تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

ميلاد يوسف: خياري الأول الدراما السورية... وابتعدت عن خلاف «باب الحارة»

ميلاد يوسف فنان يمتلك قدراً كبيراً من قوة الشخصية والثقة في النفس، يعرف ما يريد بدقة ويسعى إلى تحقيق طموحاته بدأب إيماناً بفنه وبما يقدم من أعمال، قدّم مختلف الأدوار وامتلك طموحاً كبيراً سعى إلى بلورته عبر عمله الدؤوب وخوضه غمار الأدوار الصعبة، فأثبت موهبة أصيلة وقدرة صادقة على التنويع وتقديم مختلف الشخصيات، وفي كل مرة كان يؤكد، عبر ما يقدم، التميّز وتكريس الحضور الأهم على الشاشة، فحُفرت في الذاكرة مشاركته في الكثير من الأعمال... عن مصير شخصية، «أنور» التي يؤديها في عمله الأخير «روزانا» وأعمال أخرى... كان لنا معه هذا اللقاء:


- وقفت إلى جانب المخرج بسام الملا في الخلاف الذي نشب قبل الجزء الثامن من «باب الحارة»، حول حقوق ملكية المسلسل، بينه كشركة «ميسلون» وبين شركة «قبنض»... فماذا عنك اليوم وفي أي صف تقف؟
أنا خارج هذا الخلاف، لكني أحب الدفاع عن التقاليد والأصول التي ينبغي احترامها من جانب الممثل والكاتب والمخرج والمنتج، فلا يحق لك أخذ ما لا تستحقه.
أذكر لك مثالاً سيئاً حصل قبل عشر سنوات في أحد الأعمال، حيث تم استبعاد المخرج والاستعانة بمخرج آخر خلال فترة تصوير العمل، ما أحدث صدمة لدى جميع المشاركين فيه، لأنه لم يسبق أن حدث مثل هذا الأمر، فكلنا كنا نعرف أن المخرج هو المسؤول والقائد الفعلي للعمل، لكن بعد هذه الحادثة (للأسف) التي تركت أثراً سلبياً في آلية العمل، باتت نوعاً من التقليد السيئ، بمعنى أن المخرج أصبح من الممكن استبعاده في أية لحظة، وبالتالي تحولت هذه الحادثة إلى حالة، واليوم يمكن لشركة الإنتاج أن تستبعد المخرج في أية لحظة، لكن لو دافعنا أو أننا لم نقبل بهذه الحالة الشاذة منذ البداية، لما تم تكريسها.
وقلت هذا المثال لأنه يخلخل العلاقات والحالة الفنية، بخاصة أنني أعتبر أن المخرج، نتيجة هذه الحالة، بات يفقد السيطرة، الى درجة أنه من الممكن أن تتحكم به شركة الإنتاج أو النجم أو الكاتب... أي أنه فقد جزءاً من أدوات تملّكه. لذلك، ينبغي عدم تكريس هذه الأخطاء والحالات الشاذة، لأن مردودها سيكون سلبياً جداً، ومن حقنا الدفاع عن أصول المهنة.

- غيّرت الحرب الكثير من المفاهيم لدى «أنور»، الشخصية التي تؤديها في مسلسل «روزانا»... فكيف حدث هذا الانقلاب في حياته؟
تكون الشخصية سلبية في البداية، لكن ليس تجاه الشر وإنما في مفهومها للحياة وتعاملها مع تفاصيلها، فأنور أحد الشباب الذين لا هدف لديهم، وكل ما في الحياة يبقى ضبابياً بالنسبة إليه، حتى يتعرف إلى فتاة تنتمي الى عائلة أتت من حلب وتعيش مأساة حقيقية، مثلها مثل الكثير من العائلات السورية التي جعلتها الحرب تفقد، في لحظات، ميزتها والكثير من الخصوصية العائلية.
تعرُّف «أنور» إلى الفتاة «ديمة» ضمن ظروف عائلتها القادمة من حلب يكون كالصفعة التي تجعله يصحو على فكرة أن الحياة ليست لوناً واحداً وإنما فيها ألوان متعددة، فيعيش حالة حب مع ديمة، لتبدأ معاني الحياة بالاختلاف بالنسبة إليه، وتصبح لديه جدية أكبر في التعاطي مع الأمور، ما يدفعه الى تحمُّل المسؤولية نحو هذه العلاقة ونحو العائلة.
لكن في المقابل، يخسر الكثير من الأمور السهلة التي كان يعتمد عليها في حياته، ويرضى بأن يتخلى عنها مقابل ولادة هذه الحالة الجميلة التي بدّلت حياته، فيذهب الى الحد الأقصى في دفاعه عنها في خضم الحرب التي نعيش فيها. وبالتالي، يحمل الدور رسالة مهمة، مفادها أن الإنسان قد تنقلب حياته بسبب قصة حب أو نظرة أو عبر تفاعله مع إنسان آخر.

- عادةً، تؤثر الحرب سلبياً في النفوس، بينما حدث العكس مع «أنور»، حيث أثرت في حياته بشكل إيجابي!؟
إنه طرح جديد، فعلى رغم أن الحرب مأساة سوداء، إلا أن هذا السواد ونتيجة قسوة الحرب، يجعل للأشياء قيمة أكبر أحياناً، فنكتشف في الحياة أن هناك ألواناً متعددة ينبغي أن نذهب باتجاهها، وبالتالي قد يكون مردود الحرب معاكساً، أي أن نبحث عن الحب والدفء والحنان والإخلاص والجمال، لأن كل هذه المفاهيم باتت معرّضة للتحطم والانكسار.
وخلال الحرب، يجد «أنور» أن هناك أموراً كان قد تخلى عنها كقيمة إنسانية أو أنها منكسرة في حياته بصورة عامة لكنها موجودة على الصعيد الإنساني، أصلاً هذا هو سر الحياة، فإن ذهبت الحروب باتجاه العنف والانكسار فقط، فالحياة لن تستمر، وأحياناً من خلال الحرب، تعود المفاهيم الإنسانية لتُصقل من جديد.
وشخصياً، أحب هذا النوع من الأعمال، وأفضّل الابتعاد عن فكرة البقاء ضمن دائرة الكلام عن السواد، بخاصة في هذه الفترة، ففي الحرب من المهم أن نحكي عن الجمال والقيم الإنسانية، وفي وقت السلم ورتابة الحياة، يمكننا الذهاب باتجاه السواد والمأساة أكثر عبر ما نقدم.


ملامسة الجراح

- ملامسة الجراح تحتاج الى الكثير من الدقة والمعرفة والمخيلة، فكيف يمكن نقل ما يجري بصدقية ليرى الناس أنفسهم على الشاشة حقيقة؟
أقول دائماً إنه عندما ننجز أعمالاً عن الأزمة ينبغي أن تكون هناك مسافة زمنية قد مرت، لأن الواقع يبقى أقوى، لكن مسلسل «روزانا» يدور حول عائلة حلبية، وقد مر زمن على الأحداث في مدينة حلب.
وعندما تقدم الصورة ببساطتها وبحسها الفني العالي على مستوى الحكاية، وعلى مستوى الأداء ومنطق المشهد وأسلوبه، تستطيع أن تقرّب المسافة بينك وبين المشاهد ليلمس أن ما تقدمه انعكاس لصورته، أي أن تنحو باتجاه البساطة من دون أن تحمّل الحالة الفنية أكثر مما تحتمل، فبقدر بساطتها تقترب من المشاهد.

- ضمن هذا الإطار، هناك وجهتا نظر: الأولى تنحو باتجاه الهروب من تناول الأزمة لمصلحة أعمال ترفّه عن الناس، والثانية تقول أن الدراما مرآة الواقع وعلينا تناول الأزمة... فمع أي من وجهتي النظر تقف؟
أرى أن الدراما هي حلم في جزء منها، والحلم لا يحكمه الواقع، وبالتالي ما لا تستطيع تحقيقه في الواقع تحقّقه في أحلامك وتداعياتك، وإن ترجمت هذه التداعيات وهذا الحلم عبر عمل فني، فالمشاهد يجنح تلقائياً وإنسانياً نحوه، لأن الإنسان يحب أن يشاهد الحلم ورؤية الجمال واللا معقول.

- لكن الدراما هي إعادة صياغة للواقع!
الدراما كانت دائماً أجمل الروايات وأحلى النصوص المسرحية والسينمائية والتلفزيونية، صحيح أن جزءاً منها يكون من واقع الحياة، لكنها تُقدم بطريقة الحلم والدهشة واللا معقول، فأجمل قصص الحب هي تلك التي كُتبت في اللا معقول والتي تشعر أنه لا يمكن أن تحدث في الحياة، وسبب الجنوح نحو الحلم هو أن لا قيود تحكمه. وفي رأيي، فإن مثل هذه الأعمال، بخاصة في الأزمات، تكون حالات إبداعية متميزة وتبقى في ذاكرة المشاهد، وأنا أؤيد الجنوح نحو الحب والضحك والجمال، وأرغب دائماً في أن أذهب بهذا الاتجاه عوضاً عن الاتجاه نحو السواد والقسوة.

- كيف تتعامل مع ما تم تناقله عن جهات عربية تُعنى بالإنتاج والتسويق، أنها هي من صعدت بالدراما السورية وهي من تنزلها، وأكبر دليل على ذلك صعوبات التسويق التي تواجهها اليوم؟
سأقول لك معلومة، صدق أو لا تصدق، إن محطات عدة وجهات وشركات إنتاجية عربية تتمنى العودة الى الإنتاج والتصوير في سورية لأسباب عديدة، فالحالة الموجودة هنا للإنتاج متميزة، وهي تجربة لها أسسها منذ زمن، والجميع يعرف أن أهم الإنتاجات العربية قُدمت في سورية، أضف إلى ذلك أنه على المستوى الفني لدينا كادر متميز، كما أن طبيعة البلد تلعب دوراً، فهناك خيارات متعددة لأماكن التصوير في سورية، والأهم هو تكلفة الإنتاج، ففي الدول المحيطة تجد أن هذه التكلفة مرتفعة جداً وتصل إلى أرقام مذهلة بسبب غلاء البلد نفسه بطبيعة الحال، والمنتج يتمنى أن يُنجز عملاً جيداً بتكاليف مقبولة، وهذه الحالة تميّزت بها سورية، لكنها انقطعت نتيجة الأحداث.

- كثيرون يتحدثون عن حصار يُمارس بحق الدراما السورية وصعوبات في تسويقها!
لست مع نظرية المؤامرة، فالعمل الجيد على المستوى الفني والفكري يفرض نفسه.

- لم يكن مسلسل «شبابيك» الذي شاركت فيه جيداً؟... لماذا لم يتم بيعه للعرض في رمضان واضطر أصحابه للذهاب نحو خيار القناة المشفرة؟
هذه سياسة شركة إنتاج، فالعمل عندما يُباع للمحطات المشفرة لا يُحرق ويمكن توزيعه وبيعه في ما بعد، بالتالي عندما تعرضه بشكل حصري على قناة مشفرة فهو دليل على أنه عمل جيد ومميز، لأنها لا تأخذ أعمالاً غير جيدة. دعنا لا نحصر ما يحدث ضمن الإنتاج السوري فقط، فمعاناة الدراما تشمل حتى الأعمال غير السورية، بما فيها الدراما المشتركة واللبنانية والخليجية والمصرية... لأن المحطات التي كانت تستقطب الأعمال تمر اليوم بأزمات، وهذا الأمر انعكس على طبيعة الإنتاج ونوعيته، فما يحدث حالة عامة وشكوى جماعية وليست خاصة بالدراما السورية فقط، حتى أنها كانت تحدث في فترات أخرى.

- لكن لم نسمع أن هناك مسلسلاً لبنانياً أو مشتركاً تم تأجيله لأنه لم يتم تسويقه!
هذا صحيح، لكن هل تعرف المشكلات التي تعاني منها الدراما هناك؟ فعلى سبيل المثال، قد تجد أعمالاً تُنفذ بربع موازناتها، أو أن هناك من لم يقبض أمواله، لا بل هل تُقارن إنتاج الأعمال التي كانت تصور في لبنان منذ ثلاث سنوات بإنتاجها اليوم هناك؟... فاليوم، ارتفعت أرقام التكلفة بشكل كبير، وبالتالي الموضوع مرتبط بأزمة دراما كاملة وأزمة محطات في المنطقة وليس في سوريا فقط.
وأرى أن الحل يكمن في فتح النوافذ المتعلقة بالدراما السورية لتسويق أعمالها، ومنها الحاجة إلى محطات، بحيث يتم التسويق المحلي قبل التسويق للخارج، كما أن هناك أهمية لعودة المعلن والسبونسر للمساهمة في تنشيط الحالة ككل، وأرى أنه إلى حد ما عاد الإعلان في هذه الفترة فعلاً.


أعمال مشفّرة

- مشاركة الفنان في عمل يعرض على قناة مُشفّرة هل تسيء إليه، بخاصة أن الجمهور حينها لن يعود قادراً على متابعة مسيرة تطوّره، وعندما يحين موعد عرض عمله للعموم يكون قد أصبح «وجبة بائتة»؟
للأقنية المشفرة جمهورها، وما لا شك فيه أن هناك ضرراً جانبياً يحدث، لأنك كفنان تأمل بأن يُعرض لك عمل شاركت فيه خلال شهر رمضان، ولكن تُفاجأ بأنه يعرض في ما بعد على قناة مشفرة، فأي جهد فني إن لم يكن فيه تفاعل مع الجمهور يجعلك تشعر بالإحباط، وأنا أفضل أن يكون عملي موجوداً على قناة في وقت جيد ليراه أكبر قدر من الناس.
لكن طريقة العرض اليوم اختلفت، فعملية المُشاهدة باتت تحدث عن طريق مجال جديد، وهو الـ»يوتيوب» الذي ستكون له الحصة الكبرى في العروض الفنية المقبلة، وبالتالي المعادلة قابلة للتغيير، وهذا ما توقعته بأنه يوماً ما سيكون عرضك الأول والمميز على «يوتيوب»، حتى أنه باتت لي قناتي على هذا الموقع. وأتمنى أن نؤسس للعمل على هذا الأساس ونكون سباقين في هذا المضمار.

- أين أنت من المسلسلات المصرية واللبنانية والـPan-Arab؟ أم أن المشاركة فيها مقتصرة على أشخاص معروفين بالاسم؟
خياري الأول الدراما السورية، لكني لست رافضاً أي تجارب مميزة، وكانت لي تجربة عبر مسلسل «سبعة» مع روتانا خليجية، الذي شارك فيه ممثلون من مصر ولبنان. لكن تبقى الأولوية للدراما السورية.
وأصلاً، تجربة الـ Pan-Arab كانت موجودة في السابق، وأرى أنها حالة صحية، بعضها نجح والبعض الآخر لم ينجح، لكنها باتت تستقطب شريحة من الجمهور.


تكريم في لبنان

- كيف تصف حصولك على جائزة (the award) في لبنان؟
كانت لفتة مميزة عبر انتقائي من بين مجموعة من المبدعين، فأنا شخص بعيد عن المهرجانات والتكريمات، لكن كانت لـthe award خصوصيته ونكهته المميزة، فقد جاء في الوقت الذي كانت قد مضت على عملي في الحقل الدرامي عشرون عاماً، كما أن الجهة القائمة على التكريم أشخاص مميزون ثقافياً وإعلامياً.

- هل لديك أصدقاء من الوسط الفني؟
أعتمد أكثر على صداقاتي من خارج الوسط، لكن لدي صداقات في الوسط الفني، وهم شركاء في الحالة الفنية وفي الحياة.


- كيف تصف آلية تعاطيك مع السوشال ميديا؟
إنها حالة تواصل راقية جداً، أتعامل معها بكثير من الجدية والاهتمام والاحترام والحرفية، فهي واقع موجود وتواصل مباشر مع الناس، فكما هو احترامي للمشاهد عندما أظهر في عمل درامي، كذلك الأمر من خلال تعاملي مع السوشال ميديا.

- هل تُشرف بشكل مباشر على هذا التواصل أم لديك «آدمن» يتعامل باسمك على السوشيال ميديا؟
أنا من يشرف على الأمر بشكل مباشر، وهناك أيضاً أصدقاء يساعدونني في المواقع وقناة «يوتيوب».

- هل تؤيد أن يصبح ابنك فناناً؟

تبقى علاقتي مع أولادي علاقة صداقة وأتعامل معهم ببساطة، فعندما أكون معهم أصبح ولداً مثلهم، ودخولهم إلى الوسط الفني بالنسبة إلي ليس هدفاً أو طموحاً، لكن أتركهم لما يرغبونه هم، علماً أن اهتماماتهم ليست فنية على رغم أنهم مدمنو سينما.

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080