مراسل 'العربية' محمد الحسن
من الوجوه الإعلامية في قناة «العربية» رغم بعده عن المقر الرئيسي دبي. فصوته ينقل الأحداث من موقع الحدث، ويتزامن وجوده مع كل الاحداث على الأراضي السعودية وخارجها في أحيان كثيرة. الصدفة لعبت دوراً في انتقاله إلى «العربية» عند التقائه خالد المطرفي الذي يعده أباه الروحي وأستاذه قبل أن يكون رئيس عمل. «لها» التقت الإعلامي محمد الحسن وكان هذا الحوار.
- لنبدأ من النهاية تحديداً المواجهات الحوثية السعودية.أخبرنا عن نقل وقائع الحرب في الجنوب السعودي؟
مواجهات الحوثية كانت لها إشارات سابقة كما زودتنا بعض المصادر، لكن عملية إطلاق النار على حرس الحدود السعودي من جانب العناصر الحوثية كانت إشارة البداية لهذه المواجهات، وقد تكون هذه المواجهات هي الأولى في جيلنا نحن الشباب السعوديين، لكن بحكم طبيعة عملي كمراسل ومذيع في قناة «العربية» كنت قريباً من شبيهاتها من الأحداث على الساحة الدولية في الإستديو الإخباري أو حتى في الدورات التأهيلية، وآخرها في الولايات المتحدة قبل الأحداث بخمسة أشهر تقريباً. فحين حصل هذا الاعتداء على الحدود السعودية كنا الأسرع في الوصول إلى ساحة المواجهات. وفي اليوم الأول من هذه المواجهات توسدنا سفح جبل الدخان في أول مبيت لنا، وفي اليوم التالي وصلنا إلى الصف الأمامي من المعركة على مرمى النار للطائرات. وقد تكون التجربة هي الأولى لأول مراسل حربي تلفزيوني سعودي، إلا أنها لاقت ردة فعل جيدة من المشاهدين والمختصين وحتى وكالات الأنباء الدولية التي كانت تنقل أخبارنا على شاشة «العربية».
- نقلت عدداً من القصص الإنسانية، ما الأبرز في ما شاهدته ولمسته من سكان الحدود؟
أذكر معنى الخوف الذي كان يرافق النازحين من السعوديين وحتى اليمنيين وفي أول أيام الأحداث تحديداً، وقيمة الأمن والأمان. صحيح أن السلطات السعودية كانت حريصة على نقلهم بهدوء إلى منطقة آمنة، إلا أن الناس هناك لم يألفوا أن يتركوا مساكنهم فجأة ويصبحوا على طلقات مدفعية. لكن ما حصل كان امتحاناً لعلاقات الناس بعضهم ببعض في فتح المنازل للنازحين وحتى الطبخ لهم ووفود المتطوعين من المنطقة وخارجها. حتى أذكر أن بعض شيوخ القبائل في السعودية استطاعوا الوصول الى رقم هاتفي وكانوا يعرضون خدماتهم لكل من تضرر أو نزح من منزله. وأتذكر أني كنت متواصلاً مع عائلة نزح بعض أفرادها عن خط النار وكيف استقبلوا نبأ استشهاد ابنهم وابن عمه ما زال مرابطاً في مكانه. فعلا كانت الأحداث مليئة بالتفاصيل العظيمة.
- استهدف محمد الحسن هو وفريق العمل من جانب الحوثيين، كيف كانت اللحظة؟ وهل يكون المراسل في نقطة تلاق مع الموت في تغطياته الميدانية؟
مراسل الحرب في حالة حرب. شريط الحياة مر أمامي في أجزاء من الثانية حين وقعنا بين طلقات القوات السعودية والعناصر الحوثية ونحن في الوسط ننتظر الموت في أي لحظة. كان عن يميني الزميل هادي الفقيه وعن يساري مهندس البث، وكان مصور «العربية» طارق الغميز أمامنا في المنطقة المكشوفة لكنه استطاع الاختباء في بناية قريبة. وبقينا نحن نتشهد إلى أن استطاعت القوات السعودية سحبنا إلى منطقة آمنة. وكان الوقت الأخطر علينا هو ليلا في هذه التغطيات لانتشار القناصة من الطرفين، وكنت هدفا سهلا تحت ضوء الكاميرا وبل على الهواء مباشرة. وقد تلقينا تحذيراً مباشراً من الاستهداف وتم تدبير واق من الرصاص والخوذة للاحتراز. وكنت يومياً على اتصال مع عائلتي التي لاقت الأمرين من كل لحظة نقل للوقائع.
- هل يصنف العمل الإعلامي بأنه خطر خصوصاً أن عدداً لا بأس به من الإعلاميين تعرض للاغتيال أو الاستشهاد أثناء أداء العمل؟
بالتأكيد، خصوصاً من يتولون نقل الأحداث الساخنة. فقدنا كثيرا من الزملاء في العراق والصومال ولبنان وغيرها... المهنة مهنة المتاعب.
- ماذا عن وجود الأمير خالد بن سلطان وتأثيره على أهالي الحدود وعلى الجيش السعودي؟ وهل هناك ما يلفت النظر في وجوده داخل الميدان؟
زيارته الأولى للميدان رافقها صوت لن أنساه أبداً ويتذكره جيداً كل من كان في محيط المئة كيلو متر. انطلقت حينها قذائف المدفعية والطيران بشكل مرعب على الشريط الحدودي، وكنت أرى الأثر في المعنويات على أفراد الجيش قبل المدنيين، لأن موقف الدفاع ليس كموقف الهجوم وهذا ما كنا نلحظه على الطرف السعودي في لجم قواته من ردة الفعل إلى الفعل.
- ينتقل المراسل من مكان إلى مكان، ومن تقرير إلى آخر فكيف تخرج من الحرب الحوثية للدخول في نقل موسم الحج؟ وما هي استعداداتك حتى تبلور مفاهيمك وانطباعاتك حول الأحداث المتفرقة داخل السعودية؟
فعلاً كان الانتقال من جبل الدخان إلى جبال منى تحولاً كاملاً لأني لم أنفصل بعد عن آثار الحرب، حتى أن عقلي اللاوعي ظل أسبوعاً وأكثر يبرمج أي صوت يسمعه إلى طلق نار أو قصف، هذا غير الأحلام الحربية. انتقلت من مضاد الرصاص والزي العسكري إلى لبس الإحرام، فطمأنينة المشاعر والموسم الذي تشرفت بنقل أحداثه لأربع سنوات بنت «مرجاً» بين التغطيتين.
- موسم الحج كان محاطاً بشائعات عن المرض. ألم تخشَ انفلونزا الخنازير في تغطيتك لموسم الحج؟
(يضحك) صدقيني ليس هناك خطر يضاهي خطر الرصاص أو الحرب. المشكلة ان الوقت لم يسعفني أثناء الحرب لأخذ المضادات لإنفلونزا الخنازير والموسمية. المهم أن الأمور كانت سليمة إلى اليوم الثاني من العيد حين بدأت آثار المرض على الهواء مباشرة. وبعدها احتضنت الفراش لمدة أسبوعين. فإن لم تكن بالرصاص ستكون بالفيروس.
- كيف تقوّم الموسم خصوصاً أن الأمطار والسيول المميتة كانت حاضرة؟
موسم الحج كان الأنجح خصوصاًأنه تزامن مع انتشار وباء إنفلونزا الخنازير والمواجهات السعودية مع العناصر الحوثية، أما السيول والأمطار فكانت الفضيحة التي أخذت معها الأرواح والأبرياء. أتمنى أن تنظف هذه الفضيحة وتأخذ معها كل ظالم وخائن للأمانة.
- كانت لك تجربة الانتقال إلى استديوهات دبي. كيف كانت التجربة ولماذا لم تستمر؟
هذه الفرصة أدين بها للأستاذين خالد المطرفي وعبد الرحمن الراشد اللذين كانا خلف كثير من الفرص لي. وكانت الفكرة قائمة على تغطية عجز في عدد المذيعين لمدة أسبوعين امتدت بعد ذلك شهراً تقريباً وكنت في عام ٢٠٠٧ قد تابعت دورة تأهيلية للنشرة الاخبارية. الحمد لله التجربة كانت ناجحة ولاقت أصداء إيجابية.
- هل تجد أنه من الصعوبة أن يتكرر صالح الثبيتي ومحمد الطميحي داخل استديوهات دبي ليكون محمد الحسن المذيع السعودي الذي يشكل الضلع الثالث من المثلث؟
لا، ليس هناك من صعوبة. هي مسألة فرص وإثبات للقدرات نجح فيها الزميلان صالح الثبيتي ومحمد الطميحي. أنا مرتبط ببرنامج دراسات وتدريبات متخصصة في الولايات المتحدة تستوجب علي ان أكون في واشنطن، لهذا لا أستطيع التفرغ لمشروع ميداني قبل أن أنجز مشروع واشنطن.
- بالحديث عن مذيعي «العربية» لماذا قلة المذيعين السعوديين؟
أعتقد أن قوانين اللعبة تختلف في القطاع الخاص. قديماً كان يقال إن البقاء للأقوى وأنا أقول إن البقاء للأقوى والأقدر. تجربتنا نحن السعوديين حديثة وحققت خطوات متقدمة في هذه الصناعة، وأعني على سبيل المهنة والحرفة وليس الاستثمار ورأس المال.
- في الوقت الذي بدأت القنوات «العربية» استقطاب الإعلامي السعودي نلحظ تسرباً من قبل السعوديين من العمل في القنوات الرسمية، لماذا؟
من بدايتي الإعلامية منذ خمس سنوات لم أتعامل مع القنوات الرسمية، لكن ما ألمسه أن الفرص والعائدات وحتى بناء السيرة الذاتية أفضل في القطاع الخاص.
- اذا طلب منك الانتقال إلى إحدى القنوات السعودية خصوصاً بعد افتتاح القنوات الأربع الجديدة هل سترحب بهذا الانتقال؟
ولائي الأكبر لـ «العربية» حتى وإن كان السوق كله قائماً على العرض والطلب.
- لماذا غياب المذيعة السعودية رغم وجودها في قنوات أخرى منها «الآن» و«ال بي سي» وغيرهما؟
ما أعلمه في قناة «العربية» أنه كانت بعض التجارب «Pilot» لعدد من المذيعات السعوديات لكنها لم تنجح، هذا على حد علمي.
- متى سيكون محمد الحسن مذيع نشرة أساسية من المقر الرئيسي؟
مذيع النشرة ليس ما أهدف إليه كخط نهائي أو استقرار في مهنتي، ما يشغلني حاليا أن أنهي مشروعي في واشنطن بنجاح بإذن الله وبعدها لكل حادث حديث.
- سيول جدة كيف أثرت على مجريات التغطيات الميدانية في تقارير «العربية»؟
على العكس، «العربية» نقلت بنقل الصورة في وقت قياسي جداً. حتى أن بعض المسؤولين عن هذا الملف استقوا تفاصيلها من «العربية» خبراً وصورة جنباً إلى جنب مع ملفي الحج والمواجهات الحوثية. لكن بعدها انشغلنا في مرحلة ما بعد الكارثة وليس وصفها، وأعتقد أن مكتب «العربية» في السعودية قام بعمل جبار في تغطية هذه الجبهات الثلاث وفي وقت واحد.
- أين ترى محمد الحسن غداً؟ وما هو التقرير الأغرب؟ والتقرير الأفضل؟ والتقرير الأقرب الى نفسك؟
الأيام ستحكي ما أريد أن أكون. أما التقرير الأغرب فكان عن قصة الطفل الذي كان يعاني مرض السرطان وكانت المؤسسة الخيرية للرعاية الوطنية قد زارته ضمن برنامج يحقق الأحلام الأخيرة لمن وصلت حالتهم الى مرحلة حرجة، وهو لا يعلم أنه سيتوفى خلال أسبوعين بتقدير الأطباء. فظللت حائرا جدا في بث هذا التقرير لأنه الوحيد الذي لا يعلم حقيقة مرضه وكل من حوله يدرك ذلك وهو ينتظر أن يرى نفسه على التلفاز. فأرسلته الى المحطة ويدي على قلبي متمنياً أن يشغله أهله بأي شيء في وقت بثه. وحين تم بثه لم أستطع منع دموعي وسألت عن حالته بعدها فكان قد فارق الحياة رحمة الله عليه.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024