ديانا مقلد.. عين على الإدارة وعين على الميدان
ها هي تعود إلى شغفها الأساسي، هذا الشغف الذي سجّلت فيه أهدافاً إلى جانب المراسلة التي إحترفتها وخاطرت في سبيلها، خصوصاً على أرض العراق في أوج الحرب. وها هي تعود من هناك لتجري مقابلات خاصة، وتعدّ الأفلام الوثائقية، وهو شغفها. هذه الأفلام بقيت العمل الأحب الى قلبها، تخطط من أجلها، تفكر فيها، عينها عليها وإن تكن جالسة على كرسي الإدارة. هل تكون هذه المقابلات والأفلام التي حضّرت لها كالشعلة التي أعادت إيقادها لتنير مسيرة مهنية حفلت بالتحديات والإنجازات؟ ماذا تقول ديانا مقلّد في هذا الصدد وفي إدارة البرامج ومصير محطة «أخبار المستقبل» بعد ثلاث سنوات على أنطلاقتها؟
- بعد ثلاث سنوات تقريباً على انطلاق المحطة، هل حقّقت الإختراق الإعلامي الذي كانت تطمح إليه؟
في أماكن معيّنة نعم. مع العلم أنّ المحطة لم تحقق كلّ ما كانت تطمح إليه، إلا أنّها في المحطات الأساسية يتم رصدها بما أن فيها متابعة للحدث اللبناني في أكثر من جانب، رغم أنّه في مرحلة معينة كان هناك مقاطعة للمحطة في مناطق عدة لأسباب سياسية. أعتقد أنّ المحطة استطاعت أن تأخذ موقعاً لها، وهي في صدد تطوير نفسها في إطار برمجة جديدة ووجوهٍ جديدة. وهناك العديد من الأفكار يتمّ تطويرها، كما يمكن لمرحلة الاستقرار السياسي إذا طالت أنّ تساعدنا أكثر. ونحن نعمل الآن على تثبيت وجودنا أكثر على المستويين العربي والدولي، مع إبقاء الملف اللبناني أولوية.
- من تاريخ الإنطلاقة إلى اليوم، ماذا طوّرتم فيها؟
التنوّع في المحطة أساسي. في معظم المحطات اللبنانية تنحصر التغطية بمواضيع الساعة، أما على شاشتنا فمساحة الحضور اللبناني متنوّعة وجدية. ومن هنا أعتقد أنّ ما تقدّمه محطتنا لا تقدّمه محطات لبنانية أخرى، خصوصاً المساحة المعطاة للمواضيع غير السياسية التي أضافت إلى المحطة، علماً أنّ السياسة موجودة بكلّ أطرافها، ومن يقول إنّه مغيّب فهو ليس محقاً في ذلك، ويكون هو الممتنع عن المشاركة. كما أننا نسمع ردود الفعل التي تثني على هذا التنوّع، فالمحطة لا تقدّم أخباراً جافة، وسبق أن أعلنا أننا لسنا في صدد منافسة «العربية»أو «الجزيرة».
- أين تعتبرين أنّكم أخفقتم؟ وما الذي ترونه ناقصاً وفي حاجة إلى تطوير؟
الإنتشار، وأن نصل إلى كلّ بيت بالمعنى التقني وليس بالمعنى المادي. فنحن لم نصل بعد إلى عدد من المناطق كقناة فضائية، واجهتنا مشكلات في قضية «الكايبل» وعدم التوزيع في مناطق أساسية في لبنان. وتوزيع «الكايبل» لا يخضع لمنظومة رسمية وواضحة، بل له «زواريبه»، ونحن يا للأسف لم ننجح في هذه الزواريب. وهناك العديد من المجالات يجب أن نطوّر نفسنا فيها، كالوثائقيات والتغطية خارج لبنان وغيرهما، وكلّ ذلك يعتمد على الامكانات والخبرات ويتطلب كادراً إعلامياً أساسياً. الإعلاميون الموجودون في المحطة زملاء نحبّهم ونقدّرهم ولهم موقفهم، لكن من المفيد تطعيمهم بوجوه جديدة لها تجربتها إن كان على صعيد المراسلين والمقدّمين أو منتجي البرامج، من دون أن ننسى أنّ الهزّات السياسية كانت تترك أثراً سلبياً على المحطة.
- نعلم أنّكم في صدد التحضير لبرامج جديدة، لماذا التأخير في إطلاقها؟ وإلى متى تستمّر البرامج الحالية؟
هناك برامج توقّفت وأخرى يتمّ التحضير لها منذ فترة ولم يبدأ عرضها. وذلك يعود إلى سببين، الأول يتعلّق بالموازنة والثاني بالوجوه. وفي هذا الإطار نشدّد على ضرورة أن تكون هناك خبرات كافية لتقديم هذه البرامج. فالتنوّع في الوجوه جميل وضروري، ولم يكن سهلاً علينا تأمين خبرات جديدة.
- كيف تردّين على القول إنّ شاشة «المستقبل» تعتمد على وجوه مستوردة من محطات أخرى لديها الخبرة لأنّ «المستقبل» ليس لديها القدرة على إطلاق إعلاميين؟
ليس صحيحاً ما يشاع في هذا الإطار. فثمّة إعلاميون كثر يعملون هنا وهم من خريجي المحطة، ومعظم العاملين هنا هم من أولاد «المستقبل» وهم كادر أساسي فيها. ما يحصل في هذا الإطار هو الإستعانة ببعض الوجوه، وليس خطأ المزواجة بين وجوه موجودة في المحطة وأخرى من خارجها.
- يرفض كثيرون مشاهدة المحطة بسبب صبغتها السياسية. ماذا فعلتم لاستقطاب الجمهور الذي لا يؤيدكم في رأيكم السياسي؟
هذا تعميم، ومن يقول ذلك لم يشاهد المحطة، بل ينطلق من حكم مسبق. صحيح أن المحطة تنتمي إلى خطٍ سياسي لكنها لم تقصِ أي رأي آخر. كان هناك مقاطعة في مرحلة معينة، ومن يتابع مضمون البرامج طوال الأسبوع يكوّن رأياً مختلفاً. وأعتبر أن الآراء النقدية التي تتناولنا ضعيفة ومشكوك في صدقيتها، لأنها تابعة لأطراف آخرين في البلد، وتستفيد مما تقول.
- هل تسعون إلى تعزيز تغطيتكم للشأن الدولي لتصبح المحطة أكثر شمولية؟
نسعى إلى الإهتمام أكثر بالشأن الاقليمي وتوسيع حضور المحطة عبر مقابلات وتحقيقات. فالمحطة وجدت لتتطور ولكن يا للأسف لم يتحقق ما كان مرسوماً لها تماماً بسبب الإمكانات المادية والظروف التي لم تساعد في تحقيق ذلك. ما نفعله اليوم هو محاولة الاستفادة من أحداثٍ ومحطات دولية لتقديم إحاطة شاملة، وهو ما حصل مثلاً في قمة كوبنهاغن عن التغيّر المناخي.
- غاب برنامجان إجتماعيان للمقدّمين نضال أيوب وبسام براك ولم يستعض عنهما، ما السبب؟
البرامج الأخرى كانت قيد التحضير، ولكن لأسباب إدارية تنظيمية ومالية حصل ما حصل، وهناك أفكار عدة لبرامج مختلفة تعثرت ولم تجد طريقها إلى التنفيذ.
- إذاً ما يحكى عن أزمة مالية في المحطة صحيح؟
لا ننكر أن ثمة أزمة مالية، ولكنها عابرة بإذن الله. وسبق أن رأينا أن موظفين كثراً صرفوا في مؤسسات إعلامية، وحكي عن أن محطة «المستقبل» ستستغني عن موظفين، لكن هذا الحل للازمة المالية ليس مطروحاً، ويتم تدارك الصعاب المالية من دون أن تفقد المحطة موقعها. ويبقى أن نعترف بأن الشق المالي أساسي جداً.
- معلوم أن العصب الأساسي للإعلام هو الإعلانات. كيف تستمر «أخبار المستقبل» من دون إعلانات؟ وهل عدم الحصول عليها دليل فشل؟
سوق الإعلانات في لبنان غارقة في الإحتكار، ولن أسمح لنفسي بالخوض في تفاصيل هذا الموضوع لأنه ليس من إختصاصي. ما أستطيع قوله إن وضع الإعلانات يشبه وضع البلد، وأننا لا يمكن أن نبث أي إعلانات، إذ إن هناك تحديداً للمضمون الذي نبثه، فلا نعرض مثلاً إعلاناً لثياب داخلية لا يليق بمحطة إخبارية، وهذا ما ينسحب على المحطات الأخرى.
- ما صحة ما يحكى عن دمج للمحطتين الأرضية والفضائية؟ وفي حال حصوله أين يكون موقع ديانا مقلّد؟
لست أنا من يتّخذ قرار الدمج، والقيمون على المحطتين هم من يقرّرون هل يريدون إعلاماً ترفيهياً أم سياسياً أم عائلياً؟ القرار سياسي أولاً وبالتالي مالي ثانياً، وأعتقد أن ثمة قراراً سيُتخذ قريباً. صحيح أن لي تمنياتي في هذا الإطار ولكن لا يمكن أن أفصح عنها الآن. أستبعد الدمج ولكن لا أسقط احتمالاته، فهذا قرار يتجاوزني. أما موقعي أنا فأعرفه عندما يتّخذ القرار، علماً أن خياراتي كثيرة في لبنان وخارجه.
- هل نفهم من ذلك أنك تتلقين عروضاً؟
أنا في مرحلة مصيرية. فقد اختبرت الإدارة وأضافت الى تجربتي، وشعرت بأن عملي في الأعوام الخمسة الأخيرة، قبل المحطة وبعدها، ذهب إلى مكان آخر، لست نادمة عليه ولكنني أريد المزاوجة بين عملي السابق والحالي، وإذا لم أنجح فقد أتّخذ قراراتي.
- هل تضطرّين أحياناً لتجاوز اقتناعات تؤمنين بها من أجل مصلحة العمل أو نزولاً عند رغبة سلطة أعلى في المحطة؟
نعم ويا للأسف. في العمل التسويات حاضرة دائماً وتتجاوز شخصي سواء على المستوى السياسي أو على المستوى الإداري. ولكن لا أعتبر حتى الآن أنني تعرضت مرةً لأمر جارح إضطرّني لتخطّي مبادئي. وما أحبه في المحطة هو حيوية النقاش الداخلي إن كان في اجتماعات التحرير أو في الإجتماعات الادارية. ولديّ من الحرية ما يكفي لإبداء رأيي والدفاع عنه، وغالباً ما أنجح، وعندما أدرك أن في الأمر شيئا أكبر من المحطة، أبقى جانباً ولا أتدخل. ففي النهاية مصلحة المؤسسات في كل العالم تتقدم مصالح الأفراد.
- هل تقرّين بكفاءة العاملين في المحطة أم أنّ لديك ملاحظات على بعضهم تتحفظين عن إبدائها؟
لا يمكن الحكم في هذا الأمر، الكفاءة والحضور يتفاوتان بين شخصٍ وآخر. وفي محطات كبرى ليس كلّ الموجودين على الشاشة يتمتعون بالكفاءة. أنا أحاكم الإدارة في قدرتها على إنتاج أشخاص ناجحين أو لا، إلى جانب دور الأشخاص، فالأمر مزيج من الإثنين معاً. وكلّ العاملين في محطة «أخبار المستقبل» أحترم مواقعهم ولست في مجال تقويم أحد.
- فهمنا من حديثك أنّ المحطة في صدد الاستعانة بوجوه جديدة، مثل من؟
وجوه جديدة لا يعني أن لا يكون لها خبرة تلفزيونية. ومن بين هذه الوجوه الإعلامية ماتيلدا فرج الله التي ستقدّم برنامجاً سياسياً- اجتماعياً نحن في صدد التحضير له، وهناك إعلاميون آخرون لن أفصح عنهم لأنّهم لا يزالون في أعمالهم وهناك اتفاق مرهون بالوقت.
- أي برنامج ترينه الأنجح في المحطة والأكثر إضافة إليها؟
أرى أنّ المزيج في البرامج هو الذي يضيف أكثر من برنامجٍ واحد. البعض يعتبر أنّ برنامجاً واحداً يمكن أن يُنجح محطة وعندما يغيب تعود وتنحدر، أما أنا فأرى أنّ المزيج يؤمّن استمرارية أكثر لها. لكن في النهاية هناك برامج أنجح من سواها.
- رأيناك في مقابلات خاصة من العراق مع الرئيس العراقي جلال طالباني ورئيس الوزراء نوري المالكي وآخرين، في إطار التحضير للإنتخابات العراقية، بعد قطيعة مع الشاشة. هل هذه الإطلالة بداية العودة إلى الكاميرا؟
نعم. زيارتي للعراق مع زميلي مدير الأخبار في المحطة حسين الوجه كانت للتحضير لتغطية خاصة تقوم بها القناة للإنتخابات العراقية، وكنت أحضّر لتصوير فيلمين وثائقيين من العراق في تلك المرحلة. وأجريت اتصالات بما أنّ لديّ معارف سابقة في العراق، استثمرناها لإجراء مقابلات خاصة حول قضايا الساعة في المنطقة من أجل إبراز المحطة. وأفكّر جدياً في العودة الى الأفلام الوثائقية.
- لماذا ديانا مقلّد تحديداً هي التي أجرت المقابلات؟ هل لأنك الأكثر إحاطة بالشأن العراقي في المحطة؟
جزء من حرجي في هذا الموضوع هو حصول هذه المقارنة، أن أكون في موقع مسؤول وأعمل ميدانياً، مما يضعني في مواجهة مع سائر الزملاء. وما حصل لا علاقة له أبداً بالكفاءات، زملائي لا يقلّون شأناً في إلمامهم بالشأن العراقي وبالتالي هم جزء من تغطية المحطة للإنتخابات العراقية كلّ ضمن البرنامج الذي يقدّمه.
- كيف تصفين شعورك أثناء إجراء هذه المقابلات، خصوصاً أن العراق يعني لك، لكونك سجّلت علامة فارقة في تغطيتك الحرب عليه؟
كان من المفيد جداً لي الذهاب الى العراق. وعندما غطيّت حوادث العراق كان ذلك في شمال البلاد. وهذه كانت المرّة الأولى التي أزور فيها بغداد بعد سقوط الرئيس العراقي السابق صدام حسين. كان مهم جداً بالنسبة إليّ كصحافية العودة إلى بغداد لإستئناف العمل الميداني.
- كيف رأيت بغداد اليوم؟
أفضّلها ألف مرّة اليوم عما كانت أيام صدام حسين، رغم الإستتباب الأمني الذي كان سائداً في تلك الفترة.
- بعد تبوئك مركزاً إدارياً، هل ندمت يوماً على اختيارك الإدارة وفضّلت العودة إلى العمل الصحافي؟
من الأساس لم تكن لي الرغبة في الإنقطاع عن هذا العمل. واليوم لدي فرصة أكبر في المزاوجة بين الإثنين. لكن ليس بالوتيرة السابقة نفسها، أي أن أكون شهراً في لبنان وشهراً في الخارج. ولكن أن أنتج كلّ عام مجموعة من الأفلام المميزة يعني لي أكثر وأطمح إلى تنفيذه.
- هل بهذه الأفلام من العراق تنطلقين مجددأ إلى شغفك في إعداد الأفلام الوثائقية؟
زيارة العراق هي أحد أسباب الإنطلاقة والبداية إلى عودة العمل الميداني.
- هل إنتاج هذه الأفلام سيكون خاصاً أم على حساب المحطة؟
على حساب المحطة، لأنّه ليس لي الإمكانات الخاصة لإنتاجها، لكنّه طموح بعيد المدى، وأتمنى في يوم من الأيام أن يكون لي المال الكافي لإنتاج أفلامي الوثائقية الخاصة.
- بعد هذه التجربة في إدارة البرامج، ما هي المقوّمات والصفات التي يجب أن يتحلى بها مدير البرامج؟
إدارة البرامج ليست تنظيمية فقط، فمسؤوليتي تتوزّع على شقّ يتعلّق بنوعية البرامج والمواد المقدمة ومضمونها وشكلها، وآخر يتلعّق بالبرمجة، وثالث بالمواد التي يتم شراؤها من الخارج، ورابع بشكل المحطة والفقرات التي تقدّم. لا بد ان يتمتّع مدير البرامج بخبرة تلفزيونية ومعرفة بمختلف مجالات العمل التلفزيوني ومتابعة محطات محترفة.
- ما النصائح التي تسدينها إلى مقدمي الربامج؟ وهل يتقبلونها؟
الامر ليس نصيحة بل هو نقاش. فهناك إجتماع تحرير وقرارات تتّخذ وتعمّم على الجميع. العلاقة توضع في أطرها الصحيحة لئلاّ تصل إلى طريق مسدود. ويبقى أن نذكر أن التعامل يسهل أو يصعب تبعاً للأشخاص.
- رأيناك أخيراً في الإعلان عن الحملة للإنتخابات البلدية، أي جديد قدّمته وما كان شعورك بعد إختيارك من بين وجوه ناشطة في الشأن العام؟
نسبة النساء في المجالس البلدية إثنان في المئة، وهذا رقم غير مقبول قياساً بدول عربية أخرى. أنا سعيدة لأنني أريد المساهمة في التواصل مع الناس وسبل الإقناع التي تطوّرت في عصرنا وفي دعم المرأة على الترشّح والإقتراع الذي هو حقّها. ولطالما عملت على برامج وتحقيقات مرتبطة بالمرأة، وسبق لي أن ساهمت في حملة «كفى» لمناهضة العنف ضد المرأة. ولا أترّدد في خوض أي تجربة فعّالة في هذا المجال.
- هل شعرت يوما بالتقصير حيال زوجك وإبنك بسبب العمل؟
أخشى أحياناً أن أقصر في العمل، وأحياناً في البيت. وعندما يتصل بي ابني وأكون في إجتماع أشعر بإحراج لأنني أجد نفسي مضطرّة لمسايرته.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024