط أنفسهم، فيقومون بتحديد الرقم الأقصى مُسبقاً، فإذا كانت هناك لوحة بين 5000 و10000 دولار مثلاً فإنّه يضع 12000 كحدّ أقصى وإذا تخطّت المزايدة هذا الحدّ لا يكون المُشارك قد ورّط نفسه في تحدٍّ علني وقد يفوز بالمزايدة إذا لم تصل إلى الحدّ الذي دوّنه مُسبقاً.
والطريقة الثالثة تُناسب الأشخاص الذين اضطروا للسفر أو التغيّب مثلاً عن المزايدة فيُمكننا الإتفاق معهم والإتصال بهم لحظة المزايدة لوضعهم في الأجواء وأخذ رأيهم في ما إذا كانوا يودّون الزيادة وكسب القطعة أو اللوحة التي يريدونها.
وتبقى الوسيلة الرابعة عبر الإنترنت، وبإحدى التقنيات الحديثة في مجال الإتصال يتمكّن المُزايد من المُشاركة مباشرة في المزايدة من أي مكان في العالم وكأنّه موجود داخل الصالة نفسها.

- تفتقر الدول العربية في شكل عام إلى نظام المزادات على المستوى العالمي. فكيف تُحاول دار «كريستيز» تفعيل هذا النظام؟
لم يكن لدينا مكاتب في العالم العربي إلى أن تأسّس مكتب «كريستيز» في دبي العام 2006.
ومدينة دبي هي دون أدنى شكّ مركز إقليمي وجغرافي وقريبة من كلّ الدول العربية فضلاً عن كونها أقرب من غيرها إلى بلاد آسيوية أخرى مثل الهند وإيران.
هذا إلى جانب مناخها الاقتصادي المناسب الذي شجّع شركة إنكليزية على إقامة مكتب لها في منطقة الخليج خصوصاً أنّ الإنكليز لديهم حضور قوي في دول الخليج عامة.
ووجودنا في دبي سمح لنا بالوجود في شكل كبير في أهم وأكبر المعارض التي تحصل في كلّ المنطقة. ونحن نُغطي الأحداث من المغرب إلى لبنان والعراق، ولا نفوّت فرصة الوجود في أي معرض مثل «آرت دبي» و«معرض قطر»، كما أننا نحضر اليوم في «منسارت فير» في بيروت.

- ما هو هدف وجودكم اليوم في معرض
Fair Menassart في بيروت؟
هدفنا تشجيعي أولاً، فعلاقتنا ببعض صالات العرض والغاليريات قوية جداً، فهم تجار فنون ويعملون على تكريس أهمية الفنّ بمختلف وجوهه وأشكاله. كما أننا نقصد مثل هذه المعارض الكبيرة والمهمة للإكتشاف وانتقاء الأعمال الجديدة خصوصاً في الفنّ المعاصر.
فنحن عندما نتحدّث عن فنون القرن السادس عشر نرى أنّ أعداد اللوحات الفنية محدودة ونعرف تماماً أنّ هناك خمس لوحات منها في هذا المتحف واثنتين في المتحف الآخر.
أمّا في الفنّ المعاصر فهناك إنتاجات كثيرة معروفة وأخرى مستمرّة يُمكن أن نكتشفها في كلّ يوم لكون روّادها مازالوا أحياء يرزقون قادرين على ابتكار أفكار جديدة.

 

وجود كريستيز في دبي نشّط الحركة الثقافية العربية

- كيف يُمكن لدار بحجم «كريستيز» أن تُحرّك العجلة الثقافية في العالم؟
لا شكّ أنّ العمل على حفظ اللوحات والأثريات القيّمة من العصور القديمة أو حتى الفنون المعاصرة وبيعها في مزادات ضخمة والتجارة بها وتشجيع الناس على اقتنائها هي أمور تُساهم مباشرة في تفعيل الحركة الثقافية في العالم.
ومنذ تأسيس مكتب «كريستيز» في دبي العام 2006 بدأنا نلحظ التداعيات الثقافية متمثلةً بالكثير من المعارض الكبيرة التي نُظّمت وكان لها الدور الفعّال في تنشيط الثقافة والفنون.
 
- سجّلت زاوية «نبط» حضوراً قوياً في معرض «مينسارت». هل لفتتكم الأعمال التشكيلية السعودية الحديثة؟
بالطبع، «نبط» جمع أعمالاً مُذهلة ونحن على اطلاع واحتكاك دائمين بالفنون التشكيلية السعودية المعاصرة. لقد سبق أن قدّمت «كريستيز» مزادات ضمّت أعمالاً لفنانين سعوديين معروفين.
ومنذ سنوات غير بعيدة بدأنا العمل مع لولوة الحمود وتمّ بيع عدد من أعمالها التي عاد ريعها لصالح جمعية خيرية تعنى بإعداد برامج تثقيفية وتدريبية للأطفال داخل المملكة العربية السعودية. وحققنا خلال المزاد مبيعات خيالية وصلت إلى المليون دولار.
ونحن كدار مهتمون جداً بالفنون السعودية المعاصرة ونتابعها عن كثب باهتمام وإعجاب.

- كيف تُقوّمون المبيعات العالمية للأعمال العربية في شكل عام؟
في الحقيقة لم تكن أسعار الفنون العربية عالية في شكل عام، ولكننا عرضناها في مزاداتنا وروّجناها عالمياً عبر القائمة الخاصة المعروفة بـ «الكاتالوغ»، ونحن نطبع منها 20 ألف نسخة موزعة على مختلف زبائننا في كلّ دول العالم. ولا شكّ أنّ داراً عمرها 300 سنة هي محلّ ثقة الناس الذين ينتبهون إلى كلّ صغيرة وكبيرة نعرضها في مزاداتنا.
وقد ارتفع مستوى مبيعات اللوحات والفنون العربية والشرق أوسطية التي يقتنيها 60% من العرب والأتراك والفرس و40 % من الأجانب.
وهذه النسبة يجب التوقف عندها، لأنّ الغربي الذي يستوقفه أحد الأعمال العربية ويدفع فيه مبالغ طائلة يعني الكثير لنا كعرب ولثقافتنا وأعمالنا وفنانينا. وهذا يُكرّس حقيقة أنّ الفنون لها لغة عالمية وهويّة إنسانية تجمعان الذوّاقة من كل مكان.

- ما هي أغلى لوحة عربية بيعت عبر مزادات «كريستيز»؟
إنّها لوحة «الدراويش المولوية» للفنان التشكيلي محمود سعيد التي بيعت مقابل 2,546,500 دولار أميركي، رغم أن قيمتها التقديرية الأولية المُعلنة قبيل المزاد تراوحت بين 300,000 و 400,000 دولار.
وهي تجاوزت رقماً قياسياً عالمياً حققه محمود سعيد بمقدار 100,000 دولار ، بعدما بيعت لوحته «الشادوف» Les Chadoufs في مزاد كريستيز بدبي في نيسان/ أبريل 2010 مقابل 2,434,500 مليون دولار.

- ومن حقٌّق من جيل الحداثة أعلى رقم عبر مزاداتكم؟
هناك المصري أحمد مصطفى والإيراني فرهاد مشيري ومحمد إحصائي... وتجاوزت مبيعات أعمال كلّ واحد منهم المليون دولار.

- مع كل هذا التطور الذي تعيشه مجتمعاتنا هل مازال هناك تلك الأهمية لاقتناء الفنون؟
لأننا نعيش هذا الزمن الغريب والسريع صار للفنون قيمة أكبر. فالناس في هذا العصر الآلي أصبحت تُقدّر القطع الفنية الجميلة والأثرية، كما أنّ هناك الكثير من الأغنياء الذين يُفكرّون في قتناء اللوحات النادرة والغالية لمعرفتهم بأنّ أسعارها سوف ترتفع مع الوقت.
فالإستثمار في قطاع الفنّ أصبح أمراً متداولاً اليوم وخصوصاً بالنسبة إلى من يريد استثمار أمواله خارج التملّك في أسواق المال وما شابه.

- إلى من تتوجّه «دار كريستيز»؟
زبائننا ينتمون إلى شرائح مختلفة من المجتمع. فلدينا شباب أثرياء يهتمون بالفنون واقتناء اللوحات الجميلة والقطع النادرة، وهناك كبار رجال الأعمال في العالم وشيوخ كبار من أصحاب المال وهواة اقتناء الفنون. هذا بالإضافة إلى شركات كبيرة ومعروفة في العالم.

- في ظلّ هذه المخاضات التي تمرّ فيها الدول العربية، هل أبديتم اهتماماً معيناً بالأعمال التي تحمل في موضوعها «الربيع العربي»؟
كريستيز ليست داراً مسيسة إلاّ أنّها لا تنفصل عن العالم، فالفنون التي لا بدّ من اعتبارها مرآة المجتمعات هي أصلاً تكشف عن تعقيدات المجتمعات.
وهناك أعمال حديثة لها علاقة مباشرة بالمناخ العام سبق أن تنبّهنا لها في معرض قطر أو حتى «منسارت فير» وأذكر منها لوحة الفنان التشكيلي أيمن بعلبكي التي تُجسّد صورة المناضل أو الشهيد الفلسطيني.

- ما هي شروط داركم للتعامل مع فنان ما عبر مزاداتها؟
لا شروط محدّدة غير أن يكون واهباً حياته لقضية الفنّ وأن تكون أعماله مميزة في أفكارها وشكلها وألوانها، وأن يكون سبق أن قدّم ثلاثة أو أربعة معارض فردية على الأقلّ خارج وطنه.

- ما هي أغلى لوحة بيعت في تاريخ دار كريستيز؟
أغلى لوحة كانت من نصيب لوحة «عارية، الأوراق الخضراء وتمثال نصفي» لبابلو بيكاسو رسمها عام 1932 وبيعت في نيويورك عام 2010 بمبلغ $106,482,500، ومن ثمّ لوحة غوستاف كليمت «بورتريه أديل بلوش بوير» ب $87,936,000 ولوحة فان غوغ «بورتريه دكتور غاشيه» وبيعت عام 1990 بمبلغ كبير جداً يُساوي $82,500,000.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079