الشاعرة فاطمة العشبي.. فرضت وجودها شاعرة ذائعة الصيت!
معارك عديدة خاضتها فاطمة العشبي لكي تثبت وجودها الإنساني أولا والإبداعي ثانيا، مع أبيها الذي هددها بقطع يدها ان استمرّت في كتابة الشعر، ومع الزوج الاجباري، و مع اليأس الذي طالما راودها وحاول تثبيط عزمها. لكنها بالأمل وقيم الحب والتسامح خرجت من كل معاركها منتصرة وفرضت وجودها شاعرة ذائعة الصيت... هي الشاعرة فاطمة العشبي.
- قال عنك الكاتب والناقد علوان الجيلاني ان شعرك كان سلاحك في مواجهة اليأس الأسود، هل راودك اليأس يوما ما وكيف تغلبتِ عليه؟
كنت ومازلت في حرب مستمرة مع اليأس أتغلّب عليه أحياناً ويغلبني أحياناً، وكم من المرات ألقى القبض علي وهيمن علي بوحشيته السوداوية ولم يترك لي مجالاً للنظر إلى الدنيا كم هي جميلة وتستحق المقاومة، فكنت أستسلم له ولكن إلى حين.. الشعرلم يتركني فريسة للقهر واليأس والإحباط وكان دوماً الأسرع في انتشالي واختطافي من براثين الإنكسار والهزيمة والهروب بي إلى التحليق في أجواء الأمل والتفاؤل بيوم جديد. القصيدة بالنسبة إليّ حين أكتبها كثيراً ما غفرت للآخرين ذنوبهم التي لا تغتفر، وكثيراً ما صالحت بيني وبين نفسي ومن أحب ومن لا أحب وما أظنني أكره أحداً ولا أحقد على أحد، ولاشيء يستحق ذلك. لهذا رغم الصعاب التي واجهتني مازلت أتمتع بما يكفيني من السعادة والإطمئنان والقناعة والرضى.
- لماذا تتوارى الأصوات الشعرية النسائية اليمنية؟
الموهبة الحقيقة لاتتوارى أبداً ولا تختفي تحت أي ظرف من الظروف لأنها مجنونة ومتمردة ولا تحجبها جدران الضغوط ولا قمع التهديدات ولا الموانع الصارمة.
- هل تشعرين بالتزامات أدبية تجاه قضايا المرأة؟
قضايا المرأة لا تتجزأعن قضايا الرجل. نحن قضية واحدة، مجتمع واحد، معاناة واحدة. وما يهم الرجل يهمّ المرأة لا ينفصل الرجل بهمه دون مشاركة المرأة. والمرأة، ولا تنفصل بهمها دون مشاركة الرجل. المسألة هي مسألة وعي وثقافة جماعية بمسؤلية الكل تجاه الكل. نحن في حاجة إلى تنقية دواخلنا من شوائب الجهل والتخلّف والتمييز بين ذاك وتلك، فمن منا يعيش دون الآخر أو خلق دون الآخر؟ وما التفرقة بين المرأة والرجل إلا بدعة من ابتداعات الجهل والتخلف والإملاءات الاستحواذية التي فرضتها الحالة الإقتصادية التي احتكرها الرجل واستعبد بها من لا يمتلك المال وخاصة المرأة. هذا كان في الماضي أما الآن فالمرأة قادرة على إعالة نفسها، وبالتالي فهي ليست أقل شأناً من الرجل. لذا لا أشعر بأي إلتزام أدبي تجاه أي منهما على حدة، فهما عندي واحد.
- في مقابلة مع صحيفة عربية قلت: «أنا، دائماً، أقهر نفسي حتى لا أكون فرحانة والعالم من حولي ينتحب». هل يستحق العالم أن نصادر أفراحنا من أجله، أم ان إحساس الشاعرة مرهف إلى حد يجعلها تشعر بكل هموم العالم؟
هل فينا أحد يشعر بالفرح في حين النحيب من حوله يصم الآذان؟ هل فينا من يظلله بيت والأطفال والشيوخ والأرامل في العراء تحت الشمس والريح والبرد والمطر والقنابل العنقودية والفسفورية والذرية المصغرة؟
أعطني قلباً من جحر وضميراً ميتاً وعقلاً من بلاستيك حتى أستطيع أن أفرح بنفسي وأشارك القتلة والسفاحين والمافيات القديمة والمستحدثة مجدهم وزهوهم وسعادتهم بالقتل والتدمير.
- بدأت كتابة الشعر مبكراً ولكن تأخرت في اصدار دواوينك ومجموعتك الشعرية. لماذا؟
كتبت الشعر في سن الثامنة وكان شعراً غنائياً بسيطاً، واستمريت إلى سن الثانية عشرة عندما ضاق والدي ذرعاً وحاول قطع يدي ظناً منه أنني مغرمة بشخص ما، فزوّجني بالإكراه وعانيت ما عانيت. حينها توقفت عن كتابة الشعر وبدأت المعركة مع والدي وزوجي في سبيل تحرير نفسي من زواج لم أتقبله ولم أخضع لقانونه التعسفي، والقصة معروفة للجميع.ثم استأنفت الكتابة منذ عام 1986. غير أنني لم أرض عن شيئ كتبته وكلما كتبت قصيدة جديدة كرهت التي قبلها، ولا أدري متى سوف أقتنع بأنني لن أكتب أفضل مما كتبت وأنشر القصائد المتراكمة التي لا حصر لها. وما نشر لي من دواوين حصل دون علمي ماعدا «العزف على القيود»، وهو شعر غنائي كتبته خلال إسبوع ونشرته على سبيل التجربة ولغرض في نفسي.
- ما هي القضايا التي تلتزمها الشاعرة فاطمة؟
أنا فقيرة ككل الفقراء في بلادي لكنني أمتلك ما يغنيني من القناعة فأنظر إلى من أثروا على حسابنا باحتقار شديد وأبصق بازدراء على كل من انتفخ بطنه بالمال المسروق. وأنا امرأة ككل النساء وككل الرجال تهمني القضية التي تهم المواطن اليمني والعربي، فأنا أعاصر كل القضايا وأحمل الهم كله مع الجميع ولا أتخصص.
- نشرت صحف ومواقع الكترونية ان فاطمة تعرضت لانتهاكات من وزارة الشؤون الاجتماعية ... ما نوع هذه الانتهاكات؟
رشحت نفسي لانتخابات الهيئة الإدارية لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين فرع صنعاء، ضمن المرشحين وفزت وأربعة من زملائي، بالإضافة إلى اثنين احتياط ولم أكن أطمع الى أكثر من ذلك، ولكن فوجئت بأن إثنين من زملائي قد اختاراني رئيسة للفرع فاعتذرت ولكنهما أصرا وأعطياني ثقتهما المطلقة، بينما اثنان لم يوافقا وأرادا الرئاسة لأحدهما. ومع أن نظام الإتحاد ينص على اختيار الرئيس بالتوافق او بأغلبية الأصوات. وأغلبية الأصوات هي لي ثلاثة ضد اثنين، إلا إن هذين الاثنين ذهبا إلى الشؤون الإجتماعية مخالفة لنظام الإتحاد واستخرجا بياناً يحدد مهمات كل واحد منا حيث الرئيس هو محمد القعود وزميله نائب له الخ... وهذا يعد خرقاً فاضحا للقوانين النقابية المدنية غير الحكومية، لكنني أرفض هذا التدخل وأتمسك بحقي القانوني ولن أسمح للغلط بأن يفرض نفسه على الإتحاد شاء من شاء وأبى من أبى. وسوف أباشر عملي خلال الأيام المقبلة عندما تكتمل جهوزية الإتحاد لتفعيل دوره بعد إنتخابات الأمانة العامة المقبل.
- ما مدى إحساس أدباء اليمن يقضايا مجتمعهم وما إسهاماتهم في معالجة هذه القضايا؟
هذا السؤال يجعلني أتوقف حائرة بين الصراحة والمجاملة.دعني أهرب من الحقيقة التي أحلاها مروأتخيل وأحلم وأحسن الظن، وأتمنى على الأديب اليمني المعاصر أن يحمل على عاتقه إرث الأمانة وأمانة المسؤولية، وعقيدة الإلتزام وصدق الإخلاص تجاه الوطن والمجتمع واللغة والتراث والهوية، وأن يكون بمستوى الثقة. فالأديب هو رمز النهضة ومفتاح المعجزات، وهو الذي ينتشل المجتمع من حضيض الجهل والتخلف إلى ذروة التحضر والإرتقاء الواعي. وهو أيضاً المؤثر السلبي الذي يجر مجتمعه إلى هاوية الإنحطاط والغباء والإنسياق الذليل وراء ما لا ينفع ولايرفع وأتمنى أن يكون الأديب اليمني خير خلف لخير سلف، فاليمن تزخر بعطاءات الأدباء ممن وضعوا اليمن في أحداقهم وأغمضوا أجفانهم ورحلوا حاملين حب اليمن في قلوبهم، وطناً للحب والوئام وداراً للأمن والسلام والرخاء والإزدهار والتسامح والوفاق. أتمنى على الأديب اليمني ان تكون قضيته الأهم والأشمل هي نشر المحبة والتآخي.
- في قصيدة «إنها فاطمة» تبدو فاطمة محور الكون. هل هي فاطمة الرمز للمرأة أم إنها الشاعرة؟
قصيدة «إنها فاطمة» لها قصة لا مجال لطرحها الآن. كانت في البداية ردة فعل مني تجاه أناس أساؤوا إليّ ولم يكن بيني وبينهم أي عداء ولا حتى معرفة مسبقة. وهؤلاء الناس في مراكز عليا وفي مواقع قوة ويفترض بهم أن يكون عداؤهم موجهاً إلى أعداء الوطن وليس أبناء الوطن، وأن ينافسوا بقواهم من يتحداهم بقواه. أما أنا فلم أكن أهتم بوجودهم ولا أعرف إن كان لهم وجود أم لا، ولهذا كتبت قصيدة «إنها فاطمة» إستخفافاً بهم وتهديداً لكل ظالم يتجاهل قوة الضعفاء، فالضعيف عندما يدافع عن حقه في الوجود يتحول الى زلزال عاصف.
- ماذا تعني لك كلمتا الحنين والحزن؟
الحنين يعني لي الوفاء للماضي بكل معطياته السلبية والإيجابية، فالماضي هو الأجمل مهما كان الحاضر مزخرفاً بالمغريات. الحزن يعني لي الرفيق المخلص الذي لم يفارقني في حلٍ ولا في ترحال ولم يتبرأ مني حتى في لحظات الفرح.
- ما هو الشي المفقود في حياة فاطمة العشبي: الطفولة، الحلم، الأمل، الشعور بالأمان؟
أهم ما أفتقده في حياتي هو «أنا». لم أعثر على نفسي الغائبة منذ اللحظة الأولى التي خرجت فيها إلى الدنيا منذ وعيت وأنا أبحث عن فاطمة غير هذه الفاطمة المليئة بالأحزان والأحداث والفواجع. لا طفولة لي في بيت من بيوت الرعب، بيتنا الكبير الذي يتسع لأكبر عدد من الضحايا وأقوى جبابرة العنف والوحشية، وكنت الضحية الأكثر إحساساً بالظلم والأكثر مواجهة ورفضاً له.
أما الحلم فهو حيلتي للخروج من كوابيس الأيام السود والليالي البائسة، ولولا الأمل لما كنت على قيد الحياة حتى الآن. أما الأمان ففي نفسي أمان دائم وأشعر بأن الله معي في كل زمان ومكان.
- في بعض قصائدك يلمس القارئ المتأني وجود حالة من الاغتراب الذاتي عن بيئة الشعر وواقعه... هل الاغتراب واقع وجودي لإحساس الشاعرة تنبثق منه قصائدها ام انها ضرورة الكتابة الشعرية؟
أنا شخصياً لا أكتب قصيدة فيها غربة إلا وأنا في حالة إغتراب، ليس بالضرورة الإغتراب عن الأهل والوطن بل ربما اغتراب الذات عن الذات وغياب العاطفة الروحية والوجدانية. هذه هي الغربة الحقيقية، فالشعور بمرارة الغربة في الوطن وبين الأهل والأصدقاء هو أقسى أنواع الاغتراب وأشدها حزناً ووجعاً في النفس. لكل شاعرغربته التي لا يشعر بها أحد سواه، لكل غريب حنينه الخاص الى مفتقداته الخاصة.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024