بيوت بيروت الفخمة في موسوعتين للفنان هاني سماحه
أرقى بيوت بيروت وأكثرها فخامة وروعة جمعها الفنان العالمي هاني سماحه نصوصاً وصوراً بين دفتي كتابين أنيقين هما «إنسايد بيروت» و«بيروت إنتيريور»، اللذان حققا أعلى نسبة مبيعات في لبنان بين الكتب المتخصّصة، وأبرز فيهما روعة التصاميم الهندسية والأثاث الكلاسيكي الفخم، والتحف الثمينة واللوحات الفريدة وأنواع السجاد والأقمشة الفخمة المشغولة بحرفة وإتقان، وركز على القيم المعمارية والهندسية والتاريخية التي تتميز بها بيوت بيروت القديمة، وما تعكسه من حسٍّ إبداعي خاص وذوق اللبنانيين. وساهم كتابه الأخير «دواخل فقرا» في جذب الإنتباه إلى طبيعة لبنان الخلابة وإلى أهم مناطق الإصطياف والتزلج شهرة في الشرق الأوسط.
- تصدرت كتبك لائحة المنشورات الأكثر مبيعاً ووصلت إلى العالم كله، كيف بدأت الفكرة والمشروع؟
يتوج الأشخاص الموهوبون عادة تجاربهم بإصدار كتب تُلخص تجاربهم، أنا بدأت مبكراً من على مقاعد الجامعة في شيكاغو. وهناك عندما كان الأميركيون يعرفون هويتي وبلدي كانوا يربطون مباشرة بيننا وبين الحرب والعنف، كنت أمضي معظم أوقاتي في المكتبات، ولطالما تخيلتُ كتابي عن بيروت على أحد الرفوف إلى جانب كتب أهم الفنانين العالميين ومصممي الديكور المعروفين، وهكذا أنجزت كتابي الأول «إنسايد بيروت» خلال إجازاتي التي تنقلت فيها بين أميركا وبيروت، وبعد النجاح الذي حققته باشرتُ الكتاب الثاني «بيروت إنتيريور» بعد سنة تقريباً وقد لاقى إقبالاً مماثلاً.
-وما الفرق بين الكتابين؟
إعتمدت في الإثنين خطاً معيناً قائماً على الفخامة واللوكس، لكن الأول تضمن البيوت الكلاسيكية الأرستقراطية في بيروت، حيث جمعت أهم بيوت العائلات المعروفة مثل قصر إيفون سرسق التاريخي وقصر جنبلاط وبيوت أخرى قديمة قائمة بهندستها وأثاثها على اللوكس ، أما في الكتاب الثاني فقد أدخلتُ ما هو حديثٌ من أثاث، وأبرزتُ مزيجاً من البيوت الإفريقية والإيطالية والشرقية، لأُبين إهتمام اللبنانيين وتعدد ثقافاتهم وتنوعها.
-من أين لك هذا الشغف بالبيوت الراقية؟
تأثرتُ منذ صغري بطبيعة عمل والدي في التحف القديمة، فأدمنتُ هذا العالم وتابعت تفاصيله بدقة، كنتُ أرافق والديَّ إلى مزادات العالم، والبيوت التي صورتها في كتابي الأول معظمها تعود لعائلات صديقة لنا بحكم مهنة والدي وعلاقاته. وكان هدفي الأساسي إيصال صورة لبنان الحضاري وقدرة أبنائه على إبتكار أسلوب حياة خاص وراقٍ، ومعرفتهم بالحضارات وتأثرهم وتأثيرهم فيها.
-لكن ما هي خصوصية الكتابين الأولين خصوصاً أن أثاث البيوت أوروبي واللوحات أيضاً والقطع معظمها لا تمت إلى روح الشرق بصلة؟
هذا صحيح لكن كل شيء في الكتاب لبناني، الذوق وأسلوب الحياة والفكرة وموقع البيوت وكل فريق العمل، اللبناني يستورد لكنه يعرف كيف يختار وقيمة ما يختاره. الكتابان هما عبارة عن رزمة لبنانية ليرى العالم ما هو موجود خلف أبواب بيروت المغلقة، وقد أهديته إلى كبار الرؤساء والمسؤولين، ومن بينهم الرئيس الأميركي جورج بوش ومقدمة البرامج أوبرا وعمدة شيكاغو ورؤساء عرب، وكلهم أرسلوا رسائل عبَّروا فيها عن دهشتهم وليس فقط إعجابهم لوجود بيوت كهذه في بيروت.
-بماذا يتميز هذا العالم الأرستقراطي؟
إنه مجتمع مغلق ودائرته محدَّدة، وقد لمست حساً تنافسياً لدى الكثير من أصحاب هذه البيوت، ورغبة في شراء قطع تضاهي القطع الموجودة عند الآخرين. وصُدمت أحياناً عندما دخلت إلى بيوت ناس معروفين جداً على المستوى الإجتماعي، لا ذوق في بيوتهم ولا سخاء، في حين أذهلتني بعض البيوت رغم إمكانات أصحابها غير الضخمة.
-كيف تتعامل سيدات القصور مع ممتلكاتهن الفخمة؟
إنهن يعتبرن بيوتهن كالأطفال، يتعاملن مع الموجودات لا سيما التحف واللوحات بفخر وحرص كبيرين، ويحرصن على أدق التفاصيل مثل الزهور التي لم أجد منزلا خالياً منها، وكذلك أنواع الضيافة المميزة خصوصاً قطع الشوكولا التي تنتقيها السيدات بدقة لتتناسب أغلفتها مع ألوان الأثاث، إلى جانب اللمسات الخاصة بكل سيدة وهي تشمل الأغطية المطرزة التي تغطي الطاولات والتحف الصغيرة واللوحات الرائعة أيضاً.
-أية صعوبات يواجهها هذا النوع من الكتب؟
أولاً الظروف التي أنجزتُ فيها الكتابين الأولين بين العام 2005 و2007 كانت سيئة جداً في لبنان، وكان يستحيل على أي كان أن يتحدث بمشاريع تتعلّق بالفن والجمال، والبلد يعيش على وقع الإغتيالات وعدم الإستقرار. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فقد صادفتُ صعوبة في الدخول إلى بعض البيوت أثناء إعداد الكتاب الأول، لسبب أساسي هو أن المنازل هي مجال خاص وحميمي للناس، وأيضا نتيجة غياب أي رصيد لي في هذا المجال. لكن بعد أن صدر الكتاب الأول وإطلع عليه كثيرون، أصبح بمثابة جواز مرور تمكنت عبره من إنجاز كتابي الثاني «بيروت إنتيريور» بسهولة أكبر، ومن ثم الكتاب الثالث الذي تناول موضوعا مختلفاً هو «فقرا»، وهناك أيضاً صعوبات تتعلق بغياب الدعم من وزارات الثقافة في العالم العربي، مما يؤدّي إلى حصر التوزيع بدول معينة وعدم إتاحة المجال لإختراق أسواق عربية عديدة نتيجة إرتفاع سقف الشروط المادية أيضاً.
-من تجتذب هذه البيوت بشكل خاص؟
كل من يقدِّر الجمال والذوق، وكل مهندسي الديكور بدون إستثناء، إقتنوا الكتابين اللذين يشكلان فرصة لرؤية دواخل قصور وبيوت فخمة لا يمكن رؤيتها بذريعة أخرى. لقد أتاح لهم عملي الإطلاع على أفخم بيوت بيروت وما تحتويه من أثاث وديكورات وقطع ثمينة، وعلى كل من يريد الإطلاع على المزيد يمكنه الدخول إلى موقعي الإلكتروني www.samahabooks.com
-كتابك الأخير «إنسايد فقرا» مختلف تماما عن الكتابين السابقين، لماذا فقرا بالتحديد؟
لأنها أهم منتجع سياحي في الشرق الأوسط، وهي توازي أهم المنتجعات الأميركية والغربية عموماً. في فقرا بيوت لأثرياء لبنان، وكتاب فقرا هو في الواقع أكثر من ديكور لأن عامل الهندسة فيه أساسي، وقد ركّزت على بصمات وأسماء المهندسين الذين أنجزوا البيوت الراقية، وهذا بحد ذاته يعكس قيمة القدرات البشرية الكفوءة لدينا، لكني لم أخرج عن الخط الذي إنتهجته في استخدام المعايير نفسها لجهة إختيار أفخم الشاليهات في فقرا. وقد إستغرق مني العمل سنة ونصف سنة لأنني أردتُ إبراز طبيعة لبنان المتنوعة خلال الفصول الثلاثة الشتاء والربيع والصيف.
-ما هو دورك بالتحديد في هذه الكتب؟
قمت قبل أن أبدأ العمل بزيارة نحو ستين بيتاً كي لا أقع في التكرار، وإخترتُ منها في المحصلة بضعة بيوت، أنا أهتم بكل ما يتعلق بالمعلومات التقنية للقطع والأثاث والموجودات القيِّمة وأضع شرحاً وافياً عنها، وتتولى كاتبة بريطانية صياغة النصوص، كما يهتم أحد المصورين المحترفين بالتقاط المشاهد المهمة. وقد اعتمدنا تقنية معينة تأخذ القارئ تدريجياً من غرفة إلى أخرى بشكل خلاب، وهكذا الصور تأخذنا نحو المخيلة كلوحة تشكيلية، والنصوص تُغني معلومات القارئ وتزيده معرفة. كما أنني أحرص على إخراج الكتب بأفضل صورة ونوعية، بدءاً من الورق الذي نستورده من إيطاليا والكرتون الأوروبي، مروراً بعملية الطباعة في أهم مطابع بيروت، وصولاً إلى حفلات توقيع الكتب التي تقام في أجواء ساحرة منسجمة مع الكتاب وأجوائه.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024