حملات لبنانية-مصرية لمحاربة العنف ضد المرأة «المؤبد إلو والحياة إلها» لاستعادة «قطرة أمل»
خلف الأبواب المغلقة حكايات فتيات دُمرن وسُلبت منهن حياتهن. خلف تلك الأبواب جلسن في غرف الظلمة والعنف وتعرضن للاغتصاب ممن يحتمين بهم، فانقلبت حياتهن رأساً على عقب، وبدلاً من أن يخططن لمستقبلهن، باتت حياتهن مرهونة بالفضيحة ونظرة المجتمع. في هذا التحقيق نعرض قصص فتيات ثلاث من لبنان تعرضن للاغتصاب من محيطهن القريب، وأطلقن صرختهن من خلال حملة نظّمتها «أبعاد» وحملت عنوان: «المؤبد إلو والحياة إلها».
أما من مصر فتتحدث الفنانة رنا خليل عن «قطرة أمل» الحملة التي تحارب العنف ضد المرأة باستخدام الصور والماكياج، وقد تطرقت الحملة لقضايا الزواج المبكر وزواج المسيار والورث في الصعيد، وهي في الأساس صور من أشكال العنف ضد المرأة.
حياة: ما حصل معي استغلال وانتهاك لكرامتي
تعرضت حياة وهي في الخامسة عشرة من عمرها للاغتصاب من أخيها غير الشقيق، الذي راح يهددها بالقتل ويتوعّدها بالفضيحة إذا أخبرت أحداً بما فعله معها أو رفضت تلبية رغباته. والدا حياة منفصلان منذ فترة طويلة، وتقول: «كنت أخاف من كشف ما تعرضت له لأمي، ومن ألاّ تصدقني، لذا صرت أبحث عن مساعدة خارج نطاق عائلتي، وفي كل مرة كنت أطلع أحداً من زملائي في المدرسة على حالتي، كان يستغلني لإشباع حاجاته الشخصية. أعلم جيداً أن ما حصل معي هو ظلم واستغلال وانتهاك لكرامتي، فقد ضاعت أحلى أيام عمري بأبشع الذكريات والصور. اليوم، وبمساعدة الكثيرين، أحاول التخلص من كل ما تعرضت له، وأفكر باستكمال دراستي».
جيزيل: هكذا استغلني زوج والدتي
توفي والد جيزيل (18 عاماً) بينما كانت في الثالثة من عمرها. في سن العاشرة تعرضت للاغتصاب للمرة الأولى من جانب زوج والدتها، وتقول: «كان يعتدي عليّ وعلى إخوتي أيضاً. وفي أحد الأيام، اصطحبني إلى منزله في الجبل واغتصبني هناك للمرة الأولى، كما كان يستغل خروج والدتي من المنزل ليكرر فعلته مراراً. حين أخبرت والدتي بما تعرضت له، خافت وطلبت مني ألا أتحدث بالأمر مجدداً. لاحقاً، تعرفت إلى شاب واتفقنا على الزواج، لكن زوج والدتي اعترض، فما كان مني إلاّ أن توجهت إلى مكتب الأحداث وسرد قصتي، وأنا أعيش حالياً في مكان آمن».
فرح: تعلمت كيف أدافع عن نفسي
تحرّش بها صهرها زوج شقيقتها وهي في سن الخامسة عشرة، مدّعياً أنه يدلّلها كي يعوّضها عن حنان أهلها. تقول فرح: «توفيت والدتي وأنا في الرابعة من عمري، وأخذني والدي لأعيش مع شقيقتي التي تزوجت في السابعة عشرة من عمرها. كانت أختي تضربني وتتركني وحيدةً مع زوجها في البيت، فحاول مراراً التحرش بي. في أحد الأيام تنبّه الجيران الى تصرفات صهري الغريبة معي، فاتصلوا على الأثر بإحدى الجمعيات التي تُعنى بالحالات المماثلة لحالتي، وأنا اليوم أعيش في مكان آمن، وبت أعرف كيف أدافع عن نفسي، وعدت أثق مجدداً بالناس، كما أدركت معنى أن ينتهك أحد جسمي وحقوقي».
مديرة منظمة «أبعاد» غيدا عناني: على المرأة أن تعلم أنها ليست المسؤولة عن تعرضها للاغتصاب لهذا السبب أطقلنا حملة «المؤبد إلو والحياة إلها»
تشير مديرة منظمة «أبعاد» غيدا عناني إلى أن «المؤبد إلو والحياة إلا» هي حملة أطلقتها المنظمة بمناسبة الحملة العالمية، للـ16 يوماً المخصصة للمطالبة بإنهاء العنف ضد النساء والفتيات. وتقول: «الحملة هذا العام هي استكمال للحملة التي بدأناها العام الماضي بإلغاء المادة 522 من قانون العقوبات اللبناني في ما يتعلق بزواج المغتصِب من المغتصَبة. وتبين بعد فترة من خلال الشكاوى والتبليغات، أن المغتصِب في الغالب هو أحد أفراد الأسرة أو من المحيط المباشر للضحية، لذا قررنا أن نسلط الضوء على هذه القضية التي لا تزال من القضايا الشائكة والحساسة، والتي تدخل في إطار المحرّمات باعتبار أن من المعيب كشف حقيقة المغتصب إذا كانت تجمعه صلة قربى بالضحية ويُفترض به حمايتها. كما أنها المرة الأولى التي يسلط فيها الضوء على قضية «زنا المحارم» من خلال حملة إعلانية مطلبية، وعندما ألقينا نظرة على القانون كان الموضوع صادماً، إذ لا مادة خاصة تقضي بتشديد العقوبة في حال كان المغتصِب أحد أفراد العائلة، كما أن العقوبة الجُرمية تراوح بين خمس وسبع سنوات كحد أقصى، وهذه المدة لا تكفي المغتصبَة كي تنعتق من هذه الحالة وتعود لممارسة حياتها بشكل طبيعي. لذا، كان الشعار رفع العقوبة وتشديدها إلى المؤبد له لئلا يتم تدميرها بشكل كامل».
وتضيف: «الحملة بدأت بنشاط مع رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون بإزاحة الستار عن النصب التذكاري الذي وضعناه أمام القصر الجمهوري، وذلك تأكيداً لالتزام الدولة بملف العنف ضد النساء، واستكملنا نشاطنا بعمل توعوي في مختلف المناطق اللبنانية، وقد رافقته حملتان، إعلامية وإعلانية، إضافة إلى شراكة مع قوى الأمن الداخلي إذ قمنا بتدريب نموذجي على كيفية التعاطي مع حالات الاعتداء الجنسي، كما وزعت القوى الأمنية مطوية على الطرقات تتناول مسؤولية قوى الأمن في هذه القضية، أما نشاطنا الأخير فقد نظّمناه في منطقة عين المريسة في بيروت وهو محاولة لإطلاق العنان لأصوات هؤلاء النسوة من خلف الأبواب المغلقة، لكشف ما حدث معهن».
وتلفت إلى أنه من خلال الإحصاءات التي قامت بها المنظمة، تبين أن قوى الأمن الداخلي تُبلَّغ شهرياً بـ 13 حالة اغتصاب فقط، وهو عدد قليل مقابل أن امرأة واحدة من أصل 3 تتعرض للاعتداء الجنسي، وفي 49 في المئة منهن يكون الجاني أحد أفراد العائلة. وتتابع: «من المهم أن يخرج الى العلن ما يحصل خلف الأبواب المغلقة، ومن المهم أن نحفز ضحايا الاغتصاب للتحدث في هذا الموضوع، وهذه هي الرسالة التي رغبنا في توجيهها اليوم، فنزلنا الى الشوارع ودعونا الناس للتفاعل معها، والمطالبة معنا باستحداث مادة خاصة بالقانون».
وتضيف غيدا: «في منظمة أبعاد 8 مراكز استماع تقدم خدمات متخصصة، إضافة إلى الدعم الاجتماعي والاستشارة القانونية، الطب الشرعي والمتابعة النفسية. ولدينا 3 مراكز إيواء مؤقت».
وتختتم حديثها مؤكدةً: «من المهم أن تعلم المرأة أنها ليست المسؤولة عن تعرضها للاغتصاب أو السبب في ذلك، وفقدانها عذريتها لا يعني أنها باتت عاراً على مجتمعها، لكن تقع على عاتقها مسؤولية الإخبار، إذ ثمة جهات مختصة تقدم لها المساعدة للخروج من الصدمة التي تعرضت لها، إضافة إلى أهمية القانون وعدم السماح بالتفلت من العقوبة».
تحارب العنف ضد المرأة بالماكياج والصور
«قطرة أمل»، هي الحملة التي أطلقتها الفنانة الشابة رنا خليل، من أجل مواجهة العنف ضد المرأة، من خلال استخدام الماكياج ورسم الحكاية كاملة في مجموعة من الصور الفوتوغرافية.
رنا تحدثت الى “لها” عن الأسباب التي جعلتها تقوم بعدد من الحملات لمواجهة العنف ضد المرأة، وأغرب النماذج الواقعية التي قابلتها أثناء تحضيراتها للحملة، والنصائح التي توجهها الى المرأة العربية للحفاظ على حقوقها.
- كيف جاءتك فكرة القيام بحملة لمواجهة العنف ضد المرأة؟
لم أكن أفكر في تلك المسألة إطلاقاً، لأنني لم أواجه سابقاً أياً من أشكال العنف ضد المرأة. لكن جاءتني الفكرة عندما تعرضت إحدى صديقاتي المقربات لحادثة ضرب مبرح من زوجها، ما جعلني أشعر بالصدمة وعدم التصديق بأن ذلك قد يحدث مع أي امرأة. وبالفعل، بدأ الموضوع يشغلني كثيراً، وقررت قراءة قصص وحكايات ترويها مجموعة من السيدات عن تجارب حقيقية مررن بها في حياتهن، ومن هنا جاءتني فكرة إنشاء حملة لمواجهة العنف ضد المرأة، أطلقت عليها اسم «قطرة أمل»، وبدأت بطرح ثلاث قضايا، هي: العنف ضد الزوجة وقضايا الاغتصاب وخدش الحياء.
- كيف تقيمين مدى التفاعل مع حملتك؟
طرحت الحملة الأولى منذ عامين تقريباً، وكانت عبارة عن التقاط مجموعة من الصور الفوتوغرافية المعبِّرة عن العنف الذي يُستخدم ضد الزوجة، ونشرتها عبر صفحاتي الرسمية على موقعي التواصل الاجتماعي “فايسبوك” و”إنستغرام”، ففوجئت باهتمام محلي وإقليمي ودولي بالحملة، وتواصل معي العديد من المنظمات العالمية المهتّمة بقضايا المرأة لدعمي في تلك الخطوة. ونتيجةً للصدى الكبير الذي حققته الحملة الأولى، قررت إعطاءها مدة زمنية أطول للحديث عنها، وتأجيل طرح الحملة الثانية التي تتحدث عن الزواج المبكر وزواج المتعة، حتى لا تؤثر في الأولى. وأخيراً، طرحت الحملة الثانية، فقوبلت بردود فعل واسعة أيضاً.
- هل تواجهين صعوبات أثناء تحضيرك للحملة؟
كل الصعوبات تكمن في المجهود الذي أبذله خلال فترة التجهيزات، خصوصاً أنني أعمل بمفردي ولا يوجد معي أعضاء في الحملة، فأستغرق في كل حملة مدة تقترب من الستة أشهر، أقابل خلالها عدداً كبيراً من الحالات والنماذج التي تعرضت لهذه الحوادث، ويتراوح عددها بين 300 و600 حالة. إضافة الى متابعتي التقارير والبيانات كافة التي تخرج من الجهات الرسمية المحلية والعالمية عن القضية موضوع الحملة، ذلك كله لأكوِّن صورة كاملة عن الموضوع، ليظهر بالشكل المعبِّر عما يحدث في الواقع.
- ما هي أغرب الحالات التي تقابلت معها؟
هناك حالتان مؤسفتان للغاية، إحداهما لزوجة تعرضت للضرب من زوجها وقررت رفع دعوى قضائية ضده، وبعد انفصالها عنه عادت إليه مرة أخرى، فكرر الاعتداء نفسه عليها، وهي تجربة كانت في منتهى الغرابة بالنسبة إلي، لأن الزوجة وبعد قرارها الاحتفاظ بحقوقها كامرأة، تنازلت عن ذلك كله من دون أي سبب مقنع. أما الحالة الثانية فهي أكثر بؤساً، وهي لطفلة لم تكمل الأربعة أعوام من عمرها، تعرضت للاغتصاب والقتل من أحد الجيران في المنطقة التي تعيش فيها، والغريب في الأمر أنها أبلغت والدتها، قبل تعرّضها للاغتصاب، بأن هذا الشخص حاول التحرش بها، لكنها لم تصدّقها، ولم تعر الموضوع اهتماماً، فتعرضت الطفلة للحادثة بعد أيام قليلة.
- ما الذي تحضرين له حالياً؟
انتهيت من الحملة الثالثة، والتي تناقش حرمان المرأة من الميراث، وهذه المشكلة موجودة بشكل أكبر في صعيد مصر، وهي أحد أشكال الظلم الذي يقع على المرأة، ومن المفترض إطلاقها خلال الأيام القليلة المقبلة.
- ما الأفكار التي تطمحين الى تقديمها لتطوير شكل الحملات؟
الحملات التي أقوم بها عبارة عن تقديم الفكرة عن طريق الصور الفوتوغرافية، لكنني أطمح الى تطوير نفسي لأقدم الحملة عن طريق تصوير فيلم قصير يحكي قضية معينة من قضايا العنف ضد المرأة. كما أحلم بتقديم مجموعة من الأعمال الفنية سواء السينمائية أو الدرامية، أستعرض من خلالها أشكال العنف ضد المرأة، وكيفية مواجهته، وتوعية المرأة بالحفاظ على حقوقها.
- هل ترين أن المرأة العربية تتعرض لظلم مجتمعي؟
لا بد من الاعتراف أولاً، بأن الكثير من حقوق المرأة العربية مهدر في مجتمعاتنا العربية، والبعض يظن بشكل خاطئ أن السبب في ذلك ناتج من القوانين والتشريعات غير المنصفة للمرأة، لكنني عندما تعمقت في المسألة اكتشفت عكس ذلك، فهناك قوانين كثيرة تدافع عن حقوق المرأة، لكن السلوك المجتمعي لا يعترف بها، لأننا ما زلنا نعيش في مجتمع ذكوري الى حد كبير، ولا بد أن نعمل جميعاً لتغيير هذا الفكر، وترسيخ مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، فالمرأة هي نصف المجتمع، وما مِن أمّة تنهض بالرجل فقط، أو المرأة فقط، لأن لكل منهما دوراً مهماً في بناء المجتمع.
- ما النصائح التي توجهينها الى المرأة العربية للحفاظ على حقوقها المشروعة؟
أول الحقوق التي يجب على المرأة التمسك بها هو التعليم، لأن المرأة المثقفة والواعية هي القادرة على معرفة حقوقها وواجباتها. كذلك، يجب على المرأة أن تعتمد على نفسها وتثق في قدراتها، لأن الكثير من الحالات التي قابلتها كانت تتعرض للظلم بسبب حاجتها الى الرجل، لأنه المتحكم في الأمور المادية، ومن دونه ستعيش بلا دخل مادي. وأنصح المرأة بأن ترفض أي نوع من أنواع القهر والظلم، فلا تحاول تقبّله أو التعايش معه لمجرد أن الظروف اضطرتها لذلك.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024