هامبانتوتا: جوهرة سريلانكا والمحيط الهندي
السفر إلى سريلانكا مغامرة من دون شك، خصوصاً لعشاق الطبيعة والراغبين في استكشاف المحميات الطبيعية الأخّاذة التي لا تزال تحافظ على رونقها ولم تعبث بها يد الإنسان. مغامرتي هذه المرة كانت إلى منطقة هامبانتوتا الواقعة على مسافة 240 كيلومتراً جنوب العاصمة السريلانكية كولومبو. أردت التعرف على الثقافة السريلانكية، ولذلك لم أتردّد أبداً في قبول الدعوة رغم الحاجة إلى حوالى تسع ساعات من التحليق في الجو للوصول من بيروت إلى هامبانتوتا.
بيروت - دبي، ومن ثم دبي-هامبانتوتا... الحماسة ترافقني طوال الوقت. كيف لا وأنا على وشك استكشاف بلد جديد وثقافة جديدة. صحيح أن الرحلة طويلة نوعاً ما، لكن اختياري مقعداً في درجة الأعمال على متن «فلاي دبي» ضمن لي رحلة ممتعة ومريحة، بحيث استطعت مشاهدة أحدث الأفلام وتناول أشهى الوجبات والنوم لبعض الوقت من دون الإحساس بعناء السفر. مضت الساعات الطويلة بلمح البصر ووصلنا إلى سريلانكا من دون أي تعب.
يُذكر أن شركة «فلاي دبي» هي شركة الطيران الدولية الوحيدة التي تسيّر أربع رحلات أسبوعياً إلى مطار هامبانتوتا الدولي «ماتالا راجاباكسا»، الذي يبعد 35 كيلومتراً من منتجع «شانغريلا هامبانتوتا». وإلا يتوجب على الزائر أن يسافر إلى العاصمة السريلانكية كولومبو، لينتقل منها براً إلى هامبانتوتا عبر الطريق الساحلي لمسافة 240 كيلومتراً.
وصلتُ مع زميلاتي في الرحلة إلى مطار «ماتالا راجاباكسا»، وانتقلنا بالباص إلى منتجع وسبا «شانغريلا هامبانتوتا»، حيث كانت السيدة نيرانغا، مسؤولة العلاقات العامة، في انتظارنا.
هامبانتوتا: المدينة التي استعادت الحياة بعد التسونامي المدمّر
تقع مدينة هامبانتوتا على حدود مدينة «كاتاراجاما» ومحمية «أوداوالاوي» الوطنية، ويمتد موقعها على طول الساحل الجنوبي. كانت تُعرف سابقاً باسم «ماجامبورا»، وأدّت المدينة دوراً حيوياً في بناء الوطن ورعاية ثقافته التقليدية إلى أن حدث الدمار الكبير نتيجة كارثة تسونامي الطبيعية في المحيط الهندي عام 2004. وكانت المدينة موطن الرئيس السريلانكي السابق، ماهيندا راجاباكسا، الذي أطلق اسمه على المطار المحلي للمدينة.
هامبانتوتا معروفة بجمالها الطبيعي والحياة البرية، وتسمح للزوّار باستكشاف المحميات الطبيعية النادرة في آسيا، مثل متنزّهات «يالا» و«بوندالا» الوطنية، التي تعدّ موطناً لعدد من الحيوانات البرية والطيور النادرة جمالاً في العالم، بما في ذلك النمر السريلانكي النادر. وتفتخر الجزيرة بتقديم التراث المتعدد الألوان، بينما تُجرى الاكتشافات المتأنية على الساحل الجنوبي في المعابد التاريخية، وقرى الصيد النادرة والشواطئ المنعزلة.
هامبانتوتا مدينة فريدة من نوعها تسمح للزوّار باختبار تجربة الجمال الطبيعي والحياة البرية، والهندسة المعمارية التاريخية التي تعود الى الحقبة الاستعمارية، والمسطحات المائية المالحة الواسعة والمواقع التراثية.
واحة غنّاء وسط أشجار جوز الهند
بإطلالة على الساحل الجنوبي البكر لسريلانكا الجميلة، المحاطة بأشجار جوز الهند الملكية المتمايلة، يقع منتجع وسبا «شانغريلا هامبانتوتا» في موقع متميز في مدينة هامبانتوتا العامرة بالتاريخ الغني، على بعد 240 كيلومتراً تقريباً جنوب العاصمة السريلانكية كولومبو.
يمتد المنتجع على مساحة 53 هكتاراً، مما يجعله أكبر منتجع في سريلانكا، ويضم 300 غرفة واسعة، بما في ذلك 21 جناحاً، محاطة كلها بحدائق استوائية مذهلة، إضافة إلى ملعب غولف، وسبا واسع، وقرية للحرفيين تحتفي بالفنون والحِرف اليدوية التقليدية.
يستقبل المنتجع النزلاء في قاعة مفتوحة على الهواء الطلق، مع أجواء استوائية ساحرة تنتشر في المكان، تتحلّى بروح الثقافة الاستوائية، والمواد الطبيعية والمشغولات اليدوية المحلية، التي تتناغم مع الإطلالة على مياة البحر الفيروزية، وصوت الأمواج المتلاطمة ونسمات المحيط الهندي، ليقدّم هذا المزيج طريقة مميزة في الاستقبال.
يُذكر أنه تم تصميم الأثاث في منتجع وسبا «شانغريلا هامبانتوتا» بذوق ودقة عالية لينسجم مع جمال المناطق الطبيعية المجاورة والثقافة المحلية.
محمية «أوداوالاوي» الوطنية
هل خطرت في بالك يوماً فكرة السافاري خارج الحدود الأفريقية؟ هل تعرف أن في وسعك عيش تجربة السافاري في سريلانكا، وتحديداً بين الفيلة؟
تضم سريلانكا العديد من المحميات والحدائق الوطنية، لكننا ننصحكم بمحمية أوداوالاوي الوطنية، حيث توجد أعداد كبيرة جداً من الفيلة.
في اليوم الأول لزيارتنا المدينة السريلانكية، قررنا عيش مغامرة السافاري الفريدة في تلك المحمية فاستيقظنا في الخامسة فجراً، وانطلقنا من الفندق في تمام الخامسة والنصف. استغرقت الرحلة في السيارة قرابة الساعة، ووصلنا إلى المحمية الواقعة على مسافة 200 كيلومتر جنوب شرقي مدينة كولومبو، والتي تعدّ مقصداً سياحياً رئيسياً في سريلانكا.
تمتد المحمية على مساحة 31 ألف هكتار تقريباً، وتشتهر بالعدد الكبير للفيلة التي تعيش فيها (نحو 400 فيل). خلال الزيارة، استطعنا رؤية مجموعات كبيرة منها، تلعب في الماء أو تأكل العشب والأزهار. وأُتيح لنا لمس بعض الفيلة التي اقتربت كثيراً من السيارة الرباعية الدفع، فكان الإحساس رائعاً فعلاً.
يُذكر أن محمية «أوداوالاوي» الوطنية هي موطن لمئات الأنواع المحلية من الحيوانات، بما فيها الفيلة وجواميس الماء، والتماسيح والطيور المائية، إضافة إلى العديد من أنواع النباتات والأشجار المنخفضة، مما يجعل من السهل مشاهدة أصغر المخلوقات التي تعيش هناك.
رحلتنا في السيارة الرباعية الدفع كانت ممتعة جداً وأتاحت لنا فرصة التعرف على روائع تلك المحمية الغنية بالكنوز الطبيعية، فكانت التجربة مذهلة فعلاً. وأؤكد لكم أن التواجد عن كثب مع الفيلة العملاقة ليس بالأمر الاعتيادي الممكن عيشه كل يوم، بل هو حتماً تجربة فريدة لا تُنسى.
نصائح لرحلة سافاري ناجحة
● يوصى بالقيام بجولة السافاري في الصباح الباكر أو في فترة المساء، لأن حيوانات المحمية تكون في عزّ نشاطها خلال تلك الفترة، ويمكن مشاهدتها بكثرة. وفي الإجمال، ننصحكم بأخذ سترة أو كنزة احتياطية، تحسّباً لأية تقلبات في الطقس، خصوصاً أن الطقس يتقلّب كثيراً في ساعات الصباح الأولى ويُحتمل أن يهطل المطر في أية لحظة.
● لا تنسوا حمل كاميرا جيدة النوعية لالتقاط صورٍ لأروع المناظر الطبيعية وتخليد مشاهد فريدة مع الفيلة.
● يُستحسن القيام برحلة السافاري بين شهرَي آذار/مارس وتشرين الأول/أكتوبر. ففي هذا الموسم، يمكن مشاهدة الكثير من قطعان الحيوانات بسهولة.
مغامرة مائية في نهر «والاوي»
بعد العودة من رحلة السافاري في محمية «أوداوالاوي» الوطنية، قررنا عيش مغامرة جديدة، وإنما مائية هذه المرة، تتمثل في الركوب في قارب صغير لاستكشاف نهر «والاوي» الذي يصبّ في المحيط الهندي.
كانت الساعة الرابعة بعد الظهر عندما انطلقنا لعيش المغامرة الجديدة. يحرص معظم سيّاح سريلانكا على اختبار هذه التجربة التي تتيح لهم التعرف إلى ستة أنواع مختلفة من المنغروف، و52 نوعاً من الأسماك، و72 نوعاً من الطيور، و38 نوعاً من النباتات، و28 نوعاً من الحيوانات. ثمة أشجار تحيط بجانبيّ النهر، تعيش فيها الخفافيش وطيور الكركية.
يبدأ نهر «والاوي» في أعالي قمة آدام، حيث يقال إن أبا البشرية آدم وطأ الأرض للمرة الأولى هناك. تحيط بالقمة تلال مليئة بالأشجار الوارفة الشديدة الخضرة، وتعيش فيها أنواع مختلفة من الفيلة والفهود. أما المناطق الواقعة في جنوب القمة وشرقها فتشتهر بتجارة الحجارة الكريمة مثل الزمرد والياقوت والسافير.
يتدفق نهر «والاوي» عبر سريلانكا وصولاً إلى المحيط الهندي، علماً أن السافاري المائي في هذا النهر يستغرق ساعة تقريباً.
خلال تلك الرحلة الاستثنائية، أُتيحت لنا، أنا وزميلاتي في الرحلة، فرصة رؤية الكثير من القردة التي تقفز فوق الأشجار، والطواويس التي تختال على ضفاف النهر، وطيور العقاب والغاقيات. التقطنا الكثير من الصور الفوتوغرافية أثناء إبحارنا في النهر الهادئ، وأجمعنا على روعة المناظر الطبيعية التي جعلت تجربة السافاري المائية استثنائية فعلاً. وفي نهاية المطاف، وصلنا إلى حيث يصبّ نهر «والاوي» في المحيط الهندي. تعجز الكلمات عن وصف روعة المنظر. مياه هادئة وساكنة في النهر تلتقي فجأة بأمواج المحيط المتلاطمة على الشاطئ.
نصائح لرحلة سافاري مائية ناجحة
نوصيكم بإحضار هذه الأغراض معكم قبل الانطلاق في السافاري المائي:
● قبّعة واقية من الشمس
● نظّارات شمسية
● كاميرا
● قناع واقٍ من الشمس
● سترة نجاة لارتدائها طوال فترة الرحلة في المركب
كادامانديا: قرية الحرفيين
في اليوم الثاني، قمنا بزيارة كادامانديا، قرية الحرفيين الموجودة داخل منتجع وسبا «شانغريلا هامبانتوتا»، والتي تهدف إلى فتح نافذة مباشرة على الثقافة المحلية. خلال زيارتنا لتلك القرية، استطعنا التعرف على الفنون الحرفية الوافدة من المناطق الريفية، والتي لها الفضل في الحفاظ على التقاليد السريلانكية وبقائها على قيد الحياة.
تتكوّن القرية من خمسة أكواخ حرفية تقليدية، منها منازل النسّاجين والنحّاتين والرسّامين والخزّافين. ومنتجات القرية متاحة للشراء بهدف دعم الفنانين والإبداعات اليدوية الحرفية. في المساء، تتحول القرية إلى منصة لاستعراض الفنون التقليدية مثل الرقص، والموسيقى المحلية، وفنون الدفاع عن النفس السريلانكية والتي تسمّى «انجامبورا»، وتُقام العروض الفنية وسط أجواء ساحرة يتم خلالها تقديم المأكولات والمشروبات التقليدية.
لا بدّ من جلسة Spa
بعد ظهر اليوم الثاني، أُتيحت لي فرصة الاستمتاع بجلسة تدليك عميقة للأنسجة في منتجع Chi Ayurveda Spa على يد اختصاصية بارعة نجحت في إرخاء كل التشنّج والتوتر في عضلاتي المشدودة وجعلتني أشعر بارتياح مذهل بعد انتهاء جلسة التدليك.
يقع منتجع Chi Ayurveda Spa في مكان منعزل من منتجع «شانغريلا هامبانتوتا»، ويشتمل على اثنتي عشرة غرفة مزخرفة كلها بأسلوب CHI المعروف في سلسلة فنادق «شانغريلا»، إضافة إلى بعض عناصر الديكور المستوحاة من الثقافة المحلية. يعتبر هذا المكان ملائماً للاستمتاع بالهدوء ومرافق العافية حيث العلاجات الصينية وعلاجات الأيورفيدا الاستثنائية. كما يتوافر مكتب استقبال يعمل على مدار الساعة لتلبية كل استفسارات الضيوف.
في الفلسفة الصينية القديمة، تشي أو «قي» هي قوة الحياة الكونية التي تسيطر على رفاهية الشخصية وحيويتها. ومن أجل المحافظة على صحة جيدة، يقال إن «التشي» يجب أن تتدفق بحرّية داخل الجسم، وعندما يتوقف هذا التدفق، فإن المرض وأعراضه سوف يستمران، لذا فإن الحركة هي العنصر الأساسي في العلاجات التي تحمل توقيع «شي أيورفيدا سبا».
تدليك الجسم، وتمارين الحركة، وشدّ العضلات والأوتار لتليينها، والعلاج المائي، وحركة العقل من خلال الاسترخاء والتأمل، هي عوامل تتضافر معاً لمساعدة الجسم على التجدّد الطبيعي، وهذا ما يشكل أساس فلسفة سبا «شي».
نادي الغولف الوحيد في سريلانكا
بعد انتهائنا جميعاً من جلسات التدليك، قررنا القيام بجولة في نادي الغولف التابع لمنتجع «شانغريلا». يشتمل ملعب الغولف على 18 حفرة، وهو الوحيد من نوعه في البلاد. يقع وسط مزرعة من شجر نخيل جوز الهند، ويوفر إطلالة خلابة وتحدياً مميزاً للاعبين، سواء كانوا مبتدئين أو محترفين في رياضة الغولف.
هذا التصميم الخلاّب للمشاهد الطبيعية أخذنا في تجربة لا تُنسى من خلال ثلاث مناطق ذات مناظر طبيعية، لكل منها طابعها الفريد:
* منطقة مزارع جوز الهند، تقدّم الممرات الخضراء والمخابئ الصعبة.
• منطقة الكثبان، تقدّم تغيرات وارتفاعات خفية تمنحك إطلالة خلابة على المحيط الهندي.
• منجم الياقوت، تقدّم مشاهد سخية من اللون الأخضر، تتخلّلها البرك المائية.
ونظراً لاهتمام المنتجع بالتنوع البيولوجي وحماية الطبيعة، تم تطوير منطقة الغولف بمنظور بيئي من خلال تنشيط منجم الياقوت المهجور، واستعادة الغطاء النباتي، وإعادة إدخال الطيور إلى المكان، واستخدام نوعية من العشب تتحمل الملوحة.
وقد تم تجهيز متجر الغولف الملحق بالمنطقة، بكل معدّات رياضة الغولف الضرورية، كما يمكن استئجار مختلف معدّات الغولف من المتجر. إضافة إلى ذلك، يقدّم المنتجع إمكانية القيام بحجوزات أوقات الضربة الأولى «تي تايم» وحجز عربات الغولف الكهربائية لسهولة اللاعبين وراحتهم. والنادي مفتوح أيضاً للبطولات الدولية والإقليمية والمحلية.
التعرف على المأكولات السريلانكية
أُتيحت لنا فرصة التعرف على المأكولات الآسيوية والسريلانكية بمختلف أنواعها من خلال زيارتنا للمطاعم والحانات المتوافرة في منتجع وسبا «شانغريلا هامبانتوتا». مطعم «بوجونهالا» متخصص في الأطباق السريلانكية، إضافة إلى بوفيه دولي.
أما مطعم «سيرا» فاقتبس المذاق الكامل لوجبات الأكشاك الشعبية الشهيرة في جنوب شرقي آسيا (مثل تايلندا وسنغافورة وماليزيا)، فيما مطعم «أولباثا» أو «بركة الشرب» يقدّم مجموعة منوعة من المشروبات والوجبات الخفيفة.
من جهة أخرى، تعتبر قاعة «جيمانهالا» مثالية للتمتع بالشاي أو مجموعة مختارة من المشروبات الصحية، حيث العصائر عند غروب الشمس أو المرطّبات على ضوء الشموع تحت النجوم.
معلومات مهمة عن منطقة هامبانتوتا
الموقع الجغرافي: جنوب سريلانكا.
المناخ: استوائي رطب وجاف، مع أمطار غزيرة جداً في شهرَيّ تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر.
معدّل درجات الحرارة: 30 درجة مئوية تقريباً صيفاً وشتاءً.
فارق التوقيت بين الإمارات وسريلانكا: ساعة ونصف الساعة.
المسافة بين الإمارات وسريلانكا: 4 ساعات تقريباً.
العملة: روبي سريلانكية.
اللغات: اللغة السنهالية (الرسمية والوطنية)، التاميلية، والإنكليزية.
تأشيرة الدخول: تأشيرة إلكترونية (ETA) يمكن الحصول عليها عبر الإنترنت خلال 24 ساعة.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024