الكاتب الجزائري الفرنكوفوني ياسمينا خضرا...
ياسمينا خضرا... كاتبة جزائرية فرنكوفونية حيّرت بغموضها القرّاء والنقّاد، الذين احتفوا بكتاباتها الجديدة والمُلفتة من حيث لغتها وأسلوبها والقضايا الحسّاسة التي تتناولها... مرّت سنوات طويلة إلى أن قرّرت نزع قناعها عام 2001 مع سيرتها الذاتية الأولى «الكاتب» ليكتشف العالم الذي أدمن روايات هذه الكاتبة أنّ «ياسمينا خضرا» ليس إلاّ الإسم المستعار الذي تخفّى وراءه العقيد في الجيش الجزائري محمد مولسهول...
وبمناسبة حضوره إلى لبنان للمشاركة في المهرجان الثقافي الفرنكوفوني السنوي بدورته ال 17 «صالون الكتاب الفرنكوفوني»، التقينا الروائي العربي الفرنكوفوني الأكثر شهرة في فرنسا والعالم اليوم «ياسمينا خضرا»، وكان لنا هذا اللقاء الذي اختصر من خلاله قصّة اسمه المستعار وتاريخه كضابط في الجيش الجزائري وكتاباته التي تتمحور حول القضايا الشائكة مثل الحرب والعنف والإرهاب والعولمة وقيمة الإنسان، فضلاً عن نظرته إلى المرأة العربية ورأيه في العلاقة الملتبسة بين الشرق والغرب وغيرها من الأمور.
- اختبأت فترة طويلة وراء الاسم المستعار للحفاظ على السريّة والفصل بين الكاتب «ياسمينا خضرا» والضابط في الجيش الجزائري «محمد مولسهول»... أمّا اليوم وبعد أكثر من 9 سنوات على كشف حقيقة هويتك، نجدك محافظاً على اسمك المستعار. لماذا؟
لأنني أصبحت كاتباً معروفاً في أكثر من 40 بلداً، وليس من السهل بعد مجموعة كبيرة من الأعمال الأدبية أن أظهر إلى الناس باسم جديد سبق أن أحبّوه واعتادوا عليه. كما أنني أردت أيضاً من وراء ذلك أن أشيد بزوجتي التي أهدتني اسمها «ياسمينا خضرا» وبالتالي الإشادة بكلّ امرأة جزائرية وعربية في هذا العالم.
- بين أن تكون جنرالاً أو كاتباً، ذهبت إلى الخيار الثاني... لماذا؟
عشت فترة طويلة جداً في قلب الحياة العسكرية، وبدأت الكتابة والنشر وأنا ضابط في الجيش، متخفياً وراء اسمي المستعار الذي استوحيته من اسم زوجتي المركّب. وعندما وضعت نفسي بين الخيارين وجدتُني أختار الكتابة لأنني بكلّ بساطة أجد أنّ الكاتب الذي في داخلي هو الأقوى والأولوية له دائماً.
- بالعودة إلى اسمك المستعار... أن يختار الرجل العربي اسم امرأة ليوقّع به نجاحاته وإبداعاته أمر يتطلّب الكثير من الجرأة والقوّة، فإلى أي مدى تُقدّر المرأة؟ وكيف يُمكن لك أن تُعرّفها؟
المرأة بالنسبة إليّ هي الامتياز والكمال، أمّا الرجل فهو امرأة ناقصة.
- ما هي المشكلة الحقيقية التي تُعانيها المرأة في مجتمعاتنا العربية؟
في الواقع، مشكلة المرأة العربية تكمن في الرجل نفسه. ولا يمكن لها أن تتخلّص من العقبات التي تُعرقل حياتها إلاّ عندما يتغيّر الرجل الشرقي نفسه. فالمرأة العربية مُكبلّة بالكثير من القيود ومازالت تُعامَل على أساس أنّها جسد، أمّا الرجل فيعتبر نفسه الوصيّ الطبيعي عليها. وهنا تتربّع المشكلة لأنّ ذلك سيحدّ من انطلاقتها وقدرتها على تكريس قدراتها. ولكنّي متأكّد أنّه حين يتخلّى الرجل العربي عن عقليته الذكورية ويُغيّر نظرته وبالتالي أسلوب تعاطيه مع المرأة سوف ينهض المجتمع العربي والإسلامي وسيرتقي إلى أعلى المستويات وسيُذهل العالم كلّه أيضاً.
- لا شكّ أنّ ثمّة هوّة كبيرة تفصل العالمين العربي والغربي. كيف يُمكن لكاتب عربي أن يُصحّح تلك النظرة الخاطئة عن عالمه بلغة «الآخر»؟
العالم الغربي لديه فضول لمعرفة المزيد عن الشرق الغامض بالنسبة إليهم، كما أنّ الصورة التي يقدمونها عنّا هي دائماً سطحية أو خارجية بمعنى أصحّ، إذ أنّها لا تحاكي الحقيقة الكامنة في عالمنا العربي والتي تحتاج إلى شخص من الداخل يعرف تفاصيل الحياة هنا وخصوصيتها. فالعالم العربي بحاجة إلى كتّاب من أبنائه ضُلُع بلغة الآخر لكي ينجحوا في التوجّه إليه وكسر تلك الصورة الكاريكاتورية النمطية عن العربي الذي غالباً ما يظهر وهو في قافلة أو على ظهر جمل. فالغرب يجب أن يعرف أكثر عن شرقنا الذي هو ليس إلاّ الغرب من الناحية الأخرى. ولن ننجح يوماً في تصحيح هذه النظرة إلاّ من خلال تركيزنا على شيء واحد ألا وهو "الموهبة". فأنا على سبيل المثال مقروء في أوروبا واليابان والبرازيل والمكسيك وغيرها من الدول التي لا علاقة لها بالثقافة أو اللغة العربية وإنما الموهبة والإبداع والفنون من شأنها تقليص المسافات وتقريب وجهات النظر بين الدول بالرغم من التباين أوالاختلاف الذي قد يُبدعهما. وأعتقد أنّ الموسيقى خير دليل على ذلك، إذ أنّ العالم كلّه يصمت وينصت ويتفاعل مع الموسيقى الجميلة، فتُصبح هي اللغة المشتركة والهوية الجامعة بين الناس في كلّ مكان.
- ولكنّ الصحافة العربية وجدت أنّك تعاطفت مع الغرب إلى حدّ أنّك تماشيت مع الإسرائيليين على حساب القضية الفلسطينية في روايتك «اعتداء» التي طرحت مسألة «الانتحاريين» الشائكة بجرأة كبيرة جداً؟
رواياتي تُستقبل بحفاوة في العالمين العربي والغربي ورأي صحافي واحد لا يُمثّل آراء النقاّد الآخرين أو الصحافة العربية في مقامها العام. فأنا لم أكن متعاطفاً على الإطلاق مع الإسرائيليين ولم يفهمني أحد بطريقة سيئة باستثناء صحافي في جريدة "الحياة" ذكر في مقاله أنني تماشيت مع الإسرائيليين على حساب الفلسطينيين، وأعتقد أنّه لم يقرأ الرواية أو أنّه لم يفهمها وإلاّ لما كان سيكتب ما كتبه. وفي هذه الرواية لم أركّز على الأخطاء بل على الخسائر الناتجة عن عبثية الحرب وقد كتبتها بنَفَس إنساني كبير. وبصراحة أقول إنني لا أحبّ المناظرات والمجادلات بل أسعى إلى إقامة التوازن من خلال القضايا التي أطرحها وأعمل على كشف الالتباس الموجود فيها سواء كانت عن العالم الغربي أو العربي.
- في ثلاثيتك المعروفة «سنونوات بغداد» و«الإعتداء» و«صفّارات بغداد» تطرّقت إلى الوضع السياسي- الأمني في منطقة الشرق الأوسط. هل لك أن تخبرنا عن المشكلة الحقيقة التي تعيشها المنطقة اليوم؟
في الماضي كان أصحاب الأهداف الإستعمارية التوسعية يُقسمون العالم كي يحكموا، أمّا اليوم فصاروا يُخوّفون ويُهدّدون ليحكموا. كلّ واحد من المسؤولين والسياسيين والمرشحين يُحاول على طريقته الإستفادة من وجود بعض الأخطار لإيهام شعبه بأنّه مخلّص الإنسانية الجديد. أمّا العامّة فهي مع الأسف غير مُدركة دائماً لحقيقة ما يجري حولها وبالتالي تُصدّق ما تتلقاه وتسمعه. أمّا أنا فأحاول قدر المستطاع في كتاباتي إظهار الصورة العبثية للعنف والتأكيد على أنّ وجود المسلم العربي ليس تهديداً لوجود الآخر كما يحاول البعض أن يقول.
- في روايتك الأخيرة «أولمب المصائب»، تناولت حياة الشخصيات المهمّشة بأسلوب تطغى عليه المشاعر الإنسانية أكثر من أي كتاب آخر لك... هل تقصدّت ذلك لإبعاد شبهة "العنف" عن شخصيتك كروائي؟
لا وإنما لأنني إنسان قبل أي شيء آخر ولأنني أعرف معنى الأحاسيس والمشاعر الإنسانية. وفي هذه الرواية حاولت أن أُعيد إلى الإنسان قيمته كفرد وبمعنى آخر كروح من خلال تلك الشخصيات المهمّشة في مجتمعاتنا، خصوصاً أننا نعيش اليوم في زمن العولمة التي دمرّت العالم وفرّغت الفرد من قيمته وسمحت للمادّة بأن تصبح سيّدة البشر.
- هل تعتقد أنّ الكلمة قادرة دائماً على التغيير؟
طبعاً، ففي الأصل كانت الكلمة... والكلمة هي التي قادت الشعوب على مدار السنين والخطاب السياسي كان ومازال المحرّك الرئيسي في حياة المواطن وفي تحديد توجهاته واختياره لهذا الحزب أو ذاك.
- يُقدّم «صالون الكتاب الفرنكوفوني» في دورته ال17 في بيروت تحيّة إلى روح الكاتب البير كامو... إلى أي مدى أثّر هذا الكاتب الفرنسي- الجزائري في أدب الكاتب الجزائري الفرنكوفوني ياسمينا خضرا؟
في الواقع لم يؤثّر ألبير كامو في كتاباتي لأنني لم أتأثّر يوماً إلاّ في روائي واحد اسمه «مالك حدّاد». فأنا أحببت الأدب واللغة والكتابة من شخصية الكاتب الجزائري الفرنكوفوني مالك حدّاد قبل أي أحد آخر. ولكن هذا لا يلغي إعجابي الشديد بأدب البير كامو الذي أعتبره من كبار الكتّاب في تاريخ الأدب الفرنسي والعالمي طبعاً. فهو جزائري وقد تحدّث في كتاباته عن بلادي وإنما بلسان «مُستوطن صغير». فأنا لا أجد في روايات كامو الجزائر التي أعرفها وإنما أجد الروح الجزائرية وألمس ذاك الرابط الحسّي القوي الذي يجمعه بهذا البلد الغريب والجميل.
- رغم أنّك ناهضت الاستعمار إلاّ أنّك اخترت أن تهجر بلادك وتعيش في بلد المُستعمِر... ألا يُمكن أن يُفسّر البعض ذلك على أنّه تناقض بين قولك وفعلك؟
لقد ناهضت الاستعمار طبعاً وكنت دائماً إلى جانب وطني وثورته وشهدائه ولكن هذا لا يعني الوقوف هنا والعمل على التنديد بذاك التاريخ المضطرب والقاسي. فالتاريخ الذي كُتب لن يُمحى ولن يتغيّر لأنّه فعل أُنجز ومضى، وكلّ ما يمكننا فعله هو الاستفادة من أخطائه لتحقيق الثراء الإنساني. وهذا لا يحصل إلاّ من خلال احترام التعايش بين الشعبين الجزائري والفرنسي الذي يتجاوز عمره 132 سنة. والفرنسيون اليوم هم الأقرب إلى الجزائريين وهناك الكثير من الكتّاب الذين يعيشون في فرنسا، وهذا أمر طبيعي. وأقولها بصراحة إنّ غالبية قرّاء ياسمينا خضرا هم من الفرنسيين، وهذا إن دلّ فإنّه يدلّ على أنّنا بالموهبة نستطيع دوماً أن نتجاوز أصعب الظروف وأحلكها.
- كيف يختصر ياسمينا خضرا الآتي من السلك العسكري نمط حياته اليوم كروائي معروف؟
يُمكنني القول إنّ عائلتي المؤلفة من زوجتي وأولادي هم الفلك الذي تدور حوله حياتي، وعلى إيقاع العائلة يطوف نمط حياتي. لذا لم أجد أنّ حياتي تبدلّت رغم تبدّل ظروفها، فأنا كعسكري هو أنا كروائي، ومَن تحاورين اليوم في بيروت هو نفسه الضابط الجزائري الذي كان من الممكن أن تُصادفيه منذ 20 سنة. وآمل أن أبقى كذلك وألاّ أتغيّر أبداً.
- تُرجمت أعمالك إلى 36 لغة منها العربية... هل قرأت تلك الترجمات بلغتك الأم؟ وما رأيك فيها؟
سأكون صريحاً معك للغاية، أنا قرأت كتبي بالترجمة العربية إلاّ أنّني لم أحبّها، فالترجمات تلك لم ترضني ولم تُقنعني. وبصراحة أفضّل أن يكون المترجم لبنانياً أو سورياً على أن يكون جزائرياً، لأنّ الجزائريين في شكل عام فقدوا المفهوم الصحيح للغة العربية وصرت أشعر أن ترجمتهم إلى العربية هي حرفية بعض الشيء، من هنا أرى أنّه على المترجم أن يكون ضليعاً باللغة التي سوف يُترجم إليها كتاباتي حتى لا يُفقدها روحها ومعانيها الداخلية المستترة أيضاً.
- أنت من عشّاق الشعر... لماذا لم تصدر حتى الآن أي ديوان أو مجموعة شعرية؟
أنا أعشق الشعر وخصوصاً باللغة العربية وأقرأ بنهم كبير شعر المتنبي ولكنني لم أكتب إلى الآن الشعر إلاّ لزوجتي وباللغة العربية أيضاً لأنني أعتقد أنّ الفرنسية هي اللغة المثالية للرواية واللغة العربية هي الأجمل والأنسب والأمثل لكتابة الشعر.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024