أرمينيا البلاد التي تنطق تاريخ الإنسان
أرمينيا، هذه البلاد التي يقال إن سفينة نوح استقرت على أحد جبالها «أرارات»، فيما تبدو في الأساطير البابلية القديمة بلاداً بعيدة مجهولة في الشمال، تغطيها الجبال العالية والغابات الكثيفة، وكانت تسمّى البلاد التي لا عودة منها.
في جنوب القوقاز تقع أرمينيا بين البحر الأسود وبحر قزوين، ويحدّها من الشمال والشرق جورجيا وأذربيجان ومن الجنوب والغرب إيران وتركيا.
وراهنًا خرجت أرمينيا إلى منصّة السياحة العالمية وصارت نجمتها، بعدما سارعت عدسات الكاميرات وحلّقت في فضائها لتتعقب نجمات التلفزيون الأخوات كارديشيان عام 2015، وهن يمضين إجازة في بلد أجدادهن للمرة الأولى.
ومهما كانت ردود فعل بعض الجمعيات الأرمنية المحافظة التي انتقدت الزيارة، اتفق الجميع، المعارضون والمعجبون على أن أرمينيا بعد زيارة آل كارديشيان أصبحت نجمة السياحة العالمية.
بلد يتطلّع إلى المستقبل بتفاؤل
اختارت أرمينيا ركوب قطار الحداثة والسياحة الراقية والعصرية، بدل الإمساك بماضيها المؤلم الذي بنت له النصب التذكاري لتتعافى، وتتحرك قدمًا إلى الأمام نحو المستقبل. فجعلت الأديرة القديمة، والكنائس مضاءة بالشموع، والحصون ذات الجدران العالية... متاحة بسهولة للزائر.
ولكن الأرمن، بمزاجهم المنفتح والمتفائل، هم الذين يتركون فيك الانطباع الجميل الذي يبقى راسخًا في ذاكرتك السياحية. ليس هناك ما هو أسهل من التواصل، حتى من دون التحدث باللغة الأرمنية.
رحلتك إلى أرمينيا سوف تكون متعددة الأوجه: ترف إقامة أربع نجوم في يريفان ومحيط بحيرة سيفان، أو بساطة العطلات في المدن الريفية مثل ديليجان وغوريس. ومع مرور الوقت، تكتشفين أجمل الأماكن بهدوء، لتشكل الرحلة إلى أرمينيا فرصة حقيقية لا يمكنك تفويتها في إجازتك المقبلة.
مهد الحضارات
تعتبر أرمينيا مهد الحضارات، فهي بلد جميل شعبها سخي، تحضن تاريخًا ثقافيًا طويلًا. نتيجة لذلك، تعدُّ أرمينيا وجهة سياحية جذابة.
الكثير من الآثار والروائع التي تعود إلى العصور القديمة والعصور الوسطى تنتشر في كل أنحاء البلاد. فيما الجمال الطبيعي مثل الموقع الجميل لبحيرة سيفان، والينابيع الساخنة من أرزني وجيرموك، وغابات ديليجان، والكهوف والمنحدرات الجنوبية الشرقية: جبل أرارات، الذي يبلغ ارتفاعه 5165 مترًا فوق مستوى سطح البحر، ويقع جغرافيًّا في تركيا، هو الرمز الوطني لأرمينيا، وهو مرئي أينما جلت في الجنوب الغربي للبلاد.
نقترح عليك زيارة العاصمة وبحيرة سيفان
توفر القمم المهيبة لجبل أرارات خلفية جذابة للعاصمة يريفان التي تقع في الظل المهيب لقممه الثلجية. فهنا، وبحسب الأساطير، رست سفينة نوح بعد الطوفان التوراتي. أمّا اسمها فبحسب التاريخ أنه أتى من آخر ملوك أرمينيا يريفاند الرابع، آخر قادة سلالة أورونتيد الحاكمة، ومؤسس مدينة يرفانداشات.
ومهما يكن أصل اسم يريفان، فممّا لا شكّ فيه هي واحدة من أقدم مدن العالم وشهادة ميلادها تؤكد ذلك، في منسوخة مسمارية منقوشة على لوح حجري بأمر من الملك أريغشتي عام 782 قبل الميلاد، وتشير المخطوطة إلى أن الملك أريغشتي بنى حصنًا وسمّاه إيريبوني. سوف تتعرّفين إلى واحدة من أغنى الثقافات وأقدمها وأنت تجولين في شوارع يريفان.
تمتد يريفان من ذروة نهر هرازدان شمال شرقي سهل أرارات إلى الوسط الغربي لأرمينيا. يحاط القسم الأعلى من يريفان بالجبال، فيما تتدحرج حتى نهر هرازدان في الجنوب الذي يقسّمها قسمين عبر منحدرات جبلية مشهدها تعجز عدسة الكاميرا عن استيعابه، فامتداد يريفان عند أقدام جبل أرارات منحها شكل مسرح روماني كوّنته الطبيعة.
جولي في تفاصيل المدينة وتذوّقي الجودة المعمارية، حيث معظم المباني مبنية بأنواع مختلفة من الأحجار البركانية مثل التوف والبازل. فيريفان هي واحدة من المدن القليلة التي لا يتم طلاء المباني فيها.
الفن في يريفان أينما كان وكيفما اتُّفق
تزخر يريفان بأعمال العديد من النحاتين المشهورين في العالم، مثل إرفاند كوتشار وليون توكماديجيان. تجسد معظم المنحوتات المنتشرة في المدينة أبطال أرمينيا أو تخلّد ذكرى الأحداث المجيدة في تاريخها.
من بين هذه المنحوتات مجسّم ديفيد دي ساسون، رمز الوطنية الأرمنية، وفاردان ماميكونيان Mamikonian بطل معركة «أفاراير» Avarayr عام 451، وشاعر القرن الثامن عشر «سيات نوفا»، و «خاشاتور أبوفيان»، المشهور بإحداث ثورة في اللغة الأرمينية الحديثة، والذي سافر إلى جبل أرارات بحثًا عن سفينة نوح، والشاعران «هوفهانس تومانيان» و»أفيتيك اسحاكيان» والرسام مارتيروس ساريان Martiros Sarian ، المشهور بألوانه الزاهية وتمثيله الفريد للمناظر الأرمنية.
يقال إن أرمينيا هي متحف مفتوح، ففيها حوالى 40000 نصب تذكاري تاريخي، إذ لا يزال التاريخ يجتاحها بكل صفحاته. العديد من الآثار الأرمنية القديمة من كنائس وأديرة، بُنيت في الغالب على معابد وثنية. لا يوجد سوى معبد وثني واحد في أرمينيا، وهو «غارني».
سوف تتذوقين الثقافة الأرمنية في المتاحف والمسارح وقاعات الحفلات الموسيقية. فالمسرح الأرمني يعود تاريخه إلى أكثر من ألفي سنة. ستتمكنين من حضور العديد من العروض، بدءًا من الحفلات الموسيقية الكلاسيكية إلى عروض الدمى وموسيقى الجاز.
في الجزء العلوي من «مسروب-ماشتوت» Mesrop Mashtots، وهو الشارع الرئيس للعاصمة يريفان، يقف «ماتيناداران» Matenadaran معهد المخطوطات القديمة. يضم المعهد أكبر مجموعة من المخطوطات القديمة في العالم إذ يحوي أكثر من 16000 مخطوطة.
وتشتمل المجموعة على العديد من مخطوطات فلاسفة الإغريق القدماء، والتي لم ينجُ بعضها إلا من خلال ترجمته إلى اللغة الأرمنية، من بينها الأعمال الرئيسة لأرسطو ويسابيوس القيصري 263—339 الملقّب بـ «أبو التاريخ الكنسي».
أمّا إذا كنت تعشقين الفن فمعرض الفنون الوطني الذي يعرض مجموعاته الغنية من الأعمال للفنانين الأوروبيين والروس سوف يُشبع شغفك. يضمّ هذا المبنى المطل على ساحة الجمهورية أهم مجموعات اللوحات لفنانين أرمنيين مشهورين، مثل أيفاسوفيسكي Ayvazovsky وساريان Sarian. اللافت أن تشجيع روح الإبداع يبدأ في سنّ مبكرة في أرمينيا، فعلى سبيل المثال، هناك معرض الفنون للأطفال، الذي كان أول مؤسسة من نوعها في العالم، يقع في 13 شارع أبوفيان، أحد الشوارع المحفوظة في المدينة القديمة.
الفنادق الفخمة والأسواق
كل شيء في يريفان يثير الدهشة، فهي تضم الفنادق الفخمة والأسواق والبوتيكات والمقاهي ومعارض الفنون والملاهي الليلية... مما يجعل زيارتها مغامرة في قلب العالم الأرميني، لا سيّما الوسط التجاري. ففي ساحة الجمهورية يأخذك نبع الرقص الذي يتوسّطها إلى عالم أرمينيا الموسيقي، لا سيّما الرقص الفلكلوري بإيقاعاته السريعة وألوانه النارية.
وعلى مقربة من ساحة الجمهورية، يقع فيرنيزاغ يريفان (سوق الفنون والحرف اليدوية)، حيث يحتشد مئات الباعة الذين يفرشون بسطاتهم لعرض الحِرف اليدوية، وذلك في عطلة نهاية الأسبوع ويوم الأربعاء.
يعرض السوق المنحوتات الخشبية والتحف ومشغولات الدانتيل الجميلة والصوف والسجاد اليدوي والكليم التي هي من اختصاص القوقاز، وحجر السبج الذي يمكن العثور عليه محليًا، ويصاغ في مجموعة متنوعة من الحلي كما يستخدم للزينة.
تتمتع صياغة الذهب الأرمنية بتقاليد عريقة، حيث تشغل إحدى زوايا السوق بمجموعة متنوعة من الحلي. كما يمكن العثور على آثار سوفياتية وهدايا تذكارية من الدمى الروسية والساعات وصناديق العاج وغيرها.
بحيرة سيفان
تسبح بحيرة سيفان في قلب جبال أرمينيا وتسمّى بـ«لؤلؤة أرمنية»، وهي من أعلى البحيرات في العالم، تقع على ارتفاع 1900 متر فوق مستوى سطح البحر. كما أنها أيضًا أكبر بحيرة في أرمينيا، تبلغ مساحتها 1400 كيلومتر مربع، وهي أكبر مرتين ونصف المرة من بحيرة جنيف.
البحيرة أشبه ببحر محاط بالجبال... السماء أقرب هنا. عندما تجلسين على ضفة البحيرة، تسمعين هدير أمواجها الذي يخترق الريح المنبعثة من الجبال حولها. هنا ترمين كل المشاعر السلبية في عمق البحيرة الذي يبلغ 95 مترًا، وتزيلين التعب الذي تحمله المياه بعيدًا.
تتم مقارنة البحيرة بالبحر لأنها تحتل أحد الثلثين من أراضي أرمينيا. منذ فترة طويلة تشكّل البحيرة مركز جذب للسيّاح من جميع أنحاء العالم.
المطبخ الأرمني أطباق شهية لا تفوّت
يتكوّن المطبخ الأرمني من «ثقافتين» تتعلقان بالتوزيع الجغرافي للشعب الأرمني. الأولى تابعة للتقاليد الأرمنية الخالصة والثانية مشتركة مع جميع دول حوض البحر الأبيض المتوسط. فهناك عدد كبير من الأطباق المشتركة مع المطبخ اللبناني، اليوناني، والتركي.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024