محافظ رام الله والبيرة د. ليلى غنام: أمي تمنّت أن يتم اعتقالي
من يقترب أكثر من محافظ رام الله والبيرة د. ليلى غنام، يرى كم هي إنسانة رقيقة وحساسة جداً، فهي لا تزال تملك قلب طفلة رغم أنها صاحبة قرار سياسي حازم. امرأة تقف إلى جانب الجميع وتسعى ليل نهار الى مسح الدمعة من على وجوه أمهات الأسرى والشهداء وزوجاتهم. التقينا د. ليلى غنام في مقر مكتبها في محافظة رام الله والبيرة، وكان معها الحوار التالي.
- كنت طفلة تتحمّل المسؤولية وتتميز بدور القيادية، من صقل شخصية الطفولة لديك حتى أصبحت تمتلكين عقل امرأة في جسد طفلة؟
أنا كأي طفلة فلسطينية وُلدت في قرية ديردبوان التابعة لمحافظة رام الله والبيرة، وتربت ضمن عائلة قيادية آمنت بإعطاء الدور لأبنائها، كما أنني أؤمن بأن القيادة تكون موجودة في الجينات وتتطور مع الزمن، ومنذ طفولتي كنت آخذ دور المسؤولية على عاتقي الشخصي، حيث كنت حلقة وصل ما بين الأسرى في سجون الاحتلال وبين عائلاتهم وأصدقائهم. ورغم أن الانتساب إلى التنظيمات كان يتم بعد سن الثامنة عشرة، إلا أنني شاركت في سن الـ11 عاماً، وأخي هو من ساعدني في الانخراط في العمل التنظيمي، كما أنني لم أكن وحدي، بل كان كل أبناء جيلي يفعلون الشيء نفسه.
- لدى أي عائلة فلسطينية أسير واحد على الأقل، وقد مررتِ بتجربة اعتقال أشقائك، حدّثينا عنها؟
عندما أتذكر هذه الأيام أشعر بصعوبتها، لأنني كنت أختاً لأسيرين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وعائلتي هي من علمتني مع إخوتي المبادئ التي تربينا عليها، فأنهكت مداهمات الاحتلال المستمرة لبيتنا والدتي، الى درجة أنها تمنت لو يتم اعتقالي كي ترتاح، لكنني أعلم أن هذا كان من وراء قلبها.
- د. ليلى غنام إلى ماذا تحنّ في طفولتها؟
أشعر بأنني أخذت حقي من التعب والفرح في كل مرحلة من حياتي، وأؤمن بأننا نحن من نصنع الزمن الجميل لنا ولمن يحيطون بنا، وأتذكر مثلاً رحلة روضتي إلى مدينة القدس، حيث كنا ننشد بالغناء طوال الطريق، وزرنا المسجد الأقصى المبارك وحائط البراق وكنيسة القيامة، ولم أنسَ لون الزي المدرسي، فزي البنات كانت فيه مربعات بالأبيض والأحمر، أما زي الصبيان فكانت فيه مربعات بالأبيض والأزرق.
- كيف كانت الليلة التي سبقت تعيينك بمرسوم رئاسي كمحافظ رام الله والبيرة؟
لم تكن هناك ليلة سابقة، إذ بُلّغت بالتعيين قبل ساعة واحدة فقط، وأديت القسم في مقر الرئاسة الفلسطينية، لذلك لم تكن هناك أي تحضيرات. كما أنني كنت أعمل كنائب محافظ وقائم بأعمال المحافظ في رام الله والبيرة، وكي لا أتعب نفسياً كنت أجهز نفسي لاحتمالية عدم تعييني في منصب المحافظ واختيار محافظ آخر، لأنني كنت أصغر محافظ وامرأة أيضاً. لكن كان هناك نائب محافظ قبلي، وهي الأخت عنان الأتيرة، وبقدر سعادتي بقرار تعييني، شعرت بالمسؤولية الكبيرة، ولن أعتبر أنني نجحت إلا إذا حصلت امرأة أخرى على المنصب نفسه، كي لا تكون تجربة ومضت وبالتالي يبقى هذا المنصب حكراً على الرجال.
- حتى هذا اليوم، لا نزال نرى نساءً يضعن وردة بدلاً من صورتهن أثناء مشاركتهن في الانتخابات، لماذا؟
لو نظرنا من زاوية إيجابية، فإننا سنرى كل امرأة وردة، ويجب أن تفخر المرأة والرجل أيضاً بتقديم المرأة النموذج، وللأسف لا نشاهد ما ذكرته في الانتخابات فقط، بل أيضاً في بطاقة دعوة العرس، حيث كثيراً ما نرى أباً يكتب في الدعوة كلمة «ابنته» ويضع بجانبها صورة وردة، وأحياناً نعتقد أن العروس اسمها وردة. أقول لأي رجل: يجب أن تفتخر حين يُعرف اسم ابنتك أو شقيقتك أو زوجتك، فهذا ليس عيباً، لكنها قد تكون عادات وتقاليد سيئة، فأيام الرسول سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، كان اسم المرأة فخراً للرجال وكانت توجد في موقع المسؤولية، ويقال فيها الشعر.
ومن الناحية الدينية، فإن الدين الإسلامي هو الأكثر إنصافاً في مجال حقوق المرأة، لكنْ هناك أناس يتستّرون خلف الدين، فيظلمون المرأة، وأناس آخرون يفعلون ذلك بسبب جهلهم، وهنا يكون دورنا لأجل التوعية.
- هل كونك امرأة زاد من مهامك، وتحديداً في ما يتعلق بالمرأة؟
عندما تكون المرأة في موقع المسؤولية، تختلف عن الرجل بأنها تهتم بالتفاصيل، فهي تفكر دائماً خارج الصندوق عكس الرجل، الذي يصدر القرار من دون النظر إلى أبعاد الموضوع، أما المرأة فتفكر في الجميع لأنها أساس المجتمع وهي من أنجبت الرجل وتتفهم احتياجات المجتمع بكامله من رجل وامرأة وطفل. وبالنسبة إلي، كنت سابقاً وصية على خمسة أطفال في قضايا اجتماعية، ورافقتهم في الإرشاد من أجل إعادة دمجهم مع عائلاتهم، وتساعدني في ذلك الآن المستشارات القانونيات في المحافظة، وهناك العديد من القضايا التي ننظر إليها بنظرة الأم أو الأخت، وهي نظرة شمولية لأي قضية.
- تبنيت قضية مهمة جداً هي تهريب النطف، وحضرت العديد من عمليات الولادة، حدثينا عن ذلك؟
أشعر بأنها معجزة من الله سبحانه وتعالى، لأن فيها تحقيقَ حلم للمرأة بشكل خاص، كونها تريد أن تصبح أماً، ونحن من جهتنا نبحث في ألا يكون هذا الأمر مخالفاً للشريعة الإسلامية، ونتأكد من وجود إثبات نسب وغيره من الأمور... وهنا، أوجه شكراً خاصاً للدكتور سالم أبو خيزران الذي آمن بهذا الموضوع، ونفذه في مركزه الطبي الذي يحمل اسم رزان، واليوم أصبح لدينا أكثر من خمسين حالة ولادة في الضفة الغربية وقطاع غزة، نتيجة تهريب نطف من الأسرى المعتقلين في سجون الاحتلال إلى زوجاتهم. وقد حضرت العديد من عمليات الولادة، وكانت أنفاسي تتقطع الى أن يخرج المولود بخير، لأنني أعلم جيداً كمّ الصعوبات التي واجهها كل من الأب والأم من أجل الوصول الى هذا الحلم، والخوف الكبير من عدم اكتمال هذا الحلم.
- أين تحتفلون كمحافظة بمناسبة عيد الأم؟
كنت في زيارة لقرية الأطفال SOS في بيت لحم، وحتى الآن ما زلت أشعر بالسرور لأنني شاهدت الفرح على وجوه الأطفال، فدائماً ما أقول إن السعادة عطاء وليست أخذاً، ونحن نقوم بالاحتفال السنوي بعيد الأم في هذه القرية تقديراً للأمهات البديلات اللواتي يقمن بتربية الأطفال، وحتى يعيش الطفل فرحة عيد الأم، إضافة إلى أننا ندعم بشكل دائم «بيوت الأجداد»، وهي بيوت لرعاية المسنين، رغم أن المجتمع يفضل أن يكون المسن مع أسرته وفي بيته، لكن هناك الكثير من الحالات التي لا يوجد لديها عائلة، ولذلك وُجدت بيوت الأجداد. كما أنني عملت في فترة سابقة مع برنامج تأهيل المعوقين، وكذلك مع فريق «من بيت لبيت» في مناطق الضفة الغربية، وحتى الآن ما زلت أتذكر أسماءهم الكاملة.
- إلى أي مدى ساهم كونك محافظاً امرأة في التقليل من العنف تجاه المرأة الفلسطينية؟
في هذه القضية تحديداً لدي رأي خاص، إذ أؤكد أنه لا توجد ظاهرة عنف تجاه النساء إنما حالات فردية مثل أي مجتمع آخر، فنحن لسنا في المدينة الفاضلة بل في مجتمع يقدّر المرأة، في وقت إذا توقف أحدهم في الغرب عن عمله قد يقدم على قتل زوجته وأطفاله، وإذا تم طرد طفل من المدرسة قد يعود الى قتل زملائه، وهذه حادثة سمعنا بها منذ وقت قريب، بالتالي فإن وضع المرأة لدينا مطمئن، حيث أصبحت لديها القدرة على التكلم عن مشاكلها، ففي الماضي كانت المرأة تفتقد التمكين الاقتصادي وحرية الكلام، وكان يجب أن تصبر حتى ولو قام زوجها بضربها، وكان يقال أنه ليس عيباً أن يقوم الزوج بضرب زوجته، فكانت تعنَّف وتسكت. أما اليوم، فنحن نسير في الطريق الصحيح، حيث تعدّ المرأة المجتمع كله وليس جزءاً منه فقط، وهذه ليست شعارات، لا سيما وأنها تنجب ومن ثم تربي الأجيال.
- ما هي المواقف التي لن تنسيها في حياتك؟
أتذكر والدة الشهيد محمد حطاب حين وصلت إلى المستشفى وهي غير مصدقة أن ابنها قد استشهد. يعتقد البعض أن الشخص المسؤول ليست لديه مشاعر وأنه يعتاد على الموت، وهذا ليس صحيحاً، فلكل قصة خصوصيتها مثل الأم التي كانت تحلم بمستقبل ابنها، وفي لحظة هُدم هذا الحلم وغادرها، لكن من المفروض دائماً أن يقوي المسؤول الآخرين وليس العكس، وفي يوم وفاة الحطاب لم أستطع أن أداري دمعتي.
- لديك رأي خاص في تصرف أم الشهيد حين سماعها نبأ استشهاد ابنها، حدثينا عنه؟
لقد اعتدنا رؤية أم الشهيد وهي تزغرد أمام عدسة الكاميرا، لكنها طوال حياتها ستبقى تتألم وتتعذب على فلذة كبدها الذي خسرته، لذلك أن ضد أن تقوم أم الشهيد بإطلاق الزغاريد حين تسمع خبر استشهاد ابنها، لأن العالم خارج فلسطين سيعتقد أن أولادنا ليسوا عزيزين علينا، بالتالي يجب ترك الأم تعبر عن مشاعرها بشكل حقيقي، ففلسطين غالية علينا وأولادنا أيضاً عزيزون علينا.
- الاحتلال يعمل على سرقة التراث الفلسطيني، فكيف تردين على ذلك؟
نقوم بالإعداد لخطوة في هذا المجال، بالتعاون مع الكثير من جهات الاختصاص التي تنظم معارض في فلسطين وخارجها وتهتم بحماية التراث الفلسطيني. لقد سرق الاحتلال الإسرائيلي منا التاريخ والأرض والماء والهواء، ويحاول سرقة كل شيء، حتى وصل الأمر به إلى أن يُلبس موظفات الطيران لديه الزي الفلسطيني القديم.
- قد تواجهين بعض الصعوبات أو المخاطر في عملك، فكيف تتعاملين مع هذه الأمور؟
الأمر يعود إلى طريقة التربية، فهي ما يجعلني قوية. المرأة الفلسطينية كانت الرقم الأول في ظل غياب الرجل، وصاحبة الفعل كشهيدة أو أسيرة أو جريحة، ويجب أن تكون إما قوية أو قوية، فلا يوجد أمامها خيار آخر.
- ماذا عن حياتك الأسرية والاجتماعية؟
أريد أن أوجّه اللوم الى المرأة التي تشتكي من أنه لا يوجد وقت لديها، وأقول لها إن الأمر يحتاج إلى التنظيم. أعمل دائماً على التوفيق بين حياتي الأسرية والاجتماعية، وعندما تقوم أي سيدة أو طفل أو رجل بالإشادة بي، فإن هذا يزيد من العبء الواقع عليّ، فأبدأ بالبحث عن المزيد من العمل حتى أحافظ على صورة كل مناضلة فلسطينية، وأعكس صورة جميلة عن المرأة الفلسطينية والعربية والمسلمة.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024