تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

علّمي ولدك كبت غيظه!

علّمي ولدك كبت غيظه!

كان «وليد»، البالغ من العمر 5 سنوات، ينفجر غضباً كلما سقط عن دراجته الهوائية فيما يحاول تقليد رفاقه الأكبر منه سناً الذين يركبون الدراجات بسهولة كبيرة.

وكان غيظه يزداد مرة بعد مرة إلى أن رمى في المرة الأخيرة دراجته أرضاً وكسرها. صحيح أن الغضب يسمح لنا بالتعبير عن مشاعرنا، لكنه ليس طريقة بنّاءة.

وحتى الأولاد الصغار يشعرون ببعض الخجل حين يسمحون لأنفسهم بتفجير كل غضبهم. لذا، من الضروري أن نعلّم أولادنا كيفية مواجهة العدائية من خلال التحدث عن سبب الغيظ. 


أسباب الغضب وأساليبه 

لا يوجد عمر محدد ليفقد المرء رباطة جأشه، لكن الشخص الذي لا يتعلم السيطرة على مشاعره قد يواجه صعوبات لاحقاً في إقامة علاقات الصداقة والترقي في العمل وحتى في الحياة الزوجية.

لذا، يجب تعليم الولد منذ نعومة أظفاره كيفية السيطرة على مشاعره، علماً أن هذه المسيرة طويلة وشاقة لكنها تفضي في النهاية إلى نتائج رائعة.

واللافت أن الصبيان يفجرون غضبهم أكثر من البنات عموماً، لأننا نبرر ربما التصرف العدائي للصبي لكننا لا نتقبّل نوبة الدموع البسيطة عند الفتاة.

غير أنه يتوجب على كل الأولاد تعلّم كيفية مواجهة مشاكلهم من دون عنف.

حاولي أولاً تحليل أسباب غضب ولدك. فقد تكون نوبات غضبه المتواترة مرتبطة بطبعه إذ يحدد علماء النفس خمسة أنواع من الطباع: الحساس جداً، الأناني، المتمرّد، المهمل، والعدائي.

وقد يؤدي هذا الطبع إلى تألق شخصية الولد أو على العكس إعاقتها. لذا، حددي طبع ولدك لتتمكني من تحويل مشكلته إلى مؤهِّل للنجاح.

كما تؤدي مراحل النمو دوراً في نوبات الغضب. فحين يجتاز الولد مرحلة مهمة من نموه أو تعلّمه الاجتماعي، تزداد احتمالات حدّة طبعه.

ولكل مرحلة نمو أسبابها الخاصة لتفجير نوبات الغضب. في الواقع، قد يبدأ الطفل الصغير بالبكاء والصراخ إذا قالت له أمه: «لا تلمس هذه السندويشات لأنها مخصصة للعشاء».

أما ابن العشر سنوات فيستوعب تماماً هذا الطلب لأنه تعلّم الصبر.

وتؤثر الحياة العائلية أيضاً في طبع الولد وتعبيره عن غضبه. فالولد المضطرب بسبب طلاق والديه، أو مرض أو موت أحد الأهل، أو ولادة شقيق صغير، أو الانتقال إلى منزل جديد يعمد إلى إخفاء اضطرابه في شكل نوبات غضب.

ثمة طريقتان عموماً ليعبّر الولد عن شعوره بالغيظ: إما المزاح أو رمي أغراضه الصغيرة إلى الجهة الأخرى من الغرفة.

والواقع أن ردة فعله ترتبط بطريقة إدارة أهله لغضبهم. فإذا كان الوالد يعبّر مثلاً عن غضبه من خلال الصراخ أو تصفيق الأبواب، سيلجأ الولد حتماً إلى الطريقة نفسها لأن الأولاد يقلّدون ما يجري من حولهم.

ضبط الغضب خلال النمو

ينفجر الطفل الصغير في البكاء إذا لم تعمد الأم إلى تلبية حاجاته الجسدية، مثل التعب والجوع والعطش والخوف والألم، على الفور.

في الواقع، يكفي أحياناً أن نحمل الطفل الصغير برفق بين يدينا أو نكلمه بصوت حنون ومنخفض حتى يستعيد هدوءه.

فقد يحتاج الطفل إلى تركيز انتباهه على شيء جديد أو إلى أخذ قيلولة لاستعادة الهدوء.

لكن الأهم يبقى ألا يشعر الأهل أنفسهم بالغضب ويعمدون إلى معاقبة الطفل من خلال عزله.

فبهذه الطريقة، يربط الطفل بين الغضب و«اختفاء الماما» ويزداد شعوره بالإحباط والغضب.

ثم يكبر الولد ويبدأ الطمع بالسيطرة عليه قبل دخوله إلى المدرسة مما يولّد غالباً الإحباط والغضب.

ومن العوامل المؤدية إلى نوبات الغضب في هذه المرحلة نذكر الجوع، والتعب، والخوف، وعدم القدرة على إيجاد الكلمات الصحيحة للتعبير عن المشاعر، أو حتى تدخل الأهل فيما يحاول الولد إنجاز الأشياء من تلقاء نفسه.

في هذه الحالات، يتوجب على الأهل توجيه الآذان الصاغية إلى أولادهم ومحاولة تفهّم مشاكلهم.

هكذا، تتاح أمام الولد فرصة تحليل ما يجري من حوله، وإدراكه أهمية عدم جرح مشاعر الآخرين أو التدخل في أمورهم حين يشعر هو نفسه بالغيظ.

وإذا لم يستعد ولدك رباطة جأشه، حاولي اعتماد اللامبالاة لبعض الوقت من دون الابتعاد عنه حتى يفهم أن تصرفه لا يؤثر فيك إطلاقاً.

وحين يدخل الولد إلى المدرسة، يشعر بضرورة انخراطه ضمن مجموعة الرفاق بين عمر 6 سنوات و12 سنة. وقد تنشأ العدائية في حال جرى استثناؤه من المجموعة.

ففي هذا العمر، يشعر الولد أنه قادر وواثق من نفسه ويرغب في كسب كل النزاعات، مما يفضي أحياناً إلى لفظ إهانات مؤلمة جداً.

في هذه الحالة، يتوجب على الأهل إفهام ولدهم أنه يستطيع اختيار ردة فعله بنفسه ولا يمكنه إطلاق العنان للتعديات الجسدية أو الكلامية.

ولا بد من تعليم الولد كيفية إخراج غيظه وتوتره من خلال التمارين الرياضية غير العنيفة، مثل الركض أو الرسم.

مرحلة المراهقة

يصل الولد إلى مرحلة المراهقة، وينجم جزء كبير من عدائية المراهق عن الموقف الحاضن للأهل فيما يحاول هو إثبات استقلاليته.

ففي هذه المرحلة يشعر المراهق بأهمية المساواة بينه وبين رفاقه.

وكل ما يمنعه من تحقيق ذلك سيزيد حتماً الأمور سوءاً.

لذا، ينصح الأهل بكبح رغبتهم في السيطرة على كل نواحي حياة ولدهم المراهق، ولكن من دون تجاهل إبلاغه عن العواقب التي سيلقاها في حال قرر انتهاك قانون العائلة، مثل حرمانه من المال، أو عدم السماح له بالذهاب إلى حفلة يوم السبت... ولا بدّ من اعتماد اللباقة والاحترام المتبادل بين الأهل والمراهق والابتعاد تماماً عن الشتائم والعنف والصراخ.

وفي النهاية، قد تكون مساعدة الأولاد في السيطرة على عدوانيتهم مسيرة طويلة وشاقة، لكن الصبر يفضي دوماً إلى نتائج إيجابية.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079