أول مديرة لحوار الحضارات في الجامعة العربية السفيرة سامية بيبرس: أقاوم التقاليد الظالمة للمرأة
السفيرة سامية بيبرس، الوزير المفوض في جامعة الدول العربية، هي أول امرأة تتولى منصب مديرة إدارة حوار الحضارات في الجامعة، ولها قصة كفاح وتحدًّ فريدة.
فرغم أنها وحيدة والديها، إلا أنها رفضت الدلال المبالغ فيه، ولهذا حصدت النجاح حتى وصلت إلى منصبها الرفيع. فما هي قصتها؟ وكيف حققت النجاح؟ وماذا عن آرائها في قضايا كثيرة تهم المرأة العربية؟
- ما الظروف الأسرية التي نشأتِ فيها وساعدت على تفوّقك؟
أنا وحيدة أبي وأمي، وقد كانت لهما صفات فريدة ساعدت على غرس بذور التفوّق داخلي منذ الصغر، ما جعلني أرفض الدلال الذي تحصل عليه البنات اللاتي يكنّ وحيدات لأسرهن. فوالدتي رحمها الله كانت محامية ناجحة وشخصيتها قوية وجادة في حياتها العملية والأسرية، ولهذا كانت بمثابة القدوة بالنسبة إلي منذ الصغر، ومثلي الأعلى في الحياة، وأدين لها بالفضل بعد الله، حيث شجعتني على أن أكون الأولى في كل مراحل التعليم.
- هذا عن الوالدة، فماذا عن الوالد وتشجيعه لك في مسيرة نجاحك؟
الوالد كان وكيلاً لوزارة القوى العاملة، وقيادياً محبوباً من كل العاملين معه، وكانت له كاريزما متميزة، وهو صاحب بصمة كبيرة في حياتي، حيث كان يشجعني دائماً على الجد والاجتهاد، وأُعجب كثيراً بتصميمي على أن أكون من المتفوقين في دراستي. تمتّع والدي بشخصية منفتحة وغير عادية، وقد ترأس وفوداً عديدة إلى الخارج، بخاصة في مؤتمرات منظمة العمل الدولية، ومكث فترة من حياته في الولايات المتحدة وكندا.
- ماذا عن مسيرتك التعليمية؟
حرصت أسرتي على تعليمي في أرقى المدارس الأجنبية في مصر، فألحقتني بالمدرسة الألمانية من الابتدائي حتى نهاية المرحلة الثانوية، وكان للدراسة في هذه المدرسة أثر كبير في مسيرتي العلمية، حيث غرست في داخلي الثقة بالنفس والإرادة والتحدي والرغبة الحقيقية في التميز.
ومعروف عن الألمان، أنهم أقوياء الشخصية ولديهم اعتزاز وثقة بالنفس بلا حدود، لكن من دون غرور، ولا يخرج عن ذلك إلا المتطرف المتكبر، فتشرّبت تلك المعاني عملياً من خلال رحلتي الدراسية، وحصلت على منحة للإقامة في ألمانيا لمدة عام وأنا في المرحلة الثانوية، لهذا كنت محظوظة أنني تعلمت في تلك المدرسة التي أدين لها بالفضل في تفوّقي العلمي، بعد الأسرة طبعاً.
- حصلت على الثانوية العامة بتفوّق والتحقت بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وهي من كليات القمة المتميزة، فما تأثيرها في مشوارك؟
كنت محظوظة بالالتحاق بهذه الكلية المتميزة، التي تضم خيرة عقول مصر في الاقتصاد والعلوم السياسية، ما وسّع أفقي وجعلني أعشق الاطلاع على العلاقات بين الدول والتعرف على حضاراتها وتاريخها، وقد درّسني في الكلية أشخاص تولّوا مناصب قيادية في مصر، منهم على سبيل المثال، الدكتور بطرس غالي، الأمين العام للأمم المتحدة، الدكتور رفعت المحجوب، رئيس مجلس الشعب، الدكتور علي الدين هلال، وزير الشباب والرياضة، الدكتور مصطفى السعيد، وزير الاقتصاد، الدكتور عبدالمنعم المشاط، الملحق الثقافي لمصر في الولايات المتحدة الأميركية، الدكتور أحمد يوسف أحمد، عميد معهد الدراسات العربية، وغيرهم الكثير ممن كانت لهم بصمات في مسيرة حياتي العملية.
- ماذا بعد التخرّج في هذه الكلية العريقة؟
عملتُ في قطاع الشؤون السياسية الدولية بالجامعة العربية، وتم تكليفي بملف العلاقات العربية - الأميركية، ثم ملف التعاون العربي – الأفريقي، ما أعطاني خبرة متنوعة زادت من خلال عملي في قطاع الإعلام والاتصال كرئيس لقسم الرصد الإعلامي لمختلف القضايا السياسية في العالم، حيث مثلت الأمانة العامة في العديد من المؤتمرات الدولية والإقليمية، فتراكمت عندي الخبرات المختلفة نتيجة الاحتكاك بالحضارات المختلفة في مختلف قارات العالم.
- هل ساعدك ذلك في مسيرة عملك كمديرة لإدارة «حوار الحضارات» بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية منذ عام 2002؟
بالتأكيد، حيث تعد إدارة حوار الحضارات من الإدارات المستحدثة التي تم إنشاؤها في جامعة الدول العربية، وكان ذلك في أعقاب أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، والتي تصاعدت بعدها النظرة السلبية التشويهية للعرب والمسلمين، وتزايدت مواقف ازدراء الحضارة العربية الإسلامية في المجتمعات الغربية والتحامل عليها، فكان لا بد من تصحيح المفاهيم والمعلومات المغلوطة وتحسين الصورة من خلال إدارة حوار الحضارات، فكلّفني الأستاذ عمرو موسى، الأمين العام للجامعة العربية آنذاك، بإنشائها، كما أنني أشغل منصب مستشار تحرير مجلة «شؤون عربية»، وقد نُشر لي ما يزيد عن 150 دراسة في العديد من الدوريات السياسية المختلفة في مصر وخارجها.
- ماذا عن تمثيل المرأة في المناصب القيادية بجامعة الدول العربية؟
تحتل النساء فيها مكانة محترمة، وعلى رأسهن السفيرة إيناس سيد مكاوي، مدير إدارة المرأة والأسرة والطفولة في الجامعة العربية، والتي تهتم بكل ما يخص الأسرة العربية وواقعها ومشكلاتها، مع اقتراح حلول عملية لها، كما أن هناك قياديات وإداريات وموظفات كثيرات، وبالتالي فإن المرأة ليست مهمّشة في الجامعة العربية، بل إنها تشغل مناصب مرموقة وتحظى باحترام قياداتها في مختلف المواقع. وواجبنا تفعيل هذه المكاسب وزيادتها، لأن المرأة لا تقل كفاءة عن الرجل، بل إن الكفاءة والإخلاص في العمل هما الفصل وليسا النوع، وإذا كانت المرأة تمثل نصف المجتمعات العربية بل والإنسانية عدداً، فهي تربي النصف الآخر، وبالتالي فهي العمود الفقري لأي تقدّم في مجتمعاتنا العربية، ولا بد من احترام طموحها وعدم تهميش دورها في أي مرحلة من مراحل عمرها.
- باعتبارك مديرة إدارة حوار الحضارات، كيف ترين الحوار الأسري سواء على مستوى مصر أو العالم العربي؟
يؤسفني القول إنه على رغم كوننا نعيش في أسر شرقية مشهورة بالدفء العائلي عبر العصور، إلا أننا بدأنا نتأثر بسلبيات المدنية المعاصرة، ومنها قلة الحوار بين أفراد الأسرة، سواء بين الزوجين أو بين الآباء والأمهات مع أولادهم، بل إن بعض الأسر مصابة بـ«الخرس الأسري» بسبب وسائل الاتصال الحديثة التي قربت البعيد، حيث يمكن التحدث بالصوت والصورة مع الأقارب في أي بقعة من العالم، في حين يعيش من هم في شقة واحدة غرباء، ولكل منهم عالمه الخاص.
- ألا ترين أن بعض التقاليد الظالمة أدّت الى تراجع الحوار الأسري؟
بالتأكيد، حيث يغلب على كثير من مجتمعاتنا تفضيل الأولاد على البنات باعتبارهم «عزوة»، وقد وصفها علماء الاجتماع بأنها «مجتمعات ذكورية» ظالمة لبنات حواء، حيث يظلم الزوج زوجته باسم «القوامة»، ويسمح لنفسه بضربها وإهانتها بحجة أن الدين يبيح له ذلك، مع أنه لو قرأ السيرة النبوية لوجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، كانوا عادلين في التعامل مع زوجاتهم وبناتهم، فكان لهنّ دور اجتماعي وسياسي نشط، وقد خلد التاريخ ذكراهنّ، لهذا علينا مقاومة المفاهيم المغلوطة للدين، وهذا أحد أدواري، لأن تلك المفاهيم تخدم أعداء الدين عندما تتم نسبتها إليه رغم أنه يحرّمها ويجعل فاعلها آثماً شرعاً. ونحن نطالب شركاء الحوار من أتباع الحضارات المختلفة، الفصل بين الدين والتصرفات الخاطئة لبعض من يزعمون الانتماء إليه، وهم في الحقيقة يسيئون إليه وترفضهم عامة المسلمين، ولا بد من الحكم على الدين من خلال الاطلاع على تعاليمه وتصرفات الغالبية العظمى من أتباعه.
- ما الأهداف التي من أجلها تم إنشاء إدارة حوار الحضارات؟
الهدف الرئيسي منها إقامة جسور التواصل والتفاعل بين العالم العربي، وأتباع الحضارات المختلفة، سواء الغربية، ممثلة في الأوروبية والأميركية الشمالية والجنوبية، أو الحضارات الشرقية مثل الصينية واليابانية والهندية، وغيرها من الحضارات الإنسانية في العالم كله، ونحاول تعزيز التعاون المشترك مع أبنائها لمواجهة الأخطار الدولية التي تهدد السلم والأمن العالميين، والتي تمثل أخطاراً عابرة لحدود الدول والقارات، مثل قضايا الإرهاب والحروب والصراعات الأهلية التي تدمّر البنية الأساسية وتستنزف الموارد الطبيعية، فضلاً عن قضايا صراع الحضارات التي روَّج لها العديد من مفكري الغرب، وكذلك قضايا التلوث البيئي، وغيرها من القضايا التي تهم أبناء الحضارات الإنسانية.
- ماذا تقدم إدارة حوار الحضارات للفتيات والشباب العربي؟
نقوم بإعداد برامج تساهم في انخراط الفتيات والشباب العرب في عملية الحوار مع نظرائهم من فتيات مختلف الحضارات وشبابها، ما يساعد في تضييق هوة سوء الفهم بين أجيال الشباب المختلفة، ومنها مثلاً برنامج الزمالة بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة لتحالف الحضارات، وبرنامج الطلاب بالتعاون مع الهيئة الألمانية للتبادل الثقافي والعلمي DAAD. كما يتم تعزيز التعاون مع مؤسسات المجتمع المدني على المستويين الإقليمي والدولي، العاملة في مجال حوار الحضارات، مثل مؤسسة فريدريش إبيرت شتفتونج الألمانية، ومؤسسة «أديان» اللبنانية، ونسعى الى إدماج موضوع حوار الحضارات في العملية التعليمية، من خلال إعداد كتيبات تعليمية توجيهية تتضمن مبادئ التعايش السلمي واحترام ثقافة الآخر، مثل «دليل مؤلفي كتب التاريخ المدرسية»، الذي تم إنجازه بالفعل ونوزعه على الدول العربية، ونقدم منه نسخاً بلغات أخرى لمختلف دول العالم، لتصحيح الأخطاء التاريخية عن العرب والمسلمين في المناهج الدراسية الغربية.
- باعتبارك خريجة مدرسة ألمانية، ما هو تفسيرك لحدّة العداء الألماني ضد الوجود العربي فيها؟
رغم الموقف الحكومي المنصف الذي تقوده المستشارة أنغيلا ميركل من الوجود العربي والإسلامي، حتى أنها صرحت بأنه جزء من النسيج المجتمعي الألماني، إلا أن هناك تنامياً لليمين المتطرف، ولا يمكن أن ننسى حادثة مقتل الدكتورة مروة الشربيني عام 2009 في مدينة دريسدن الألمانية، حين قام مواطن ألماني يُدعى أليكس دبليو فينز، عمره 28 عاماً، بطعنها 18 طعنة في ثلاث دقائق، داخل المحكمة، ما أدى الى مفارقتها الحياة بعدما وصفها القاتل بالإرهابية بسبب ارتدائها الحجاب، ولهذا نركز على الدول التي فيها تنامٍ لليمين المتطرف.
- ما أهم المهام الحالية والمستقبلية لإدارة حوار الحضارات التي تترأسونها؟
أهم مهامنا الحالية والمستقبلية، صياغة وتنفيذ خطة استراتيجية عربية موحدة لتحالف الحضارات، تعكس الطموحات والأهداف العربية في مجال تحالف الحضارات، وتنفيذ البرامج والنشاطات المشتركة بالتعاون مع المنظمات والمؤسسات الدولية العاملة في مجال تعزيز الحوار بين الحضارات، وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة لتحالف الحضارات (UNAOC)، وكذلك مؤسسة أناليند الأورومتوسطية للحوار بين الثقافات - منظمة إسيسكو– المعهد السويدي بالإسكندرية – مركز كايسيد (KAICIID) في فيينا، وتنظيم مؤتمرات وندوات تساهم في التعريف بالحضارة العربية الإسلامية والتعرف على حضارة الآخر، وإقامة مشروعات مشتركة بالتعاون مع أتباع الحضارات والثقافات الأخرى، ما يساهم في تعزيز التفاهم المتبادل بين مختلف الأمم والشعوب، مثل مشروع «تاريخ مشترك: العالم العربي وأوروبا 1815 – 1918»، وكذلك تمثيل جامعة الدول العربية في المؤتمرات والمنابر الدولية ذات الصلة بحوار الحضارات، وصياغة برامج لمكافحة ظاهرتي الإسلاموفوبيا وازدراء الأديان، بالتعاون مع العديد من المؤسسات المعنية، من بينها مؤسسة الأزهر، ومنظمة التعاون الإسلامي، ومنظمة إسيسكو وغيرها.
أسرتي وعملي
- كيف استطعت الموازنة بين حياتك الأسرية والعملية؟
بحسن تنظيم الوقت بين واجباتي الأسرية، وأحاول أن أقوم بما فعلته أمي معي وأنا طفلة، لناحية قدرتها على توليد الإرادة الحديدية لديَّ للتفوق، مع ابنتي الوحيدة نهى، الطالبة في كلية الإعلام بالجامعة البريطانية، وأحلم لها بمستقبل باهر، وأن تكون إعلامية ناجحة، وسأظل داعمة لها حتى تحقق طموحاتها في الحياة. كما أنني أتفهّم طبيعة العصر الذي تعيش فيه، وهو بالطبع مختلف عن العصر الذي ولدت فيه، لكن القيم والمبادئ التربوية واحدة وإنما بصور مختلفة.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024