عامر المنصوري: مهمّتي الأولى حفظ 'المندوس' من الإندثار
يحمل رجل أعمال إماراتي شاب على عاتقه مهمة الحفاظ على تراث بدأ من عهد الأجداد والآباء ومنعه من الاندثار، عبر سعيه لحماية صناعة «المندوس» التقليدية، وباستخدام الأساليب اليدوية التي تعطي هذه الصناعة التراثية رونقاً، خاصة أنها ارتبطت بالأعراس التقليدية، ويكاد لا يخلو بيت إماراتي من الصندوق الخشبي المطعم بالزخارف والنقشات الإبداعية ليرافق العروس إلي منزلها الجديد، حاملة فيه ملابسها والذهب والأحجار الكريمة وغيرها من ممتلكاتها القيمة، مما ولّد القول الشائع «المندوس حق العروس».
يؤكد عامر العمر سالم المنصوري أن توجهه للحفاظ على التراث الإماراتي وطرق صناعته نابع من وصايا الأجداد والأهل الذين شكلوا وعيه لصون كل ما هو تراث، إلى جانب الرعاية الكبيرة التي أولتها الإمارات بشكل عام للحفاظ على التراث والهوية الإماراتية.
ويشكل حديثنا مع المنصوري الذي يرأس مجلس إدارة مجموعة «المنصوري ثري بي» وشركة «رويال مندوس»، رحلة مع تلك الصناعة التراثية الممتدة من جيل إلى آخر، والتي تجمع اليوم بين الأصالة والمعاصرة بظهور «مندوس» جديد للمهور! وهو يؤكد أنه أصبح من الهدايا التي يحرص زائرو الإمارات من الأجانب على شرائها وحملها إلى بلدانهم.
- ماذا تقول عن «المندوس»؟ ومتى بدأت علاقتكم به؟
عرف «المندوس» منذ القدم لدى أهل المنطقة والأجداد، وكان من الضروريات التي تستخدم في وضع الذهب وملابس العروس. لكن علاقتنا بالمندوس تفوق قرناً من الزمن، ذلك أن صناعته يجري توارثها من الأجداد إلى الآباء والأبناء. ولدينا جميعاً داخل العائلة حرص أكيد على مواصلة الاستمرار في تصنيع «المندوس»، وتعليم فن صناعته للأبناء والأحفاد.
وتاريخياً، كان «المندوس» يستخدم كخزانة للناس المرموقين وكبار الشخصيات والأثرياء. وقد أحدثنا التطوير الملائم في عملنا، فأدخلنا روح التراث في الأثاث الذي نصنعه خاصة في المقاعد والطاولات لتتمتع كلها بروح واحدة. ومع هذا التطوّر ندرس اقتراحات بعض الزبائن لإضافة اللؤلؤ والألماس في تصنيع «المندوس».
الصندوق الخشبي المزخرف عنصر أساسي في ديكور المنازل الخليجية
- لماذا «المندوس» كتجارة وعمل؟
لقد مارسنا مهنة تصنيع «المندوس» منذ عشرات السنوات، فقد بدأ جدي مسيرته في تصنيع «المندوس» منذ صغره، وأستمر لسنوات طويلة يعمل بكل جهد وإخلاص في هذا المجال وتمكن من تحويله إلى إبداع فني، وابتكار صناعات جديدة من «المندوس»، ومن بينها مندوس ذو وجهين، أحدهما مخصص للمهور والآخر للعرائس.
وللعلم فإن المندوس الذي كان منتشرا في المنطقة سابقاً، كان يصنع في البحرين وسلطنة عمان باستخدام أنواع متواضعة من الأخشاب، إلا أن جدي بدأ مشواره في تصنيع «المندوس» باستخدام أرقى أنواع الأخشاب وأصلبها، وهي «التيك البورمي»، و«الصاج الهندي» ويعتبر كلا النوعين من الأنواع الغالية من الأخشاب، والأفضل على مستوى الصناعات الخشبية. والمحافظة على الصناعات اليدوية التي تصنع من كلا النوعين من الأخشاب تضمن طول عمر «المندوس» لأجيال متعددة، بخلاف أن الأنواع التي نستخدمها من الأخشاب يمكنها تحمل مختلف الظروف الجوية والمناخية دون تأثّر.
وبسبب اهتمامنا بالمندوس، خصّصنا جزءاً من مصنع للمفروشات تملكه العائلة لتصنيع «المندوس»، ولكن يتمّ ذلك بالطريقة اليدوية بينما يجري استخدام الآلات في مسألة تنعيم الخشب وقطعه.
- هل العصر يناسب هذا النوع من الأعمال؟
العصر الحالي لا يتعارض مع «المندوس» الذي أصبح من مكملات ديكور المنازل وداخل الغرف، بل أعطى منظراً جميلاً للمواقع التي يوضع فيها سواء في صالة استقبال الضيوف أو في الغرف. وثمّة إقبال كبير على اقتناء «المندوس» ليصبح العنصر الأساسي في ديكور المنازل التي يتمسك أصحابها بالتراث الإماراتي والخليجي. كما يعتبره البعض من أنواع الأثاث المنزلي الراقي أو التحف الأثرية، كما نحاول إدخال روح التراث في قطع الهدايا والديكور.
في الصندوق مخابئ سرية وصناعته تمتد أربعة أشهر
- ماذا عن الأسعار؟ وهل مازال «المندوس» يلاقي إقبالاً من أهل الإمارات والخليج؟
أسعار «المندوس» تخضع للمواصفات والنوعية التي يختارها المشتري، فهناك أنواع مختلفة من الأخشاب التي يجري استخدامها وتتميّز بكونها فاخرة وقوية، بخلاف أن البعض يرغب في وضع إضافات خاصة على المندوس مثل استخدام قطع مطليّة بالذهب.
ونحن نلاقي إقبالاً كبيراً من أهل الإمارات على اقتناء «المندوس الفاخر» الذي يتمتّع بنوعية عالية من حيث أنواع الخشب وطرق التصنيع المميزة، مع العلم أن الإنتاج يكون محدوداً كون صناعة «المندوس» تتمّ يدوياً، وتستغرق صناعة الصندوق الواحد فترة تتراوح بين3 و4 أشهر حسب الحجم، إذ يجري شراء جذع الشجرة بالكامل، ويجري تقطيعه حسب حجم «المندوس»، وقد نحتاج إلى أكثر من جذع وفق حجم الصندوق المطلوب، كما يمكن وضع مخابئ سرية في «المندوس» حسب رغبة المشتري.
- ماذا عن طرق صناعته ونوعية الأخشاب المستخدمة؟
تعتمد طرق تصنيع «المندوس» على المعرفة والاحتراف في العمل، إذ يجري استخدام الأدوات اليدوية في أعمال النجارة، لكن يجري قص الخشب وتنظيفه باستخدام الآلات، بينما يعتمد تركيب الخشب والنقش على الأعمال اليدوية، وحتى النقش يجري على الخشب والذهب أو النحاس. ويلاقي «المندوس» إقبالاً كبيراً في الوقت الراهن لكونه عنصراً مهماً من عناصر الديكور المنزلي.
وفي ما يتعلق بالأخشاب المستخدمة، نختار أفضل الأنواع وهما «التيك البورمي» و«الصاج الهندي» اللذان يتمتعان بنوعية عالية وقوّة تحمّل لمختلف الظروف، الأمر الذي يساهم في ارتفاع أسعار «المندوس» مقارنة بالمندوس العادي الذي يستخدم في تصنيعه أخشاب عادية ومتواضعة النوعية.
- إذا كان الأمر ميراثاً تحافظون عليه فماذا عن جيل الأبناء داخل العائلة؟
نحن في الأسرة نتوارث مهنة تصنيع «المندوس» من جيل إلى آخر، وفي الجيل الحالي حريصون على متابعة تصنيع «المندوس» اليدوية ، بل نجحنا في تطويره، إذ كان التصنيع يجري في السابق في منزلنا، وانتقلنا لتصنيعه في مصنع متخصّص، وبالاعتماد على الطريقة اليدوية في التصنيع. إلا أننا حريصون أيضاً على هواية تصنيع "المندوس" في المنزل كما كان يجري في السابق.
- ماذا عن المنافسة من أكسسوارات حديثة وسبل التخزين الأوروبية التي تملأ مراكز الإمارات التجارية؟
لا مجال للمنافسة بين الصناعة الإماراتية للمندوس وطرق التصنيع الأوروبية المقلدة لنا، مع العلم أن سر المهنة في التصنيع موجود لدينا. وأبناء الإمارات ينظرون إلى «المندوس» كقطعة تراثيّة مهمّة في منازلهم، وهم على دراية أيضاً بصناعته ونوعيته وجودته. وفي حال تصنيعه في الخارج لن يكون بجودة الصناعة المحلية ورونقها.
- في ما يخصّ الزخارف التي تزين تلك الصناديق القيمة، هل تعتمدون على أهل الصنعة من أبناء الإمارات أم على عمالة مستوردة؟
في ما يخصّ الزخارف المستخدمة فإنها تعبر عن تراث الإمارات والزخارف التي يجري استخدامها في الدولة، إلى جانب سعينا بشكل مستمرّ لتطوير الزخارف التي تزين «المندوس» بشكل لا يبتعد عن التراث المتعارف عليه. كما نعمل على إدخال روح التراث في قطع الهدايا والديكور التي نصنعها ونشرف عليها. ولهذا نعتمد على أهل المهنة الإماراتيين في صناعة «المندوس» مع الاستعانة ببعض الأيدي العاملة المستوردة التي نشرف شخصيا عليها ونتابع عملها خطوة بخطوة لضمان أن تخرج تلك الصناعة التي نعتبرها تحفاً فنية بطريقة متقنة ودقيقة.
- هل يمكن أن يندثر هذا النوع من التراث أم أنكم تجدون الدعم للحفاظ عليه؟
مواصلتنا العمل في تصنيع «المندوس» تأتي في إطار جهودنا للحفاظ على التراث وحرصنا على توعية أبناء الإمارات للحفاظ على تراثنا. وأود أن أشير هنا إلى أن لدينا نظاماً خاصاً نتبعه مع الزبائن، ففي حال شرائهم للمندوس يمكننا أن نعيد شرائه منهم إذا رغبوا في بيعه وذلك بسعر الشراء الأول، شرط أن يكون في حالة ممتازة الأمر الذي يدلّل على قيمة «المندوس» وأهميته بالنسبة إلينا واعتزازنا به.
وفي المقابل، أرى ضرورة أن وجود دعم من الجهات المعنية للمحافظة على الصناعات التراثية والتقليدية الإماراتية.
- البعض يرى أن المهور والأعراس تمثّل عائقاً أمام شباب الإمارات للزواج وتمثل جزءاً من أسباب العنوسة. فماذا تقول عن ذلك؟
للحقّ يمثل غلاء المهور عائقا أمام شباب الإمارات، لأنه وبمرور الزمن تكثر الطلبات التي تلقى على عاتق الشباب، مما يدفع بعضهم إلى العزوف عن الزواج، أو الزواج بالأجنبيات كون مهورهن أقل. ولقد لعب «صندوق الزواج» كمؤسسة إجتماعية دوراً كبيراً في التنبيه إلى خطورة غلاء المهور، ويضطلع بدور مهم في دعم الراغبين في الزواج وتقديم المساعدة المالية لهم وبدء مشوار حياتهم مع شريكات العمر.
وهنا أرى أن على الآباء مراعاة ظروف الشباب، وأن تكون المهور معقولة ومقبولة بعيداً عن الغلاء الذي ظاهرة التباهي والتفاخر.
- ما هي أغلى قطعة «مندوس»؟ وبماذا تحتفظ أنت شخصياً؟
أغلى قطعة مندوس جرى تصنيعها بلغت قيمتها 80 ألف درهم وجرى استخدام قطع مطلية بالذهب في تصنيعها، مع العلم أن للمندوس أحجاماً مختلفة منها الحجم الصغير المخصص للمهور والذهب، وأحجام متوسطة وثالثة كبيرة لتعدد الاستخدام فيها.
وبالنسبة إليّ أحتفظ بأربعة صناديق من «المندوس»، ومنها صندوق مخصّص للمهر سأستخدمه لدى زواجي، وصناديق بأحجام مختلفة حسب الاستخدام وكلها فاخرة وثمينة.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024