الشاعرة اليمنية إبتسام المتوكل
لغتها الشعرية إيقاعية متميّزة، وكأن الموسيقى تنساب من بين أناملها وهي تكتب القصيدة. تجيد استخدام اللغة بأسلوب رفيع وتختار مفرداتها بعناية. نالت شهادة الدكتوراه حديثاً من جامعة الملك الحسن الثاني في المغرب عن أطروحة حول القصة القصيرة في اليمن. لها نظرة ثاقبة وآراء جديرة بالإهتمام خصوصاً في ما يتعلق بالشعر والقصة وقضايا إنسانية أخرى... هي الشاعرة الدكتورة ابتسام المتوكل التي كان لنا معها هذا اللقاء.
- حضّرت شهادة الدكتوراه حول المشهد القصصي في اليمن. لماذا اخترت القصة مع أنك شاعرة؟
لأن أكثر الدراسات التي تعد في بلادنا تهتمّ بالشعر والرواية فيما يظلّ المشهد القصصي حائراً بين هذين اللونين، كما أن خصوبة المشهد القصصي التي ظهرت في الفترة الأخيرة، وفي عقد التسعينات تحديداً، كانت حافزاً كبيراً لإلقاء الضوء على هذا المشهد وهذا التراكم ومحاولة معرفة سماته اللغوية لأن الدراسة كانت دراسة للمشهد القصصي التسعيني اليمني .
- ما هو تقويمك كدارسة للمشهد القصصي في اليمن؟
أولاً يجب أن نتّفق جميعاً أن هناك تراكماً إبداعياً من حيث الاصدارات وليس فقط على مستوى النشر في الصحف. هذا التراكم مؤشر أول وإيجابي، لكن من حيث الجودة لابد أننا سنختلف كثيراً أو قليلاً في التقويم لأن ليس كل ما يكتب يبقى، بمعنى أن بعض النصوص تبقى وبعضها ليس لصاحبه سوى عنوان القصة فقط. أي هناك كتابات قوية ناضجة ومتجاوزة وهي التي تبقى وتصمد لسنوات، وهناك أشياء كثيرة تتوارى وتغيب.
- لماذا تبرز الأسماء وسرعان ما تختفي في مجال القصة؟
أحياناً يريد الشخص أن يكتشف نفسه في أكثر من مجال، وأحد هذه المجالات يتمثّل في القصة. وطبعاً كتابة القصة هي الأسهل لأن ضوابطها ليست صارمة كما في الشعر التفعيلي أو العمودي وليست مجهدة أو مكلفة مثل الرواية. لهذا يكون هناك إقبال على هذا النوع من الكتابة لإثبات الوجود وليس من منطلق وجود إبداعي أصيل. وأحياناً تظهر معوقات وصعوبات معيشية في بلد مثل اليمن حيث نجد أن الضغط يزداد من عام الى آخر مما يفرض على الناس أن يلتفتوا الى حياتهم المعيشية ويبحثوا عن مصادر رزق ومصادر دخل، خصوصاً أننا في مجتمع لا يعتبر الإبداع مصدر رزق ولا يمكن أن يأتي الإبداع بموارد مالية لصاحبه، وأعتقد أن هذين السببين هما الأكثر وضوحاً في هذا الجانب.
- هل تعتقدين ان أوضاع الشعر افضل حالاً من القصة؟
أنا لست مع الفصل بين الشعر والقصة، أو كما يقول بعضهم أننا قبيلة الشعر وقبيلة القصة. لكن الشعر صعب، ولاسيما أن الناس لا يتقبّلون قصيدة النثر في بلادنا.
-الذائقة في بلادنا ما زالت عازفة عن تلقي قصيدة النثر. لماذا؟
هذا لا يعني أن قصيدة النثر ليست بعافية لكن الشعر العمودي هو المتصدر في المنابر لأنه أصلاً يمثّل ذائقة لغوية موسيقية ومشكلتنا أن تعريف الشعر انحصر كله في الوزن والقافية. ومشكلة قصيدة النثر أنها تصطدم بتراث لدى القارئ، وكلها تنحاز إلى الشعر العمودي والإيقاعات. حتى في الشعر الشعبي نلاحظ أن هناك إيقاعات قوية، وهذا من الأشياء التي تخلخلها قصيدة النثر التي تكتشف الشعر بشكل آخر خال من الإيقاع. والمتلقي يقاوم هذه الأشياء وفق أفق التلقّي السائد لديه. لذا ما زالت قصيدة النثر نخبوية وذات جمهور أقل.
- ماذا تعني القصيدة للشاعرة ابتسام؟
القصيدة هي واحد من مصادر التزوّد الوجداني، وإذا لم أكتبها فالروح تجف. على مستوى الكتابة القصيدة هي أجمل الاشياء التي تحسّسني أني ما زلت قادرة على الحياة وعندما أتوقف عن الكتابة أحسّ بنضوب في حياتي وبأن التصحر والجدب يغزوانني، وعندما تنفرج الأجواء أحسّ بتجدّد في حياتي المضافة.
- قال الدكتور عبد العزيز المقالح إن الشعر هو الذي اختار ابتسام المتوكل فأيكما اختار الآخر في حقيقة الأمر؟
المسألة أظنّها تقاطعاً. التقينا أنا والقصيدة على مفترق... سعيت اليها وسعت إليّ والتقينا في لحظة ما، لحظة وجودية غيّرت حياتي. ولهذا أتصور أننا التقينا أنا والقصيدة في تقاطع مهم من حياتي.
- قبل إجراء المقابلة معك بحثت عن ديوانك في كل المكتبات فلم أجده؟
المشكلة عندنا في اليمن مشكلة توزيع لأن السوق المحلية لم تكن فيها مطابع من قبل، فكنا نضطرّ للطبع في مصر أو لبنان بتكاليف عالية. لذلك تجد أسماء كثيرة لم تظهر مع أنها مهمّة ومؤثّرة في العمل الإبداعي خصوصاً على مستوى الشعر. وعندما تغلّبنا على هذه المشكلة فوجئنا بأنه ليس هناك توزيع مؤسسي.
- تتميز كتاباتك الشعرية بلغة خاصة. فكيف تسنّى لك هذا التميز اللغوي؟
الحقيقة أن كل كاتب أداته هي اللغة فلابد أن يعشقها... أنا وأترابي من جيل محظوظ كون القراءة كانت في زماننا لها قيمة مقدسة ولم تكن الفضائيات التلفزيونية قد غزت الأصقاع ولم تكن شبكة الانترنت قد انتشرت كما هي الآن. فكان متنفسنا الوحيد والجميل هو القراءة. وأي كاتب باعتقادي لا يتّقن اللغة ليس له أن يكتب لأنه لا يمتلك الأدوات لكي يكتب، فالقراءة هي كل شيء. وأنا كعاملة في التعليم ألاحظ أن طلابنا لا يقرأون، لذلك لا يستطيع بعضهم ان يكتب جملة مفيدة، ناهيك بكتابة نص طويل. حتى أن معظم الطلاب الجامعيين لديهم فقر لغوي لأنه لا يوجد لديهم رصيد في القراءة. فالإنسان هو مجموعة قراءات سابقة، والقراءة مهمة حتى للمتذوق. فالمتلقي الذي يكثر من القراءات يكون عنده إحساس بالجمال في أي نص يقرأه.
- للموسيقى حضور كبير في قصائد ابتسام المتوكل، فما سرّ هذا الحضور الموسيقي؟
اللغة العربية هي لغة موسيقية بامتياز. وكثير من الأجانب الذين يسمعون اللغة العربية دون أن يفهموها يؤكدون أن هذه اللغة تملك إيقاعات لا توجد في اللغات الأخرى، فاللغة العربية هي لغة إيقاعية في حقيقة أمرها، ليس في الشعر وحده ولكن حتى في كلماتنا العادية. وأنا تربّيت على القصائد ذات الإيقاعات الغنائية، ولا أعتبر الغنائية عيباً كما يذهب البعض. والشعر العربي مليء بالإيقاع والموسيقى الداخلية، وهذا الإيقاع الجميل يبرز نفسه في اللغة التي أكتبها لأن هذه اللغة هي لغة موسيقية لغة مفرداتها ترقص، بغضّ النظر عمّا إذا كانت الجملة تنتمي الى بحور الشعر أم لا.
- هل تشعرين كشاعرة بأنك ملتزمة قضايا المرأة؟
أكيد عندي التزام تجاه قضايا النساء لكنه ليس التزاماً أيدولوجياً، فنحن في مجتمعنا تربينا على أننا نساء وأن بيننا وبين الرجال فوارق.
أنا لا يمكن أن أتحدث عن أشياء أخرى خارج كوني امرأة تعيش واقعاً محبطاً ينفيها إذا أرادت أن تحقّق ذاتها خارج أطره وخارج نواميسه، التي تجاوزها الزمن. ولهذا تجدني كثيراً أتحدث باسم النساء وأتماهى معهن لأن هذا واقع يفرض نفسه ولأن واحداً من مصادر الوعي هو الكتابة.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024