عيدة العروي الجهني
شاعرة ولكنها ليست كأي شاعرة، فقد تحولت إلى قضية بعد ظهورها على شاشات التلفزيون. كما أنّها أعطت انطباعاً مميّزاً عن الشاعرة والمرأة المثقفة السعودية بجمعها بين المرأة المحتشمة والشاعرة المبدعة. إنّها عيدة العروي الجهني أو «وحيدة السعودية» كما تعرفها الساحة الشعرية.ولكن ما هي حكايتها مع برنامج «شاعر المليون»؟ وهل تعرضت لانتقادات بسبب تلك المشاركة، وكيف تغلبت على تلك الظروف؟
حاورناها، وكعادتها كانت متوهجة مع كل سؤال...
- بداية نود أن نتعرف على عيدة الإنسانة،الزوجة والأم؟
أنا امرأة عادية،أعيش حياتي اليوميّة بشكل عادي...أنتمي إلى قبيلة جهينة في المدينة المنوّرة.أعمل معلمة. وأنا أم لستة أبناء أكبرهم رعد (14 عاماً).
- كيف تقوّمين مشاركتك في «شاعر المليون»؟
مشاركتي في «شاعر المليون» لم تكن الأولى من نوعها، فقد شاركت في العديد من المسابقات، آخرها مسابقة «فواصل» السنويّة الكبرى التي تنافس فيها أكثر من 5000 شاعر خليجي، واستطعت الفوز فيها وبجدارة بعد اختيار قصيدتي من قبل ثلاث لجان مختلفة، كان آخرها بإشراف الأمير عبد العزيز بن سعود. وكان فوزي هذا نزيهاً جداً لأنّ أسماء المشاركين كانت مغلفة وغير معروفة، وتناولت لجنة التحكيم القصائد فقط. ومسابقة «شاعر المليون» كأضخم مسابقه شعريّة تعتبر حلماً لكل شاعر، والحمد لله فقد وُفقت واجتزت كل مراحل المسابقة وحصلت على المركز الرابع.
- هل حصلتِ على جوائز أخرى؟
نعم حصلت على جوائز كثيرة، أولاها جائزة أبها الثقافية للشعر النبطي والتي أقيمت تحت إشراف مباشر من الأمير الشاعر خالد الفيصل. بعد ذلك كُرِّمت ثلاث مرات من قبل الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بعد مشاركتي في «قصائد اللغز» التي كان يطلقها، وطبعاً لخصوصيّة اللهجة الإماراتية، ورغم أنني لم أتوصل إلى حلّ اللغز، إلا أن سموه كان يكافئني لجمالية النص. وكذلك فزت بجائزة جريدة «المدينة المنوّرة»، وجائزة «الصدى» لكتابة القصّة القصيرة في المركز التاسع من بين 7000 قصّة مشاركة في المسابقة.
- ماذا كانت ردود فعل أسرتك تجاه مشاركتك في «شاعر المليون»؟
الجميع وقفوا بجانبي ودعموني دعماً غير محدود ولله الحمد. زوجي وإخواني وأخواتي وأمّي كانوا أوّل الداعمين لي، وكان دعمهم هذا أكبر حافز للاستمرار والتصميم على النجاح. فكنت أبذل الكثير من الجهد والوقت في كتابة النصّ، وكنت أتلّقى منهم دعماً معنويّاً وتشجيعاً مستمراً ينبع من إيمانهم بي كشاعرة.
- صرحت عيدة أنها تعرضت لانتقادات لاذعة تعدَّت الانتقادات الشفهية، لماذا؟
موضوع مشاركتي في المسابقة وظهوري على شاشات التلفزيون أصبح حديث الناس في المجالس، وكانت مغامرة غير سهلة لامرأة مثلي من مجتمع بدوّي محافظ جداً. فرغم انّني نشأت في أسرة تهتم بالشعر، فإنّها كانت أسرة متشددة في تعاملها مع شعر المرأة، وعوملت بتشدد من جانب إخواني الشعراء. لكنّني مؤمنة بأنّ الشعر هو قضيّتي التي لا بدّ أن أدافع عنها، ومع تصميمي على كتابه الشعر أصبح الأمر مُسلّماً به، إضافة إلى أنّني جاهدت كي لا أجعل أسرتي تخجل منى، وكي أفوز بجوائز مشرِّفة، مما جعل الجميع يتقبّلون موضوع كوني شاعرة. لكن الظهور على التلفزيون كان شيئاً جديداً. أخي الأكبر فقد كان متحفّظاً جداً وكان ملتزماً الصمت الذي كان أشدّ وقعاً من الكلام، ولكن بجهد كبير من والدتي كلّمني أخي وأيّدني ودعمني مما غمرني بالسعادة البالغة. وتعرضت لانتقادات عديدة بالفعل، ومنها بعض الرسائل التي كانت تُرسل على جوال زوجي وأخي تقول له «كيف ترضى أن ترى أختك وهى واقفة في هذا الموقف المهين والمذلّ الذي يخرج عن عاداتنا وتقاليدنا»... فكلّ هذه الأمور كانت سيّئة جداً وكانت تسبّب أذى معنوياً لنا جميعاً. لكن بعد ظهوري الأوّل في البرنامج، تحوَّل المعارض إلى مؤيّد ولله الحمد.
- وماذا كان ردك عليهم؟
التجاهل التام لأنني مقتنعة تماماً بقضيتي وبالموقف الذي تصدَّيت له... فالدخول في هذه المسابقة يتطلب وجود الثقة الشديدة بالنفس والصبر وقوة التحمل، وأنا أجد في نفسي كل هذه الأمور. وما لا يعرفه الناس أنّ الوقوف على مسرح «شاطئ الراحة» والتحرّك الدائم والمنافسة في كتابة القصائد والارتجال، جميعها أشياء مرهقة للغاية، إضافة إلى أن ارتداء العباءة لفترة 5 أو 6 ساعات متعب جداً أيضاً. كلّ هذه الأمور كنت نداً لها، لذلك ولله الحمد كتب الله لي النجاح.
- ما هي أصعب المراحل التي مررتِ بها خلال مشاركتك؟ وما هو أكبر شيء خسرتِه؟
ما عانيت منه في «شاعر المليون» كان الجهد والتعب والسفر، وأكبر شيء خسرته هو عدم وجودي الدائم مع أولادى. وأصعب المراحل كانت عندما أحالتني اللجنة على التصويت الذي كان بالنسبة إلي مفترق طرق، إما ان أكمل المشوار أو أن أخرج من المرحله الـ 24. وأنا بطبعي شخصية مقاتلة لا أحب الهزيمة، وبالتالي فإن قلقي من احتمال خروجي جعل من هذه المرحلة أصعب المراحل التي مرّت بي
- هل تلقيت دعماً محدداً من القبيلة أو إحدى الشخصيات، أثناء إحالتك على التصويت في المرحلة الثانية من المسابقة؟
ذكرت صحيفة «الوئام» على موقعها الإلكتروني أنني تلقيت دعماً كبيراً أثناء التصويت. وقد كذّبت وكالة أنباء الشعر الخبر. وإعلان هذا الخبر في ذلك الوقت كان هدفه تحريض الناس على عدم التصويت لي. وأعتقد أنّها حرب إعلامية لا أكثر.
- ما ردّك على من انتقدك وقال إنك تتعمدين دائماً استعراض مقدرتك الشعرية، وانتهاج أسلوب موجَّه للنخبة فقط وليس لعامّة الجمهور؟
لا أعتقد أنّه يجب أن أُلام على ذلك، فإذا كنت أنافس في مسابقه مثل «شاعر المليون» التي تعتبر أضخم مسابقة شعرية، فلا بد أن أستعد لها بكامل أوراقي. أما بالنسبة الى استعراض الثقافة، فهذا أيضاً اتهام لا أقبله، فالإنسان لا يستطيع أن يلغي عقله في كتاباته حتى يصل إلى المتلقي. فلماذا لا نحاول نحن الشعراء والأدباء أن نجعل هذا المتلقي يرتقي إلى فهم ما نكتب، فمن المفروض أن يتابعنا المتلقي ويرتقي حتى يفهمنا كشعراء وأدباء ليكتسب منّا كل ما يريد. أما مقولة «مراعاة المتلقي» فمقولة خاطئة ومردودة على من ينادي بها.
- من أين جاء لقب «وحيدة السعودية» الذي عرفت به عيدة الجهني لمدة طويلة؟
لقد اخترت هذا اللقب، وانا لا أزال في سن صغيرة ، وكان عمري وقتها 13 سنة. وفي تلك الأيام كانت الاحلام والشعور بالوحدة والتفرد هي الطاغية على تفكيري، مما دفعني إلى أن أختار لقب «وحيدة السعودية». ثم لازمني هذا الاسم لسنوات طويلة، ولم استطع الاستغناء عنه لأنني ارتبطت بهذا اللقب وهو قريب جداً إلى نفسي ولن أتخلى عنه.
- دعينا نعود إلى الوراء قليلاً كلمحة بسيطة عن لحظة تفجُّر الشاعرية، ومن كان مثلك الأعلى؟
أنا من بيئة شعرية وأدبية، والشعر في عائلتي وراثي... جدي كان شيخ قبيلة وفارساً وشاعراً وكانت له قصائد كثيرة، وقد انتقل الشعر إلي أنا واثنين من إخواني من خلاله، وأعتقد أنه سينتقل أيضاً إلى الأبناء وراثياً. فالبيئة التي نشأت فيها بيئة تهتم بالشعر، بيئة بدوية خالصة تعتبر أن الشعر هو المعلم الأول، وأي موقف في الحياة يُعلَّم من خلال قصيدة، فأحببنا الشعر. إضافة إلى كون أخي الأكبر شاعراً، ومما هو متعارف عليه فإن الأخ الأكبر هو الموجه لباقي أفراد الأسرة، فإذا كان شاعراً يصبح الجميع شعراء. كان أخي الأكبر يهتم بالقراءة ويحرص على اقتناء مكتبة في المنزل وعلى أن يُسمعني قصائده رغم صغر سني. علمني كل كبيرة وصغيرة تتعلق بالشعر. هذا كله كان له الأثر الكبير وساعد في تكوين شخصيتي الشعرية.
- بماذا كانت تحلم عيده؟
كنت أحلم بالحصول على «البيرق» حتى تكون هذه سابقة في تاريخ الشعر النسائي
- «البيرق» أم ال 5 ملايين درهم؟
إذا قلت إن موضوع الـ 5 ملايين لا يشغل حيّزاً من تفكيري أو لا يجذبني أكون كاذبة، وأنا لا أحب الكذب، وأن يحصل شخص على 5 ملايين درهم فمعنى ذلك أنّه سيتحوّل من إنسان عادي إلى «مليونير»، وهذا شيء رائع وجميل، كن البيرق هو الأضمن بالنسبة إلي وهو ما جئت من أجله، وكنت أتمنى أن أحصل عليه لأنّه شيء أفخر به على الدوام في مجال أحببته وفي قضيّة آمنت بها هي «قضيّة الشعر». ولو كانت المسألة شعراً فقط لما ذهب البيرق إلى غيري.
- ما هي أقرب الأبيات إلي قلبك؟
هناك قصائد كثيرة قريبة إلى نفسي، إلا أن هناك بيتاً أردّده دائماً:
برقعوني وأنا حرٍ هواه الهداد
وثلموا حد سيفي يوم سيفي شطير
أتلظى بكبدي جمر وين البراد
كل دربٍ تلقيته بعيني هجير
- ما رأيك في الوجود النسائي على الساحة الشعرية؟
الوجود النسائي على الساحة الشعرية لا يتميز بالثبات، فالشاعرة تحضر لفترات وتختفي لفترات أخرى نظراً الى ما تواجهه من محظورات وعثرات. ولكننا نتمنى إن شاء الله أن يسير شعر المرأة في مساره الصحيح، وأن يُنظر إليه من خلال مشاركتي المتواضعة. هذه نظرة أخرى من قبل المجتمع الأدبي، أتمنى أن يتقبَّل الأدباء شعرالمرأة ومنافستها لهم في هذا المضمار الذي يعتبرونه حكراً على الرجال، فإذا تقبَّل الرجل أدب المرأه ذلّل لها كثيراً من العوائق والصعوبات. -هل تؤيدين الظهور الإعلامى للمرأه؟
أؤيّد الظهور الإعلامى للمرأة وفقاً للضوابط والثوابت الدينية والاجتماعية.
- وكيف ساهمت مشاركتك في «شاعر المليون» في تذليل هذه العوائق؟
مشاركتي والبرنامج أعطيا فرصة كبيرة للعنصر النسائي، وكان وجودي في هذا البرنامج الضخم بمثابة بوابة للشعر النسائي الحقيقي.
- أنت «وحيدة السعودية»، وكنتِ «وحيدة الشاعرات». ما هو شعورك بوجودك وسط هذا الزخم الرجالي من الشعراء؟
شعور غير مريح، لكن ظروف المسابقة تفرض علينا الوجود وسط الشعراء. والحقيقة أني استطعت أن أكون منعزلة عنهم حتى أثناء وجودي معهم، وكنت لا أشعر بالراحة في هذا الوضع لأنّه جديد بالنسبة إلي. لكن الغاية التي جئت من أجلها تفرض علي أن أتحمل هذا الوضع وأن أكون في ساحة واحدة مع إخواني الشعراء الذين أعتبرهم أخوة لي لا أكثر.
- ماهي رسالة عيدة الجهني إلى النساء عموماً والشاعرات خصوصاً؟
أقول للشاعرات لا تخجلن إذا كتبتن الشعر، لأنّ الشعر رسالة كرسالة التعليم، والإنسانة الشاعرة هي في النهاية أمّ ومعلمة وأخت وهي فرد فاعل في مجتمعها، فلا بد أن تشعر بالاحترام للشعر والفخر به حتى تستطيع أن تجعل هذا الشعور ينسحب إلى كل من يحيط بها، وبالتالي كسب القضية التي جئنا من أجلها.
وأقول للنساء عموماً في البداية والنهاية نحن نساء مسلمات وقد أعطانا الدين الإسلامي مساحة واسعة من الحرية، وإن كانت التقاليد هي التي تُكبِّلنا وليس الدين. فصلاح أمورنا جميعاً هو في العودة إلى جوهر الدين والتفاعل معه حتى نكتسب من خلاله حقوقنا ولا نخسر تلك الحقوق من خلال التمرّد عليه... وهذه رسالتي للمسلمات والمسلمين عموماً.
- رسالة أخيره توجهها عيدة الجهني. من تختار؟
أختار إبني رعد لأنّه كان متعلقاً بي جداً وكان يأمل كثيراً في حصولي على «البيرق»، وأحب أن أقول له إنّ هذه المسألة نصيب من الله سبحانه وتعالى، وأنا لم أدّخر جهداً وكتبت بكل طاقتي، ويكفيني أنني طوال مراحل البرنامج لم اعتمد على أيّ نص كتبته سابقاً، بل تقدّمت بنصوص جديدة. فكنت أكتب في المرحلة الواحدة نصّين أو ثلاثة، وعدم حصولي على «البيرق» لا ينقص من شاعريتي شيئاً، وهذا من الله سبحانه وتعالى.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024