تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

ماتيلدا فرج الله: لن أكون رقماً في 'أخبار المستقبل'

يقال إن فلانا يجمع المجد من طرفيه، أما ماتيلدا فرج الله فتجمعه من أطرافه الثلاثة إذا جاز التعبير، أي الإعلام المسموع والمرئي والمكتوب. انطلقت في الإذاعة، وبعدما لمعت صوتاَ، تألقت صورةَ عبر محطة ال «إن بي إن» و تلفزيون «هي»، ثم أسست مجلة «سينييه» لتثبت نجاحها بأحرف من ذهب. وها هي تنتقل مجدداً إلى الإعلام المرئي لتبدأ رحلة «أخبار المستقبل» رحلة واعدة بنجاحات موصولة. شغفها بمهنتها جعلها فريق إعداد متكاملاَ، بإعتراف من يعمل معها. واستطاعت أن تبني لها مكانة في الإعلام وتكون عامل جذب لكثير من المشاهدين الذين يتابعونها لشخصها، بغض النظر عن الشاشة التي تطلّ عبرها.


- من العمل الإذاعي إلى محطة «ان بي ان» ومن ثم إلى قناة المرأة العربية «هي» وتأسيس مجلتك «سينييه». واليوم بإنتقالك إلى محطة «أخبار المستقبل»، أين وجدت نفسك أكثر؟
لا يمكنني أن أحدّد أين وجدت نفسي، لأنّ كلّ وسيلة إعلامية عملت فيها منحتني شعوراً مختلفاً بالسرور، وكلّ منبر عبرّت من خلاله عن نفسي بطريقة مختلفة. الإذاعة ليس لها بديل بالنسبة إليّ، فإذاعة «لبنان الحرّ» مرتبطة بماضيّ الإعلامي وبأوّل تجربة لي في هذا المجال، وبشغف الوصول وتحقيق الذات. أما التلفزيون فهو المنبر الذي يفرح الإعلامي، وفي الوقت نفسه هو الأكثر محدودية لجهة تحقيق الذات، لأنّ خطوطه الحمر كبيرة  نظراً إلى ربط سياسة الداخلية بحسابات عدة. لكنّ سرّ التلفزيون يكمن في نجاحه السريع، وفي أن أصداء النجاح تتردّد سريعاً.

- لماذا إخترت الصحافة المكتوبة إلى جانب شهرة التلفزيون؟ وماذا أعطتك المجلة ما لم يعطك إياه التلفزيون؟
الصحافة المكتوبة هي ركيزة الإعلام. ومجلة «سينييه» هي التحدي، وقد قلت من خلالها: مللت منكم ومن هامشكم وأريد صنع هامشي الخاص من خلال التركيز على أشخاص أؤمن بهم، وأن لا أضع فيتو على أحد. وأسّست «سينييه» إنطلاقاً من إحساسي أن لا استقرار في الإعلام المرئي ولا يجوز البكاء على الأطلال وتذكّر الأمجاد بعد سنوات. «سينييه» هي بقية عمري إذا أعطاني الله العمر الطويل.

- ما كان الحافز الذي جعلك تتخلين عن منبرين تطلين من خلالهما على قناة المرأة العربية «عالمكشوف» و«جريء جداً»، علماً أنّ إسمك إقترن بقناة المرأة العربية؟ هل هو الحافز المادي مثلاً أم أنّ «أخبار المستقبل» فيها نجومية أكبر؟
الحافز لم يكن مادياً أبداً. في قناة المرأة العربية كانت لي محطة إستراحة من أمور عدة، كالمنافسة الشريرة والطعن بالظهر. هذا المكان عرف قيمتي ولم يكن لي منافسون فيه لأن المقدّمات الأخريات ليس لهن خبرتي وقد أتين من عالم الجمال البعيد من الصحافة. واليوم، إنتقالي الى «أخبار المستقبل» لا يعني الإستغناء عن قناة المرأة العربية، لكنني طلبت تطويراً لم أحصل عليه. ولو أتاني هذا التطوير لما تحمّست للذهاب إلى أي قناة أخرى. «أخبار المستقبل» شعار جيّد كحضور داخلي في البلد، شعرت بأنّه يمكن أن يطوّر فرصي لإعطاء إضافة للناس.

- في قناة المرأة العربية أعطيت مساحة كبيرة ونجومية. اليوم ألا تشعرين في «أخبار المستقبل» بالمنافسة لكون النجوم كثراً في المحطة؟
على العكس، هذا تحدٍ جميل بالنسبة إليّ. وأن يكون إعلامي في محطة لا ينافسه أحد، فهذا لا يعني أنّه سعيد. بل أنا سعيدة لأنني أريد معرفة ما إذا كان في استطاعتي إضافة أي جديد إلى حجمي. كما أنّ الإعلامي يجب أن يكون دوماً في معركة مع نفسه.

- هل معركتك اليوم هي الحصول على نجومية وإنتشار أكبر؟
معركتي أن لا أكون رقماً في المؤسسة بل إضافة حقيقية. وأن تقدر المحطة أنها أتت بشخص يضيف إلى المحطة وأن لا أكون بمثابة «تعبئة هوا» لساعة من الوقت.

- هل تتوقعين إضافة جديد إلى المحطة، أم هي التي ستضيف إليك؟
طبعاً سأضيف إليها، بمعنى التميّز وتقديم برنامج لا يشبه غيره، وله نكهته ضمن الحدود والسقف المعطى لي، لكي يكون للبرنامج جمهوره الكبير. وليس هدفي أن أكون مجرد رقم، وعندما أشعر بذلك لن أستمرّ في المحطة، لأن هدفي ليس إظهار جمالي على الشاشة. معركتي هي فقط أن أكون إضافة حقيقية وأن تعترف القناة بذلك.

- برنامجك إسمه «نبض». من كان وراء التسمية؟
كان هناك نقاش حول الإسم، وإقترحوه فأحببته لأنني شعرت بأنّه يشبه الوتيرة السريعة التي تنقل هواجس الناس، كما أنّ وتيرة البرنامج سريعة والتسمية على تماس مع تركيبة البرنامج.

- البرنامج سياسي - إجتماعي، ألا تفضّلين البرامج السياسية البحتة؟
لا يعتقد أحد أنني قبلت بالبرنامج لأن هذا هو المتاح. وفي مناقشات الإعداد أطالب بعناوين إجتماعية أكثر، إنطلاقاً من إعتقادي أن الناس ملّت السياسة. وفي «أخبار المستقبل» البرامج متشابهة تقريباً وتصبّ في الإتجاه نفسه. وإذا كانت إضافتي في البرامج الإجتماعية فلا أريد السياسية.

- هل تعتبرين أن تجربتك الإعلامية هي التي خوّلتك الدخول إلى «أخبار المستقبل» ولم يكن أحد وراء دخولك المحطة؟
إستغربت كيف كان الأمر بسيطاً وسريعاً. عندما كنت أجري مقابلة مع المدير العام للمحطة الدكتور نديم المنلا لمجلتي، تطرّقنا إلى حديث توقيعي عقداً مع محطة ال«أي أن بي». وسألني عن فكرة البرنامج الذي أنوي تقديمه وطلب مني التمهّل، وإتصل بمديرة البرامج ديانا مقلد وشعرت ببداية قبول لمناقشة فكرة برنامج معي. وتتطلّب الموضوع إجتماعين لبتّه. والقصة واضحة وصريحة، ولم أقرع أي باب ولم يتوسّط لي أحد، وهذا العرض كان الأكثر بساطة وصراحة في حياتي. وتلمّست أنّه حتى قبل المقابلة مع الدكتور المنلا أنّه كان هناك نية وقرار مسبق للتعاون معي لكنّه كان في حاجة إلى بلورة.

- هذا يعني أنّهم كانوا في حاجة إلى وجه إعلامي معروف ووجدوه في شخصك؟
أتصوّر ذلك، وهذا ما شعرت به.

- هل شعرت بفخر لأنك لم تقرعي الباب وكنت مطلباً لإدارة المحطات؟
الدكتور نديم المنلا أكد لي أمراً لم أكن أؤمن به، بل كان لدي إعتقاد راسخ أنّه لا يمكن الحصول على فرص إلا من خلال قرع الأبواب، وأنّ السند هو الذي يبقي الإعلامي في مؤسسته بغض النظر عن كفاءته. وجعلني الدكتور المنلا أقول إنّ هناك إستثناءً في ذلك نظراً الى السرعة في بتّ الأمور وبالطريقة العفوية التي حصلت فيها. ولو كنت من الأشخاص الذين يعرفون التوسّل للحصول على فرص لكنت حصلت على فرصتي قبل ذلك بكثير.

- هل يمكن القول إنك حقّقت حلمك؟
لا أعرف. السؤال صعب للغاية. وربما يحتاج الأمر إلى وقت لمعرفة ما إذا كان حلماً أم لا. لست من الأشخاص الذين يُبهرون، بل أنا واقعية جداً وأدرك أنّ الظروف السياسية في البلد ليست سهلة، و«تلفزيون المستقبل» في هذه المرحلة السياسية لديه مفصل سياسي صعب جداً، ولا أدري كيف سيكون هامش الحرية المعطى لي لكي أقول إنّ هذا حلم حياتي. لذا حلم حياتي هو أن أقدم برنامجاً مقبولاً ومشاهَداً رغم كلّ الظروف السياسة الصعبة.

- هل تأخّر الحظ في الوصول إليك؟
الحظ لم يتأخر، لكنّ مسار خياراتي صعب. فكرامتي فوق كلّ إعتبار ولا يمكنني الزحف للوصول، كما أنني لم أساوم على إقتناعاتي. ولم أكن أريد العمل في مؤسسة تلغي لي موضوعيتي وأسلوبي في الحوار. هذه التراكمات التي أعيها تماماً هي التي أخّرت حظوظي. وبكلّ تواضع أقول أنا أكفأ من كثيرين موجودين على الشاشة لأنني فريق إعداد بذاتي، وأتحدى كلّ من يعمل معي أن يقول عكس ذلك. أما غيري فيحتاج إلى فريقٍ كبيرٍ من المعديّن، ومردّ ذلك إلى تجربتي الصعبة في الإعلام التي جعلت مني فريق إعداد متنقّلاً. 

- لم تتأثري بكلّ الظروف المادية الصعبة التي يحكى عنها في «المستقبل»، إلى جانب دمج المحطتين، بل وقّعت عقداً مع المحطة. هل الإطلالة أنستك هذا الموضوع؟
من يعرفني جيداً يعرف أنني شرسة لتحقيق أهدافي، ولم يكن المال مرة هدفاً في حياتي. فقط عندما لا يعجبني عرض معيّن أستعمل المادة لأضع شروطي. كما أنّ عدم الإستقرار والإهتزاز المالي نراهما أينما كان، وكلّ الإعلاميين معرّضين للإهتزاز نظراً إلى الوضع المادي المتأرجح في كلّ الوسائل الإعلامية. لست خائفة أبداً، مثلي مثل كلّ الموظفين الذين يعيشون من مؤسسة «المستقبل»، وهم مستمرون.

- هل وضعت عينك قبل «المستقبل» على محطة ذات إنتشار عربي مثل «العربية» أو «الجزيرة»؟
لا يمكنني وضع عيني على أي مؤسسة في الخارج نظراً إلى وضعي العائلي، إذ لا يمكنني أن أسافر وأترك زوجي وأولادي. ولإتخاذ قرار كهذا يجب أن أكون مستقلّة.  

- بعد تأسيسك مجلة «سينييه» أصبح لك منبر خاص يحمل إسمك، ألا تشعرين بأنّ انضمامك إلى محطة ذات توجّه سياسي معيّن قد يفرض ضوابط على حريتك الإعلامية؟
«سينييه» أوجدت لي متنفساً، وما كنت لا أقبله سابقاً أتقبّله اليوم. وبتّ أشعر بأنّ غيري على شاشات معروفة سبقني إلى الشهرة وليس لديه كفاءتي، فلماذا أحمل لواء قضية فيما الواقع لا يحميها؟ كما أنّ «المستقبل» اليوم ليست كـ «المستقبل» بالأمس، فهي اليوم منفتحة على كلّ الضيوف من أيّ اتجاه سياسي كانوا، لا فيتو على أحد. وأحاول أن يكون برنامجي إجتماعياً أكثر منه سياسياً لكي أتمتع بمساحة حرية أكبر.

- هل تتوقعين أن يتبعك الناس لشخصك إلى محطة «أخبار المستقبل»، أم أنّ شعار المحطة سيكون سبب متابعتهم لك؟
أتصوّر أنّ الناس ستتابع ماتيلدا بشخصها على المحطة. فعندما كنت في قناة المرأة العربية، ولم تكن ذات إنتشار كبير، تابعني الناس. وهذا ما يجعلني أقول إنّ الناس سيتابعون ماتيلدا ليس لأنّ «المستقبل» تقدّمها، بل سيترقبون كيف سأكون على شاشة «أخبار المستقبل».

- هل تخافين على جرأتك من وضع سقف لها؟
لا لست خائفة، لأنني لن أخوض في قضايا ذات سقف منخفض. سأبقى كما أرى نفسي، من دون أن أزعج المحطة أو تزعجني هي.

- بعد سنتين على تأسيس مجلتك، هل لاقت ما رسمته في ذهنك لها؟
كان هدفي إدخال المجلة إلى المجتمع القارئ وأن تحاور بعمق غير موجود في بقية المجلاّت. لا يهمني البيع بل تحقيق حلمي في تقديم شيء مميّز ضمن عصب إعلاني يجعلني أستمرّ. والتحدي بالنسبة إلي أن أستمر، وليس هدفي الربح المادي الكبير.

- ماذا ستفعلين لتطويرها أكثر؟
في الفترة المقبلة سنكّرم شخصيات عربية مهمّة تكون على الغلاف وتأتي إلى لبنان لتكريمها هنا.

- لماذا التمسّك بالعمل الإذاعي، علماً أن الإذاعة أصبحت في مرتبة متأخرة، رغم عملك في التلفزيون؟ ألا تزالين تؤمنين بها في عصرنا هذا؟
الإذاعة تبقى بالنسبة إليّ في المرتبة الأولى لأنها كانت الفرصة الحقيقية في حياتي. وأنا بطبعي وفية ولا أنسى من أتاح لي الفرص. وتتميز «لبنان الحر» عن غيرها بأنها آمنت بي وأعطتني الفرص. وبرنامجي السياسي الإذاعي «على مسؤوليتك» ذاع صيته بين الناس، وألمس ذلك من خلال إهتمام السياسيين بالمشاركة فيه، علماً أن هذه الإذاعة حافظت على مرتبتها بين الأوائل.

- تعملين اليوم في مؤسستين ذات توجه سياسي معين، ألا يتسبّب ذلك بحكم مسبق عليك؟
ما يهمني هو أدائي على الهواء، ويكذب من يدعي أنه «رمادي» في الحياة السياسية. الجميع لديهم ترجيح لمنطق معين على حساب منطق آخر. قد أكون أقل تطرفاً في مواقفي السياسية، لكنّ لديّ إقتناعاتي، وأتوخى أقصى الموضوعية، وأستعمل معياراً واحداً مع جميع الضيوف، علماً أنني لا أخجل في أن أُطبع بخط المؤسستين اللتين أعمل فيهما.

- أي من المؤسسات الإعلامية ساهمت في إبرازك أكثر؟
جميعها من دون استثناء.

- أين تصنفين نفسك من بين الإعلاميات؟
أنا من الإعلاميات اللواتي تعبن على أنفسهن للوصول. وأثق بنفسي كثيراً ولا يهمني أن يكون خلفي فريق عمل. أنا سعيدة بالعمل مع شركة الإنتاج «فاير هورس» والسيدة نجاة رزق. لكنني عندما أكون في اجتماع مع فريق العمل أشعر بفرح للراحة التي يعطيني إياها هذا التعاون، لكنني في الوقت نفسه أدرك أنّه من دون فريق العمل هذا لن أضيع أو أتأثّر.

- طموحك كبير لا شك، ولكن اليوم مع تحقيق ما كنت تريدنه ألا يزال لديك حلم؟
لا أعرف، ليتني كنت أعرف لأرتاح وأريح من حولي. لا نهاية لطموح الإنسان، نهايته ساعة موته.

- مع كلّ الضوضاء الإعلامية التي تعيشينها، ألا يزال لأفراد عائلتك مكان؟
طبعاً، هم يشاركونني في هواجسي وأفكاري، وهم مصدر إلهامي.

- هل تقولين كلمة شكر لأحد؟
للجميع من دون أي إستثناء. شكرا لمحطة ال «أن بي أن» التي أعطتني صلابةً أكبر، وشكراً لقناة المرأة العربية التي أعطتني استقراراً نفسياً، وشكراً لإذاعة «لبنان الحرّ» التي صنعت من ماتيلدا، الإسم النكرة، إسماً معروفاً، وشكراً للدكتور نديم المنلا الذي وضع ثقته بي من دون أي واسطة سياسية، وشكراً لعائلتي التي تقف بجانبي في فرحي وحزني. وكلمة شكر أيضاً لكلّ الذين قهروني  لأنّ القهر يصنع القوة.

-  هل أنت سعيدة؟
نعم، لأنني أتمتع بسلام داخلي كبير.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079