الفنانة التشكيلية المغربية سعيدة لحام
في رحلة البحث عن الضوء الهارب لا تحب الفنانة التشكيلية المغربية سعيدة لحام أن تكون سجينة مدرسة بعينها، فهي تنتقل حيث تشاء الفرشاة وحيث تحطّ الألوان، تشقّ طريقها بكل ثباث في ظل العولمة، تتنقل بين اللوحة والقفطان. هذا الأخير النابع من اهتمامها بحمايته من غزو الموضة الشرس للأسواق والمدمر لخصوصيات الثقافات العربية العريقة. إنه وجه من أوجه المقاومة ومحاولة لتطوير القفطان المغربي وجعله يتماشى مع روح العصر. «لها» التقتها فكان هذا الحوار:
- ما الذي يميز تجربة سعيدة لحام مع الفن التشكيلي؟
مسألة التميز رهن بالمتلقي، فهو الوحيد الذي له قدرة الحكم والتمييز بين تجارب عدة. وأثير فقط مع كثير من التحفظ أني أعطي الفرصة أكثر للألوان لتعبر عما يخالجني. أقوم بعملية تأثيث الفضاءات بطريقة منتظمة تتداخل فيها علاقة الأشياء بالمكان وعلاقة المكان بالضوء وعلاقة الضوء بالظلام. أنا أعمل على إظهار المتناقضات، فهي السرّ الحقيقي الذي ينبني عليه توازن الأشياء.
- ماهي المواضيع التي تحبين الإشتغال عليها؟
ليس هناك موضوع معين، فكل المواضيع قابلة للإشتغال وتنتظر فقط الزمان والمكان للإنطلاق. غير أني ككل الفنانين لديّ منطلق لكل لوحاتي هو الطبيعة، لكن بكثير من التجريدية وبأبعاد متباينة ومختلفة، بالإضافة الى اهتمامي الكبير بالرموز المغربية الضاربة في أعماق تراثنا العريق والمتنوّع.
- وما الذي تبحثين عنه في الفن التشكيلي؟
كأي فنان هي مسيرة بحث عن الذات قبل أي شيء آخر. وعن الانعكاس الذي تتيحه اللوحة عبر ألوانها وتجلياتها، إنه تحقيق للذات.
- ما موقع المكان في مواضيع لوحاتك؟
المكان عنصر من عناصر اللوحة ليس إلا، فهناك أشياء أخرى أهم، لذا يظهر المكان في لوحاتي منكسراً متناثراً، نكرة لا وجه له.
- أي علاقة تجمعك كمصممة أزياء باللوحة؟
أنا أشتغل كثيراً على العلامات والرموز، وفي ثقافتنا العربية عامة والمغربية خاصة هذه العناصر حاضرة بقوة. واللباس في حد ذاته سند مهم في ثقافتنا، إذ من خلاله يمكن استقراء مجموعة من المفاهيم والدلالات، فنحن نعيش مع الألوان والرموز بشكل تلقائي ونتفاعل معها. وهذه قدرة نابعة من إرث جماعي له امتداد في الزمان والمكان. نحن ملتقى الرياح من الشرق الى الغرب، ومن هذا المنطلق كان تنقلي بين اللوحة والقفطان تلقائياً وطبيعياً.
- هل هناك طقوس خاصة بك أثناء اشتغالك؟
في حقيقة الأمر ليست لديّ طقوس خاصة ولا أنتظر اللحظات بعينها، فأنا كما يقول محمد برادة أسعى وراء «الضوء الهارب»، أينما وليت وجهي أسعى الى منطقة الضوء، أطاردها حينا وتطاردني أحياناً أخرى، فلا زمان ولا مكان لطقوسي.
- حدثينا عن أهمية المعارض في مشوار الفنان التشكيلي؟
المعارض محطات لابدّ منها للفنان. إنها اللقاء الحميم الذي ينتظره أي فنان بجمهوره هو، أي، أقرب نقطة وأقرب مسافة بين المبدع والمتلقّي.
- كيف وصلت إلى القفطان المغربي؟
كما قلت سابقاً انتقالي من اللوحة الى القفطان كان تلقائياً، فأنا أعتبر القفطان بمثابة سند تماماً كاللوحة، فالقفطان عالم من الألوان والأشكال زيدي على ذلك أنني الى جانب تكويني الفني في المدرسة العليا للفنون الجميلة بالدار البيضاء والتي كان مشروع تخرّجي منها حول القفطان، ترعرعت في بيت كانت تملأه الألوان والأشكال لسبب بسيط هو أن أمي كانت مصمّمة أزياء وبالضبط مصمّمة للقفطان المغربي. ومن خلال هذا يمكن أن نقلب السؤال فأنا مررت، بأدقّ تعبير، من القفطان الى اللوحة.
الموضة عالم لا حدود له، وتختلف المقاربات من شخص إلى آخر فهو مرتبط أساساً بالأذواق وأحياناً أخرى بالثقافات. وفي ظلّ العولمة التي شملت كل شيء، تغزو الموضة الأسواق بشكل شرس وتحدث أحياناً كثيرة خسائر مدمرة لخصوصيات الثقافات المتلقي. واشتغالي على القفطان النابع من حضارتنا العربية العريقة وجه من أوجه مقاومة هذا المدّ المدمر، ومحاولة لتطويره وجعله يتماشى وروح العصر.
- ألا تعتبرين «الجينز» دخيلاً على القفطان المغربي؟
لا بالعكس هذا نوع من التعريف بالقفطان المغربي بشكل عصري ومواكب للتطوّر دون المساس بجوهره.
- كيف تتفوّقين في مشوارك خاصة أنك ربة بيت؟
مسألة صعبة ولكن ليست بالمستحيلة. أحاول أن أخصّص وقتاً لكل شيء، وزوجي متفهّم ويعينني على إنجاز ذلك. له الفضل الكثير في كل ما أقوم به وهو قبل كل شيء المتلقّي الأول.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024