لهذه الأسباب علّمي طفلك الغناء
أظهرت دراسة ألمانية حديثة، أن الأطفال الذين يتعلّمون الغناء في سنّ مبكرة هم أكثر سعادة وقدرة على مواجهة المشكلات من أولئك الذين لا يغنّون. فمن المعلوم أن الغناء يشكّل نشاطًا إنسانيًا يعكس المشاعر على اختلافها.
وغالبًا نغنّي في حالات الفرح والحزن والحب، أو خلال حدث وطني أو رياضي... فالغناء يرافق الإنسان منذ الولادة، حين ترنّم الأم لرضيعها لتهدئته، وهو يشاركها الغناء عبر المناغاة، وحين يكبر الطفل تستولي الأغاني والأناشيد على اهتمامه، ويستمتع بها كثيرًا، فيتفاعل معها في شكل جميل. ويؤكد اختصاصيو علم نفس الطفل والتربيون أنّ الغناء يجمع بين الصوت والعديد من الأحاسيس، السمعية والبصرية والحسية... هذه حقيقة أساسية للأطفال الصغار الذين يحبون أن يروا ويسمعوا ويشعروا ويلمسوا في الوقت نفسه.
فأغاني الحضانة التي يستمتع بها الأطفال كثيرًا، تساهم في تعزيز قدراتهم اللغوية، وتقوّي الذاكرة من خلال حفظ الكلمات، وإدراك وظائف أعضائهم الجسدية، أي التنفس، والإيماءات التي تتطلب حركة جسدية. فكيف يمكن الغناء أن يكون أداة لمساعدة الطفل على التعبير عن نفسه؟
الطفل الصغير جدًا...
خلال الأشهر الأولى من حياة الطفل، لا يكون لديه سوى عدد قليل من الطرق للتعبير عما يريده. فيكون البكاء والنحيب، وبعض الإيماءات وسائله التواصلية ليلفت نظر المحيطين به. في هذه السنّ، يرنّم الوالدان الأغنية التي يحبّانها بطرق مختلفة في الحياة اليومية للطفل الصغير. ورغم أن هذه الأغنية قد تكون للراشدين، فهي تتضمن الكثير من المفردات اللغوية التي يستفيد منها بشكل كبير.
وفي الوقت نفسه يكتشف أصوات الآخرين وصوته حين ينفعل مع غناء والدته من طريق المناغاة. كما يكتشف اختلافات التجويد والحجم والتدفق والحوار والصمت.
وبما أن الأغنية التي تدندنها الأم تتضمن لحنًا ونصًا شعريًا وإيقاعًا، فإنها تنقل العديد من المعلومات المثيرة للاهتمام. فمن خلال التجويد، على سبيل المثال، سوف يستوعب الطفل مفاهيم معينة حول العواطف، عندها سيترجم تعابير وجه والدته وهي تغنّي له، ويفهم المواقف المختلفة.
فاللحن يعلّمه أن في إمكانه تغيير درجة صوته، ويقوده الإيقاع إلى فهم بعض خصوصيات لغته الأم كنغمة موسيقية، على سبيل المثال. وبدءًا من عمر السنة والسنتين، تصبح مفردات الطفل ثرية، وهو بدوره يصبح قادرًا على نطق بعضها وربطها بشكل متسلسل، فيشارك في الأغاني التي يسمعها بتكرار الحركات التي تقترحها والدته، لكنه لا يتمكن من الغناء معها بعد.
وبعد سنّ الثانية على الأقل، سوف ينجح الطفل في غناء كل كلمات الأغنية البسيطة التي يسمعها مرّات عدة خلال اليوم. ويمكن هذه الأغنية أن تساهم في إدراكه هيكلية الوقت من خلال دمجها في روتين الطفل اليومي، مما يشعره بالطمأنينة، ويساعده في العثور على نفسه. ففي كل لحظة من اليوم، تنشد له والدته الأغنية نفسها! عند الصباح، وخلال تناول الوجبات، وقبل الاستحمام، قبل النوم... إلخ. وبالتالي يصبح في إمكانه إدراك الزمن، من خلال الأغنية التي تنشدها له والدته في وقت معين.
في سنّ الثالثة
في سن الثالثة وما فوق تقريبًا، يستوعب الطفل عادة المفاهيم المجردة مثل الأضداد الكبيرة والصغيرة، أو حروف الجرّ للمكان والوقت والحركة، تحت، بعد، إلى... إلخ. من أجل ضمان أن يتمتع الطفل بأفضل الظروف للتعبير عن نفسه، ومن دون مشاكل، على الأم ألّا تنسى إيلاءه اهتماماً خاصاً عندما يُظهر رغبته في التعبير عن نفسه.
الغناء يثري لغة الطفل
يؤكد التربويون أن الغناء يساهم في اكتساب اللغة. فعند دخول الطفل إلى الحضانة، يتعلّم أغاني مقفّاة تساهم بدورها في تعزيز التعبير الشفوي وإثراء المفردات لديه. ذلك أنّ كلمات الأغاني التي وُضعت تحت تصرف الأطفال الصغار تنتمي إلى المجال الشعري، وهي لا تستخدم في الحياة اليومية، لأنها تحتوي على ثراء معجمي حقيقي. وفي الوقت نفسه، يسمح إعداد الموسيقى، بحفظ الكلمات والجمل والقصص. وعندما يستمع الطفل إلى أغنية، تتمسك ذاكرته بلحن وفواصل وإيقاعات.
وشيئاً فشيئاً، سوف يفكّ رموز المعاني. وتساهم الأغنية أيضًا في «الصحوة» الجسدية. فالطفل يستعمل الإيماءات لإكمال معنى الكلمة، وغالبًا ما ترتبط الإيماءة الجسدية بالغناء، فمثلاً يشير إلى عينيه حين تكونان ضمن نص الأغنية. وبالتالي ترتبط التقاليد الشفهية بعمق بلغة الجسد.
الغناء أداة تعبير
بالنسبة إلى الأطفال الذين يحتاجون إلى روتين ثابت ليتمكّنوا من العمل طوال اليوم، فيمكن الموسيقى أن تساعدهم في ذلك، نظرًا إلى أنها منظمة بطريقة منطقية، وتستجيب لهذه الحاجة إلى الاستمرارية والتماسك.
ولمساعدة الطفل في التعبير عن احتياجاته بالكلمات المناسبة وبشكل مستقل، يمكن الأم أن تؤلف لكل عمل تقوم به خلال اليوم، أغنية، وتدعو طفلها لأن يفعل الشيء نفسه. سيعمل الطفل على إبداعه وإدراكه لمفهوم المكان والزمان، وقدرته على تشكيل كلمات متسلسلة أو جمل ذات معنى. فيما اقتباس اللحن في الأغنية يعزّز ملكة الحفظ إذ إن المقاطع الموسيقية المختلفة والإيقاع اللحني يسمحان بتثبيت المعلومات في الذاكرة.
الغناء يخلّص من الإجهاد والتوتر
بما أن التنفّس أساس الغناء، فهو مفيد لاستعادة الهدوء. كيف! يحرّر الغناء من الإجهاد والتوتر والعواطف السلبية، ويتطلب ذلك تنفسًا عميقًا يساهم في دخول كمية أوكسيجين أكبر إلى الجسم. كما يمنح الشعور بالسعادة، حيث يفرز الدماغ مادة الأندورفين أثناء الغناء. وعندما يكبر الطفل، يصبح أكثر وعيًا بجسمه، ومن المهم أن تعطيه الأم بعض الأفكار التي يمكنه استخدامها عندما يريد الغناء.
فالتدرّب على التنفس العميق من البطن يكون من خلال الغناء بصوت عالٍ ومن دون قيود وإزعاج، وهذه أفضل طريقة ليعبّر الطفل عن نفسه.
ولتحقيق هذا، على الأم أن تعلّمه كيف ينفخ بطنه أثناء الشهيق ومن دون تحريك الكتفين، ومن ثم إخراج الهواء عبر الزفير ببطء وأثناء الغناء. وبهذه الطريقة، يتم استعمال الجسد بأكمله، فمن خلال إعطاء الأولوية للصوت الذي يخرج من الرأس والذي يكون حادًا وخفيفًا عند الغناء، يتجنّب الطفل إجبار صوته، وبالتالي يتفادى تفاقم المشاكل الصوتية أو حتى الأمراض.
الغناء يساعد في مواجهة التنمّر
من اللافت ظهور التنمّر بين الأطفال الصغار، فالخجل الذي يشعرون به غالبًا يمنعهم من إثبات وجودهم أمام الأطفال الذين يتنمّرون عليهم، وبالتالي فمن المهم جدًا تشجيعهم على التعبير عن أنفسهم قدر المستطاع، ومساعدتهم في العثور على الطريقة الفضلى للقيام بذلك. ويعتبر الغناء إحدى الوسائل المهمة التي تساهم في تعزيز ثقة الطفل بنفسه، ومواجهة المتنمِّر.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024