تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

إلهام القاسمي... طموحي لا يعرف حدوداً

الطموح لا يعرف حدوداً، والبحث عن التفوق وإثبات الذات لا يمكن أن تقف أمامه حواجز أو تحديات. هذا ما تؤمن به الإماراتية إلهام القاسمي وهي تستعد لتسجيل رقم قياسي جديد عبر القيام في منتصف نيسان/أبريل برحلة هي الأولى من نوعها إلى القطب الشمالي دون أي مساعدة أو دعم لمدة ثلاثة أسابيع، لتكون بذلك أول امرأة عربية تطأ قدماها القطب الشمالي. ومعها كان هذا الحوار:

- متى وكيف بدأت فكرة الرحلة؟ وهل كانت لديك مغامرات أو رحلات مماثلة سابقاً؟
أحببت دائماً المغامرات والبحث عن التحدي والمشي لمسافات طويلة، كما أعشق طعم النجاح، وطموحي ليس له حدود. لكنني لم أقم برحلة أو مغامرة مماثلة لتلك التي أستعد لها حالياً، والتي أتطلع بالتأكيد من خلالها لتحقيق أول رقم قياسي رياضي كامرأة عربية، وهي الرحلة التي استلهمتها من كلمات الشيخ محمد بن راشد المكتوم: «نحن وشعبي نحب المركز الأول». أما مشواري مع البحث عن التحدي ومتطلبات النجاح لمواجهته فقد بدأ في آب/أغسطس ٢٠٠٩. وأولى خطواتي لتحقيق هذا التحدي، كانت في تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠٠٩ من خلال برنامج تدريبي صارم جداً. وقبل ذلك أمضيت سنة في بناء لياقتي البدنية العامة عن طريق التدريب ثلاث مرات أسبوعياً.


استعدادات متعددة

- من المؤكد أن رحلة من هذا النوع تتطلب استعدادات خاصة.
يمثل التدريب البدني الجانب الأهم في استعداداتي، وهو شاق للغاية، وهناك أيضا الإعداد الذهني من خلال الكثير من التأمل، وتبادل الحوار مع الأشخاص الموثوق بهم خاصة الأسرة، إلى جانب مشاركتي في برنامج «لليوغا» لمدة ٩ أيام مع مدربي، يتضمن ممارسة الصمت للمساعدة  في التحضير للرحلة ذهنياً. وكلما اقترب موعد الرحلة أُكثر من الدعاء والتضرع إلى الله لإيماني العميق بأن الشعور بالقرب من الله من أهم عوامل النجاح. أيضاً تمثل التغذية عاملاً مهماً في الاستعدادات، فيجب عليً تقريباً مضاعفة حصتي الغذائية، وأن أتحكم في نوعية الطعام الذي أتناوله الآن لكي أعتاد على كمية ونوع الطعام الذي سوف أتناوله خلال الرحلة، بالإضافة إلى تناول المكملات الغذائية لضمان تحقيق التوازن لجسمي بشكل كامل، وتزويده كل العناصر الغذائية الضرورية لتعزيز مناعتي وقوة تحملي. كذلك أهتم كثيراً في فترة التحضيرات بالحصول على قسط واف من النوم العميق لا يقل عن ٨ ساعات يومياً، والالتزام بالنوم مبكراً لأستيقظ نشيطة للقيام بدورتين تدريبيتين في اليوم. وهذا يعني أيضاً أن حياتي الاجتماعية قد توقفت قبل بضعة أشهر لأن كل وقتي خارج العمل مخصص للتحضير للرحلة، ويعد هذا تغييراً جذرياً في حياتي.


تدريبات شاقة

- ما هي مراحل التدريب التي تقومين بها ؟ وماذا عن المشرفين على تلك التدريبات؟
لقد أعد مدربي أربع مراحل من التدريب تستغرق ستة أشهر، وهي: مرحلة التكامل أو الأساس، ومرحلة تدريبات الطاقة «السرعة»، ومرحلة تدريبات التحمّل (لضمان الصمود ٨ ساعات يومياً)، وأخيراً مرحلة التحمل و التأقلم المناخي لضمان الصمود في نوع النشاطات التي سأقوم بها هناك، وهي التزلج عبر الجليد، واحتمال قيامي بذلك في بيئة بالغة البرودة، حيث من الصعب التنفس بشكل سليم أثناء ممارسة ذلك.
وأحمد الله أني قد انتهيت من المرحلة الثالثة من تحضيراتي، والتي تضمنت القيام بجولات طويلة من سحب الإطارات، وغيرها من تدريبات القوة. وقبلها انخرطت في معسكر للتدريب القطبي لمدة خمسة أيام في الولايات المتحدة في ولاية مينيسوتا حيث محاكاة نوع البيئة والتحدي الذي سأواجهه كل يوم. وسأنطلق خلال أيام في رحلات جليدية في جبال الألب لمدة ستة أيام، ويشرف عليها ثلاثة من المرشدين.
هذه التدريبات تتم تحت إشراف أربعة مدربين من ذوي الخبرة والانجازات الشخصية: فأحدهم قد شارك ٢٠ مرة في سباقات الرجل الحديدي، والثاني متمرس في تسلق الجبال، والثالث خبير في تدريبات القوة، والرابع صنف ضمن المراكز العشرة الأولى للمتزلجين المتميزين في أوروبا. بالإضافة إلى التدريب الشخصي، و معرفة كيفية البقاء على قيد الحياة في البيئات الصعبة. هؤلاء الأربعة تنافسوا أيضاً وحطموا أرقاماً قياسية، وواجهوا الفشل بالعزيمة والإصرار، وعموماً تعمقوا في فهم التأثير على نفسية الإنسان حينما يكون مدفوعا بهدف حسي وبدني.


صعوبات وتحديات

- اختيار الرحلة دون أي مساعدة أو دعم هل يمثل صعابا إضافية بالنسبة اليك؟ ما هي المتطلبات البدنية و النفسية و الصحية لرحلة كهذه؟
لا أراها صعاباً بل أرى أنها التحديات الحقيقية. فالغرض من هذه الرحلة يتمثل في دافع نفسي للخروج من منطقة الراحة. و هذا يمكن تحقيقه فقط من خلال القيام بذلك، فأنت دائما في حاجة الى أن تعرف الحدود الحقيقية لما أنت قادر عليه كإنسان. لهذا السبب كانت الرحلة دون أي مساعدة أو دعم مناسبة تماماً. ونظراً الى طبيعة الرحلة أعتقد أن المتطلبات الذهنية سوف تكون مطلوبة أكثر من المادية. مثلها مثل فكرة أن يكون لديك جميع المواد اللازمة لبناء مبنى بسهولة، و لكنك لا تملك الفكرة والخطة السليمة لتقوم بذلك.

- ما هي أهم التحديات التي واجهتك أثناء الإعداد لرحلتك؟ 
التحدي الأكبر الذي واجهته تمثل في الحصول على الدعم المادي الكافي للرحلة. ورغم  الحماس الكبير الذي وجدته من مؤسسات دولة الإمارات، وقيام كل من طيران الإمارات وبنك الإمارات دبي الوطني برعاية الرحلة، لم أتمكن من تغطية كامل تكاليف الرحلة، وهو ما نأمل تحققه خلال الأيام المقبلة بالتعاون مع رعاة من القطاع الخاص، خاصة أن من أهداف الرحلة جمع تبرعات لإحدى المؤسسات الخيرية. كما أتطلع إلى مزيد من الدعم من دولتي لتحقيق هذا الانجاز لدولتنا الحبيبة و العالم العربي.
أيضاً واجهت بعض الصعاب البدنية. حيث أصبت بإجهاد قصبة الرجل من كثرة الجري، واضطررت لخفض التمارين التي أقوم بها مثل استخدام «المشاية» أو ركوب الدراجات حتى شفيت رجلي. كما أصبت بفتق واضطررت للتوقف تماما عن التدريب لمدة ١٠ أيام لإجراء جراحة والتعافي منها. هذه النكسات كانت مهمة جدا لأنها اختبرت التزامي الذهني فضلاً عن قدرتي على اتخاذ قرارات مسؤولة وعدم التساهل في الرحلة بأكملها من خلال الاستمرار في التدريب مع معاناة الإصابة. كما كانت هذه الإصابات بمثابة تدريب عملي على مواجهة الإصابات التي قد أتعرض لها خلال الرحلة.
وبشكل عام أشعر بأن كل التحديات تبني الشخصية  وتعلمت منها كيف يجب أن أكون. و لذلك لا يسعني إلا أن أكون ممتنة وإيجابية ومتطلعة للمستقبل في مواجهة كل التحديات التي تواجهني، وان أواصل سعيي نحو الهدف.


مساندة عائلية

- وما هو موقف عائلتك من مغامرتك؟
من الطبيعي أن تشعر عائلتي بالقلق على سلامتي في هذه الرحلة المحفوفة بالأخطار، ولكنها في الوقت نفسه فخورة جداً بي وتشجعني على المضي قدماً. ومن المقرر أن يرافقني والدي حتى آخر نقطة في النروج قبل بداية رحلتي. أما أخوتي فسوف ينضمون الى والدي في هذه النقطة لانتظار عودتي من الرحلة. أما والدتي فهي تعطيني يومياً أفكاراً جديدة عن الأدوية الشعبية القديمة التي تساعد في زيادة مناعة الجسم لكي أتناولها أثناء الرحلة. وبشكل عام أجد أنني محظوظة بهذا الدعم العائلي الكبير.

- ما هي المدة المتوقعة للرحلة؟ و ما هو برنامجها من حيث نقطة الانطلاق، طبيعة الرحلة ونقطة النهاية؟
من المقرر أن تستغرق الرحلة ما يقرب من ثلاثة أسابيع منذ بداية انطلاقتي من دبي، ولكن الوقت الفعلي لرحلة التزلج إلى القطب الشمالي سيستغرق حوالي أسبوعين. وتبدأ الرحلة من دبي إلى مدينة لونغيربيرن النرويجية، وهناك سأقوم بآخر التجهيزات والتجارب والتأكد من سلامة معداتي وشراء ما يلزم. ومن هناك سوف أطير إلى بورنيو وهي محطة روسية على الجليد العائم تقع ما بين خطي عرض ٨٨-٨٩، لننطلق منها على أدوات التزلج إلى القطب الشمالي في رحلة تستغرق حوالي ١٢ يوماً حسب حالة الطقس، لأننا سنتزلج عبر المحيط المتجمد وليست اليابسة، وبالتالي لن يكون هناك مسار ثابت لرحلتنا. ففي بعض الأحيان سوف نضطر للتوجه أميالا عدة الى الشرق أو الغرب للالتفاف حول الجدران الثلجية العالية التي تكونت بفعل ارتطام كتلتين جليديتين، وأحيانا لتجنب التشققات الجليدية التي تؤدي إلى مياه المحيط المظلمة، وفي أحيان أخرى يجب تجنب الطبقات الجليدية الرقيقة والهشة والتي قد تتشقق عند المشي عليها. كما سيكون علينا التغلب على الرياح والتيارات البحرية التي عادة تحرك المنطقة القطبية في الاتجاه المعاكس للذي نسلكه. وعندما نصل إلى نقطة القطب الشمالي سنمضي الليل هناك وفي الصباح ستنقلنا طائرة عمودية إلى المحطة الروسية بورنيو ومن هناك سنستقل طائرة إلى النروج.

- وما هي الاستعدادات الطبية التي ستتوافر لكم  أثناء الرحلة ؟
سيرافقني في الرحلة مرشدان من أصحاب الخبرة في مجالات الصحة والحماية تحت الظروف القطبية، ومهمتهما مراقبة حرارة جسمي باستمرار، بالإضافة إلى الاطمئنان الى سلامة أطرافي للتأكد من عدم إصابتها بالتجمد. أيضاً سنحتاج أثناء الرحلة الى حماية أنفسنا من الدببة القطبية، ولذلك علينا أن نستخدم الشعلة لإخافتها، وستكون بحوزتنا أسلحة نارية نستخدمها فقط في حالة تعرضنا للهجوم من الدببة. وقد تلقيت تدريبات خاصة على هذه الظروف القطبية في مينيسوتا.


خوف وترقب

- مع اقتراب موعد الرحلة، بماذا تشعرين؟
من المضحك أنني لم أشعر بالخوف على الإطلاق حتى سألت هذا السؤال! عندها فكرت في كل الأشياء التي يجب أن أقلق بشأنها... و لكنني أعتقد أنه لا يمكن أن يتحقق النجاح لرحلة مدفوعة بالخوف. فهذه الفكرة ظلت تراودني لفترة طويلة، وأشعر بأنه لا مفر من القيام بها.

- ذكرت أن «هذه الرحلة مثل الهواء النقي من التفاؤل وسط أجواء التشاؤم في هذه الأيام»، ما هو التأثير الذي تتوقعينه من الرحلة؟ وما هي أجواء التشاؤم التي تقصدينها؟
الهدف الأكثر أهمية الذي أسعى لتحقيقه هو تشجيع الشباب على أن يكونوا أكثر نشاطا وحيوية، وأن يتذوق الجميع طعم النجاح ويتعطشوا لمزيد من الانجازات. وأعتقد أننا كأمة يمكن أن نكون أكثر طموحاً الى تحقيق الانجازات، بما في ذلك الانجازات التي لا نستطيع حتى تصورها الآن. فقد عمل آباؤنا وأجدادنا بجد لبناء دولة عظيمة وعلينا أن نواصل ذلك من خلال التحفيز والدافع. وهذا لا يتحقق دون الثورة البشرية التي تتصف بالطموح والوعي والايجابية.

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078